د. فيصل عوض حسن
نَشَرَت صحيفةُ اليومُ التَّالي يوم 17 مارس 2019، تصريحاتٍ لمُدير شركة (ICTSI) الفلبينيَّة، أكَّدَ فيها تنفيذ صفقة تأجير ميناء بورتسودان الجنوبي، (رغم) اﻹحتجاجات العُمَّاليَّة، ورغم تصريح البشير بمُراجعة الاتفاقيَّة، وسيسري عقد الإيجار في الربع اﻷوَّل من العام الحالي. في ما نَشَرَتْ صحيفة (مصادر) خبراً يوم 18 مارس 2019، عن بدء (مُراجعة) عقد تأجير الميناء للشركة الفلبينيَّة!
التصريحات أعلاه، تفضح (أكاذيب) البشير وعصابته الإسْلَامَوِيَّة، وتكشف (اعتزامهم) تسليم الميناء، بعدما قبضوا الثمن و(تَقَاسموه) بينهم، وتحديداً منذ قرار مُسْتَوْزِرْ النقل مَكَّاوي رقم 23/2016، الخاص بتشكيل لجنة لدراسة عرض موانئ دُبي، وأوضحتُ وقتها بأنَّها لجنةً (شَكْلِيَّة)، لشَرْعَنَة التَخَلُّص من الميناء وفقاً لصيغة القرار، التي حَصَرَتْ مُهمَّة اللجنة في تقديم المُلاحظات (إنْ وُجِدَتْ)، ثُمَّ توقيع العقد خلال شهر! كما تُؤكِّد تصريحات مُدير الشركة على (كَذِبْ) البشير الذي وَجَّه قبل أسابيع بـ(مُراجعة) العقد، وحينها حَذَّرتُ من هذه (الخِدْعَة) الإسْلَامَوِيَّة، وذكرتُ بأنَّها لامتصاص (غَضْبَة) العُمَّال وإنهاء إضرابهم، وما خبر صحيفة (مصادر) في 18 مارس 2019، عن (بدء) مُراجعة العقد إلا استكمال لتلك الأكاذيب. غير أنَّ الأخطر، هو (حَصْرْ) الميناء في (العُمَّال) والمُجتمع المحلي ببورتسودان، و(اسْتِمَاتة) البشير وعصابته وأزلامهم في ترسيخ هذا الفهم، وهو مَسْلكٌ إسْلَامَوِيٌ مألوف في عمليات نهبهم وتدميرهم لمُقدَّراتنا السياديَّة/الاقتصاديَّة، وتمزيق وحدتنا الوطنيَّة والإنسانيَّة، حيث يَعمدون لـ(فَصْلِ) المُستهدفين عن البقيَّة لِيَضْعِفُوْهُم ويَسْتَفْرِدوا بهم، وهذا ما يفعلوه الآن بالميناء.
ومع إقرارنا الكامل بحقوق العُمَّال خصوصاً، والمُجتمع المحلي ببورتسودان والشرق عموماً، إلا أنَّ الميناء يهم (جميع) السُّودانيين، ويتجاوز النطاق الجُغرافي و(القَبَلي/الجَهَوِي) الضيق الذي (يَتَعمَّد) المُتأسلمون حصره فيه، ومُحاوَلاتهم (الخبيثة/المُنحطَّة) لتبسيط وتقليل الأخطار المُترتِّبة على التَخَلُّص منه. فميناءُ بورتسودان ركيزة (حتميَّة) لاستقلالنا/سيادتنا الوطنيَّة، وبتأجيرها للغير تصبح معلومات وارداتنا وصادراتنا ومخزوناتنا الاستراتيجيَّة (مكشوفة)، وهذا خطرٌ أمنيٌ/استراتيجيٌ كبير، في ظل الهيمنة (السياسيَّة/الاقتصاديَّة) العالميَّة والإقليميَّة الماثلة. كما تُعدُّ الميناء مفتاحاً لتجارتنا الدوليَّة ورابطاً لاقتصادنا بالعالم، وتُساهم بـ(عوائدها من العُمْلاتِ الحُرَّة) في تحسين ميزان المدفوعات وزيادة النَّاتج المحلي، وتخفيض تكاليف الواردات وتدعم القُدرات التنافُسيَّة للصادرات، وترفع مُستوى الدخل وتُهيئ فرص العمل، بخلاف عوائد/رسوم عبور ورُسُو السُفُن الأجنبيَّة. وهذه – إجمالاً – مُعطياتٌ تتقاطع وإتاحة ميناء بورتسودان للغير مهما كانت المُبرِّرات، سواء بالبيع أو الإدارة أو التشغيل (الكُلِّي أو الجُزئي)، لأنَّها ضد الثوابت السياديَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة المُتعلِّقة بالمنافذ البحريَّة، ويجب (مُعاقبة) من يسعى لذلك بأقصى العقوبات!
سينبري أزلامُ البشير وعصابته و(سَواقِط) إعلامهم المأجور، مُدافعين عن هذه الخيانة، بحجَّة (تَدَهْوُر) الميناء و(تَوَقُّف) عائداته/مُساهماته الاقتصاديَّة، وحتميَّة (خصخصته) وتطوير آلياته والاستفادة من تكنولوجيا التشغيل، وغيرها من الحِجَجْ/المُبرِّرات الواهية. وفي هذا نقول، بأنَّ ميناء بورتسودان دَمَّره المُتأسلمون (عَمداً)، حينما تَخَلَّصوا من كوادره الكفوءة والنَّزيهة، واستبدلوهم بآخرين لا يُجيدون سوى النهب والتدمير، وأهملوا صيانة وتطوير الميناء ليجدوا الحِجَّة للتخلُّص منه. وأمَّا عن ادِّعاء (تَوَقُّف) عائداته، فهو يُؤكِّد (جَهْل/انحطاط) مُدِّعيه، ودونكم (تَوَسُّلات) رؤوس الفجور الإسْلَامَوِي للعُمَّال بـ(رَفِعِ) إضرابهم، تلافياً للخسائر التي يَتَكَبَّدها السُّودان، وانقطاع سيل العُملات الحُرَّة نتيجة لذلك الإضراب. وهذا الدَخْل/العائد القومي (المُؤكَّد) للميناء، يُكَذِّب أيضاً تَدَثُّر المُتأسلمين بـ(الخصخصة)، التي يجب أن تستهدف المُنشآت (الخاسرة) والميئوس من إصلاحها، وهذا لا ينطبق على الميناء الذي يُعدُّ (آخر) مُقدَّراتنا الوطنيَّة (الرَّابِحَة)، بعدما تَخَلَّصَ المُتأسلمون منها جميعاً، بالبيع الكامل دون خيارات الخصخصة الأُخرى، المُعتمَدة ضمن برامج الإصلاح الاقتصادي والتكيُّف الهيكلي!
بخلاف ذلك، هناك أخطاء قانون (نَهْبْ) مرافق الدولة لسنة 1990، والشهادات/التقارير (المُوثَّقة) للتجاوُزات المُصاحبة لخصخصة ما لا يلزم من مُؤسَّسات الدولة (لكونها ناجحة)، كإفادات مُراجعهم العام في يونيو 2015 بشأن (تجاوُزات) التصرُّف في المرافق العامَّة، ومُطالبته بـ(إدراج) عوائد الخصخصة في الحساب الرئيسي لوزارة المالية، وإعداد (قانون جديد) للتصرُّف بهذه المرافق، بما يُؤكِّد حجم النهب/الإجرام الإسْلَامَوِي باسم (الخصخصة)، بشهادة أعلى جهة رقابيَّة على المال العام! وبالنسبة لحِجَّة التكنولوجيا، فيُمكن جَلْبها بالقروض وتشغيلها بخبراتنا الوطنيَّة، ولو تَطَلَّب الأمرُ وجود الأجانب، فليكن ذلك (دون إيجار الميناء)، وبالقدر الذي يفي بالمُهمَّة، وتحت إشراف الكوادر الوطنيَّة وإشاكها، لضمان نقل التقنيات/الخبرات لكوادرنا، وترقية قدراتهم ومهاراتهم في التشغيل والتطوير. المُصيبة الكُبرى، أنَّ الشركة الفلبينيَّة فشلت عقب تجريبها للفترة 2013-2017، وبشهادة المُتأسلمين أنفسهم، بخلاف أنَّ العقد (الكارثي) يُؤكِّد استخدامها (لآليات) الميناء الحاليَّة، مما (يدحَضْ) حِجَّتي الخصخصة و(تكنولوجيا) التشغيل! والأهمَّ من هذا وذاك، فإنَّ إدارة الآخرين لميناءنا، تأكيدٌ (إضافي) لفشل البشير وعصابته في إدارة السُّودان، ويتحتَّم إزالتهم/اقتلاعهم بأسرع وقت!
المُحصِّلة، أنَّ المُتأسلمين مضغوطين من (الإمارات)، المُتخفِّية خلف الشركة الفليبينيَّة، وسيُواصل الإماراتيُّون ضغطهم على البشير وعصابته لاستلام الميناء، فلا ننخدع بتَرَاجُعِ المُتأسلمين (الظَّاهرِيّ) وإعلان البشير مُراجعة العقد وليس (إلغاؤه)، فهي تمثيليَّات إسْلَامَوِيَّة لامتصاص (غضبة) العُمَّال، والعمل بخبث ودهاء لتنفيذ (الخِيانة) إرضاءً لسادتهم بالخارج، ودونكم تصريحات مُدير الشركة الفلبينيَّة (الوقحة) المُشار إليها أعلاه، والتي ما كان سيجرُؤ عليها لولا ثقته من موقفه. والرَّاجح، أنَّ المُتأسلمين سيجتهدون في تضليل العُمَّال، وخِدَاعِهِم ببعض (المُغريات/الأكاذيب) ريثما يُكملوا التسليم، ولقد هَيَّأوا لذلك منذ الآن (بِحَصْرِ) القضيَّة في نِطاقٍ جُغرافي وقَبَلي/جَهَوِي محدود، بينما الواقع أنَّ مُصيبة العُمَّال ستكون (مُركَّبة)، فمن جهة سيفقدون مصدر دخلهم الرئيسي، ومن جهةٍ ثانية سيُعانون مع بقيَّة أهل السُّودان من (الاختناق). ولو فَكَّرَ العُمَّال في المُقاومة لاحقاً (عقب تسليم الميناء)، فسيُواجهون بطش المُتأسلمين الذين استعدُّوا لهذا الاحتمال، بإجراء تعديلاتٍ ولائيَّة عَيَّنوا بموجبها وُلاةً (عسكريين)، وإصدار قانون الطوارئ الذي سيُطوِّعون مواده المُجحفة، لتسليم بقيَّة مُقدَّراتنا المرهونة للدَّائنين وعلى رأسها الميناء!
نحن السُّودانيُّون مُطالبون باستشعار (خصوصيَّة/حساسيَّة) الميناء، والمآلات (الكارثيَّة) لتسليمها للغير، والتي ستَطَال كل السُّودان، وليس فقط العُمَّال وأهل الشرق، فستُصبح بلادنا (حِبِيسة) ورَهِينة للآخرين، وهي آخر مُقدَّراتنا الوطنيَّة (الرَّابحة)، ولا خيار أمامنا إلا بالاتحاد ومُناهضة هذه الخطوة بكل قُوَّتنا، ولتكن هَبَّة بورتسودان، ضربتنا القاضية للبشير وعصابته، وإيقاف مُخطَّطاتهم الإجراميَّة لنهب وتمزيق ما تبقَّى من بلادنا.