هل يأكل الانصاري كبد الختمي في السودان كما يفعلون في العراق وسوريا ؟

هل يأكل الانصاري كبد الختمي في السودان كما يفعلون في العراق وسوريا ؟

ثروت قاسم

[email protected]

1- حوار الساعة ؟

في يوم الخميس 22 والاثنين 26 فبراير 2018 ، نشر الاستاذ عثمان ميرغني في صحيفة التيار الغراء ( حوار الساعة ) ، الذي اجراه مع الدكتور منصور خالد .

تناول الدكتور منصور في حواره المفيد والممتع في آن كثيراً من المواضيع التي يستحق كل موضوع منها وقفة ، بل رجعة حركة ورا ، للتدبر والتأمل .

سوف نكتفي في هذه الحلقة الثانية من المقالة بمناقشة ما تفضل به الدكتور منصور خالد من روئ حول الطائفية ، وطائفة الانصار في السودان .

2- الطائفية والدكتور منصور خالد ؟

شن الدكتور منصور هجوماً مقذعاً ضد الطائفية في السودان ، وختم هجومه بقوله نصاً :

( وكنت أتمنى ان امسح من تاريخ السودان هيمنة الطائفية … ) .

ياللهول … يمسح الدكتور منصور الطائفية من تاريخ السودان هكذا ضربة لازب .

وإذا المؤودة سؤلت : بأي ذنب قُتلت ؟

نزعم ان رفض الدكتور منصور المطلق للطائفية ، مثل تأييد البعض المطلق للطائفية بدون تحفظات … كلاهما غير علمى، وغير عملى.

ولكن من العقل والعقلانية ان نحرر اولاً ماذا نعني بالطائفية ، ثم نبرر تاييدنا او رفضنا بالادلة والبراهين .

وهذا ما سوف نحاول تناوله في هذه الحلقة من المقالة .

ونحن تلامذة الدكتور منصور وحوارييه ، نقول :

اولاً :

نستعمل في هذه المقالة تعبير ( طائفة الانصار ) لانه ورد على لسان الدكتور منصور . رغم أن الانصار ليسوا ب ( طائفة ) حسب المفهوم الشائع للطائفية . بل يتحفظ الانصار على تسميتهم ب ( طائفة ) الانصار .

في هذا السياق ، وحين استعمل اليهود كلمة ( راعنا ) بعد لىّ اللسان لغير المقصود منها ، كمن يقول السام عليكم … قالت 104 البقرة :

يايُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا …

ونحن نقول :

لا تقولوا طائفة الانصار وقولوا كيان الانصار ، تجنباً للإلتباس غير المقصود في المفهوم الشائع لرجل الشارع لكلمة ( طائفة ) ، التي تفوح منها روائح الكراهية والبغضاء والعصبية على اساس ( هذا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ ) .

القرآن معجزة لغوية . يعلم كيفية استعمال الألفاظ واختيار الكلمات وتكوين الصور الفنية ، حتى في الإستعمال اليومي . وليس منها اللولوة كما في تعبير السام عليكم ، والمفهوم الشائع لكلمة طائفة .

ثانياً :

نقتبس ادناه من مقولات الامام الاكبر عليه السلام حول المذاهب وبالتالي الطائفية الدينية والمشايخ ، ورفضه القاطع للمذاهب والطائفية ، ورفضه التسليم الأعمى برأي المشايخ ، مشدداً إن مذهبه هو الكتاب والسنة .

قال :

هؤلاء الأئمة جزاهم الله، فقد درّجوا الناسَ ووصّلوهم إلينا، كمثَلِ الراوية وصلّت الماء من منهلٍ إلى منهل، حتى وصّلت صاحبها للبحر، فجزاهم الله خيرًا. فهم رجال، ونحن رجال، ولو أدركونا لأتبعونا. وأن مذهبنا هو الكتاب والسنة، وقد طرحنا العمل بالمذاهبِ، ورأيِ المشايخ .

احدثت الفكرة الانصارية ثورة فكرية على جبهتين ، وفي آن واحد .

+ دمرت الفكرة الانصارية متلازمة المذاهب والشيوخ الذين يسبحون بحمد السلطان ، وهي المتلازمة التي استجلبتها الخديوية معها لتستخدمها ذراعاً لتثبيت سلطانها . كانت مرجعية الخديوية في السودان الآية 59 في سورة النساء :

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ( وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ ) …

وهي الآية التي تلاها محمد ابوالسعود ، نائب حكمدار الخرطوم يوم السبت 17 رمضان 1298 هجرية في الجزيرة ابا لإقناع الامام الاكبر عليه السلام بطاعة ولي الامر الخديوي توفيق .

+ كسرت الفكرة الانصارية احتكار تفسير الدين بواسطة رجال الدين والمشايخ . واعتبرالامام الاكبر عليه السلام ان وظيفة الفكرة الانصارية هي احياء الدين ، وإعتبار الفكرة الانصارية راياً في الدين ، وليست إحتكاراً للدين في ذاته ، على هدي :

وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين .

ثالثاً :

من هم الانصار ، وما هي الأنصارية ؟

+ كل وجميع من نصر الله فهو انصاري من انصار الله ، بدون اي تمييز ، ولا وجود البتة لمفهوم ( هذا مِن شِيعَتِهِ وَهَٰذَا مِنْ عَدُوِّهِ ۖ ).

+ الانصارية فكرة تهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم .

+ الانصار من الذين قالوا ربنا الله ثم إستقاموا .

+ الأنصارية دعوة وظيفية ، وظيفتها الأساسية ( إحياء ) صحيح الدين وبسط العدالة الاجتماعية .

+ نعم وحقاً وصدقاً … الانصارية دعوة وظيفية، وظيفتها شخص قوي هداه الله وهدى به ، والذي لم يهده الله ولا هدى به ، هذا شخص ما مهدي ، أو كما قال السيد الامام .

+ الانصارية رسالة عابرة للإثنيات والديانات والثقافات والمناطقيات ، وموحدة لهم .

+ الانصار هنا من اجل الانسان الآخر .

+ الانصار من الذين لهم قدم صدق عند ربهم .

+ الانصار يقفون في مقدمة الصفوف تأثيراً وتنويراً وريادة وجهاداً بالمحبرة ، وهم الذين يتحملون العبء الاكبر في تشكيل رؤية المستقبل وصياغته وتحديد ملامحه .

+ مرجعيات الانصار في التعامل مع الآخر ، خصوصاً المختلف :

· ( ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك … ) .

· ( … وجادلهم بالتي هي أحسن … ) .

+ يدعو امام الانصار انصار الله بالتصدق ، خصوصاً على الآخر المختلف ، بالبسمة والكلمة اللينة الطيبة .

+ الانصار هم انصار الله ، دارهم مفتوحة 24 على 7 ؛ والطريق اليها ذو اتجاهين ، من شاء بقى معهم في دارهم ، ومن شاء فإنك غفور رحيم .

+ الانصار ملح الطعام ، ولكن لحمهم مر لا يصلح للاكل ابداً .

هؤلاء انصاري ، فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا دكتور منصور المجامع ؟

رابعاً :

الطائفية خشوم بيوت ، يا حبيب .

الطائفية الدينية والاثنية في العراق وسوريا وغيرهما من بلاد الله ، وباء فتاك وشيطان رجيم . في العراق ، يقتل العراقي مواطنه العراقي الآخر على الاسم . إذا كان سنياً ، يقتل العراقي كل من يحمل اسم الحسين او الحسن او علي بحسبانه من طائفة الشيعة ً، يستحق القتل دون مُسآلة ؟ والعكس صحيح ، فيقتل الشيعى ، اخاه العراقي من الطائفة السنية بمجرد ان يعرف ان اسمه عمر ؟

وكذلك الطائفية الاثنية . يقتل العربي العراقي والسوري اخاه الكردي ، فقط لانه كردي . والعكس صحيح .

فتأمل .

وظفت الامبريالية الدولية الطائفية الدينية والاثنية لتمزيق العالم العربي ، فكانت النتيجة داعش واخواتها ، والمليشيات الكردية ، والمليشيات الشيعية … وتدمير العراق وسوريا واليمن .

كل المليشيات التي تحرق في القماش العربي تكوينها طائفي ديني او اثني ، في حرب الجميع ضد الجميع من منطلقات طائفية دينية او اثنية .

راينا كيف يمضغ العراقي كبد اخيه العراقي المختلف طائفياً . لن تجد انصارياً في السودان يمضغ كبد اخيه الختمي ، ولن تجد انصارياً فوراوياً يمضغ كبد اخيه الانصاري التعايشي .

في عام 1982 ، اشعل حافظ الاسد نيران حماة ، وإغتال الآلاف من الاخوان المسلمين ، ولكن النيران لم تمتد لباقي القماش السوري ، لان فتنة الطائفية كانت نائمة ، فقد كانت المواطنة وقتها هي المعيار للحقوق والواجبات .

في عام 2011 ، احرقت الطائفية الدينية والاثنية معظم القماش السوري ، لتدخل الأنظمة السنية الخليجية في تاجيج الصراع ودعم الطوائف السنية المتمردة على النظام السوري من امثال داعش وجبهة النصرة ، ولتدخل تركيا في تاجيج الطائفية الاثنية في سوريا ضد الكرد .

في عام 2018 ، غيبت الطائفية الدينية والاثنية الرؤية الاستراتيجية في الصراع مع إسرائيل ، فصارت ايران هي العدو الحصري ، وإسرائيل هي الحليف .

وكأن الآية التى نزلت فى غيرهم قديما تصف حال بعض العرب الطائفيين حديثا :

( بأسهم بينهم شديد، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ) .

هذه هي الطائفية في بعض بلاد القماش العربي ، والتي تنطبق عليها إتهامات الدكتور منصور خالد . ولكن الوضع مختلف جداً في بلاد السودان ، بل يدابر الموقف الطائفي العربي راسياً .

في السودان ، يخاطب الأنصاري الآخر المختلف طائفياً من خلق الله ، إن دينياُ او اثنياً ، ب ( الحبيب ) .

وكفى بنا حاسبين .

في السودان ، تجد تآلف وتآخي ومودة ومحبة بين الانصاري والختمي ، وبينهما واهل الصوفية والسلفية وحتى مع الاخوان المسلمين والشيوعيين والبعثيين .

شعارهم كلهم جميعهم … الاسلام ديننا وكلنا اخوان .

في هذا الموضوع يقول السيد الامام :

نؤمن كلنا جميعنا بقطعيات الوحي وصحيح السنة ، وما عدا ذلك امور يجتهد كل فريق في تفسيرها ، بدون ان يفسد ذلك الاجتهاد لنا مودة.

خامساً :

في سياق متصل ، وفي يوم الاربعاء 6 سبتمبر 2006 ، في ندوة شارك فيها قادة من الشيعة ، والصوفية ، والسلفية وباقي مكونات اهل السنة ، قال السيد الامام ان الاختلافات حول الطائفية الدينية بين مختلف المكونات الاسلامية لا يمكن الاتفاق حولها بالمجادلة بالتي هي احسن ، ولا بالإكراه ، الأمر الذي يحتم على كل مكون ان يلتزم برؤيته مع احترام رؤى المكونات الاخرى حتى :

( اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) .

ولكن اتفق الجميع مع السيد الامام على ان كل مكونات الاسلام من شيعية وسنية وصوفية وسلفية تتفق كلها جميعها على القيام بواجبات محددة في وظيفة الخلاص واحياء الدين .

سادساً :

من محاسن الانصارية في السودان انها عابرة بل موحدة للاثنيات ، فهي تجمع في مودة ، ومحبة ، ومعزة : الانصاري الفوراوي في غرب السودان مع الانصاري الدنقلاوي في شمال السودان ، مع الانصاري البجاوي في شرق السودان ، مع الانصاري الحساني في وسط السودان ، ومع الانصاري النوباوي في جنوب كردفان … اثنيات وقبائل مختلفة في سبيكة الانصارية الموحدة ، وكانهم جسد واحد ، إذا إشتكى عضو فيه ، تداعت له بقية الاعضاء بالسهر والحمى .

تتجاوز الانصارية مفهوم الاثنية القبلية البغيضة ، وتعتبر المواطنة المتساوية امام القانون هي المرجعية الحصرية للحقوق والواجبات ، والتوزيع العادل للسلطة والثروة .

بعكس الطائفية الاثنية في باقي البلاد العربية والاسلامية التي يقتل فيها العربي اخاه الكردي ، الانصارية في السودان تجمع ولا تفرق ، تحبب ولا تنفر ، تقرب ولا تبعد ، وتحترم الاختلاف الاثني ، وكأنه لم يكن ، وبدون ان يفقد الناس ما بينهم من ود ومودة ومعزة .

الانصارية في السودان تعرفونها بثمارها .

نواصل مع الدكتور منصور خالد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *