عثمان نواي
(قال دانيال بيكيلي، رئيس قسم أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “حمم القنابل مزقت الأطفال إلى أشلاء بالفعل وأحرقتهم أحياء مع أشقائهم وشقيقاتهم”، وأضاف قائلاً: “هؤلاء الأطفال عاجزون عن الحصول على غذاء كاف ورعاية صحية أو تعليم، والوضع يزداد سوءاً.” هيومن رايتس ووتش، تقرير ازدياد إعداد الأطفال القتلى والمصابين تخت وطأة الحرب. 2015
ان أشلاء الأطفال التي قطعتها قنابل الانتنوف والقنابل العنقودية حصدت ما لا يقل عن 50 طفلا في عام واحد بين قتيل وجريح . ففي 2014 و2015 حسبما رصدت منظمة هيومن رايتس ووتش والتي تمكنت من زيارة 13 قرية فقط في جبال النوبة في هذا العام. ان المنظمة حذرت بأن القتل الذي يتعرض له الأطفال في جبال النوبة هو قتل وحشي ويتم عبر القصف بالبراميل المتفجرة والقنابل الحارقة والعنقودية والمحرمة دوليا.
في مايو 2016 بعد عام من تقرير هيومن رايتس ووتش قتل 6 أطفال وجرح آخرين خلال قصف حكومي على قرى في المناطق المحررة وكانت صورهم تجوب العالم في حين كما يظهر في الفيديو أدناه كان الدكتور كاتينا قلب جبال النوبة الشافي يقوم بمداواة جروح قاتلة مات على إثرها بعض الأطفال بعد ذلك حيث أن جروحهم كانت من الدرجة الرابعة.
هذا المشهد لا يبتعد كثيرا عن مآسي الصدمات النفسية التي تحطم طفولة الآلاف من هؤلاء اليافعين وتقتل براءتهم وتجعلهم شهود في مرحلة مبكرة من عمرهم على وحشية البشر في أقصى واقسي صورها. وهنا تصبح نفوس وأرواح الأطفال الذين لم تصبهم القنابل ولكنهم شهدوا على قصفها واعتادوا على صوت ازيز الطائرات التي تحملها، تصبح أرواح ونفوس هؤلاء الأطفال أشلاء تحملها أجساد خائرة من التجويع الإجباري الذي تفرضه عليهم حكومة الابادة الجماعية.
على مستوى المستقبل أيضا تمتد المأساة حيث حرم الآلاف من الأطفال واليافعين من صحبة الاهل والوالدين وأصبحوا يتامي ومشردين. هذا إضافة إلى الحقيقة الأسوأ وهي انهم سيعانون دوما من فارق كبير جدا عن أقرانهم في بقية السودان نتيجة لفقدانهم لأي فرص تعليم شاملة تجعلهم مؤهلين لقيادة مستقبلهم بكرامة. الأمر الذي يصنع دائرة مغلقة من التهميش والإقصاء الناتج عن الفوارق الاجتماعية والتعليمية والتي تجعل هؤلاء الأطفال في المستقبل في الخطوط الخلفية للمنافسة في سوق العمل والقيادة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بالتأكيد.
أن منهجية الابادة وسياسة الأرض المحروقة اول ما تخرق ليس الشجر والمنازل والمزارع بل تحرق مستقبل الأطفال في جبال النوبة وغيرهم من مناطق. ولهذا فإن تحدي إعادة التأهيل والتمييز الإيجابي والعلاج النفسي لهؤلاء الأطفال المتأثرين بفظائع الحروب يجب أن يكون أولوية قصوى لكل ذو ضمير إنساني يعمل و يهمه أن يستقر السودان يوما ما وان تندمل جراح الحروب والصراعات وان تشفي القلوب التي في الصدور من هذا الألم المزمن الذي قتل ألاطفال في شعبنا وجعلهم أشلاء دفن بعضها في حين أصبح البقية أشلاء يحماون بعضا من الروح البشرية الممزقة بآلام الصدمة من هذا العنف والدمار الذي يجعل الحياة عقاب دائم بلا ذنب عبر قصف مستمر بلا سبب مفهوم لدى هؤلاء الأبرياء الذين لايعلمون لماذا يكرههم أشخاص لا يعرفونهم لهذه الدرجة..
أن أي مخرج لهذه السودان من أزمته الراهنة لا يتضمن الحلول العملية الحقيقية التي تضمد جراح ضحايا الحروب الحقيقيين، فهي حلول وهمية لن تحل الأزمة على الإطلاق بل ستزيدها سوءا . خاصة وأن الآلاف من الأجيال الشابة والأطفال الذين تربى بعضهم تحت القصف حتى وصل وتخرج من الجامعات كما هو حال أبناء دارفور الذين عاش بعضهم كامل طفولته وشبابه داخل المعسكرات، تحت هجمات الجنجويد وعنف النظام. فهذه الأجيال تحتاج إلى معينات والي دعم كبير حتى تغلق الفجوة الكبرى في مستوى التعليم وتستطيع التعامل مع الحياة بإيجابية بعد كل هذه التجارب المريرة والمؤلمة. ان هذه الصور التي توثق لهذه البشاعة وهذه الجرائم يجب أن تشكل ذاكرة الشعب السوداني ككل وتصنع العبرة التاريخية حتى لا تتكرر مثل هذه الفظاعات ابدا.
[email protected]