ثروت قاسم
في يوم قال يسوع :
من ثمارها تعرفونها .
نختزل ادناه ، مثالاً وليس حصراً ، احد عشر من ثمار نظام الانقاذ ، لكي تعرفه على حقيقته ، من هذه الثمار المنتنة ، ولتحكم على فرص استمراره ل 29 سنة مقبلة :
اولا:
+ قسم نظام الانقاذ السودان إلى قسمين لاول مرة في التاريخ ، لأنه نظام شمولي , وبالتالي يخشى من فقدانه السلطة ، بسبب الحرب الاهلية في الجنوب .
لو ترك الاخونجية الديمقراطية الثالثة تستمر ، لما إنقسم السودان إلى قسمين ، ببساطة لان الديمقراطيات لا تتفكك ، بل تتحد .
ولا نلق الكلام على عواهنه ، بل نتوكاً على حقائق ثابتة .
نقول مثالاً وليس حصراً :
+ تفكك الاتحاد السوفياتي إلى 15 دولة، لانه كان دولة شمولية .
+ تفككت يوغوسلافيا إلى 7 دول، لانها كانت دولة شمولية .
+ أصبحت تشيكوسلوفاكيا دولتين، لانها كانت دولة شمولية .
+ صارت إثيوبيا دولتين ، لانها كانت دولة شمولية .
وفي المقابل :
+ اتحدت 28 دولة اوروبية ديمقراطية في الاتحاد الاوروبي ، بعملة واحدة اليورو ، وحزام أمني واحد شنغن ، وسوق مشتركة ، وحرية التنقل والتملك والعمل بين مواطنيها في الفضاء الاوروبي الواسع .
الدول الديمقراطية لا تتفكك، وإنما تندمج .
+ اتحدت الالمانيتان في دولة واحدة ، بعد وفقط بعد ان صارت الاخت الصغرى ديمقراطية كما الاخت الكبرى .
+ في المقابل ، لم تتحد الكوريتان ، لأن الاخت الصغرى شمولية ، بعكس الاخت الكبرى .
+ اتحدت تنجانيقا مع زنزبار وكونتا تنزانيا ، لانهما كانتا ديمقراطيتين .
+ نحن نتابع حالياً كيف تقاوم اسبانيا الاوروبية الديمقراطية الليبرالية تقسيم اسبانيا ، وكيف تقاوم بغداد الديمقراطية تقسيم العراق ، ويؤيدهما المجتمع الدولي في المحافظة على اسبانيا والعراق موحدتين .
+ سعى الجنوب للإنفصال من الشمال في الدولة الامريكية الديمقراطية على ايام ابراهيم لينكولن . رفض الشمال انفصال الجنوب وقامت الحرب الاهلية التي استمرت من 1861 وحتى 1865 . وانتصرت الديمقراطية ، واستمرت الدولة الامريكية موحدة إلى يوم الدين هذا . كان من نتائج الحرب الاهلية ملايين القتلى والجرحى ، ولكنه ثمن رخيص مقابل بقاء الدولة الامريكية موحدة .
ولكن نفس هؤلاء الامريكان الذين رفضوا تقسيم بلادهم في عام 1861 ، نجحوا في إبتزاز الرئيس البشير بأمر القبض ، والبتروريال الخليجي في عام 2010 ، فوافق على تقسيم السودان .
+ في يوم ، قامت الحرب الأهلية بين برشلونة التي تزعمها الشيوعيون ، ومدريد التي تزعمها الملكيون. كانت برشلونة الاشتراكية تسعى للانفصال من اسبانيا الفاشية . استمرت الحرب لثلاث سنوات من 1936 والى 1939 ، وإنتهت ببقاء اسبانيا موحدة .
في عام 2017 ، حاولت برشلونة ، ومعها ميسي صديق الرئيس البشير ، الانفصال . ولكن مدريد ومعها كريستيان رونالدو حرنت ، وايدها الجميع لانها دولة ديمقراطية . وفاز نادي مدريد على نادي برشلونة بعدة اهداف مقابل صفر اهداف .
واستمرت اسبانيا موحدة ، بعكس السودان الشمولي في عام 2011 .
كانت نتيجة التقسيم وبالاً على دولتي السودان … استمرار الحرب الاهلية ، والمجاعات ، والوبائيات ، وموجات النزوح واللجؤ ، والدولة السلطوية في دولتي السودان .
+ في يوم ، قامت الحرب الأهلية بين برشلونة التي تزعمها الشيوعيون ، ومدريد التي تزعمها الملكيون. كانت برشلونة الاشتراكية تسعى للانفصال من اسبانيا الفاشية . استمرت الحرب لثلاث سنوات من 1936 والى 1939 ، وإنتهت ببقاء اسبانيا موحدة .
في عام 2017 ، حاولت برشلونة ، ومعها ميسي صديق الرئيس البشير ، الانفصال . ولكن مدريد ومعها كريستيان رونالدو حرنت ، وايدها الجميع لانها دولة ديمقراطية . وفاز نادي مدريد على نادي برشلونة بعدة اهداف مقابل صفر اهداف .
واستمرت اسبانيا موحدة ، بعكس السودان الشمولي في عام 2011 .
ثانياً :
بسبب سياساته الاجرامية ومشاركته في محاولة اغتيال الرئيس المصري السابق مبارك ، اضاع نظام الانقاذ مثلث حلايب ومنطقة الفشقة.
ثالثاً :
بسبب سياساته الخرقاء ، صار سودان الانقاذ سابع افشل دولة وسابع افسد دولة في العالم ، وثامن دولة يعاني مواطنوها من الجوع.
رابعاً :
لاول مرة في التاريخ الانساني ، صار رئيس الدولة الرئيس الوحيد المطلوب للعدالة الدولية ، وصوره في مخافر الشرطة في المطارات ونقاط الحدود الدولية .
خامساً :
وقع سودان الانقاذ منذ عام 1993 في قائمة الدول الداعمة للارهاب ، وفقد بذلك ، ضمن مفقودات اخرى ، فرصة شطب دينه الخارجي الذي تجاوز حاجز ال 50 مليار دولار، اسوة ببقية دول الهايبك اي الدول الفقييرة عالية المديونية :
Highly Indebted Poor Countries HIPC
سادساً :
فقد سودان الانقاذ تبرعات وهبات اتفاقية كوتنو الخاصة بعون الاتحاد الاوروبي لمجموعة الدول الافريقية والكاريبية والباسفيكية البالغ 420 مليون ايرو سنوياً ، والتي رفض سودان الانقاذ المصادقة عليها ، لان مادتها الحادية عشر تنص على التعاون مع محكمة الجنايات الدولية .
سابعا:
لا يزال 5 مليون سوداني يعيشون في معسكرات النزوح داخل السودان واللجؤ خارج السودان مع فاقد تربوي لجيل كامل من اطفالهم . مع وجود عشر مليون سوداني في دول الاغتراب ، الامر الذي يؤكد ظلم نظام الانقاذ لمواطنيه .
ثامناً :
يستمر نظام الانقاذ في تجنيب اكثر من 75% من الميزانية العامة للصرف على الميليشيات الامنية ، والوظائف السيادية والترضيات السياسية ، على حساب التعليم والصحة اللتين تحظيان باقل من 5% من الميزانية ، وذلك لاستمرار حالة ال لا سلم وال لا حرب في الهامش السوداني ، بسبب تعنت نظام الانقاذ في الوصول الى تسوية سياسية للحرب الاهلية في دارفور والمنطقتين .
تاسعاً :
دخل سودان الانقاذ موسوعة غينيس للارقام القياسية كونه البلد الوحيد في العالم الذي لا يستطيع المودع ان يسحب من حسابه البنكي اكثر مما يعادل 20 دولار في اليوم ؟
عاشراً :
بكى الاطفال في بعض مدارس الاساس في ولاية الخرطوم ، العاصمة ؟ من الجوع ، رغم ان المعونة الامريكية توزع فطور الصباح لبعض تلاميذ هذه المدارس .
احد عشر :
استمرار نظام الانقاذ لاكثر من 29 سنة متواصلة ساعد في تشويه بعض الاعراف والعادات السودانية الثابتة ، وفي تغيير بعض المفاهيم والمعاني والقيم السودانية الراسخة . نذكر مثالاً وليس حصراً ، بعض البعض من هذه التشوهات في الجينات السودانية ، وتداعيات هكذا تشوهات على بلاد السودان واهل بلاد السودان :
واحد :
+ نتيجة مباشرة لسياسات نظام الانقاذ الهدامة طيلة ال 29 سنة الماضية ، صار السودان أقل ليبرالية ، بل منعدم الليبرالية . بمعني عدم احترام سيادة الدستور والقانون ، وعدم الفصل بين السلطات الثلاثة ، بل دمجها ، وتركيزها في شخص الرئيس البشير ، وعدم حماية الحريات الاساسية ومنها حرية التعبير ، وحرية التجمع والتظاهر ، وحرية المعتقد والدين .
تعود الناس على النظام السلطوي ، وشب الجيل الجديد الذي يكون اكثر من 75% من السكان ، وهو لم يجرب الديمقراطية الليبرالية ، وبالتالي لا يعرف فوائدها وموجباتها واستحقاقاتها ، لكي يجاهد في سبيل إسترجاعها ، خصوصاً والجوار الافريقي والعربي يموج بالنظم السلطوية .
من نتائج الاستقطاب والموات السياسي ، وخصي السلطات الثلاث ، وسيطرة النظام الامنجي ، أن صارت مؤوسسة الرئاسة ، اي شخص الرئيس البشير ، هي الوحيدة في الساحة السياسية ، التي تقرر في الصغير قبل الكبير من الامور . والخوف هنا ان الرئيس القادم بعد عام 2025 ، حتى لو لم يكن الرئيس البشير ، سوف يعمل على استمرار النظام السلطوي الامنجي الرئاسي ، الذي تعود الناس عليه ، وتعايشوا معه .
صارت الثقافة المزروعة في الجينات السودانية ثقافة سلطوية ، من الصعب تاهيلها وإعادتها سيرتها الاولى ، قبل يونيو 1989 .
رسخت 29 سنوات الانقاذ دولة الفرعون الذي لا يريهم إلا ما يرى . من الصعب العودة الى دولة الديمقراطية الثالثة ، حيث كان الفصل التام بين السلطات ، وسيادة حكم القانون والشفافية والمراقبة والمحاسبة والمشاركة .
أنظر لمصر التي تعودت على حكم الفرعون ، وعندما جاءها مرسي اول رئيس ديمقراطي ليبرالي في تاريخها ، تمردت عليه ، ورجعت سيرتها الاولى مع الفرعون السيسي .
صار التطبع طبعاً ، بطول معايشة الناس للنظام السلطوي . والخوف ان يحاكي السودانيون المصريين في التعود على النظام السلطوي ، فيكجنون النظام الديمقراطي .
اتنين :
+ صارت مؤوسسة الرئاسة المدعومة امنجياً هي المرجعية الحصرية لإصدار القرارات المصيرية والتعيينات لاعضاء البرلمان ، والقضاة ، والوزراء ، وبقية المتنفذين في السلطات الثلاث : التشريعية والقضائية والتنفيذية . صارت مؤوسسة الرئاسة تجسد السلطات الثلاث ، وتقرر حتى في اتفه القرارات . تم خصي المؤوسسات الفاعلة ، وصارت مؤوسسة الرئاسة الكل في الكل ، وصار الرئيس البشير الفرعون الذي لا يريهم الا مايرى .
تلاتة :
+ فترة ال 29 سنة المتواصلة ، ساعدت في تمكين سياسة التمكين ، فتجد الموالين من الاخونجية يملاون الوظائف العليا والمتوسطة والدنيا في السلطات الثلاثة ، على حساب المؤهلات والكفاءة . شردت سياسة التمكين الكفاءات خارج السودان حتى صار احد مطاريد نظام الانقاذ للطالح العام مستشارا في البيت الابيض .
والحال هكذا وهي كذلك ، فإذا رجعت الديمقراطية الليبرالية ، فسوف يكون من الصعب ، ديمقراطياً،طرد الاخونجية من مواقعهم في دواليب الدولة من الخفير الى الوكيل .
اربعة :
+ من نتائج 29 سنة الانقاذ فقدان المواطن للثقة في السلطة السياسية ، وهذه ام الكبائر لاي نظام سياسي يحترم نفسه . من نتائج فقدان الثقة ، عزوف المواطن عن المشاركة في اي انتخابات ليقينه انها انتخابات مخجوجة ، وعدم احترامه القضاء لانه إكتشف انه قضاء مُسيس ومُسير ، وعدم تصديقه لكلام الجرائد لانه صار كلام جرائد ساي يبغبغ بما تامره به السلطة ، وصار المواطن يسمع لكلامات رئيس الدولة فيضحك مما يسمع ، ويرى الاقزام من الاخونجية يتطاولون في البنيان حتى صار الفساد سمة من سمات المجتمع ، ومن لا يسرق ويختلس من المال العام يعتبر عويراً . وصار المواطن يعتبر البروف ابراهيم احمد عمر من الاسلاميين المحترمين والشطار لانه امن لولده 25 مليون دولار في بنوك لندن .
ختاماً :
بعد 29 سنة انقاذ ، دخل السودان في مرحلة ما قبل الساعة ، فقد راى المواطن اشراطها راي العين .
هل عرفت كوارث النظام الشمولي في السودان ، الذي إبتزاه الجميع لاستبداده وفساده ، وظلمه لشعبه ؟