لب المقاومة السلمية وقشورها .. بقلم: تيسير حسن إدريس

المبتدأ: –
(أن تعيش الثورة أمر أكثر متعة وإفادة من الكتابة عنها.). “فلاديمير ايليتش لينين”.
والخبر: –
(1)
تتميز السلطة الحاكمة اليوم في السودان بالانغلاق ورفض وجود أي رأي مخالف لمشاريعها وتصوراتها لقيادة الدولة ، مما يجعل أمر اختراقها بعملية سياسية ديمقراطية كالانتخاب أمراً في غاية الصعوبة إن لم يكن شبه مستحيل، فواقع انغلاق السلطة الحالية قد تسبب اجمالا في رداءة المشهد السياسي السوداني ورتابته مما ادى لعزوف المواطنين عن المشاركة في العملية السياسية؛ ونسبة المشاركة والتصويت في الانتخابات الاخيرة التي جرت في عام 2015م خير شاهد على ذلك واستمرار هذا الواقع السياسي المعطوب بات يشكل خطراً داهماً يهدد كيان المجتمع والدولة معا.

(2)
لقد اعتمدت سلطة الحركة الاسلامية في استراتيجيتها التحكُّمية على مبدأ التمكين وخلقت بذلك نخباً سياسية واقتصادية ودينية، لا تخدم غير مصالح التنظيم ومصالحها الخاصة بعيدا عن المصلحة الوطنية، وقد ثبت مرارا تورطها ، في الفساد بشتى أنواعه، وشكل ذلك عاملا أساسيا في تعميق الهوة بين السلطة والمجتمع، وفقدان السلطة الحاكمة لثقة الجماهير وشعور المواطنين عامة بالإحباط. وإذا ما استثنينا بعض القوى السياسية التي ظلت ترفض مبدئيا الوضع القائم وتعمل على تغييره، نجد قوى أخرى معارضة قد نالها التعب وغدت تبحث جاهدة عن مبررات تماهيها مع هذا الواقع المعطوب بتقديم مقترحات ومبادرات هشة لا تخدم قضية التغيير بقدر ما تخدم استمرار وجود سلطة الاستبداد وما المحاولات المستميتة التي تقوم بها بعض القيادات السياسية اليوم لتبرير أمر المشاركة في الانتخابات القادمة المزمع قيامها في 2020م الا دليلا واضحا على هذا التماهي على الرغم من تصويره على انه ضرب من ضروب المقاومة السلمية؛ وعلى هذا النحو من ترغيب وترهيب القيادات السياسية الاصلاحية ومفكريها نجح نظام الحركة الاسلامية، في تدجين العديد من القيادات الحزبية والنخب المثقفة.

(3)
تماهي الإنسان المقهور مع المستبد يشكل سمة بارزة في سعيه للخروج من مأزقه الوجودي والتخفيف من عدم شعوره بالأمن والاحساس باحتقار الذات. ومعضلة التماهي مع الاستبداد تكمن في انه من أقوى عوائق عملية التغيير ومن أكبر عراقيل عملية تحرر الفرد والمجتمع ، ويؤدي في نهاية المطاف لإطالة عمر سلطة الاستبداد وإعادة انتاجها على يد نفس قوى الاستبداد وبمساعدة القوى المتماهية التي فقدت إيمانها بالشعب واعتنقت فكر السلطة المستبدة وتصوراتها بل نجد في أحيان كثيرة أن القوى المتماهية قد غدت من اقوى المدافعين عن نهج المستبد واشد عداء لقوى المعارضة وما ظاهرة (د. أحمد بلال) في السودان والذي غدا بوقا لسلطة الاستبداد الحالية إلا تأكيدا لما ذكر ومن المؤكد أن ظاهرة (أحمد بلال) وغيره من النخب السياسية التي تماهت مع الاستبداد قد أثرا سلبا على مصداقية مجمل قيادات العمل السياسي الرسمي، والتي اصبحت تعاني من فقدان الثقة والعزلة عن المجتمع.

(4)
لقد سعت الحركة الاسلامية ونظامها منذ فجر تغولهما على السلطة بالإكراه في السودان إلى إضعاف الاحزاب السياسية بهدف السيطرة عليها والتحكم من خلالها على المجتمع، وعلى الرغم من أن التجربة وتطور الأحداث في السودان قد اثبتت أن إضعاف الأحزاب قد احدث فراغا اِمْتِلاءٌ بالعنف وعدم الاستقرار وقاد لانتشار الجماعات المسلحة وولوج الحوار العنيف مضمار السياسة وأحدث اضرار جسيمة حاقت بالوطن لم ينتبه نظام الحركة الاسلامية الى حقيقة سياسية هامة وبسيطة مفاداها انه من الخطل ان يعتقد أي نظام حكم بإمكانية استمراره في السلطة في أمن وسلام بدون وجود تنظيمات سياسية ومدنية فاعلة تلعب دور الوساطة بينه وبين المجتمع؛ فبناء الاوطان عملية شاقة تقتضي تمتين اللحمة الوطنية وهذا يقتضي وجود أحزاب ومنظمات سياسية قوية وفاعلة.

(5)
أي تغيير او تحول اجتماعي عميق في السودان يقتضي أولا وقبل كل شيء توفير الشروط الضرورية اللازمة لتغيير مفاهيم قيادات العمل السياسي والفكري الحالية واعادة تموضعها وطنيا لتلعب الدور المنوط بها من توعية وارشاد للمجتمع بعيدا عن الممارسات العقيمة القديمة التي كانت تمارس من تزييف للوعي وتأجيل وإِرجاء البت في القضايا المصيرية. فالوجود الدائم للقيادات السياسية وسط الجماهير والعمل الجاد على رفدها بالوعي والمعرفة وإعطاءها الفرصة في التعبير الحر عن طموحاتها دون وصاية وإتاحة المجال أمام الفئات الاجتماعية المختلفة الحاملة للمشاريع لتلعب ادوارها دون حجر او قيد، يضمن توازن المجتمع السوداني واستقراره. كما أن تحمل القيادات السياسية والفكرية لمسؤوليتها كاملة دون تسويف، وبعدها عن استعجال المكاسب الذاتية والتنظيمية سيجعلها تسهم بفعالية أكثر، في تجاوز مجتمعنا السوداني لكبوته الحالية.

(6)
صمت بعض القيادات السياسية المريب وعدم نقدها للأوضاع المزرية القائمة في البلاد بل وتماهي البعض منها علنا مع مشاريع القوى الدولية التي من مصلحتها استمرار النظام الحالي هو ظلم للوطن والمواطن وتواطؤ فج غير مسؤول مع نظام الاستبداد وتشجيعا له على التمادي في الاستئثار بكل شيء. ولا شك أن القيادات السياسية المعارضة مطالبة اليوم أكثر من ذي قبل بزيادة الجرعة التوعوية والمعرفية للمواطن السوداني وتبصير الجماهير بخطورة الاستسلام والخضوع لسياسات السلطة الحالية الفاشلة وهذا لن يتأتى بإطلاق الشعار او المقال الجاذب وحده رغم اهميتهما في النضال إن لم يقترن الشعار والمقال بنهج معارض واضح وحاسم تلمسه الساحة السياسية وبمواقف قوية تتناقض فعليا مع مشاريع السلطة الحاكمة ومخططات قوى الشر الامبريالية التي تدعمها وتقف من ورائها لتواصل عملية تصفية الوطن ونهب ثرواته ورهن مستقبل اجياله القادمة بيد وحش الرأسمال ومؤسساته المالية الجشعة. فنهج مقاومة الاستبداد قولا ظاهرا والتماهي معه فعلا مضمرا نهج ساذج قد تعداه وعي الشارع السوداني.

(7)
تأسست الحركة الاسلامية السودانية حاضنة النظام الحاكم ومرشده الأعلى على خلفية تاريخية معادية للديموقراطية ومؤمنة بالدولة التسلطية؛ وهكذا مضت سلطة (المشروع الحضاري) إلى تغيب الديمقراطية وسعت للتخلص من الاحزاب السياسية وأوجدت برلمانات كسيحة خرساء وبكماء وصادرت حرية الصحافة والتعبير وحرية التنظيم؛ وابتكرت كل وسائل القمع والتخويف والتهميش والترهيب والترغيب من أجل البقاء في السلطة. فاستصدرت لذلك قوانين وأوامر دستورية، واحتكرت العنف الشرعي وغير الشرعي، وقدمت الأمن كأولَويّة على الصحة والتعليم، واضعة ميزانيات الأمن فوق المراقبة والمساءلة والمحاسبة. واستخدمت الاعلام في تزييف الحقائق وتزويرها، فصور الحاكم الفاشل بالمنقذ، وساد تماهي الحزب الحاكم بالدولة لتصير الدولة (دولة الحزب) عوضا عن (دولة الوطن) ومن ثم أجهزت بكل وقاحة على كافة مؤسسات الدولة فهل يعقل بعد كل هذا الفساد والإفساد الممنهج أن تطل على الشعب قيادات سياسية محسوبة على الصف المعارض لتعلن استعدادها للمشاركة في الانتخابات المزمع قيامها في 2020م بل وتسوِّق لهذه المهزلة الانتخابية معلومة النتائج وتسوِّغ لموقفها الغريب دون حياء؟!!.

(8)
لا شك في أن القيادات المعارضة التي تدعو بدعاوي التماهي الأسيفة هذه تعيش أزمة أخلاقية ووجودية لا مثيل لها في تاريخ السياسة السودانية وقد تجلى هذا التأزم في خضم معارك شعبنا وهبات شبابه العديدة ضد سلطة الاستبداد وهبة الشباب في سبتمبر 2013م خير شاهد على خزلان تلكم القيادات للشارع كما ان موكب الحزب الشيوعي الرافض لميزانية الجوع الذي سَيْرُهُ في 16 يناير، 2018 قد كشف وعرى ايضا ضعف هذه القيادات وعدم قدرتها على أداء دورها التاريخي في توجيه الحراك السياسي وقيادة الجماهير في هذه المرحلة التاريخية الصعبة. كشف بعض القيادات المعارضة لظهر الجماهير في اللحظات الحاسمة قد بين أنها تعاني من اختلالات عميقة في بنيتها التنظيمية، وطبيعتها الفكرية ، تتجلى في تذبذب مواقفها وازدواجية اطروحاتها ، وعجزها الكامل عن ممارسة اي نوع من الفعالية التاريخية في المنعطفات الحرجة.
** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
تيسير حسن إدريس 05/10/2018

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *