التطبيع وشعار الثورة: حرية، سلام وعدالة
د. سعاد الحاج موسي
28 أكتوبر 2020
أول ما تعنيه خطوة الحكومة في التطبيع مع إسرائيل في حق الثورة هو الالتزام بشعارها: حرية سلام وعدالة، والانطلاق به ليس فقط في تناول القضايا الداخلية بل والاسترشاد به في السياسة الخارجية لخلق علاقات دولية تسهم في رعاية مصالح الدولة ومواطنيها. فبالاتجاه نحو التطبيع يمهر السودان ويعلن تخطيه لتركة الانصياع والانقياد والتبعية لمن ظنوا أنهم قد أحكموا سيطرتهم عليه وعلى شعبه، عطفاً على منصة وصفات “الشقيقة والصديقة!” ويؤكد بلا مواراة واستتار بأن الدولة تمارس حريتها وفق ما تراه وما تمليه مصالح مجتمعها، تُنَقِّح وتُنَقِّي خياراتها بما تري وتحكم وتخطط، فقد انتهي زمان الاستلاب وأصبح الصبح فلا السجن ولا السجان المحلي والدولي باقي.
فالثورة جاءت لوضع حجر أساس جديد لصرح الكرامة السودانية التي مُرِّغَت في وحل الاستلاب الثقافي قبل السياسي، ولتشييد مؤسسات حفظها ورعايتها وحمايتها بما يضمن للسودان، شعباً ودولة، العيش في سلام مع جيرانه وأصدقائه، لا يهم ما هم عليه من عقيدة وثقافة وما يتحدثون من لغات. فالتطبيع هو تأكيد عملي لحسن النية في نبذ الماضي وقبره وبدء صفحة جديدة للتعاون والبناء المشترك مع دولة وشعب عدّ الكثيرون موالاتهم ذنباً عظيماً يُسلِك في سقر، وجريمة دينية توجب توبة نصوحا. فالفكرة والمنهج معاً من المنتظر أن يزيلا ما علق بالوطن واسمه من جرم العداء الشطط بفعل الإنقاذ ورهطه، وتحويل أرضه الي محور لشراء الذمم وتنفيذ المؤامرات التي ارتدت سهامها لتصيب شعبه المقهور بحالةٍ شُخِّصت بمرض “فصيل الإرهابيين والمجرمين”، مُرغماً العالم لينظر اليه بحذر وتوجس واحتراس! ظلت بلادُنا تعاني من هذا الجرح منذ الاستقلال والذي صار غائراً متقيحاً مع الإنقاذ الي أن جاءت ثورة ديسمبر لعلاج القروح ودمل الجروح.
مبدأ التطبيع يعني أيضاً السعي لتحقيق العدالة قولا وفعلا في علاقات السودان مع الدول والشعوب دون تحيز ومحاباة، والعمل على كسب احترامهم وثقتهم وصداقتهم ترقباً لدعم برامج السلام والتنمية وتحقيق الرفاه للمواطن. فالعدالة هو مفهوم أخلاقيٌ وسياسي تستند ممارسته على قيم وسلوكيات اجتماعية وقانونية واتجاهات سياسية تعني جميعها بعدم الانحياز في محاكمة الآخرين والعمل على خلق بيئة تسهم في ترسيخ السلام الوطني والمجتمعي والفردي، أي تحقيق حالة استقرار نفسي وبيئة سياسية تسهم في تنشيط الاقتصاد والمشاركة الفاعلة للمواطنين في عملية بناء أوطانهم ومجتمعاتهم.
فالسودان يساند الشعوب والمجموعات المقهورة في العالم بأسره ان كانوا في فلسطين أو غيرها، ويقف معهم في عدالة قضاياهم وحقوقهم الإنسانية ويشد من أذرهم، وهذا لا يعني تبني قضاياهم عنهم واتخاذها مسألة حياة أو موت، أي أن يصيروا ملكيين أكثر من الملك وعروبيين أكثر من العرب! ولا ننسي أن اتفاقية أوسلو للسلام بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية برئاسة ياسر عرفات التي وقعت في 13 سبتمبر /أيلول 1993 والتي عرفت رسمياً باسم إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي تحت رعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، التزمت فيها منظمة التحرير الفلسطينية بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن والتطبيع معها!
فالتطبيع يعني أن لشعب السودان وحكومته رؤيتهم الوطنية وقيمهم الثورية المفارقة لما في جعبة الإنقاذ ورهطه البائدون، ولهم آمال في السلام والاستقرار داخلياً ومع الجيران في المحيط الإقليمي والدولي، وطموحات للتنمية والبناء والتقدم وتحقيق الرفاه والازدهار. ودولة إسرائيل تملك وتمتلك من مقومات وإمكانات التنمية والتطور ما يمكن أن يفيد السودان ويساعد في انطلاقته. تشير المعلومات الي احتلال دولة إسرائيل المرتبة 16 بين 187 دولة علي مؤشر التنمية البشرية للأمم المتحدة منذ عام 2012 لتُصنّف من فئة الدول ال “متطورة للغاية”، أي انها رمزياً تعد من دول العالم الأول في العالم الثالث، وقرب السودان منها مسافةً قد يُحَفِّز لخلق الكثير من الفرص في مجالات الصناعة والطب والزراعة والموارد الطبيعية والسياحة والتكنولوجيا والهندسة والالكترونيات والتعدين وصناعة رأس المال القوي وغيرها من الإمكانات التي تبرع فيها دولة اسرائيل والتي تجعل منها خياراً حيوياً للسودان لرفع مستوي أدائه التنموي العام وتطوير موارده البشرية. نلاحظ أن الحكومة شرعت في الإجراءات الأولية لرسم خطوط التطبيع بالجلوس مع الإسرائيليين نرجو أن يفتح المجال الي تقدم ونماء السودان ويسهم في استقراره. فالتطبيع مع إسرائيل يُعَدُّ درجةً متقدمة في الانطلاق بشعار الثورة: حرية، سلام وعدالة.
د. سعاد الحاج موسي
[email protected]