تاريخ الصراعات في دارفور :
في إطار بحثي المضني خلال الفترة الماضية عن المراجع التي يجب أن استند عليها في التحقيق لكتابي المرجو (الجذور التاريخية لقضية دارفور والحلول المقترحة)، فوجئت بسيلٍ من الإصدارات والمقالات الصحفية التي تم نشرها حول هذا الموضوع وأهم مصدر كنتُ ولازلت أسعى الحصول عليه هـو كتاب (دارفور عبر العصور) للراحل العميد مهندس/ أحمد عبد القادر أرباب- نائب حاكم دارفور الأسبق في عهد الرئيس الراحل جعفر نميري، وبرغم عدم تمكني من الحصول على أصل الكتاب حتى هذه اللحظة لكن الحظ قد أسعفني للوقوف على بعض الكتابات التحليلية المهمة جداً عنه، من بينها مقالة للدكتور حسين آدم الحاج تحت عنوان ( تأملات وخواطر في تاريخ دارفور القديم) بتاريخ 16/12/2015م ومقال ( حقيقة الإبادة الجماعية في دارفور) للكاتب محمود أ . يوسف ” ، لكن من بين كل تلك المقالات شدني منشور تشريحي للكتاب مهم ومفيد جداً تحت عنوان ( تاريخ دارفور) بيد أنه بكل أسف لم يتصدره اسم الكاتب وربما الذي قام بنسخه لم يشأ ايراد اسم الكاتب لحاجة في نفسه لا نعلمها، وقد قمت بنسخ أجزاء منه حرفياً لأجعلها في مقدمة هذا المنشور هذا بجانب منشور آخر عن ثورات دارفور للدكتور محمود أبكر سليمان يؤرخ لثورات دارفور فيما بعد استقلال السودان وهو يعد منشوراً تكميلياً لما ورد في كتاب المرحوم أحمد عبد القادر أرباب، وهناك مقال آخر عن حقيقة الجنجويد يعد مكملاً للكل “حتى تكتمل الصورة” عن حقيقة كل ما جرى ولا يزال يجري في دارفور، ولا أنسي بالطبع الإشارة لأحد المراجع الهامة في هذا الصدد وهو كتاب دارفور الحقيقة الغائبة للكاتب الصحفي خالد أبو أحمد والذي يؤرخ لتعاطي نظام الإنقاذ الحالي مع الأحداث في دارفور.
كل هذه المراجع أوصلتني لقناعة بأننا لسنا في حاجة لإصدارات جديدة عن هذا الموضوع بل يجب الالتفات إلي ما تم نشرها خلال الفترة السابقة واستخلاص النتائج منها ومن ثم وضع الحلول الجذرية لقضية هذا الإقليم على ضوء تلك المعطيات.
وأعود لأؤكد بأن جميع المنشورات أدناها ليس لي فيها حرفاً واحداً وإنما هي منشورات لأصحابها قمت بنقلها كما هي، أللهم إلا من بعض التصحيح في بعض الأسماء التي وردت خطأ مثل جبل (أُورِي) التي أوردها الكاتب (أروى) ” واعتقد انه خطأ في النقل يعود للكاتب وليس من أصل الكتاب” وقد أضفت كذلك في ذات الموضع -إشارة (شمال غرب مدينة كتم الحالية). شريف ذهب
أولاً / دارفور عبر العصور ( احمد عبد القادر أرباب)
الكاتب/(مجهول المصدر)
دارفور ليست فقط عنوانا على أزمة سياسية مستحكمة وإنما هي أيضا عنوان على أزمة معرفية حقيقية سببها بعض الأفكار التي تعشش في مخيلة البعض ولا ترى في حركة التاريخ إلا حركة الرجل الأبيض فقط، أما ما دونها: فهي أمور لا فائدة من الالتفات لها.
ويأتي كتاب “تاريخ دارفور عبر العصور” ليبدد كثيراً من الضبابية التي خلفتها هذه الأزمة وهو للكاتب السوداني أحمد عبد القادر أرباب (عميد مهندس) وليست هناك معلومات أخـرى عنه بالكتاب، وإن بدا من محتواه أن المؤلف الذي ينحدر من قبائل دارفـور أقرب قائد سياسي له نزعة استقلالية، وإن لم يقلل هذا من أهمية المعلومات الواردة بالكتاب” المطبوع عام 1998 في الخرطوم.
الدولة في وعي دارفور
أهم ما يكشفه الكتاب أن فكرة الدولة بكيانها المقارب للمفهوم الحديث كانت متغلغلة في أبناء دارفور، وأنهم امتلكوا قدرا من الوعي والإدراك جعلهم يؤسسون الهيكل السياسي والإداري للدولة بطريقة تضمن له الاستمرار والتطور بما يلائم طبيعة البيئة التي نشأت فيها دولتهم أو سلطنتهم التي استمرت حوالي 430 عاما دون انقطاع، ولعل تعمق مفهوم الدولة والاستقلال في بنيتهم الثقافية والإدراكية هو ما جعلهم يقومون بكثير من الثورات المتعاقبة ضد الحكم المصري العثماني لبلادهم على مدار تسع سنوات ونصف، ثم يقومون بثورات أخرى ضد سيطرة المهديين على بلادهم حتى تحقق لهم الاستقلال الذي ما لبث أن قضت عليه حكومة السودان التي كانت تابعة للإنجليز عام 1916م بعدما أبدى سلطان دارفور علي دينار تعاطفا ومبادرة لمساندة الدولة العثمانية ضد الحلفاء في الحرب العالمية الثانية (وقد انتهت بمقتل علي دينار على يد الجيش الإنجليزي عام1916م).
وكتاب “أرباب” يضع يدنا على صفحات مجهولة من تاريخ دارفور، وعلى مساحة من الوعي بمفهوم الاستقلال والوطنية في قبائل تلك المنطقة التي استطاع الإسلام صياغة شخصيتها فأكسبها مذاقا خاصا، مزج فيه العامل الديني بالوطني، والشجاعة بالإصرار والتحدي ضد سطوة القوة، وجشع المطامع التي كانت تبحث عما تختزنه الأرض من ثروات دون النظر أو الحاجة إلى من عليها من البشر.
والكتاب يتكون من ستة فصول، وهو كتاب نادر في موضوعه، ويعطي معلومات تاريخية قد تكون عوناً للباحث على تفسير بعض مواقف الزعامات والقوى مما يجري حاليا في دارفور (وإن اختلف معها في الموقف السياسي).
جغرافيا دارفور
ويبدأ الكتاب بالحديث عن الجغرافيا، وتكاد تنطبق مقولة أن “الجغرافيا قد تفسر بعضا من أحداث التاريخ” على جغرافيا دارفور؛ فهذه المنطقة الكبيرة التي تزيد مساحتها عن نصف مساحة مصر، تتميز بالتنوع في مناخها، ومن ثم التنوع فيما تخرجه الأرض من نبات، وما تختزنه من ثروات، وما ينشأ عليها من بشر (بدارفور حوالي 160 قبيلة)؛ لهذا كان مدخل الجغرافيا ضروريا في رسم الصورة الذهنية المتكاملة.
وتقع دارفور في أقصى الجزء الغربي من السودان بين خطي عرض 10 و16، وخطي طول 22/27,30 شرقا، وتحدها من الشمال ليبيا، ومن الغرب تشاد، ومن الجنوب الغربي جمهورية أفريقيا الوسطى، ومن الجنوب بحر العرب وشمال غرب بحر الغزال، ومن الشرق كثبان كردفان، ومن الشمال الشرقي الإقليم الشمالي..
ويوجد بها ثلاثة مناخات تقريبا، وهي: المناخ شبه الصحراوي في الشمال، ومناخ شبه البحر المتوسط في منطقة جبل مرة الذي يصل ارتفاعه عشرة آلاف قدم فوق سطح البحر، وفي الجنوب والجنوب الغربي تنمو حشائش السافانا.
وتبلغ مساحة دارفور حوالي (510888) كيلومترا مربعا، أي ما يعادل خمس مساحة السودان، كما أن تعداد سكانها يعادل ربع عدد سكانها، ويسكن حوالي 75% من سكان دارفور في الريف، و15% من الرعاة، و10% يسكنون المدن.
وتكثر بدارفور الجبال، فتتوسطها سلسلة جبال مرة، وهي أعلى هضبة في السودان، كذلك يوجد بها عدة جبال أخرى منها: جبل “الميدوب”، وجبل “أبو قران”، وجبل “تقابو”، وجبل “فشار”، وجبل “أم كردوس”، وجبال “الداجو”.”.
ويوجد بها نهر بحر العرب الذي يصب في نهر بحر الغزال، وروافده المتعددة، وبحيرة كندى، إضافة إلى عدد من عيون الماء العذبة، ويوجد بها عدد من الوديان.
تاريخ دارفور القديم
ثم انتقل الكاتب للحديث عن تاريخ دارفور القديم، وأشار إلى أن الهجرات التي كانت تتميز بها المنطقة نظرا لحركة القبائل العربية والأفريقية، كان لها أثرها الواضح في تاريخ دارفـور وعاداتها وتقاليدها وأعرافها؛ إذ إن الهجرات حملت معها تيارات ثقافية واجتماعية واقتصادية ودينية، أحدث بعضها تغيرات جذرية.
ونظراً لتنوع دارفور المناخي والطبيعي استوطنت عدد من القبائل المختلفة في مناطق متفرقة في دارفور، فسكنت قبيلة الفور تورا في جبل مرة، واستقرت التنجر والزغاوة والخزام في شمال دارفور، وكان لكل قبيلة زعيم يدير شؤونها مستقلاً عن أي سلطة، وكانت العلاقـات القبلية هي التي تحكم العلاقات بين القبائل المنتشرة في المنطقة، وكانت غالبيتها وثني.
وذكر الكاتب أن دارفور كانت معروفة للعالم قبل الإسلام، فقد زارها القائد الفرعوني “حركوف” وذكر أماكن زارها في جبل “الميدوب”، أما الرومان فقد عملوا على ربط دارفور بمصر طمعاً في استغلال ثرواتها، كما أن “درب الأربعين” الشهير يربط بين محافظة أسيوط المصرية وبين دارفور، كما أن كثيرا من التجار والمستكشفين من مناطق مختلفة من العالم وفدوا إلى دارفور؛ إذ كانت إحدى محطات التجارة المهمة في القارة الأفريقية خاصة منطقة حوض أعلى النيل.
الفصل الثاني: سلطنة الداجو
وعرض الكاتب في الفصل الثاني تاريخ سلطنة “الداجو” التي حكمت دارفور(بين القرن الثاني والثالث عشر الميلاديين) وكانت تستقر في المنطقة الواقعة جنوب شرق جبل مرة، وتاريخ الداجو غير مؤرخ بطريقة منظمة، ويعتمد في الأساس على الرواة وغيرهم ممن يحفظون التاريخ ويرونه في شكل قصة أو حكاية تظهر في غالبية الأحيان تاريخ البطولة.
وحكم الداجو دارفور ما بين القرن الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين، وكان تمركزهم شرق وجنوب شرق جبل مرة، وقد حكم منهم ستة سلاطين أولهم السلطان عبد الله داج وآخرهم السلطان عمر بن آمن الشهير بـ”كسافرو.”
والداجو توزعوا في خمس مناطق تركزت في كردفان (جبال النوبة حاليا) ودارفور وتشاد
وعرف عن الداجو ولعهم بالطرب والموسيقى، حتى إنهم اخترعوا بعض آلاته ومنها: الطبل “النقارة” وصفارة الأبنوس.
التنجر في دارفور
والتنجر هي إحدى القبائل التي استولت على الحكم في منطقة دارفور في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي، واستمر حكمهم إلى النصف الأول من القرن الخامس عشر، أي حوالي قرن ونصف، وينسب البعض التنجر إلى عرب بني هلال، ويذهبون أنهم أول قبيلة تُدخِل اللغة العربية إلى دارفور، ويرى آخرون أنهم من النوبيين، وهناك رأي ثالث أنهم ينتمون إلى قبائل الفور.
وكانت سلطنة التنجر موجودة في شمال دارفور عندما كان الداجو يحكمون في جنوب دارفور، وبعد زوال الداجو بسط التنجر نفوذهم على دارفور، وكانت عاصمتهم مدينة أُورِي في جبل أُورِى شمال غرب مدينة كُتُم الحالية.
اشتهر التُنُجر بالتجارة، وكانت عاصمتهم أُورِى من المدن المزدهرة في ذلك الوقت، واستطاع حاكم المدينة أن يقيم علاقات اقتصادية مع العثمانيين، وكان تجار القاهرة يمدونه بالسلاح مقابل الحصول على الذهب.
وعُرف عن التنجر عاطفتهم الإسلامية، وهناك بعض الأوقاف في المدينة المنورة تخص سلطان التنجر “أحمد رفاعة” ما زالت موجودة حتى الآن، وعُرف عنهم المرونة في الحكم وعدم اللجوء إلى القسوة في إدارة مملكتهم على خلاف ما كان يفعله الداجو، وعُرفوا بفنونهم المعمارية الجيدة، فما تزال هناك آثار لطريق مرصوف في أُورِى.
وضعفت مملكة التنجر لسيادة روح التوسع في آخر عهدها وصارت هذه المملكة متسعة جداً بحيث صعب على السلطان إدارتها؛ مما أدى إلى اضمحلالها تدريجياً، وسقوطها في أيدي قبائل الفور”الكيرا” عام 1445م.
الفور في دارفور
كان يطلق على قبائل الفور “التُورا” وهي كلمة تعني العملاق؛ إذ إنهم من طوال القامة ضخام الأجسام، وكان “التورا” يبنون بيوتا دائرية يطلقون عليها اسم “بتُورانق تونقا” أي بيوت العمالقة.
وقد استوطن “التُورا” جبل مرة، ولم يختلطوا بعناصر أخرى، وحافظوا على دمائهم وأشكالهم لاحتمائهم بالجبال، وعندما دخل الإسلام منطقتهم عرفوا بالفور، وكان الفور والتنجر بينهم مصاهرات كثيرة مما حدا بالمؤلف للجزم بأنهم من أصل واحد وهو التُورا.
وكان سليمان سلونق، أي سليمان العربي، هو أول سلطان يقوم بتأسيس دولة دارفور الإسلامية عام 1445م، وقد استطاع إخضاع (37) زعامة ومملكة صغيرة لحكمه، بعدما خاض حوالي (32) معركة، وكانت المملكة تتكون من مسلمين ووثنيين، وبدأ السلطان في تدعيم سلطته في دارفور، فقام بخلع الزعامات المحلية وولى على بلادهم زعماء جددا من أهلهم، من هذا التاريخ بدأ حكم الكيرا أو الفور أو الفور الكيرا في دارفور، (والكيرا تعني أحفاد (خيرة)-)، وقد حزن زعماء التنجر لفقدهم السيطرة على الحكم في دارفور، فكانوا إذا جلسوا مع الفور يلبسون العمامة السوداء.
واستمر الفور يحكمون دارفور ما يقرب من 430 عاما دون انقطاع، أي من سنة 1445م حتى سنة 1875م، ثم عاد السلطان الشهير علي دينار وحكمها من سنة 1898م حتى 1916م، حيث ُضمت بعد ذلك إلى السودان في 1/1/1917م، وبلغ عدد سلاطينها (27) سلطانا.
كان الحكم في دارفور فيدرالياً وكانت تسمى بسلطنة دارفور الإسلامية، حيث قسمت البلاد إلى أربع ولايات رئيسية تحت قيادة سلطان البلاد، ويساعده عدد من الوزراء (12 وزيرا)، وكان مجلس وزراء السلطان يقع عليه العبء الأكبر في اختيار السلطان الجديد بعد وفاة السلطان بالتنسيق مع مجلس الشورى.
وكان مجلس استشاري السلطنة (مجلس الشيوخ) يتكون من (12) عضوا من الأعيان، بما فيهم حكام الولايات الأربع، وكان من اختصاصه مساعدة السلطان في تسيير أمور البلاد، والمساهمة في اختيار السلطان الجديد.
وتناول الكاتب القبائل المختلفة التي يتكون منها الفور بالتفصيل، موضحاً أماكن سكنهم وزعاماتهم، وبعضاً من تاريخهم، والزعامات القبلية بدارفور عبر العصور المختلفة.
محمد علي ودارفور
وفي الفصل الرابع من الكتاب تناول “أرباب” التواجد المصري في دارفور، ودوافع حاكم مصر محمد علي باشا لضم مملكة دارفور، حيث بدأت المعارك بين الجانبين في 16/4/1821م في مدينة بارا، وهزم جيش الفور، واستطاع محمد علي السيطرة على كردفان التي كانت تابعة لدارفور في ذلك العام.
وحاول محمد علي مصالحة سلطان دارفور لحاجة مصر للنحاس من دارفور، من خلال اتفاقية في هذا الشأن، لكنه لم يستطع، وكان عهد محمد سعيد باشا بداية لانفتاح في العلاقات بين الجانبين، أما عهد الخديوي إسماعيل فكانت العلاقة فيه ملتبسة بعض الشيء، فرغم التبادل التجاري بين الجانبين فإن سلطان دارفور شعر بوجود أطماع مصرية في مملكته، ولذا قام بتجنيد عشرة آلاف جندي وسلحهم بأسلحة حديثة، وتم إدخال المدفعية في جيش دارفور لأول مرة.
وفي عهد الخديوي إسماعيل قرر السيطرة على دارفور، وأن يكون غزوها من جهتين، وهو ما دفع سلطان دارفور للدخول في تحالف مع سلطنة ودّاي المجاورة لتوحيد الدفاع والمقاومة، لكن قوة الجيش المصري حسمت الأمر، فتم إسقاط مملكة دارفور والسيطرة عليها في 24/10/1874م، ودارت عدة معارك كبيرة في دارفور ساعد فيها “الزبير رحمة” أحد كبار تجار الرقيق في منطقة بحر الغزال المصريين، واستطاع الزبير أن يهزم سلطان دارفور “إبراهيم قرض” في معركة منواشي في 25/10/1874م، وقتل في هذه المعركة المئات من أمراء دارفور وكبار أعيانها، وأطلق الكاتب على هذه الهزيمة “مذبحة منواشي إبراهيم قرض”.
ثورة السلطان بوش بن محمد الفضل
كانت فكرة الاستقلال مترسخة في أذهان أهل دارفور “على حد قول الكاتب”، فعقب هزيمة منواشي لم تضعف روحهم القتالية، بعد مقتل سلطانهم، فقاموا بتشكيل حكومة ظل تحملت عبء مسؤولية النضال من أجل الاستقلال، واستمر النضال حوالي تسع سنوات ونصف حتى تم لدارفور الاستقلال عن الحكم المصري، قامت خلالها عدة ثورات عنيفة، منها ثورة السلطان “حسب الله” في جبل مرة الذي استسلم دون مقاومة للزبير بن رحمة مما أثار غضب أهل دارفور، فقاموا بتتويج الأمير “بوش بن السلطان محمد الفضل” سلطانا على دارفور في مارس 1875م وكلفوه بمواصلة النضال من أجل التحرير.
http://www.marefa.org/images/a/a8/%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D9%86_%D8%A8%D8%A7%D8%B4%D8%A7.jpg
سلاطين باشا
وخاض الزبير بن رحمة حرباً ضارية ضد الأمير بوش استمرت خمسة عشر يوما، خسر فيها بوش كثيراً من رجاله وعتاده فاضطر للانسحاب من جبل مرة، ثم ما لبث بوش أن ُقتل أثناء مطاردة الزبير له.
لكن روح النضال لم تهدأ وتولى حكومة الظل في دارفور السلطان “هارون بن سيف الدين” الذي قام بثورة كبيرة وناهض الحكم المصري التركي لكنه قتل عام 1880م، وقامت ثورة أخرى بقيادة الزعيم “مادبو”، كما قامت قبيلة “بني هلبا” بثورة في جنوب دارفور.
وانتهى الأمر بالحكم المصري في دارفور بعد أن أرسلت القاهرة رسالة سرية إلى الحاكم المصري في دارفور “سلاطين باشا” تأمره أن يجمع قواته المتفرقة في دارفـور في منطقة الفاشر، ثم عليه أن يسلم الحكم في دارفور إلى الأمير “عبد الشكور عبد الرحمن شاتوت” وهو من أمراء دارفور، وشاءت الأقدار أن يتوفى “عبد الشكور” قبل أن يصل إلى دارفور قادما من القاهرة، وأن تقوم الثورة المهدية في تلك الفترة.
أبو جميزة الصوفي المحارب
بعد رحيل المصريين خضعت دارفور لحكم المهديين، وكان أول من تولاها من المهديين الأمير “محمد خالد زقل” بعدما سيطر عليها في (15 يناير 1884م) وكان أمراء دارفور يرفضون أن يخضعوا للمهديين، وأعلن الأمير “دود بنجة” بأنه لا يقبل بوجـود أي نفـوذ لدولة المهـدي بدارفور، وساندت كثير من القبائل “دود بنجة” فيما ذهب إليه، وهو ما جعل العلاقات متأزمة مع المهديين، لكن معنويات “دود بنجة” ما لبثت أن خارت واعترف بسلطة المهدية وقابل المهدي وأقر بالولاء له وانضم إلى صفوف جيشه.
وقد دارت معارك من أجل استقلال دارفور عن المهدية، منها معركة دارة، ومعركة ود بيرة في 22 يناير 1888م؛ وهو ما أربك موقف المهديين في دارفور.
ومن الثورات التي أرهقت المهديين “ثورة أبو جميزة” واسمه محمد زين من قبيلة أرينقة في غرب دارفور، وكان رجلا صوفيا فصيحا، وأعلن “أبو جميزة” أنه عازم على تخليص البلاد من المهدية التي أرهبت الناس وأساءت استخدام السلطة، وأعلن أن ثورته على الكتاب والسنة، وكان لهذه الثورة أهداف وأبعاد دينية وسياسية، وساندتها بعض السلطنات المجاورة مثل سلطنة ودّاي وسلطنة دار سيلا، واستقطبت ثورة أبو جميزة اهتماما عالمياً، لكن وفاته أعاقت هذه الثورة.
وفي ظل الحكم المهدي لدارفـور قامت حكومة ظل ثانية بقيادة السلطان أبو الخيرات إبراهيم قرض الذي قام بتصعيد المقاومة وساعده في هذه المقاومة جيش أبو جميزة وعدد كبير من القبائل ودارت معارك طاحنة بين الجانبين، هزم فيها جيش أبو الخيرات، لكنه لم يهدأ وأخذ في التحريض على الثورة حتى اغتيل في 9 فبراير 1891م.
السلطان علي دينار
بعد اغتيال أبو الخيرات اختار أهل دارفور علي دينار ليتولى قيادة سلطنة دارفور ورئاسة حكومة الظل لتحرير دارفور من المهدية وخاض معارك عنيفة مع المهديين منها معركة كرري التي استمرت ستة أيام في 2 من سبتمبر 1898م.
وفي هذه الأثناء تمكن السلطان حسين محمد عجيب أبو كودة من القيام بثورة والإطاحة بسلطة المهديين في دارفور في إبريل 1898م وأعلن استقلال سلطنة دارفور الإسلامية، وقال أمام الجموع الحاشدة من أهل دارفور: “يا أهلنا ربنا خلصنا من التركية والمهدية، وكل زول (أي شخص) يعيش حراً بدون عبودية، ربنا يا أهلنا أكرمنا وعتقنا”.
وكانت العلاقة بين أبو كودة وبين علي دينار من العلاقات الشائكة التي تحتاج إلى تحديد دقيق في كيفية التعامل معها؛ ولذا استشار أبو كودة رجاله الثقات في هذا الأمر، ورأى هؤلاء المستشارون أن يحارب أبو كودة الأمير علي دينار.
وقد طلب علي دينار من أبو كودة أن يتنازل عن زعامة سلطنة دارفـور وأن يتعاون معه في إدارتها، وكانت تلك الرسالة هي التي أشعلت نار الحرب بين الرجلين، وجمع علي دينار جيشا كبيرا للزحف على دارفـور، وتيقن أبو كودة أنه ليس في وسعه المقاومة، فأرسل إلى علي دينار معتذرا ومعترفا له بالسلطة في دارفـور.
أدرك السلطان علي دينار أن هناك رغبة من حكومة السودان (التي كانت تخضع لسيطرة الإنجليز وقتها) في ضم دارفـور إليها، وتقويض استقلالها؛ لذا أرسل إلى حاكم السودان “كتشنر” يعلن قبوله بالتبعية الاسمية لحكومة السودان شريطة الاعتراف به سلطانا على دارفور، وشاءت الأقدار أن تكون سياسة حكومة السودان في تلك الفترة هي عدم التدخل في شؤون دارفـور، حيث قرر الإنجليز أن يرضوا بسيادة اسمية على دارفور وترك أمرها لواحد من أبنائها؛ لذا تم الاعتراف بعلي دينار سلطانا على دارفور في مايو 1901م شريطة أن يرفع العلمين المصري والإنجليزي في عاصمته الفاشر، وأن يدفع جزية سنوية مقدارها 500 جنيه.
وقد قام علي دينار بإصلاحات في دارفـور وأقام نظاما إداريا متطورا لتسيير دفة الحكم، فكوّن مجلساً للشورى، وعين مفتيا لسلطنته، ومجلساً للوزراء وأسس جيشا وأوكل تدريبه لضابط مصري، وخاض عددا من النزاعات الداخلية لتثبيت سلطته، منها عصيان بعض القبائل، واحتلال الفرنسيين لسلطنة دار وداي المجاورة 1909م، واستسلام سلطنة دار سلا للفرنسيين.
وأثناء الحرب العالمية الأولى التي خاضتها الدولة العثمانية ضد الحلفاء جاهر علي دينار بعدائه لحكومة السودان، بل جهز جيشا لاختراق حدود السودان بقصد احتلال كردفان، وأعلن استقلاله التام عن السودان.
وقد قررت حكومة السودان السيطرة على دارفور والإطاحة بعلي دينار الذي ناصر الدولة العثمانية ضد الحلفاء، ووقعت عدة معارك بين الجانبين استخدم فيها الإنجليز الطائرات، واستطاعت القوات الغازية أن تدخل العاصمة الفاشر بعدما تحالف بعض أعضاء مجلس الشورى ضد علي دينار، فطلب السلطان “الســـــلام” فرد عليه القائد الإنجليزي بأن: “الســـــــلام يتطلب الاستســـــــلام”، وانتهى الأمر بمقتل علي دينار في 6 من نوفمبر 1916 وهو يؤم المصلين في صلاة الصبح، وأعلن في 1/1/1917م ضم سلطنة دارفور إلى السودان.
قامت ثورات في دارفور بعد ضمها للسودان منها ثورة عبد الله السحيني عام 1921م، لكنها فشلت وأعدم السحيني شنقا.
ثانياً / ثورات دارفور :
الدكتور/ محمود أبكر سليمان
تاريخ التسلسل الزمني للإجتجاجات السياسية الدارفورية ضد الظلم و عدم المساواة في السودان وتأريخ حركات دارفور الاحتجاجية ضد ظلم الحكومات المركزية المتعاقبة في الخرطوم.
1/ إحراق علم بريطانيا العظمى في مدينة الفاشر 1952م
2/حركة اللهيب الأحمر 1957م
3/ حركة سوني 1963م-1964م
4/ جبهة نهضة دارفور 1964-1965م
6/ مساهمة أبناء دارفور في الجبهة الوطنية ومجازر أم درمان والحزام الأخضر 1976م
7/ تنظيم أبناء غرب السودان 1977-1979م
8/ انتفاضة دارفور ضد الحاكم الطيب المرضي 1980م
8/ حركة داؤود يحيى بولاد 1990-1991م
9/ التحالف الفيدرالي الديمقراطي السوداني 1994م
10/ حركي تحرير السودان والعدل والمساواة السودانية 2003م.
ظهرت في إقليم دارفور بوادر الثورة والرفض في وقت مبكر نتيجة تنامي الوعي السياسي حول الحقوق و الواجبات والإحساس بالغبن تجاه المركز والظلم الذي ربما مُورس ضد الإقليم حتى في ظل الحكم الإستعمارى الإنجليزي حيث كان جلّ موظفي الدولة آنذاك و من بعد من الشمال النيلي حصريا.
(1) إحراق علم بريطانيا العظمي في مدينة الفاشر سنة 1952م الأمر الذي لم يحدث في أي مستعمرة من المستعمرات في البلاد التي خضعت للتاج البريطاني وقتئذ. أما أسباب ثورة حرق العلم البريطاني في الفاشر يقول الرواة إنه وصلت أنباء إلى مسامع أبناء دارفور الذين كانوا يدرسون في مصر بأن الإنجليز يخططون لفصل مديرية دارفور عن بقية السودان وضمها إلى جنوب السودان و كينيا و يوغندا لتكوين بلدان كمون ويلث شرق أفريقياEast African Common Wealth مثل كمون ويلث غرب أفريقياCommon Wealth of West Africa الذي يضم نيجيريا و دول الغرب الأفريقي التي تقع تحت سيطرة الاستعمار البريطاني؛ و السبب الآخر لثورة الفاشر هو أن سرت إشاعة مفادها أن الإنجليز بصدد تنصيب شخص بعينه ملكاً على دارفور حيث رتب الإنجليز لذلك الغرض معرض قبلي بمدينة زالنجى لإخراج ذلك الترتيب و أن الحاكم العام الإنجليزي للسودان سير روبرت هاو سيحضر لذلك الملتقى – للسببين هذين وصل وفد مكون من أربعة طلاب دارفور من مصر منتدباً من الجمعية العمومية لأبناء دارفور لتقصى الحقائق – ثم تتسارع الأحداث و يتم حشد و تعبئة الجماهير و يشارك سكان كل أحياء مدينة الفاشر من الطلاب و الموظفين و التجار و كل طبقات المواطنين في هبة الاحتجاج و المناداة برحيل المستعمر عن السودان و كان للمرأة حضور و قد ساهمت في تحميس الجماهير بالأغاني الحماسية كما ورد في كتاب ” من تاريخ مدينة الفاشر” للأستاذ جبريل عبد الله على رقم الإيداع595/2012. صفحة372 .
(2) حركة اللهيب الأحمر
حركة سياسية احتجاجية سلمية قامت بعد عام واحد فقط من استقلال السودان في عام 1957 و كانت الحركة تدعو إلى إصلاحات في النظام السياسي السوداني و إلى تحسن الحالة العامة للمواطن في دارفور.
(3) حركة / جبهة سوني في 1963-1964م
وهي جبهة عسكرية تضم بعض العسكريين من أبناء دارفور الذين حاربوا بجنوب السودان.
(4) جبهة نهضة دارفور 1964-1965
جبهة نهضة دارفور هي منظمة سياسية سلمية أنشأتها مجموعة ضغط مكونة من اتحاد طلاب دارفور وعدد من المنظمات الخيرية والاتحادات الإقليمية لمواطني دارفور الذين يقيمون بالخرطوم وولدت الجبهة كإطار سياسي ضمّ كل أبناء دارفور على اختلاف قبائلهم وانتماءاتهم الحزبية وكانت مطالبهم تشبه إلى حد كبير مطالب تنظيمات البجا بشرق السودان و أبناء جبال النوبة في كردفان وغيرها من التنظيمات السياسية المطلبية الجهوية والقبلية. كانت مطالب جبهة نهضة دارفور تتمثل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية مستفيدة من مناخ الحريات التي توفرت عقب ثورة أكتوبر عام 1964م ومن خلال التنظيمات السياسية حيث انصب الاهتمام الأساسي للجبهة في العمل على استقطاب أعضاء البرلمان من أبناء دارفور وبغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية لتحقيق أهداف الجبهة المتمثلة في ضرورة قيام المشاريع التنموية في دارفور وتطوير المنطقة وإنسان دارفور اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً و فضلاً على تمثيل دارفور في البرلمان القومي في الخرطوم بأعضاء من أبناء دارفور – خطوة سياسية ضد ما عرف بتصدير النواب و الانتخاب عن طريق الإشارة من زعماء طائفة الأنصار و الختمية التي كانت سائدة وقتئذ؛ ومن انجازات جبهة نهضة دارفور فوز رئيس الجبهة احمد إبراهيم دريج كمرشح مستقل كما فاز عدد من النواب في الدوائر التي ينتمون إليها وهذا الفوز يعتبر انتصاراً كبيراً للجبهة في تحقيقها لأهم أهدافها السياسية والمتمثلة في اختيار من ينوب عنهم بطريقة ديمقراطية ويمكن القول إنه أول اختراق سلمي لمواطني دارفور ضد المركز والأحزاب التقليدية.
(5) تنظيم أبناء غرب السودان1977–1979
حركة سياسية مدنية سلمية ظهرت في عهد حكومة مايو برئاسة الرئيس النميرى و يتضح من اسم التنظيم صفته الإقليمية و محليتها. لكنه كان يدعو كغيره من التنظيمات السياسية المطلبية إلى إصلاحات إقليمية و تنمية و تقدم إقليم دارفور.
(6) انتفاضة شعب السودان في إقليم دارفور في الفاشر ضد تعيين حاكم من خارج دارفور مخالفة لباقي أقاليم السودان حسب المرسوم الصادر من المشير محمد جعفر النميرى عندئذ و الذي بموجبه تم تعيين حكام الأقاليم 1980فى عام و قد كانت الانتفاضة شملت معظم مدن دارفور الكبرى و شارك فيها الطلاب بالقدر الأكبر، و من نتائج تلك الانتفاضة إقالة الطيب المرضى و تعيين أحمد إبراهيم دريج حاكماً لإقليم دارفور.
(7) مظاهرات عهد الديمقراطية الثالثة تنديداً بتدهور الأوضاع في الإقليم و طلب انتباه الحكومة المركزية إلى المشاكل و حلها في عام 1988.
(8) ثورة الشهيد داؤود يحيى بولاد – أحد كوادر الحركة الإسلامية – بعد أن حرر نفسه من الوهم و خيبة الأمل بانكشاف الخديعة وسقوط أقنعة النفاق الإسلاموية و تبين له تعامل الحركة الإسلاموية فى الخرطوم مع قضايا التهميش الذائعة فى إقليم دارفور فانخرط فى صفوف الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة الدكتور جون قرنق دي مبيور محاولاً دخول دارفور من بوابة الجنوب ومدعوما من قبل الحركة الشعبية عام 1990 – 1991.
(9) التحالف الفيدرالي الديمقراطي السوداني بقيادة الأستاذ أحمد إبراهيم دريج و الدكتور شريف حرير في عهد مايو الرئيس محمد جعفر النميرى ام 1994
(10) جماعة طلاب الحقيقة و العدالة و إصدار ” الكتاب الأسود …اختلال ميزان تقسيم السلطة و الثروة فى السودان” عام 1997
(11) حركة العدل و المساواة السودانية و حركة تحرير السودان و ظهورهما للعلن – حين سفّهت حكومة (الجبهة الإسلامية القومية) ذات المشروع الحضاري و التوجه الرسالى المزعوم – آراء الناصحين والعقلاء وضربت بها عرض الحائط فى صباح السادس والعشرين من شباط / فبراير2003م و التى تلت بعدها الجرائم المنكرة التي اشرف عليها عمر البشير وعصابته في الخرطوم ووكلائه المحليين في دارفور (الجنجويد) و محارق طائرات الانتونوف التي ارتكبت الموبقات في قتل الأطفال والشيوخ والنساء من أهل دارفور وحرق قراهم وتهجير من بقى على قيد الحياة قسرا إلى مخيمات النازحين و اللاجئين أو وراء البحار و المخاطر إلى الشتات.
(12) احتلال مطار مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور بواسطة قوات حركتى العدل و المساواة السودانية بقيادة الدكتور خليل إبراهيم محمد و تحرير السودان بقيادة المحامي الأستاذ عبد الواحد محمد أحمد نور بتاريخ 25 ابريل 2003م وهما يرددان بيت شعر الشاعر الذي نصح قومه و لم يتبيّنوا نصحه إلا بعد فوات الأوان ولاتَ ساعة مندم. كما قال أخو هوازن الذي هو دريد بن الصمة بن جثم بن معاوية بن بكر بن هوازن : نَصَحْتُ قَوْمِى بِمُنْعَرِجِ اللِّوَى وَ لَمْ يَتَبَيَّنًوا النًّصْحَ إلاَّ ضُحَى الغَدِ.
_____________________________________________________
ثالثاً/ حقيقة الجنجويد في دارفور
درج الجماجم## :هبوط هلال وصعود حميدتى
مصطفى اندوشو
بعد أن أعلنت حركة تحرير السودان تمردها في دارفور عام 2002 م و بدأت مع حركة العدل و المساواة الحديثة نسبياً شن هجمات على مراكز الشرطة و الجيش استفحل على أثره التدهور الأمني و زاد توتر الحكومة المركزية التي كانت تقود مفاوضات شاقة مع المتمردين الجنوبيين في نيفاشا و أنّ تدشين جبهة قتالية إضافية لجيشها المتهالك الذي تم تصفيته لصالح أصحاب الولاء السياسي و الخوف الناتج من عدم ضمان إخلاص الجنود المنحدرين من أصول دارفورية ,فاتخذت الحكومة خيار حشد الأهالي لعلها تعالج بذلك مؤقتا جزء من مشاكلها الهيكلية المعقدة.
فأوفدت مسئولين حكوميين هما اللواء عبد الله صافى النور و اللواء ادم حامد موسى وكلفتهما بتجييش عناصر عسكرية من بعض المجموعات العربية في دارفور ,فاستدعي الجنرالان الدارفوريان العربيان عددا من قُطّاع الطرق و النهابين و المجرمين من بعض القبائل العربية و نظموهم في مجموعات زودت بالأسلحة و منحت هويات عسكرية و أموالاً لقتال المتمردين من قبائل الزغاوة و الفور و المساليت ,مع ترويج كذبة نية المتمردين في طرد العرب من دارفور ,باستثمار العداء التقليدي بين العرب و القبائل الافريقيه الذي يعود تاريخه إلى منتصف الثمانينات.
لقد اعترض حاكم ولاية شمال دارفور الجنرال إبراهيم سليمان وقتها ,على استخدام الحكومة للميليشيات في مواجهة التمرد ,خوفا من أن يؤدي ذلك إلى فتنة قبلية و يزيد النار البادئة لتوها وقودا إضافيا ,ولإيمان سليمان بإمكانية التوصل مع المتمردين على تسوية مبكرة ,خاصة أنّ مطالبهم كانت بسيطة كما كان يعتقد سليمان ,فقام في أغسطس 2002 سعياً منه لتقليل حدة التوتر بتشديد الخناق على نشاط الميليشيات باعتقال ثلاثة من زعماء القبائل ممن يعتقد أنهم أكثر إثارة للقلاقل ,وكان من بينهم الشيخ موسى هلال عبد الله وأرسلهم للسجن في بورت سودان.
إن هجوم جماعات المتمردين على مدينة الفاشر في ابريل 2003 م,و الخسائر الفادحة التي تكبدها سلاح الجو السوداني بتدمير المتمردين خمسة من طائراته المقاتلة التي كانت جاثمة على مطار الفاشر بالإضافة إلى الخسائر الكبيرة في الأرواح و تمكن المتمردين من اسر عدد من العسكريين الحكوميين كان من بينهم ضباط برتب عليا و الاستيلاء على معدات عسكرية ضخمة ,كان بمثابة النقطة الفاصلة في تحول مسار الحرب في دارفور, أقالت الخرطوم الجنرال سليمان على الفور و عينت مكانه عثمان كبر الراديكالي الذي كان في مقدمة الرافضين لمنهج سليمان في التعاطي, و قبل الهجوم بثلاثة أشهر نقلت السلطات موسى هلال من سجنه في بورتسودان ووضعته قيد الإقامة الجبرية في الخرطوم.
لقد عجل الهجوم على الفاشر بتحرير هلال, تحت ضغوط كما قيل، مارسها كل من نائب الرئيس وقتها على عثمان طه و اللواء عبد الله صافى النور, مقابل المساعدة في قتال المتمردين و انتدب اللواء ادم حامد موسى لتنسيق عمليات حشد الجنجويد من العرب الدارفوريين و كلف الضابط موسى عبد الله بشير بحشد الجنجويد من عرب تشاد بالتنسيق مع المتمردين التشاديين الذين كانت تدعمهم الحكومة السودانية للإطاحة بنظام إدريس دبى الداعم الرئيسي لجماعات المتمردين الدارفوريين وقتها ,كما حاولت منسقية الدفاع الشعبي استخدام ذات الأساليب التي استخدمت في حشد المقاتلين إبان الحرب في جنوب السودان إلا أن الابّالة و البدو الفقراء الأميين كانوا يبتغون نقدا و ليس أيدلوجية لا تسمن و لا تغنى من جوع, كما أيد بعض زعماء القبائل العربية تجنيد أبناءهم لمكافحة التمرد مقابل الحصول على الأرض للمراعي و نيل النفوذ السياسي نظراً لأن الوزن السياسي القبلي في دارفور مرتبط بحيازة الأرض.
و للأمانة و التاريخ لقد رفض بعض نظار القبائل العربية اتخاذ قرار بتجنيد أبنائهم في هذه المليشيات و هم محمد الدود ناظر المهرية التي ينحدر منها حميدتى نفسه و إن مشاركة أبناء القبيلة في قوات الجنجويد كانت قرارات فردية لم يوافق عليها الناظر رغم الضغوط التي مورست عليه, فاستغل البشير زعماء و مثقفي بطون قبيلة الرزيقات الطموحين و الجشعين أمثال عبد الحميد موسى كاشا و عبد الله مسار, كما مارست الحكومة ضغط على مادبو من خلال تلبية مطالب قبيلة المعاليا و منح إدارتهم الأهلية درجة ناظر, وأيضاً رفض الهادي عيسى دبكة ناظر البنى هلبة القبيلة التي قاتل قوات التمرد الذي قاده بولاد في 1991, قبل أن يغير موقفه سنة 2013 بحصوله على دعم حكومي عبر ابن القبيلة الحاج ادم يوسف نائب الرئيس وقتها لأجل السيطرة على أراضى قبيلة القِمِر في كتيلا.
لقد قاتلت مليشيات الجنوجويد في بدايتها تحت غطاء القوات الحكومية التي تعرف بفرقة الهجانة, تحت إمرة اعتي مجرمان في دارفور و هما سعيد عبد حسين من إحدى القبائل العربية في كبكابية بشمال دارفور و محمد هادى عمير (دغيرشو) من الماهرية بمليط في شمال دارفور و دغيرشو الذي قتل بعد أيام من خلافات حادة كانت قد نشبت بينه وموسى هلال, هو في الأصل ابن عم محمد حمدان دقلو (حميدتى), و لا زال حميدتى و اغلب أعيان المهرية يتهمون هلال باغتيال ابنهم (دغيرشو) ,بسبب خلافات عاصفة نشبت بينهما حول نصيب قبيلة المهرية من حصة التجنيد في قوات حرس الحدود التي كان يقودها هلال زعيم رعاة الإبل من المحاميد احد بطون قبيلة الرزيقات العربية.
خلال شهور قليلة ,أصبح موسى هلال قائدا على قوة تتألف من 3 ألف عنصر من الجنجويد, اتخذت من مسقط رأسه مستريحة بشمال دارفور مقرا لقيادتها, و ابتعثت الحكومة اثنين من كبار ضباط الاستخبارات العسكرية لمساعدته في المهام الفنية,هما المقدم عبد الواحد سعيد علي سعيد بوصفه قائداً عاماً, والمقدم عبد الرحيم محمد عبد الله بوصفه رئيسا للعمليات, و كان يتلقى هذان أوامرهما من اللواء ادم حامد, وأصبح (دغيرشو) ابن عم حميدتى قبل اغتياله بعد ذلك بعامين حارساً شخصياً لموسى هلال ,ويعتبر (دغيرشو) أول من غرس البذرة الأولى للتنافس القبلي العربي على زعامة قوات الجنجويد, خاصة بين قبيلتي المهرية و المحاميد و الذي كان فيما بعد عامل في تشظى المليشيات العربية ,و فقدان سيطرة الحكومة عليها, المهم ,كان وجود قوات هلال في شمال دارفور عنصر مهم في تبديد مخاوف الحكومة بشان امن الفاشر ,ليتحول قلقها فيما بعد إلى شواغل جدية بشان تحصين مدينة نيالا بجنوب دارفور من إن تتعرض لنفس سيناريو الهجوم على الفاشر.
وهنا برزت الحاجة إلى قوة مماثلة لقوات موسى هلال يوكل إليها مهمة حماية مدنية نيالا ومنع المتمردين من الحركة خارج مرتفعات جبل مرة, و كان وقتها حميدتى مغبون من المتمردين الذين اتهمهم كما يدعى بسرقة أكثر من ألف من ابل أسرته و خطف أكثر من 80 شخص من أهله في جنوب دارفور بواسطة أشخاص يقول حميدتى إنهم من جنود قبيلة الزغاوة في حركة تحرير السودان, فاستغلت الاستخبارات العسكرية الفرصة و استقطبت محمد حمدان حميدتى ابن فخذ أولاد منصور من المهرية ثالث أكبر بطون الرزيقات ,التي تعيش في المنطقة الواقعة شمال غرب مدينة نيالا, وقامت بتوظيف غبنه و منحته أموال و معدات و أسلحة و أوكلت عليه مهمة حماية نيالا. و لاحقا في ديسمبر 2006 دعاه الرئيس البشير في منزله في الخرطوم و كلفه بشن حملة عسكرية على منطقتى (امسدر و كاريارى) لتحريهما من سيطر المتمردين, و كمكافأة لجهود حميدتى في تنفيذ أوامر الحكومة قام على محمود والى جنوب دارفور وقتها عام 2007 بتعين حميدتى مستشارا امنيا في منصب صوري تنحصر مهامه الوظيفية في تامين موكب الوالي خارج مدينة نيالا.
وعلى الرغم من الدور القتالي للجنجويد الذين يمثلون العنصر العربي في دارفور بشكل غير رسمي, إلا أن العرب و مصالحهم غابت عن محادثات السلام التي كانت تجري وقتها في العاصمة النيجيرية ابوجا, وبسبب قلقهم المتزايد بعدم تمثيل الحكومة لمصالحهم و تجاهل مطالبهم المتعلقة بإعادة النظر في سياسة تمليك الأراضي و تنظيم مسارات الترحال و الرعي لماشيتهم في بنود اتفاقية ابوجا ,وبسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدها العرب الجنجويد فئ الأرواح و الماشية و تدهور علاقتهم مع جيرانهم التقليدين من القبائل الإفريقية و انغلاق ممرات الترحال و التجارة و تدهور الخدمات في مناطقهم، كل هذه الأسباب مجتمعة جعلت البدو ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أكثر بؤسا من النازحين الذين يحصلون على مساعدات و تعاطف من قبل الغرب، وبتوقيع اتفاق ابوجا سنة 2006 و التي عين بموجبها ابن الزغاوة منى اركو مناوى أعلى مساعدي الرئيس و هو قائد الفصيل الوحيد الذي وقع على الاتفاقية التي نصت على تحييد و نزع سلاح الجنجويد الذين باتوا لا يضمنون أمنهم إلا بالسلاح كنتيجة حتمية لطبيعة الجرائم التي ارتكبوها في حق الآخرين, فتأكد للعرب الجنجويد من إمكانية أن تتخلى عنهم الحكومة لأجل شركائها الجدد.
و نتيجة للأسباب أعلاها بالإضافة إلي دوافع شخصية أخرى شرع أقوى قادة الجنجويد (حرس الحدود) موسى هلال و حميدتى دقلو في محادثات سرية مع حركة العدل و المساواة عبر وسطاء, تكللت بتوقيع حميدتى و هلال على اتفاقين منفصلين مع حركة العدل و المساواة بعد شهرين من توقيع اتفاقية ابوجا للسلام, كانت بفضل مفاوضات أجراها كل من ابن شقيق هلال ,محمد حسن هلال المحامي المقيم بالخليج و شقيق قائد حركة العدل و المساواة د/ جبريل إبراهيم الذي كان مقيما في السابق في الخليج, كانت أهم بنود الاتفاقين ,وقف العدوان ,فتح الممرات الرعوية و التجارية و الإنسانية.
مع الضغوط و الاتهامات الدولية التي بدأت تنهال على الحكومة بسبب دعمها و رعايتها لقوات الجنجويد التي اتهمت بارتكاب جرائم منظمة وشنيعة في حق القبائل الإفريقية ,قسمت الحكومة قوات حرس الحدود التابعة لموسى هلال تحت إشراف الضابط العقيد صلاح مصطفى إلى ميليشيات قبلية منفصلة, لكل منها معسكرها و حصل دغيرشو الذي أنشأ علاقة مباشرة مع رئيس المخابرات العسكرية عوض بن عوف بعد سفره للخرطوم الذي اشتكى فيه من التمييز الذي تلقاه المهرية من قبل موسى هلال, فسمح له بلواء منفصل اتخذ من بلدة مليط مقرا له, كانت عملية تفريق قوات الجنجويد خطوة اتخذتها الحكومة بغرض إضعاف نفوذ موسى هلال المتزايد, و توسيع عملية استقطاب و توريط المزيد من القبائل العربية التي أسال لعابها الفوائد الآنية التي حصل عليها هلال كفرد و المحاميد كعشيرة, و في نفس الوقت كانت خطة لتشتيت أنظار العالم من هذه القوات.
و بعيد استدعاء الرئيس البشير في سبتمبر 2006 للقائد الجديد حميدتى للقائه في للخرطوم ,اكتسب المهرية نفوذاً متزايداً على حساب غريمهم موسى هلال زعيم المحاميد ,لقد أغضبت هذه الخطوة أعيان المحاميد الذين اتهموا الحكومة بالسعي لإضعاف هلال عن طريق تحويل الموارد إلى المهرية ,وارتفعت حدة التوتر بين المحاميد والمهرية في شهر أبريل 2007 عندما قتل دغيرشو في حفل زفاف بعد أيام قليلة من قيام رجاله باعتقال 12 من رجالات موسى هلال بالقرب من غولو ,رفضت المهرية الدية و المزاعم بأن قتل دغيرشو كان سهواً نتيجة لإطلاق أعيرة نارية احتفالية, و طالبوا بحياة موسى هلال ,ولإظهار الوعيد بشكل جدى انتقل حميدتي إلى مليط وهدد باقتياد لواء دغيرشو إلى المتمردين في جبل مرة إلا إذا منحت الخرطوم رواتب الجيش ل 500 من رجاله, ودفعت تعويضات لأسر الذين سقطوا صرعى في القتال, والتصديق للمهرية بنظارة ومحلية, أما موسى هلال رفض وساطة الحكومة وأرجع وفدها الذي كان يضم صافي النور وعثمان كبر, و الاستعداد للحرب ضد المهرية بقيادة حميدتى ,و بعد شهور من التوتر و الحشد اتفق الطرفان على تسوية الخلاف كما يبدو في مايو 2007 بعد أن اقسم موسى هلال على المصحف بأنه لم يكن له ضلع في وفاة دغيرشو ووعدت الخرطوم بتقديم 50 مركبة و 500 ألف دولار للمهرية.
اشتدت مخاوف العرب من جديد توجسا من وقوع خيانة بعيد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتين باعتقال اثنين أحدهما على كوشيب احد ابرز زعماء المليشيات العربية في غرب دارفور, و في نفس الوقت فشلت الخرطوم في الوفاء بوعودها للمهرية و بذلك مهدت الطريق لأعظم تحد لسلطتها في دارفور منذ بدء الحرب, و بدأت في شهر اغسطس2007 شائعات بتمرد حميدتى على الحكومة تأكدت في شهر أكتوبر من نفس العام ,عندما هدد رجاله باقتحام نيالا ما لم تدفع لهم رواتبهم المتأخرة منذ مدة طويلة, وأدعى حميدتى في نوفمبر بأنه أقام تحالفاً مع جماعة متمردة عربية جديدة، اسمها الجبهة الثورية السودانية بقيادة مهندس كمبيوتر يدعى أنور خاطر من أولاد عيد وهم فرع من المحاميد وجاء في بيان باسم الجبهة الثورية السودانية وصف حميدتى ب(القائد الأعلى ) و أنور خاطر (الأمين العام ) ,لقد احدث انشقاق حميدتى ومعه ما لا يقل عن 70 مركبة مسلحة تسليحا ثقيلا, اكبر تحول في التوازن العسكري في دارفور منذ بدء الصراع.
قال حميدتي الذي أطلق على حركته المتمردة وقتها قوات الوعد الصادق, إنه يقاتل من أجل تحقيق العدالة للعرب, وقال في لقاء أجرى معه في سنة 2009 ,إن السبب الرئيس لتمرده هو تعيين الزغاوي ميني ميناوي كبيراً لمستشاري الرئيس ,في وقت لم يحصل العرب الذين قاتلوا مع الحكومة على رواتبهم ولا تعويضات عن قتلاهم وجرحاهم في الحرب, كما لم تقدم لهم الخدمات الصحية أو البيطرية أو المدارس أو الماء, وأن طرق هجرة مواشيهم ما لبث المتمردون يوصدونها, لقد أقام حميدتى معسكر لرجاله في منطقة بوسط دارفور بالقرب من زالنجى قضى به مدة ستة أشهر, يبحث عن رعاية و اعتراف إلا أن جهوده كللت بالفشل عندما رفضته ليبيا وتشاد والأمم المتحدة والولايات المتحدة, و في تلك الأثناء نشب خلاف بينه و حليفه أنور خاطر و نفدت أمواله, فقال حميدتي انه كان لديه خياران, الانضمام للحكومة مرة أخرى, أو أن يصبح (جنجويد) وهي بلغة العرب البدو في دارفور تعني لصاً, و في مطلع سنة 2008 عاد حميدتي إلى حضن الحكومة مجددا.
ما زال الغموض يكتنف دقة شروط الصفقة التي أرجعت الخرطوم بموجبها حميدتي, لكن ما سرب منها أن حميدتى طلب من الحكومة تنمية منطقة أم القرى ,و تعينه برتبة فريق في الجيش و التصديق بنظارة لعمه دوغلو جمعة ومنصب مفوض لشقيقه عبد الرحيم حمدان دوغلو ومبلغ نقدي مقداره مليار جنيه سوداني لنفسه، ونصف هذا المبلغ لتعويض المقاتلين ,و بالفعل أوفت الحكومة بمعظم هذه البنود و أدرجت 3 آلاف من رجاله في الجيش النظامي برواتب الجيش ووعدت بتعين 300 ضباط بعد خضوعهم للتدريب المطلوب.
لم يكن تمرد حميدتى العصيان العربي الأول و الوحيد في الإقليم ضد الحكومة لقد تمرد أيضا بعض أبناء العرب في تلك الفترة مطالبين بتمثيل مستقل للعرب في محادثات السلام و قسمة الثروة و السلطة و كان من بينهم قادة يؤمنون بخط جماعات المتمردين الرئيسية بشان مظالم الإقليم من قبل الحكومات المركزية ,و على سبيل المثال كان من مؤسسي حركة التحرير كل من صلاح محمد عبد الرحمن (أبو السرة) من عشيرة عبد الحميد موسى كاشا و مؤسس جيش القوات الشعبية لاحقا,و الجبهة المتحدة للقوات الثورية بقيادة ياسين يوسف المنشق من ابو السرة , فضلا عن انضمام أعداد مقدرة من أبناء العرب من بينهم أسماء بارزة إلى حركة تحرير السودان و حركة العدل و المساواة.
بعد تفريق جنود هلال و تحطيم نفوذه و خضوعه لرقابة مشددة من جانب الاستخبارات العسكرية باعتباره غير موثوق, حالياً يعتبر حميدتى أحد أقوى الزعماء شبه العسكريين في دارفور وأضحت قبيلته المهرية منظمة و مسلحة بشكل متزايد خاصة في منطقة دامرة غرير, و لا زال يمارس زعماء المهرية ضغوط على حميدتى خاصة بعدما أبصروا الفوائد الكبيرة التي حصل عليها هلال و المحاميد من اتفاقهم مع الحكومة, و التي من بين مزاياه أن تساعد الحكومة المحاميد على تملك الأرض التي تمتد من شمال مستريحة حتى الحدود الليبية, لقد أثمرت ضغوط حميدتى التي مارسها على الحكومة بتعيينه ضابط برتبة عميد في جهاز الأمن و المخابرات الوطني رغم انه اقل من طموح حميدتى الذي كان قد طلب رتبة فريق في الجيش, لكن بالنظر إلى أن جهاز الأمن يعتبر الحاكم الفعلي للدولة في الوقت الحالي, نستطيع القول أن حميدتى الآن يتمتع بسلطة أقوى من سطوة الجيش السوداني الذي استبدل بقوات مرتزقة تحت إمرة حميدتى نفسه, و لنا في اعتقال رئيس حزب الأمة خير دليل..
و على ما يبدو أن هلال استنفد كل كروت ضغطه على الحكومة لاستعادة موقعه الذي سطي عليه حميدتى, فما عاد إعلان تمرده مجدي, مع فشل مجلس الصحوة الذي أسسه في إيجاد أرضية له في دارفور و غسل يديه من الدماء, كما أن التلويح بكرت شهادة الملك غير مثمر في حالة العجز الكامل التي تعانى منه المحكمة الجنائية الدولية منذ مارس 2009 في مواجهة البشير و أعوانه, و إن المقارنة معدومة بين قوات هلال (حرس الحدود) التي لم تتجاوز ألف فرد في حوزتهم فقط حوالي 60 عربة و بين قوات الدعم السريع تحت قيادة حميدتى التي تجاوز قوامها الثمانية ألف جندي مزودين بمعدات عسكرية حربية ضخمة, و رغم انفضاض الانتهازيين من سامر هلال إلا أن ذلك لا يقلل من فرص الرجل الماكر في إحداث أى اختراق.
مايو 2014م 29