عرمان لـ «الشرق الأوسط»: السودان يمر بمطب جوي سياسي.. لا يكفي معه ربط الأحزمة
القيادي في الحركة الشعبية: على الحكومة أن تطبع علاقاتها مع الشعب أولا قبل بحث التطبيع مع أميركا
مصطفى سري
قال قيادي في الحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان، إن المنتدى الذي عقد في واشنطن مؤخرا بين شريكي الحكم في السودان، برعاية أميركية ودولية، «حضرته 32 دولة» لبحث القضايا الخلافية في اتفاق السلام الشامل بين جنوب وشمال السودان، لم يتمكن من حل الخلافات، لكنه أكد على استمرار الاجتماعات شهريا، بحضور الولايات المتحدة وأطراف أخرى لإيجاد حلول لتلك القضايا. وقال نائب الأمين العام للحركة لقطاع الشمال ياسر سعيد عرمان، في حوار مع «الشرق الأوسط» خلال توقفه لساعات بلندن، قادما من واشنطن، وفي طريقه إلى الخرطوم، إن المنتدى أعطى قوة دفع جديدة لاتفاقية السلام والمسار الثلاثي، بدخول واشنطن كعنصر مشارك لحل القضايا. وقال عرمان إن «السودان يمر بمطب جوي سياسي قد لا يكفي معه ربط الأحزمة للخروج من هذا المأزق، وأن المفيد لخلق الثقة بين الأطراف وفتح فرص جديدة للاستقرار هو تنفيذ الاتفاقيات الموقعة جميعا». وهاجم سعي الحكومة الدائم للتطبيع مع الولايات المتحدة، وقال إن «الأفضل هو أن تطبع الحكومة علاقاتها مع الشعب السوداني داخليا، لأن ذلك يمهد للتطبيع خارجيا».
* ما هو تقييمكم للمنتدى الذي جرى مؤخرا في واشنطن؟
ـ المنتدى يعتبر الأول من نوعه منذ توقيع اتفاقية السلام الشامل في يناير (كانون الثاني) عام 2005، وقد جمع كل الضامنين والداعمين لاتفاقية السلام من كل أنحاء العالم، بدءا من الإقليم ودول منظمة إيقاد الأفريقية، إلى الدول الأفريقية والعربية إلى أوروبا وأميركا، تحت رعاية الولايات المتحدة، وقد سلط الأضواء من جديد على اتفاقية السلام، وأضاف قوة دفع جديدة للاتفاقية والمسار الثلاثي لحل القضايا العالقة الذي أدخل الولايات المتحدة كعنصر مشارك لحل القضايا العالقة، عوضا عن دورها كمراقب.
والمؤتمر ليس حدثا في حد ذاته، بل هو عملية ستستمر لحل القضايا العالقة، وستتم اجتماعات أخرى بحضور الولايات المتحدة. المؤتمر لم يتمكن من حل القضايا العالقة، وستتم اجتماعات شهرية ابتداء من يوليو (تموز) المقبل لطرح هذه القضايا والبحث عن حلول لها.
* مع قرب مواعيد الاستحقاقات، هل الوقت يكفي للشريكين في حل القضايا العالقة مثل ترسيم الحدود، قانون الاستفتاء، والخلاف حول الإحصاء السكاني؟
ـ كافة القضايا يمكن أن تحل في أضيق زمن، إذا توفرت الإرادة السياسية بالذات من جانب المؤتمر الوطني، وهذه القضايا تنقسم إلى قسمين، قضايا تهم التحول الديمقراطي مثل القوانين والانتخابات، وقضايا مرتبطة ببنود رئيسية في تنفيذ اتفاقية السلام، مثل الاستفتاء لجنوب السودان وابيي والمشورة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق والحدود وغيرها، والقضيتان مرتبطتان ببعضهما بعضا، ومعلوم أن تنفيذ اتفاقية السلام والتحول الديمقراطي والوصول إلى حل عاجل وعادل لقضية دارفور قضايا مترابطة ومتداخلة، ولا يجوز إغفال إحداها على حساب الأخرى، وحل إحداها لا يعفي عن حل القضية الأخرى، بل إن التقدم في أي من هذه القضايا الثلاث يدفع بدماء جديدة لبقية القضايا.
* هناك من يعتقد أن منتدى واشنطن بمثابة إعادة تفاوض حول اتفاقية السلام نفسها، ما صحة ذلك؟
ـ إعادة التفاوض غير مقبولة، والحركة الشعبية حركة ذات خبرة ودراية وحنكة، والوفد الذي ذهب إلى واشنطن ضم القيادات المتمرسة في التفاوض من الحركة الشعبية، ولا يمكن أن تفوت عليها هذه القضية، هنالك محاولة لشراء الوقت مستمرة من المؤتمر الوطني، وهي غير مفيدة لا للمؤتمر الوطني ولا للسودان، لأن الوقت المتبقي هو 540 يوما على الاستفتاء لحق تقرير المصير لجنوب السودان. فالسودان يمر في رحلته بمطب جوي سياسي قد لا يكفي معه ربط الأحزمة للخروج من هذا المأزق، والمفيد الذي يخلق الثقة بين الأطراف ويفتح فرصا جديدة لاستقرار السودان ووحدته على أسس جديدة هو تنفيذ اتفاقيات السلام جميعا، وإن لم يتم تنفيذ الاتفاقيات فإن السودان هو الخاسر الأول وكذلك جميع الأطراف، والسودان وشعبه يستحق وضعا أفضل ومستقبلا لا يشبه الماضي والحاضر المرير.
* ذكرت تسريبات أن المؤتمر الوطني ذهب إلى منتدى واشنطن ليس لقضية تنفيذ الاتفاقية وإنما لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة هل أنتم مع هذا التطبيع؟
ـ الحركة الشعبية لتحرير السودان وقياداتها مبدئيا مع الحوار مع الولايات المتحدة، ومع علاقات حسن الجوار، مع جميع جيراننا، واستقرار السودان جزء من الاستقرار الإقليمي والعالمي، لذلك نحن إقليميا مع سياسة حسن الجوار، لا سيما مع بلدان مثل تشاد، وعالميا نحن مع الحوار بين السودان وكافة المنظومة الدولية. في عهد الرئيس أوباما أصبحت هناك نافذة للحوار وتطبيع العلاقات، لكن ما هي القضايا التي أدت إلى انقطاع العلاقات بيننا وبين أميركا؟ إذا بحثنا عن هذه القضايا فإننا نجدها مرتكزة حول قضايا الإرهاب، حقوق الإنسان، الحروب وعلى رأسها دارفور، وما تولد عنها من مآسي إنسانية. هذه القضايا داخلية تبدأ بداخل السودان، ولذلك إذا أردنا أن نطبع علاقاتنا مع الخارج فالمنطق السليم يقول إننا نحتاج إلى تطبيع أولا بالداخل، عمليا يعني ذلك احترام الدستور وحقوق الإنسان والمضي في تحقيق التحول الديمقراطي وتنفيذ اتفاقية السلام الشامل وحل دارفور، وهكذا.
* ما يتردد أن الجنوب سيمضي إلى الانفصال لا محالة عند التصويت في الاستفتاء على حق تقرير المصير هل الحركة جاهزة لذلك؟
ـ طبعا سياسة الحركة ورؤيتها على مدى الـ26 عاما الماضية هي رؤية السودان الجديد المبنية على توحيد السودان على أسس جديدة وطوعية، وستظل هذه الرؤية هي الخيار الأفضل للشعب السوداني، وهذا يحتاج إلى طرح قضايا الأسس الجديدة والقبول بها، فالوحدة على أسس جديدة لها ثمنها وشروطها، وعلى رأسها حقوق المواطنة المتساوية بغض النظر عن الدين والثقافة واللون والنوع، نحن بعيدون من هذا الواقع.
وبدلا من الخوف من انفصال الجنوب علينا العمل من أجل أن نجعل الوحدة على أسس جديدة ممكنة، وإلا فلن نتوقف عن البكاء تحت خيمة انفصال الجنوب، فإذا أردنا الوحدة العادلة فلنعمل لها، وإلا فإن من يزرع الريح يحصد العاصفة. في كل الأحوال، جنوب السودان لن يكون جنوب البرازيل، وإذا انفصل ستربطه أطول حدود بين الشمال والجنوب بين أي دولتين في أفريقيا، وهذه الحدود ليست بها موانع طبيعية، بل فيها قبائل ومصالح، وانفصال الجنوب قد لا يعني دولة واحدة، ربما يعني دويلات كثيرة في كل السودان، ومن أراد الوحدة العادلة عليه أن يعمل لها وإلا فليقبل بالبديل الذي ستخلقه شروط الوحدة الظالمة.
* لكن هناك حديث منسوب إلى رئيس المجلس الوطني (البرلمان) أحمد إبراهيم الطاهر، قال إن حزبه، المؤتمر الوطني، سيشدد على أن يصبح قانون الاستفتاء صعبا حتى لا ينفصل الجنوب، ما رأيكم في ذلك؟
ـ أنا لم استمع إلى حديث الأستاذ أحمد إبراهيم الطاهر، لكن باختصار قانون الاستفتاء لا يحكمه أي قول من الرأس أو الكراس، بل تحكمه اتفاقية السلام والدستور، والمطلوب هو تنفيذ ما جاء في الاتفاقية والدستور، والوقت قد أصبح متأخرا جدا، والاتفاقية الآن في نهاياتها ودون الالتزام بالتنفيذ والجدول الزمني، فإننا لن نجني إلا المصائب، وهذا القانون كان يجب أن يجاز منذ زمن، لأنه تتبعه عملية كثيرة تحضيرا للاستفتاء.
* خروج الدكتور لام أكول من الحركة الشعبية وتشكيله حزبا جديدا بالاسم ذاته أضاف عليه التغيير الديمقراطي هل سيؤثر عليكم؟
ـ إذا أردت أن تعرف جوهر شخصية الدكتور لام أكول السياسي عليك أن تعرف حقيقة بسيطة، أن الدكتور لام أكول خلال الـ25 عاما الماضية تنقل في 9 أحزاب، فحينما كان طالبا كان له موقفه الخاص وجريدته الخاصة، ثم ثانيا أصبح عضوا في حزب (ساك)، ثم ثالثا انتقل من (ساك) إلى الحركة الشعبية، ثم للمرة الرابعة انتقل وأسس مجموعة الناصر، التي انشقت عن الحركة، وفي المرة الخامسة خرج عن مجموعة الناصر وأسس الحركة الشعبية الفصيل المتحد، وفي المرة السادسة وقع اتفاق فشودة وأصبح عضوا قياديا في قيادة المؤتمر الوطني، ثم في المرة السابعة خرج من المؤتمر الوطني إلى حزب العدالة والمساواة، وفي المرة الثامنة عاد إلى الحركة الشعبية ومنها في المرة التاسعة انتقل إلى حركته الجديدة المسماة الحركة الشعبية للتغيير الديمقراطي. ولام أكول بدوي سياسي متنقل دون مبادئ، والتغيير الديمقراطي الذي يريده هو على طريقة المؤتمر الوطني، ما يهمنا أن هذا الحزب مدعوم وركائزه مشيدة بشدة على حائط ومبنى المؤتمر الوطني وهذا يكفي.