كلمة الميدان بلا ميزان/*إحسان عبد العزيز*

*إحسان عبد العزيز*

وأنا أطالع كلمة الميدان فى عددها الصادر يوم الخميس الموافق/18/يونيو/2020، ذلك العدد الذى خصص للهجوم على منبر جوبا للسلام، تساءلت فى نفسى، هل هذه هى صحيفة الميدان التى وثق الاستاذ التجانى الطيب (طيب الله ثراه) لدورها فى السلام بالسودان بعد حرب إستمرت أكثر من عشرين عاماً، فى كتابه الصادر فى 2005 تحت عنوان (البحث عن السلام فى السودان)، الكتاب مكون من 237 صفحة عبارة عن مجموعة وثائق صدرت فى (كلمة الميدان) عن تحقيق السلام فى الفترة التى تلت الانتفاضة من 1985م وحتى إنقلاب الجبهة القومية الاسلامية فى يونيو/1989، تناولت الوثائق جهود الميدان لتحقيق السلام عبر كلمتها التى تخاطب القضايا الهامة بصوت اعلامى مسموع.. فهذه هى الميدان التى عرفناها وذلك هو الحزب الشيوعى الذى كنا نعرفه..
وبالنظر لكلمة هذا العدد الذى نحن بصدده نجد أن هناك إختلال كبير قد صاحبها
# إذ بدأ الحديث بكلمة المزعومة فى إشارة لمفاوضات جوبا، والمزعومة تعنى فى اللغة (الشئ الغير حقيقي) او الكاذب
# تحدثت الكلمة عن عدم توفر الحد الادنى وسط الحركات المسلحة على الاتفاق بين المتحاورين فى جوبا وبين البعض الاخر الذى لم يشترك حتى الان
وهنا يجدر بنا السؤال، ما الذى كان مطلوباً من الجبهة الثورية التى حسمت موقفها منذ بداية الثورة فكانت من اول الموقعين على إعلان الحرية والتغيير وإنضمت الى صفوفه فى الداخل، ومثلت فى لجانه، وعزمت مع أول تباشير الثورة على وقف الحرب وبناء السلام، بينما ترددت حركات اخرى ما بين الاعتراف بالاعلان وما بين رفضه، وعندما تقدمت جوبا بمبادرة السلام كان موقف الجبهة الثورية واضحاً إذ رحبت بالمبنر وتقدمت الى الامام وقدمت رؤيتها وموقفها التفاوضى، بينما إختلفت مواقف الاخرين ما بين الرفض والتردد بوضع شروط تعجيزية للسلام، فما الذى كان مطلوباً من الجبهة الثورية؟ أن تتراجع عن موقفها وقبولها للسلام وتواصل الحرب! ام تنتظر عبد الواحد النور حتى يرضى! مع العلم ان عبد الواحد ما زال رافضا مجرد التفاهم مع الحكومة الانتقالية، ومعلوم انه اعلن رفضه لها قبل تكوينها، وقال إنه لا يعترف بقوى إعلان الحرية والتغيير ووصف قياداتها بأنهم متهافتون على السلطة (المصدر: قناة فرانس24_ بتاريخ27/4/2019)
مع العلم ان عبد الواحد تسلم الدعوة من جنوب السودان للمشاركة فى المفاوضات منذ 7/12/2019
حسب (توت قلواك للاناضول)
وحتى هذه اللحظة لم يستجيب نور ولم يبدى اى رغبة فى السلام، واخر تصريحات الوفد الحكومى عن موقف عبد الواحد النور من السلام اوضح التعايشى يوم 18/مايو/2020 للاندبندنت عربية ان عبد الواحد رفض المشاركة في منبر جوبا، من دون أن يذكر الأسباب والمبررات، كما رفض أن يقدّم مبادرة مكتوبة توضّح رؤيته للحل. فما المطلوب يا أهل الميدان؟!
هل المطلوب ان يرهن السلام فى كل مناطق الحرب برغبات وامزجة افراد!! وأن يموت من يموت ويعيش من يعيش، مالكم كيف تحكمون؟!
بالطبع هذا ليس منطقا، بل مزايدات سياسية لا تغنى ولا تسمن من جوع.. المنطق هو السؤال عن موقف الميدان اى الحزب الشيوعى والذى هى لسان حاله، ما الذى فعله لاجل السلام ان كان حريصا عليه، لماذا صمت طوال هذه الفترة وأكتفى برسائل الغزل السياسى الى من أسماهم بغير المشاركين، ماذا قدم من مبادرات لاقناع هذه الاطراف بأن تجنح للسلام؟
بالطبع لا شئ وهذا يفضح مدى حجم المزايدات السياسية التى يمارسها الحزب ضد عملية السلام، هذا الموقف الذى دفع به أن يصف حركات الكفاح المسلح فى بيانه الصادر بتاريخ/16/ يونيو الجارى، وصفاً كيزانياً خالصاً (معارضة الفنادق).
# وفى وصفها لموقف الحركات من عملية السلام الجارية فى جوبا إستخدمت الميدان كلمة (المراوغة)، وفى تقديرى مراوغة كلمة لا تليق وفيها اتهام لهذه الحركات بعدم الجدية فى الوصول الى سلام، هذا ان لم يكن للغة العربية معان اخرى لا نعلمها أو (ما ادونا ليها)
# تآست الميدان على انه كان مطلوبا ومتاحا ان يكون التفاوض من منبر واحد تشارك فيه كل القوى الوطنية ليعالج كافة جوانب الازمة السودانية..
وهذه مغالطات للواقع الذى حدث فى هذا الشأن، عندما دعت الجبهة الثورية مكونات الحرية والتغيير لاديس اببا فى يونيو/2019 كانت هذه المبادرة كفيلة بان يتم عبرها الوصول الى حلول متفق عليها فى كافة قضايا الازمة السودانية بما فى ذلك قضية الحرب والسلام قبل تكوين الحكومة الانتقالية فى فترة زمنية تم التوافق عليها آلا تتعدى الشهرين، وحضر ممثلى المكونات السبعة لقحت (أى جميعها) وتمت المصادقة على اتفاق السلام باديس اببا بعد مداولات امتدت لقرابة الشهر، على ان يتم تضمينه فى كل من الوثيقتين السياسية والدستورية، وبينما الاتفاق على وشك التوقيع بأديس وقعت قحت الوثيقة السياسية مع المجلس العسكرى مما اربك الموقف وأحرج ممثليها المتواجدين فى أثيوبيا، وبعد جهود لربأ الصدع أتى على إثرها المهندس عمر الدقير الى أديس وتم تجاوز الازمة وتواصلت المحادثات على ان يضمن اتفاق السلام كاملا فى الوثيقة الدستورية
وحدث ما حدث..
والذى اختصره فى كلمة واحدة (تنصل) الحلفاء بمبررات واهية (وعينهم على المحاصصة) واسقط الاتفاق عن الوثيقة.. ولم نسمع للميدان كلمة ايجابية حول ما حدث بل كان الحزب الشيوعى شريكا فى هذا التنصل باعتباره واحد من قوى الاجماع الوطنى الذى شارك فى محادثات اديس اببا بأكثر من ممثل، لتأتى اليوم صحيفته لتطالب بما رفضه قبل عام وتنصل منه ضمن قوى الحرية والتغيير
# واصلت الميدان إتهاماتها، ووجهت إتهاما للجبهة الثورية باضاعة الوقت وتعطيل المطالب الرئيسية للجماهير تحت المحاصصة واقتسام الكيكة، وهنا يستحضرنى ابلغ تعبير سمعته عن تكرار المحاصصين من قحت لكلمة المحاصصة وهو ما قاله الرفيق ياسر عرمان
(الحديث عن المحاصصة فى حد ذاته محاصصة تجرى على قدم وساق)
وبالفعل هى محاصصة، فماذا يضير الحزب الشيوعى أن يشارك الهامش فى السلطة
أم أن ذلك سيكون خصما على نصيبه مما أسماه (الكيكة) أليس من حق الحركات الثورية ان تشارك فى إدارة البلاد؟ أم ذلك حلال عليهم وحرام على غيرهم!! ولوغا فى سياسة التهميش واعادة ممارسات السودان القديم.
# وفى اطار الرد على المحاصصة التى رمت بها الميدان الجبهة الثورية وانسلت، معروف أن الحزب الشيوعى ظلت قراراته مترددة بين المشاركة وعدم المشاركة منذ مرحلة التفاوض، كنوع أيضاً من المزايدات، إذ كان موجودا على رأس لجنة التفاوض مع المجلس العسكرى منذ الجلسات الاولى للتفاوض بالقصر الجمهورى، وما لبث الا قليلا حتى اعلن عن رفضه للتفاوض مع العسكر وغاب ليعود مرة اخرى للتفاوض، وكذلك المشاركة فى ترشيحات السلطة الانتقالية توقف عن حضور إجتماعات اللجان الخاصة بترشيحات الحرية والتغيير ليعود ويشارك، ثم يعلن أعتزامه عدم المشاركته فى السلطات الثلاثة ليعود ويعلن العدول بإعتزامه المشاركة فى السلطة التشريعية، هذا بجانب مشاركته فى السلطة التنفيذية (بالواضح وبالدس) بالداعمين لخطه من هنا وهنا.
# ثالثة الأثافيّ.. لجأت الميدان الى التحريض ضد مفاوضات السلام ووجهت نداءً (للقوى الوطنية والديمقراطية داخل وخارج الحرية والتغيير لاتخاذ موقفا موحدا) ضد منبر السلام فى جوبا والذى وصل الى نهاياته وأصبح التوقيع على الإتفاق على مرمى حجر.. وهذا ليس له غير معنا واحداً، استمرار التهميش والاقصاء للمناطق التى دفعت ثمن الحرب ارتالا من الشهداء وفقدت الارض والعرض وكل مقومات الحياة الكريمة.. وهى ذات السياسات التى رفعت الحركات الثورية السلاح لمواجهتها وبالطبع لن تفسح المجال لاعادة إنتاج الأزمة ضد هذه المناطق فى ظل الثورة وتحت رايتها.
# اشار البيان الى غياب القوة الاساسية التى فجرت الانتفاضة، فما المقصود بالقوة الاساسية؟ والمعلوم أن الجبهة الثورية تفاوض حكومة قحت، ام ان الميدان تطالب مشاركة مزدوجة لقحت بطاقية حكومية واخرى حزبية!!!
# ختمت الميدان كلمتها بالدعوة الى فك الارتباط بين محاصصات جوبا وتعيين الولاة بالاشارة الى مصفوفة الحرية والتغيير باعتبارها وثيقة، ما يثير الدهشة أن المصفوفة التى تتحدث عنها الميدان هى مصفوفة منتهية الصلاحية حسب الجدول الزمنى الذى وضع لتنفيذها، ويبدأ فى أبريل وينتهى فى يونيو_يوليو بانعقاد المؤتمر الدستورى، وانقضت شهور المصفوفة المزعومة ولم تحقق أى من بنودها مما يدل على أنها مصفوفة نظرية وغير واقعية ولا تساوى الحبر الذى كتبت به.
ختاماً.. كانت هذه محاولة لوضع كلمة الميدان فى الميزان، والقاء الضوء على التزييف الذى مارسته الصحيفة على حقائق الواقع فى مفاوضات جوبا، وللتأكيد على أن السلام لا محال آت ولو كره الكافرون به.

21/6/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *