ذكرى شهداء الثورة

سليمان عبدالله اسماعيل* 
يصادف يوم 23 ديسمبر الذكري السابعة لاستشهاد القائد البطل الدكتور خليل إبراهيم محمد رئيس حركة العدل والمساواة السودانية و المؤسس بغارة جوية غادرة. و قد أعلنت الحركة ان مثل هذا التاريخ من كل عام عيدا لشهداء ثورة الهامش الذين ضحوا بالغالي و النفيس لاعلاء قيم العدالة و المساواة و الحرية. و تحيي مؤسسات الحركة هذا اليوم تخليدا لذكرى الثورة العطرة ، و وفاء و عرفانا لتضحياتهم الجسام و ليقتدي بهم الاجيال القادمة و تستلهم من ذكراهم قيم الاخلاص و الوفاء و الإنتماء للقضية و الدفاع عنها، و تقديرا و احتراما لارواحهم الطاهرة ، و تكريما لدمائهم الزكية التي سالت و ارتوت بها الأرض لتنبت شجرة الحرية . و اعترافا ببطولاتهم المشرفة في الميادين العزة و الشرف و الكرامة التي واجهوا فيها العدو ببسالة و شموخ لا يدانيها تضحية اخرى. و مهما اجتهدنا في التعبير، تبقي الكلمات و العبارات عاجزة عن ان تصف عظمة الشهداء و مكانتهم، و يعجز القلم و اللسان عن الاحاطة بصفاتهم و مأثرهم التي تجعلنا ننحني لهم إجلالا و اكبارا. كيف لا و هم الشموع التي تحترق ليحيا الاخرون، و هم الذين جعلوا أجسادهم جسرا ليعبر الآخرون عليها الي الحرية، و النور الذي نستضي بها  طريق النضال و التغيير ، و هم المثال الذي يجعلنا نتمسك بقيم و مبادئ الثورة.
.
في يوم ذكراهم، علينا ان لا ننسى مجاهداتهم و تضحياتهم البطولية الكبيرة ، وان نتحدث عن اخلاقهم و صفاتهم الرائعة وكلماتهم الطيبة ، و أن لا نقبر افكارهم كما قبرت أجسادهم الطاهرة. و علينا أن ننقل افكارهم و كلماتهم التي تخرج من القلب الي أجيال القادمة ليعرفوا ان هنالك العظماء جادوا بأرواحهم فداء للثورة و قضيتها العادلة، حتي يكون دافعا وحافزا لهم لمواصلة النضال و الحفاظ علي مكتسبات ومقدرات الثورة وتحقيق اهدافها التي سعوا في تحقيقها و قدموا ارواحهم الطاهرة في سبيلها.
شهداؤنا الابرار: إحتفالات هذا العام تجئ في ظروف استثنائية تعيشها الثورة الهامش. لقد مرت الثورة بمراحل من التآمر و التخابر و التخاذل و طالتها أيادي الغدر و الخيانة للنيل من مقدراتها و إمكاناتها لصالح العدو، و قد خان بعض الرفاق من بعدكم الأمانة و العهد الذي قطعوه معكم، و استنصروا بالعدو ضد رفاقهم في السلاح، و ارتموا في احضانه حاملين معهم آليات الثورة التي ضحيتهم من أجلها، حتى يقدموا فروض الولاء و الطاعة للعدو و حتى يحسن لهم العدو شروط القهر والعبودية. بعضهم اعياءه النضال و طول المشوار، و استسلم و طلب العفو من الجلاد ليعيش الحياة الذل والهوان. و بعضهم ترك الميادين و ساحات النضال و آثر المكوث بعيدا في إنتظار الفرج من رب العالمين، ليخلص البلاد والعباد من بطش النظام و مليشياته، و يتخذ بذلك من السلبية موقفا له. و لكن هنالك رفاق – وهم الأغلبية – ما زالوا قابضين علي جمر القضية، و يكتوون بنيرانها، و ذلك وفاء للعهد، و تمسكا بالمبادئ وما عاهدوكم عليه.
في علم المعادن، تتكون السبيكة من عدة معادن لتكتسب القوة و المتانة. و عندما تتعرض لعوامل كيميائية معينة، تتحلل و تتفكك الي عناصرها المكونة. حينها تظهر قوة و صلابة كل عنصر، خاصة عند تعرضه للصدمات. هكذا هم الرجال. لا تعرف معادنهم الا في أوقات الشدة و المواقف العصيبة. شهداؤنا الأبرار: ان العدو ما زال مستمرا في أعمال القتل و البطش و التنكيل بشعبنا الاعزل. و لا زال مستمر في ممارسة هوايته المفضلة في إرتكاب الجرائم الفظيعة و إبادة السكان الأصليين و تهجيرهم و احلالهم بالمستوطنين الجدد. و قد نتج عن ذلك المزيد من التشرد و اخلاء القري من سكانها الأصليين، و قد ترتبت على ذلك زيادة كبيرة في اعداد النازحين و المشردين و المهجرين قسرا، و استيلاء للأراضي و المزارع، و نهب للاموال و الممتلكات بقوة السلاح. لقد أدى تخاذل وتخابر بعض الرفاق الي تراجع قوة المقاومة و تشرذمها ، و جلب النظام المزيد من المرتزقة، وجندهم في صفوف المليشليات لعيثوا في الارض فسادا. و لا زال يؤمن بحلول الأمنية والعسكرية للقضايا محل الخلاف، و نسي ان الحقوق لا تسقط بالتقادم، و بخاصة في ظل تنامي الوعي و الإدراك عند المواطن بحقوقه المشروعة. و لكن هنالك متغيرات اقليمية و دولية تستدعي إيجاد حلول عادلة و شاملة لمشاكل السودان المستعصية، لتجنب إنهيار الدولة بالكامل. هناك حراك إقليمي و دولي لإحياء عملية السلام، و حث الأطراف للدخول في مفاوضات للوصول الي سلام شامل. و قد كان هناك حراك كبير في هذا الخصوص في الشهور المنصرمة في عواصم عدة افريقية و أوربية لإعطاء العملية السلمية الدفع اللازم. و قد بذلت جهود كبيرة من الوسطاء لتقريب وجهات نظر الفرقاء، و إزالة العواعق و الصعوبات التي تحول دون بدء المفاوضات الحقيقية و الجادة لانهاء الازمة. و تكللت تلك الجهود بالنجاح، و وقعت الأطراف على “اتفاق ما قبل التفاوض” في برلين. و سيما هذا الاتفاق يمهد الطريق لمفاوضات جادة لمناقشة القضايا التي تخاطب جذور الأزمة السودانية و تعالج آثار الحرب. و نتوقع إعلان مكان و زمان المباحثات لبدء جولات التفاوض خلال الفترة القادمة. و عندما نفاوض العدو، علينا ان نستصحب معنا الوصايا و اشواق واماني شهدائنا الكرام حتى لا نظلمهم مرتين. نفاوض العدو من منطلق القوى التي نستمدها من عدالة قضيتنا كما قاتلناه بكل شجاعة. و بوصية الشهيد البطل الدكتور خليل 🙁 نحن نقاتل النظام بالسنان واللسان). علينا أن نقارع الحجة بالحجة في طاولة الحوار لإسترداد الحقوق، و تقوية آليات المجابهة، و المحافظة عليها. في التفاوض، لابد أن نستذكر معاناة الشعب الذي يعاني من ضنك الحياة وشظف العيش في المدن و الأرياف. و معاناة الأهل في معسكرات اللجوء و النزوح و الذين يتطلعون للعودة إلي قراهم وبلداتهم الأصلية معززين و مكرمين. نستذكر هموم أسر الشهداء الذين فقدوا العناية و الرعاية. و صرخات الأطفال اليتامى، و دموع الارامل و الأمهات الثكالى، التي تنزل بردا و سلاما علي الشهداء، و نارا علي القتلة و المجرمين و الظالمين. آمال و اشواق المهجرين و المشردين للعودة الي أرض الوطن، و طموحات و احلام الشباب في العيش الكريم، و تطلعات أطفال المعسكرات لتحرر من قيود العبودية، و مراعاة بسالة جنودنا الأشاوس حماة الثورة المرابطين في الميادين و أياديهم علي الزناد و هم يتطلعون الي النصر العزيز. هؤلاء نحتاجهم في مرحلة حفظ الأمن و استدامة السلام، كما حافظوا علي الثورة و مكتسباتها. التحية لهم علي الصبر و الشجاعة. المجد و الخلود لشهداءنا و نسأل الله لهم المغفرة و الرحمة.

*م. سليمان عبدالله إسماعيل
مدير مكتب رئيس حركة العدل و المساواة السودانية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *