حاوره بعمان: التاج عثمان
ما تعرض له «مجاهد» بالأردن وموته مؤخراً بالخرطوم لفت الإنتباه بقوة إلى ظاهرة العلاج بالأردن، قبل توجهي للعاصمة الأردنية «عمان» حرصت كل الحرص على جمع أكبر قدر من المعلومات والحقائق حول العلاج بالأردن فاكتشفت الكثير الخطر .. «سماسرة المرض» الذين يتلاعبون بالمرضى ويصطادوهم من أمام المستشفيات بالخرطوم ويمارسون معهم أساليب الغش والخداع، لدرجة انهم يأخذون منهم رسوم تأشيرة الدخول رغم ان السفارة الأردنية بالخرطوم تقدمها للمرضى مجاناً.. أيضاً يتلاعبون في قيمة تذاكر الطيران، وممارسات أخرى كثيرة يروح ضحيتها بعض بسطاء المرضى.. وعند وصول المريض للأردن تواجهه أيضا بعض الإشكالات في الفاتورة العلاجية، حيث يتفاجأ بعد العلاج أن تكاليف علاجه تفوق كثيراً التكلفة المقدرة سلفاً من الأردن.. ونتيجة لذلك تصبح جوازات بعض المرضى رهينة لدى بعض المستشفيات التي تطالب بحقها.. الإشكاليات التي تواجه المرضى لعدم وجود ملحق طبي بالسفارة السودانية بعمان.. المبالغة في فواتير مرضى الفئات الخاصة الذين يتعالجون عبر الإتفاقيات والتعاقدات بين بعض المؤسسات والنقابات السودانية والمستشفيات الأردنية.. مشكلة التحويلات الإضافية للمرضى.. ومحاور أخرى كثيرة ،واجهت بها السفير السوداني بالأردن «محمد عثمان محمد سعيد» عبر هذا الحوار من داخل مكتبه بالسفارة السودانية بعمان..
——
نصيحة للمرضى
? ما طبيعة الخدمات التي تقدمها السفارة السودانية بالأردن للسودانيين القادمين للمملكة الأردنية الهاشمية للعلاج؟ وما حجم المرضى الذين يتوافدون على الأردن للعلاج؟
– المرضى يأتون بطريقتهم الخاصة، وكل يوم تحط طائرة بمطار عمان قادمة من الخرطوم، على متنها مائة مريض، هذا في الصيف، ويتقلص العدد شتاءً إلى «50و 60» مريضاً يومياً، وبالطبع لا تستطيع السفارة تغطية كل هذا العدد من المرضى.
? ولكن هناك مشاكل تنجم بين بعض المرضى والمستشفيات، والمريض ليست لديه وجهة يلجأ إليها سوى السفارة؟
– نحن نتصدى للمشاكل عند حدوثها كمشاكل أو مضاعفات تترتب عليها أعباء مالية، أو ظروف إنسانية، أو في حال الوفاة.
? بماذا تنصحون المرضى القادمين للعلاج بالأردن؟
– ننصح المريض بعدم التعاقد مع أي مستشفى إلا عند وصوله للأردن، ثم يبحث بعدها عن الطبيب المناسب، وأشير هنا، أن السودانيين الموجودين بالأردن توافرت لديهم معرفة تراكمية بالأطباء الممتازين، وهم يسكنون في الغالب قرب المستشفيات بأسرهم ، والمريض الذي يلجأ إليهم فإن «70%» من مشاكله تكون قد حلت أما المريض الذي يأتي عبر السماسرة فهو الذي يعاني.
? قاطعته هنا: ماذا تقصد بالسماسرة؟
– هناك بعض مكاتب العلاج بالخرطوم ونحن نسميهم سماسرة، وهم يروجون لبعض المستشفيات وعمل تسهيلات في التذاكر والحجز وكلها وعود خادعة، فهم يأخذون نسباً تتراوح بين «15-25%» من المستشفى الأردني، وفي النهاية تؤخذ هذه النسبة من المريض وليس المستشفى، والتي نضيفها لفاتورة العلاج.. وهناك مسائل تتطلب تدخلاً قضائياً، حيث إن بعض السماسرة يقابلون المريض أمام المستشفيات في السودان ويغرونه بتساهيل، وبصريح العبارة اولئك السماسرة يقومون بعملية غش للمرضى.
? مثل ماذا؟
– مثلاً يأخذون من المريض رسوم لتأشيرة الدخول للأردن من السفارة الاردنية بالخرطوم، رغم ان التأشيرة مجاناً، وأيضاً يأخذون منه قيمة تذكرة الطائرة كاملة «6» شهور ، فيقدمون له تذكرة فترتها شهر واحد فقط بسعر أقل وهذه الحيلة يكتشفها المريض عند حدوث مضاعفات له، فيضطر للبقاء بالأردن فترة أطول أكثر من شهر، وعندما يقرر العودة يفاجأ بأن تذكرته منتهية فيضطر لدفع «80-120» دولاراً وأسوأ أنواع الغش في حالة المريض الذي لا يستطيع الجلوس على الطائرة ويأتي محمولاً على نقالة، فيتم حجز «3» مقاعد له حيث يقوم السماسرة بقطع «3» تذاكر له ذهاباً فقط، ومقعد واحد في العودة، على أساس انه سيأتي معاف.. وننصح المريض السوداني بقطع تذكرته بنفسه، وإستلام التأشيرة من السفارة الأردنية دون وسيط، فهي مجاناً، كما لا ننصح المريض بالذهاب مباشرة إلى المستشفى عدا المريض الذي يأتي من السودان على نقالة.
أبو عشرة
? هل لديكم بالسفارة قائمة بأسماء المستشفيات المعتمدة والتي ترون انها تقدم خدمات علاجية أفضل من غيرها؟
– كل المستشفيات هنا ممتازة وكذلك الأطباء، حسب المعايير في حدها الأدنى، وعموماً الأطباء هنا صادقون ويقومون بتحويل المريض إلى التخصص الذي يحتاجه ويضيف: بعض المرضى يدفعون «40-60%» من التكلفة العلاجية للمستشفيات دون حاجة لها، بل إن الأمر وصل أن السماسرة يقولون للمستشفى الأردني الذي يتعاملون معه:
(جاييكم زول أبو عشرة) – أي تكلفة علاجه «10»آلاف دولار، وهذا إجرام في حق المرضى.
جوازات رهينة
? بعض المستشفيات الأردنية تحتفظ بجواز المريض السوداني وترفض إعادته له إلاّ بعد سداد ما عليه من تكاليف علاجية.. فهل يصح قانونياً أن تصبح جوازات المرضى السودانيين رهينةً لدى المستشفيات الأردنية؟
– هناك مرضى تكون تكلفة علاجهم أكثر من التكلفة التي جاءوا بها من السودان في حال ظهور مضاعفات مثلاً، ومن الممارسات الخاطئة التي نحذر منها المرضى السودانيين عدم تقديم الجواز للمستشفى لأي سبب كان حتى لا تحتفظ به المستشفى في حال تعثر المريض عن سدادِ فاتورة المستشفى.
? وما هو الإجراء الذي تتبعه السفارة لفك رهن جوازات المرضى؟
– أحيانا السفارة تتدخل لإسترجاع الجواز من المستشفى، وهناك حالات تحولت إلى الشرطة بسبب عدم سداد المرضى لتكلفة العلاج للمستشفى، والجواز في كل الأحوال يجب ألا يسلّم إلى أية جهة.
? ما نوعية الخدمات التي تقدمها السفارة للمرضى السودانيين؟
– نقدم لهم العمل القنصلي الذي تقدمه كل سفارة، مثل توثيق شهادات الوفاة، عموماً العمل مع المرضى شيء إنساني أكثر من أي شيء آخر، ولكن للأسف كثيراً من المرضى يأتون بأفكار خاطئة من السماسرة بعدم لجوئهم للسفارة لأنها تأخذ منهم رسوم أو خلافه، وهذا غير صحيح بالطبع.
الفئات الخاصة
? هناك مرضى عسكريون وآخرون فئات خاصة.. هل تقوم السفارة بالتنسيق مع المستشفيات لإستيعابهم ومتابعة علاجهم؟
– المرضى السودانيون بالأردن، فئات عديدة، فبالإضافة للمرضى القادمين هناك فئة العسكريين الذين يتعالجون في مدينة الحسين الطبية، وتقوم الملحقية العسكرية بمتابعة حالاتهم، ونحن كسفارة لا نتدخل معهم سوى بزيارتهم أو في بعض حالات العلاجات النادرة التي تكون في المستشفى العسكري ولذلك لابد من أخذ الموافقة من السفارة.
