حتي لا تصبح كل البلد دارفور حرقاً وغرقاً في برك الدماء

بقلم : احمد محمود كانم

يخطئ جل المحليين سهوا أو عمدا عندما فيقعون في فخ وصف المذابح الجارية ضد النازحين العزل بالنزاع القبلي بين إثنتين من قبائل الجنينة ، مستندين إلي رواية دهس إحدي النازحات التي أعقبها رد فعل من ذوي القتيلة الذي كانت نتيجته مقتل أحد الشباب طعنا ، ليأتي الرد المضاد، وهلمجرا ..
أشلاء مبعثرة هنا وهناك ، أطفال ونساء وشيوخ يجوبون الشوراع هربا من الموت ، بحثا عن مأوي تقيهم وابل الرصاص الحي ، جثث آدمية وأخري لحيوانات متفحمة ، مناظر دامية تنفطر لها القلوب كمدا و حسرة ، خلفتها هجمات مليشيات مسلحة بمختلف أنواع الترسانات الحربية الثقيلة والخفيفة تقلها سيارات ومقاتلات مملوكة أساساً للقوات المسلحة ووزارة الدفاع المنوطة بها حماية مواطنيها علي اختلاف إنتماءاتهم الإثنية والجهوية والدينية .
لكن القصه يا _ عزيزي القارئ _ أعمق من ذلك بكثير ، أرداها صانعوها فقط أن تظهر بثوب القبلية .
* القراءة المتأنية لما جري ويجري الآن في الجنينه تظهر بلا إلتباس أن جهات رفيعة ذات تأثير كبير كانت ولازالت متواطئة مع هذه الجرائم البشعة ، سيما وأن هذه المذبحة التي جاءت متزامنة مع آخر جلسات أول محاكمة لها الصلة المباشرة بجرائم التقتيل المنظم.. وقد سبقتها أحداث مماثلة كالانفجار الذي دمر مصنع سالومي للسيراميك بالكامل وأودى بحياة أكثر من 23 شخصاً في الثالث من ديسمبر 2019 حسبما أفاد به بيان صادر من مجلس الوزراء ، وحريق الورشة المركزية لجهاز الأمن في 12 ديسمبر كانون الأول ، و قبلها حادثة بورتسودان و مذابح في أماكن متفرقة في دارفور .. كل هذه القرائن توحي بأن ما يجري أمر مخطط له بخبث لاستمرار نزيف الدم في دارفور وبعض إقاليم السودان ، بغية إفراغ مساعي الثورة السودانية من مضامينها ، و إيهام السذج بأن الأزمة الجارية في دارفور قبلية صرف ، ولا علاقة لها بالنظام السابق ، مما سيترتب عليه مواقف أخري ذات طابع عدلي ، قد يستند إليها الرافضون لعملية تسليم البشير ورفاقه الخمسين إلي المحكمة الجنائية الدولية .
* إن بقاء ولو قطعة سلاح واحدة في أيدي الجنجويد ،
يهدد بنسف أي إتفاق أبرم مهما كانت الضمانات والوساطات الإقليمية والدولية ، ناهيك عن أن تحتفظ جماعات قبلية بالآلاف من السيارات العسكرية والقوة الحربية التي تفوق مقدرات القوات النظامية نفسها ، لأمر ينذر بإستمرارية سكب الدماء في جميع أنحاء السودان ، وما دارفور إلا بداية لنقطة الصفر لإحراق ما تبقي من السودان إذا لم تتم إعادة النظر حول وضع حد لهذه المليشيات المستذئبة في أقرب وقت ممكن .
إذ لا يمكن بأي حال أن تتحقق مشروع التغيير والعدالة في السودان مع الاحتفاظ بذات الآلة التي صنعها النظام البائد واستعان بها طيلة فترة حكمه علي إبادة شعوب بعينها .
* حتي لا تصبح كل البلد دارفور احتراقا بنيران المليشيات وقتلا وترويعا وتشريدا وغرقا في برك الدماء ، علي المجلس السيادي ومجلس الوزراء إصدار قرار فوري بتجريد سلاح جميع المليشيات ، و وضع قانون رادع خاص بالجرائم التي ترتكب بحق المواطنين ، وتكوين قوات ودوريات حراسة نظامية لمعسكرات النزوح ريثما تحل مشكلة النزوح بشكل كامل .
إذ ليس من المنطقي أن لا تكون ثمة قوات نظامية قادرة علي الحيلولة دون حدوث ما حدث .
وحتي لا تصبح كل البلد دارفور ، علي الحكومة الانتقالية إحترام دماء الشعب السوداني في دارفور ، و تغيير طريقة تعاطيها البارد و البطيئ جداً مع مثل هذه الأحداث ، إذ لو كانت هذه المجازر في أماكن أخري قريبة من المركز لأختلفت الحالة تماماً ..
وحتي لا تصبح كل البلد دارفور ، علي لجان المقاومة في جميع ربوع البلاد اليقظة لرصد ومتابعة كل من له علاقة مع النظام المتواري وإحباط مخططهم في مهدها .
وحتي لا تصبح كل البلد دارفور ، علي عقلاء وحكماء الكيانات الاجتماعية القيام بدورها الفعال لكبح جماع المتفلتين من أبناءها و نشر ثقافة السلام وتقبل الآخر والاحتكام إلي صوت القانون وعدم اللجوء إلي استرداد الحقوق ب(لبونيه) مهما كانت الدوافع والمبررات .
وإلا فسوف لن تتوقف تلك الحرائق التي ما فتئت ألسنة لهبها تتمدد حتي تعم _لا قدر الله _ جميع بقاع البلاد .
وحينها سوف تصبح كل البلد دارفور بالمعني الدامي .
وستصبح كل البلد معسكر كرندق ، وكل البلد جبل مرة ، وكل البلد الفاشر ، وكل البلد الجنينة .


1يناير 2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *