عثمان ميرغني
أمس الأول يوم الخميس؛ ذهبت لاستخراج تأشيرة خروج طلبوا مني تصوير جواز السفر، وإبراز تأشيرة الدخول للدولة المقصودة، وتذكرة السفر.. رجعت إلى مكتبي وأرسلت المطلوبات مع شخص آخر.. عاد ليخبرني إنهم يطلبون شهادة إجازة.. منحت نفسي إجازة وكتبت شهادة لنفسي بتوقيعي إنني قررت منح نفسي إجازة وأرسلتها للمرة الثالثة فحصلت على تأشيرة الخروج..
قبل سنوات عديدة قررت الحكومة إلغاء تأشيرة الخروج، وقبل أن تكتمل الفرحة أعلنت الحكومة عن إجراء بديل أطلقت عليه (شهادة استيفاء) ولا تسألن عن معنى الاستيفاء فالمقصود المحافظة على ما تدره تأشيرة الخروج من رسوم.. لكن هل صحيح أن الحكومة تكسب شيئاً من هذا الإجراء العجيب؟.
حسناً إذا كان المطلوب مجرد الحصول على رسوم دون حساب الخسائر فقد يكون مفهوماً أن شهادة الاستيفاء فعلاً تستوفي للحكومة المال الذي تريده، لكن تعال أحسب معي الخسائر.. كم تبلغ تكلفة أطقم الجوازات العاملين في إصدار شهادة الاستيفاء؟ كم يكلفون الحكومة من أجور ومصروفات عمل وتكييف مكاتب ومواصلات وغيرها من التكاليف الإدارية مثل الورق الذي تطبع فيه الشهادة وتكلفة طباعتها واستهلاك الطابعة والحبر.
فوق كل ذلك أحسب زمن الشعب السوداني المهدر في الحصول على هذه الشهادة.. أليس للوقت قيمة؟ كم إجمالي الساعات التي يهدرها طالبو تأشيرة الخروج في الذهاب إلى مجمعات الشرطة والوقوف في الصفوف.. وتصوير الأوراق والشهادات المطلوبة..
وفوق كل ذلك، الشرطة واحدة مِن أهم أذرع الدولة التنفيذية، يقع على كاهلها مهام جسيمة في الحفاظ على الأمن وفرض القانون.. لماذا نرهقها بأعباء إضافية ونشتت تركيزها بإجراءات ندرك إنها غير ضرورية..
لا أرى أية ضرورة لشهادة الاستيفاء (تأشيرة الخروج) فإذا كان المطلوب ضبط حركة السودانيين المغادرين للبلاد فهذا عمل سهل يقوم به طاقم شرطة الجوازات في المطار أو الميناء باستخدام الكمبيوتر.. ويوفر ذلك للشرطة جهداً كبيراً ويريح الحكومة من أعباء مالية وإدارية أكبر كثيراً مما تكسبه من رسوم..
علاوة على قناعتي بعدم جدوى تأشيرة الخروج، أجدني في أشد الحيرة مِن تفاصيل الإجراء نفسه.. ما معنى شهادة إجازة؟ هل كل السودانيين يعملون في الحكومة أو القطاع الخاص؟ وما هو المغزى من الحصول على هذه الشهادة التي لا تثبت حتى مجرد علاقة المسافر بالجهة التي أصدرتها.. بعبارة أخرى عندما يبرز المسافر شهادة إجازة ما هو الدليل الذي يثبت إنه يعمل لدى الجهة التي منحته الشهادة.. لأني لاحظت أن كثيرين في سبيل استيفاء هذا الشرط للحصول على التأشيرة يلجأون للكذب والتحايل بالحصول عليها من أية جهة عمل..
ولكن الذي يحيرني أكثر.. حكاية تصوير الجواز!! لماذا كلما رغب مواطن في السفر تطالبه الحكومة بتصوير وثيقة أصلاً أصدرتها الحكومة وتملك صورة منها وتفاصيل بياناتها؟ ثم أين تحفظ الحكومة صور الجوازات هذه.. فعدد المسافرين في العام الواحد ملايين.. أين تحفظ الحكومة ملايين الصور المكررة لجوازات المسافرين.. بعض المواطنين الذين تتطلب ظروفهم كثرة الأسفار الخارجية يردمون الحكومة بعشرات الصور لجواز سفرهم الذي أصلاً أصدرته الحكومة وتملك صورة منه..
ما معنى الحديث الممل عن (الحكومة الإلكترونية) إن كانت الإجراءات بمثل هذه الفهم.. فالتكنولوجيا ليست مجرد أجهزة وبرمجيات بل مفاهيم إدارة وعمل تنسجم مع العصر.. هل هناك دولة في العالم تُمارس مثل هذه الطقوس العجيبة؟
من الحكمة إلغاء شهادة الاستيفاء هذه.. ترتاح الحكومة والشرطة والمواطن..
وهذا كله كوم.. وكوم آخر (فورم) الوصول عند العودة.. يجتهد المسافرون العائدون في ملء استمارة عند الوصول ثم يفاجأون عند تسليمها إلى كاونتر الجوازات أن الموظف لا يلقي لها بالاً ويدخل المعلومات من الجواز مباشرة..
التيار