شريف ذهب
انعقدت بالأمس جولة جديدة من المشاورات في العاصمة الألمانية برلين بين بعض أطراف المقاومة الدارفورية ونظام الخرطوم توطئةً لمفاوضات قادمة قد تشمل بقية أطراف المعارضة السودانية، وقد استبق النظام السوداني “كدأبه” هذه المشاورات بممارسة هوايته المفضلة في شق صفوف الطرف الآخر سعياً وراء إضعاف موقفه التفاوضي من خلال البلبلة وتشتيت الجهود والأذهان معا،ً ولعل الاسافير تتحدث هذه الأيام عن فرار مجموعة جديدة من العسكريين من صفوف المقاومة الدارفورية والتحاقهم بالنظام في الخرطوم، وبغض النظر عن أهمية أولئك المنشقين من عدمه ومدى تأثيرهم على الجهة التي انسلخوا منها، فإن الأمر برمته يحكي حجم المأساة التي ظلت تلازم المقاومة الدارفورية منذ أمدٍ بعيد فيما يتعلق بمستوى الوعي والإدراك لدى الكثير من منسوبيها عن الأهداف الحقيقية التي ثاروا من أجلها وبالتالي الاستحقاق الذي بموجبه يمكنهم العودة، هذا دون أن نُسقط “بالطبع” الافتراض بأنّ الانتهازية والسعي خلف المال والشهرة قد تكون كذلك من الدوافع لدى البعض لالتحاقهم بالمقاومة، ومتى تحقق لهم ذلك هرولوا نحوها دون أدنى اعتبار لآلاف الضحايا من ذويهم الذين قضوا أو تشردوا جراء هذه القضية، وفي مثل هذه المواقف دوماً ما يحضرنا ذلك النمط من الأسئلة التي ظل يطرحها الأمام الصادق المهدي بشكلٍ دائم عن جدوى التسابق على أكل الجيفة(والذبيحةُ قادمةٌ)؟، ولعل الإجابة عند أولئك تكمن في أنّ كل ما يُقدِّمه النظام لمعارضيه هو (جيفة) قياساً على سعي النظام الدءوب في كل مرة (لتفطيس) الحلول المرجوة لقضايا الوطن!.
إنّ توعية وتأهيل الكادر السياسي والعسكري هي من أهم المطلوبات التي يجب ايلاءها الاهتمام الأكبر لدى تكوينات المقاومة الدارفورية حتى تتلافى مثل هذه الخروقات بين الفينة والأخرى.
لقد مضت حتى هذه اللحظة خمسة عشر عاماً بالتام والكمال على اندلاع الأحداث في دارفور (2003م) وبجردِ حسابٍ شامل فإنّ المحصلة النهائية- خسارةٌ فادحةٌ في كافةِ الجوانب، فالأوضاع الإنسانية للمواطنين على الأرض تزداد سوءاً يوماً تلو الآخر، والحلول الناجعة للقضية باتت في رحم الغيب قياساً على ما مضت من تسويات ومكر وخبث ودهاء النظام في إجادة فنون التهرب عن الحلول الجذرية التي تلامس أس القضية وتضع لها الحلول الناجعة، مع الوهن الذي أرهق كاهل المقاومة جراء الطعنات النجلاء المتكررة خلف الظهر، هذا الواقع يتطلب وقفة صادقة مع النفس ورسم خارطة جديدة لمستقبل قضية الإقليم والوطن برمته تكون من أُطرِها الرئيسية وحدة المقاومة في المقام الأول (وحدة حقيقية وليست صورية) ومن ثم بناء تحالفات إستراتيجية متينة مع بقية قوى المعارضة السودانية على مبدأ التفاهم الكامل على كافة قضايا الوطن بما يتيح إحداث اختراقاً فعلياً لواقع الحال في بلادنا بدءاً بتغيير البنية المفاهيمية لأحزابنا الوطنية لتصُوّب نحو الرؤية الفعلية لقضايا الوحدة الوطنية ومعاش المواطن والارتقاء بالوطن وصون مستقبله بعيداً عن الايديلوجيا العقدية أو المناطقية أو الجهوية أو القبلية.
إنّ أهم انجازٍ حققته قوى المعارضة السودانية خلال الفترة الماضية يتمثل فيما أنجزوها من تحالفاتٍ مثل (قوى الإجماع الوطني) وإعلان باريس الذي انتهى بتحالف (نداء السودان) وبالطبع (الجبهة الثورية السودانية). هذه التحالفات على هشاشتها فإنها تعطي الأمل لمستقبلٍ جديد لبلادنا قد تتمكن خلالها هذه القوى من إزاحة الكثير من رواسب الماضي والمتاريس التي ما فتئت تعيق مسيرة التطور السياسي في بلادنا ممثلةً في الصراعات الجوفاء للقوى السياسية المبنية في أحايين كثيرة على (الضرار) وليس التسابق على تقديم الأفضل للمواطن والوطن.
أما على الجانب الآخر فإن هذه التحالفات تعد من أكثر الأشياء التي تؤرق مضاجع نظام المؤتمر الوطني في الخرطوم، وقد تجلّى ذلك في الصراخ والعويل التي صرفها النظام جراء انجاز تحالف نداء السودان، وبذلك تتوجب على هذه القوى أن تتحسب بأنّ شق هذا التحالف وإنهائه سيكون الهم الشاغل للنظام ومخططه التالي والذي ستظهره دون أدنى شك جولة المفاوضات القادمة “حال تقدّر لها أن تنعقد”، وهذا يفرض على مكونات هذه التحالفات توجيه مقدارٍ كبيرٍ من جهودها للعمل في توطيد هذه الأحلاف بإكمال ما تبقت من الهياكل والتنسيق معاً بشكلٍ دائم في كافة الخطوات المقبلة صوناً لنفسها وتلافياً لما كانت قد وقعت فيها قوى التجمع الوطني الديمقراطي من أخطاءٍ أوقعتها في أفخاخ النظام لينتهي الأمر بتفتيت وحدة ذلك التجمع والوطن معاً وعودة الأمور مجددا للمربع الأول. 17/4/2018م