بسم الله الرحمن الرحيم ..
المعارضة السودانية ضعيفة لإسقاط النظام القائم بحجة نشوء فراغ دستوري بعد التاسع من يوليو .
عبدالغني بريش اللايمى … الولايات المتحدة الأمريكية .
[email protected]
قامت المعارضة السودانية اخيرا من نومها العميق وهددت النظام القائم في السودان بإجراءات دستورية ما بعد تاريخ 9 يوليو 2009 ، بقولها ان النظام القائم يعتمد في شرعيته على اتفاقية السلام الشامل الموقعة في 9 يناير 2005 بين الطرفين – الحكومة والحركة الشعبية .. قائلة ان مصدر الشرعية انتقل من اتفاقية بين الطرفين إلى دستور انتقالي يلزم الأمة السودانية كلها .. مضيفة إلى انه لا يجوز لمفوضية الانتخابات ان تحدد ميعادا لإجراء الانتخابات – لان ذلك محدد في الدستور ولا يجوز اصدار قرار يخالف ما ورد في الدستور .. والمعارضة بكلامها هذا ربما نست أوتناست عدم شرعية النظام ابتداءاً ، ذلك ان الوضع غير الشرعي لا يؤسس أبداً لوضع شرعي – أي ما ” بُني على باطل فهو باطل ” بمعنى ان النظام القائم في السودان أصلاً نظام باطل لاعتداءه على الشرعية الشعبية والديمقراطية في ليلة 30 من يونيو 1989 منقلبا على حكومة منتخبة من قبل الشعوب السودانية ، محظراً عمل الأحزاب السياسية في كل البلاد ، معلناً حالة الطوارئ والعمل بالأحكام العرفية ، ملقيا بكل المعارضين في سجونه.. الخ .. فحديث المعارضة السودانية عن نشوء شرعية لاحقة بموجب نيفاشا يعكس ضعفها وهوانها وهشاشتها السياسية .
يكاد يتفق كل السودانيين علي أنه لا يوجد ما يمكن تسميتها ” بالمعارضة السياسية ” بمعناها الصحيح في السودان ، باستثناء بعض الحركات العسكرية المسلحة ، ذلك أن القمع والقهرالحكومي لهما اليد الحديدية العليا علي الساحة السياسية السودانية لفترة طويلة .
وبما ان النظام القائم في السودان قد ساهم فعلا في اضعاف الأحزاب السودانية المعارضة عن طريق اعتقال قياديها وناشطيها ، وشراء ذمم بعض قياديها ، وزرع الفتن والانشقاقات في صفوفها .. الخ ،، إلآ ان المعارضة السياسية في السودان بصفة عامة تشوبها كثيرا من العيوب – منها :
* عدم اعتمادها على قواعدها الجماهيرية – أي هي مجرد معارضة مكاتب .
* احتدام الصراعات والانقسامات الداخلية في صفوفها .
* تقليدية خطابها السياسي وعدم مواكبتها التطورات العصرية المتلاحقة .
* ممارستها الكذب والخداع وغياب الشفافية والوضوح في نظامها الداخلي .
* تسلط كبار قياديها على صغار الأعضاء وغياب الحوار الديمقراطي فيها .
* وقوعها في فلك الأنظمة الحاكمة بكل سهولة وعدم قدرتها على مقاومة ضغوطها وشروطها .
* الصراع على الأوهام بين المحافظين والمجددين .
* … الخ .
وإزاء هذه العيوب التي تعاني منها المعارضة السودانية .. وجدناها معزولة تماما عن جماهيرها وقواعدها ، مقطوعة الصلة بالواقع السياسي ، غير قادرة علي التحديات الكبيرة والتغيير ، عاجزة على مجابهة الاستبداد والديكتاتورية والقهر والقمع في السودان لعشرين عاما ، وأدت كل هذه العيوب إلى تراجع نفوذها السياسي في الشارع السوداني .
وفي ظل هذا التخبط والشخبطة السياسية التي يمر بها السودان ، فقد المواطن السوداني الأمل في هذه المعارضة التي تحاصرها الآفات والأمراض السياسية من كل جهة كما قلنا ، كما فقد الأمل كلياً في النظام الاستبدادي الحاكم – أي لا رجاء من كلاهما – بمعنى ( البحر خلفه والعدو أمامه ) .
أن تفجر الخلافات بين فصائل وتيارات المعارضة السودانية المختلفة ، وعدم اتفاقها على رؤية سياسية واضحة في هذه المرحلة التاريخية الضاغطة على السودان ، سببت مضاعفات سلبية على الحاضر ومستقبل الحركة السياسية والديمقراطية في السودان ، ويبدو أن تلك المضاعفات السلبية الملأزمة للمعارضة السودانية لن تتوقف عند تشتت الأحزاب التي كونت ” التجمع الوطني الديمقراطي المعارض ” ، بل امتدت الأزمة لتشمل كل الأحزاب والجماعات السودانية المعارضة ” خارج هذا التجمع – كالأمة – والشعبي .. الخ – مما يعني ازدياد مشاعر الاحباط واليأس السياسي لدى الشارع السوداني .
الشيء المحزن حقا في هذه الأيام هو قول المعارضة بان النظام القائم في السودان سيفقد شرعيته بحلول التاسع من يوليو 2009 ، وكأن هذا النظام كان قد اكتسب شرعية ما خلال حكمه الطويل الذي امتد لعشرين سنة !! . ان هذا القول والكلام يثير شكوكا حول قدرة المعارضة على تقديم بديل لحكومة الإنقاذ القمعية ، بل هي بهذا الكلام الاستسلامي والانهزامي تقدم مبررات وذرائع للحكومة لتمارس مزيدا من العنف والقمع والاستبداد والارهاب بحق معارضيها وخصومها .. كما ان المعارضة تعلم علم اليقين أن اثارة موضوع نشوء فراغ دستوري بعد تاريخ التاسع من يوليو 2009 يدخل في سياق المناورة السياسية والضحك على الذقون .. بل ان رهانها على نشوء فراغ دستوري حتى تقوم هي بإنجاز تغيير ديمقراطي في البلاد هو رهان خاسر !! .
الرهان الوحيد الذي يمكن ان يأتي بنتائج مضمونة على المعارضة هو اعتمادها على الشارع السوداني الزهجان من الوضع المزرئ القائم في بلاده ، وهذا الشارع وحده اذا اقتنع بوجهة نظر المعارضة قادر على احداث تغيير حقيقي وديمقراطي في السودان ، وهذا أقصى ما يمكن أن تذهب اليه المعارضة السودانية في تعاطيها مع النظام القائم اليوم .. أما اطلاق التهديدات الوهمية تجاه الحكومة باجراءات دستورية – فلن تنفع ابدا ، بل هذه التهديدات ستزيد من غطرسة النظام وقمعه لمعارضيه دون هوادة .
المعارضة السودانية مطالبة الآن بتجميع كل قواها وتنظيم نفسها في تكتل سياسي واحد ( ولو مؤقتاً ) حتى يتسنى لها هزيمة حزب المؤتمر الوطني في الانتخابات العامة في عام 2010 ، لأن هذه الحكومة رغم مجيئها إلى السلطة بانقلاب عسكري مشؤوم – إلآ انها حكمت البلاد لعشرين عاما دون أي مقاومة تذكر من قوى المعارضة السياسية المختلفة في السودان – فليس هناك ما يمنعها من الاستمرار في الحكم لمدة سنة أخرى حتى حلول موعد اجراء الانتخابات العامة في ابريل 2010 ، فعلا ما الضجة الكبرى من المعارضة .. وعلا ما تمسكها بالقشور وسفاسف الأمور !! .