وهناك الفئات الخاصة من المرضى وهم المتعاقدون مع بعض المستشفيات بالأردن، وهم من الشرطة، والجمارك، والطيران المدني، وهيئة الموانئ البحرية وهناك جهات أخرى بصدد المضي في هذا الإتجاه، أي التعاقد، المرضى من هذه الفئة يأتون بموجب خطابات من جهاتهم، وهي في الغالب جهات نقابية وللأسف السفارة لا علم لها بهذه التعاقدات أو الإتفاقيات، وبعد العلاج ترسل فاتورة العلاج للسودان، وهي أكثر من اللازم، ومبالغ فيها، ونادراً ما يعرف المريض تكلفة علاجه لأن الفاتورة لا تسلم للمريض، بل تذهب مباشرة من المستشفى بالأردن إلى الجهة التي يعمل بها المريض بالسودان.
? ألا توجد جهة رقابية هنا بالأردن لضبط ومراجعة هذه الفواتير؟
– سبق أن تحدثت مع مسئول كبير في شيكان للتأمين فأشار إلى أنه يفترض ان تكون هناك جهة إستشارية تابعة للمؤسسة او الجهة التي يعمل فيها المريض لضبط هذه العملية.
الملحق الطبي
? سفارة كسفارة السودان بالأردن التي يقصدها آلاف المرضى السودانيين سنوياً، كيف لا يكون بها ملحق طبي؟
– السماسرة فى السودان والأردن يعملون لصالح المستشفيات، فهم يستدرجون المريض ويأخذون منه مبالغ كبيرة إضافية، حتى ترتفع نسبة الخصم الخاص بالسمسار، هذا الوضع الخاطئ يحتم وجود مستشار أو ملحق طبي من وزارة الصحة السودانية حتى تقوم المستشفيات الأردنية بمحاسبة المريض السوداني بتكاليف العلاج حسب الاتفاقية المبرمة بين وزارتي الصحة السودانية والأردنية، ولو أوفدت وزارة الصحة ملحقاً طبياً ،يمكنه أن يضبط تكلفة العلاج وتنخفض بنسبة كبيرة، ويحدد العلاج الضروري الذي يحتاجه المريض.
? ولماذا لم تخاطبوا وزارة الصحة السودانية بذلك؟
– نحن ننتظر الملحق الطبي منذ فترة حتى، يحمل عنا هذا الهم، والسفارة على إستعداد لتقديم كل مساعدة له، وتوفر له سيارة، ولابد من الملحق الطبي أن يكون طبيباً وتكون لديه حصانة، وهو يخرجنا من الحرج الذي نقع فيه الآن. كما انه سيحقق منافع وأشياء أخرى لوزارة الصحة، فهو جهة فنية يمكنه ان يتابع مع المرضى، عكس موظفي السفارة الدبلوماسيين نناشد إعطاء مسألة الملحق الطبي أهمية كبرى، إذ انه يمثل أولوية لمسألة علاج السودانيين بالأردن، ويقلل كثيراً من حالات الغش في حال الأخطاء الطبية.
وعلى النقابات التعاقد مع طبيب أردني لمتابعة مرضاها بالأردن، ويمكن أن يمنح نسبة من فاتورة العلاج لكل مريض، فالشفافية مطلوبة.
التحويلات
? هناك صعوبة تواجه المرضى بالأردن من التحويلات البنكية من السودان خاصة عند حاجته لمبالغ إضافية.. هل لا تزال هذه الإشكالية قائمة؟
– تحويلات المرضى كانت في السابق سهلة ولا إشكالية فيها، حتى قضية الجنائية المزعومة، بعدها استحدثت بعض الضوابط، فالمريض القادم للعلاج للأردن يمكنه ان يحمل معه تكاليف العلاج معه، ولكن عند مطالبته لمبالغ علاجية أخرى لا يمكن للبنك في السودان التحويل له، مما تسبب في مشاكل كبيرة.
? وهل تم حل مشكلة التحويلات الإضافية هذه؟
– أجل، حلت بواسطة محافظ بنك السودان، وإذا إحتاج المريض لتكاليف علاجية إضافية بالأردن تقوم السفارة باستخراج شهادة لبنك السودان بهذا الخصوص وعلى ضوء ذلك يتم التحويل له في الأردن دون مشاكل، ونطمئن المرضى الذين يتعرضون لمضاعفات ويحتاجون لمبالغ إضافية ان الجهات الرسمية وضعت حداً لهذه المشكلة، وعليهم الاتصال بالسفارة وتقديم المستندات اللازمة.
مذكرة تفاهم
? هناك بروتكول صحي موقع بين وزارتي الصحة السودانية والأردنية.. ماذا تحقق منه للسودان في المجال الصحي والطبي؟
– مذكرة التفاهم بين وزارتي الصحة السودانية والأردنية تحتوي على تبادل المعلومات، والتدريب في المجالات المختلفة، وهي إتفاقية تنفذ بموجب برنامج تنفيذي لسنوات معينة، وهو موقع للفترة 2008-2010، وهو يسير بصورة مرضية.
وهناك إتفاقية أخرى لمعالجة المرضى السودانيين بين الوزارتين وهي إتفاقية جزئية، تنص على علاج الحالات المرضية التي لا يتوافر علاجها بالسودان، بالمستشفيات الحكومية الأردنية، وتنص الاتفاقية على علاج المرضى السودانيين بنفس تكلفة علاج المريض الأردني، كما نصت أن من كل «30» حالة مرضية يتم علاج «3» حالات بالمجان، مثلاً إذا كانت هناك «30» حالة قسطرة قلب يتم علاج «3» حالات منها بالمجان.
? وهل هذه الجزئية من الإتفاقية منفذة فعلاً؟
– التنفيذ صعب، وهي غير مفعّلة وفي آخر زيارة لمندوب وزارة الصحة الاتحادية السودانية تحدثت معه في هذه الإشكالية، لتفعيل هذه الجزئية من الاتفاقية.
لجنة مساعدة المرضى
? لجنة رعاية ومساعدة المرضى السودانيين في الأردن .. هل نجحت في مساعدة المرضى حقاً؟
– اللجنة تكونت منذ عام ونصف العام، يرأسها بروفيسور «فيصل حاج عبد الله»، نائب مدير منظمة الجامعات العربية ومقرها عمان، ومعه عدد من السودانيين والأطباء المبعوثين، واثنان من أعضاء البعثة السودانية، ومن مهام اللجنة تقديم المساعدات للمرضى السودانيين بالأردن مثل ترحيلهم من والى المطار، وتعريفهم بالأطباء، والتواصل معهم داخل المستشفيات التي يتعالجون فيها، خاصة في حالات المضاعفات، واللجنة تعقد إجتماعاتها بصورة منتظمة.
? هل متابعة الأخطاء الطبية التي قد تقع لبعض المرضى السودانيين بمستشفيات الأردن من صميم عمل اللجنة؟
– اللجنة نجحت بالتعاون مع السفارة في إنصاف كثير من المرضى، فمثلاً بعد تدخل اللجنة في واحدة من حالات الأخطاء الطبية تم تعويض مريضة سودانية مشهورة مبلغ «35» ألف دولار، بينما قانون التعويض الأردني في حال الخطأ الطبي حده الأقصى «10» آلاف دينار .. حوالي «41» ألف دولار- لكن تعويض المريضة السودانية تعدى ا لحد الأقصى لاعتبارات تتعلق بقضيتها. أيضا هناك حوالي ثلاث حالات حصلت فيها اللجنة على تعويضات معقولة لبعض المرضى الذين تعرضوا لأخطاء طبية .. وفي بعض الحالات نجحت اللجنة في تخفيض التكاليف، وأؤكد ان عمل اللجنة تطوعي الهدف منه وجود شفافية حتى ننأى بانفسنا عن الشبهات.
ضمان السفارة
? كثير من المرضى يتفاجأون بزيادة التكلفة العلاجية، فتطالبهم المستشفيات بمبالغ إضافية وهم غالباً يلجأون للسفارة السودانية لحل هذه الإشكالية.. كيف يتعاملون مع مثل هذه الحالات؟
– في بعض الحالات التي أشرت إليها تقوم السفارة بممارسة «ضمان السفارة للمريض»،حيث تقدم السفارة شهادة للمستشفى المعني بتأجيل الدفع، ونجحنا بذلك في تصفية كل مطالبات المرضى القديمة، وحسمنا هذا الأمر، والآن لا توجد ضمانة من السفارة للمرضى العاجزين عن سداد التكاليف العلاجية، بل أننا أصبحنا نتبرع للمرضى المحتاجين، او الذين يواجهون مشاكل في مثل هذا الجانب. والآن ليست هناك أية شهادة ضمان لتأجيل الدفع تمنح من السفارة للمرضى إلا بتكليف من الدولة.
الرأي العام