القاهرة – «الحياة»
أعرب الرئيس الأميركي باراك أوباما عن تطلعه إلى «بداية جديدة» بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي على أساس «المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل». واستهل أوباما خطابه إلى العالم الإسلامي الذي ألقاه في قاعة الاجتماعات الكبرى في جامعة القاهرة أمس بتحية الإسلام، ولوح بيده للحضور قائلاً: «السلام عليكم».
وأطرى أوباما في خطابه الذي استشهد فيه كثيراً بآيات من القرآن الكريم، الدين الإسلامي، منوهاً بأن مسلمين شاركوا في تقدم بلاده. وعرج على قضايا سياسية وإنسانية، إذ تحدث عن التطرف وأفغانستان والعراق والقضية الفلسطينية والديموقراطية وحقوق الإنسان وأوضاع المرأة وأخيراً التنمية الاقتصادية.
وفي حين شدد على أن الحرب في أفغانستان كانت «ضرورة»، رأى أن الحرب على العراق كانت «اختيارية». وقال إن الولايات المتحدة لا تريد إبقاء قواتها في أفغانستان ولا تسعى إلى إقامة قواعد عسكرية هناك. وأشار إلى أن بلاده ستتعامل مع العراق دائماً كشريك من دون وصاية وأنها لا تسعى إلى بناء قواعد عسكرية هناك. ودعا إلى إنهاء الانقسامات بين السنة والشيعة، مشيراً إلى أنها «قادت إلى عنف مأساوي، خصوصاً في العراق». وأكد أن بلاده «لن تتسامح مع المتطرفين».
وجدد التزامه بإقامة دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل، وقال إن «أميركا لن تدير ظهرها لحلم الفلسطينيين في قيام دولتهم»، موضحا أن «إقامة دولة فلسطينية يصب في مصلحة إسرائيل والفلسطينيين وأميركا والعالم»، بعدما أكد أن «الصلات القوية بين أميركا وإسرائيل معروفة، ولا يمكن زعزعتها». وأوضح أن بلاده لا تعتبر استمرار الاستيطان في الأراضي الفلسطينية مشروعاً. وطالب حركة «حماس» بـ «وضع حد للعنف والاعتراف بالاتفاقات الدولية»، ووجه حديثه إلى الدول العربية، قائلا: «يجب على الدول العربية أن تعترف بأن مبادرة السلام العربية كانت بداية مهمة وأن مسؤولياتها لا تنتهي بهذه المبادرة».
وعن ملف إيران النووي، قال إن الخلاف مع طهران في «منعطف حاسم»، موضحاً أن الولايات المتحدة تريد التقدم من دون شروط وعلى أساس الاحترام المتبادل.
ولم يستعن أوباما الذي بدا حاضر البديهة بأي نص مكتوب خلال كلمته ولم يتلعثم في أي جملة من الخطاب، واستشهد في كل مقام بما يلائمه من ثقافة أو نصوص دينية من الكتب المقدسة لدى المسلمين والمسيحيين واليهود وموروثات الشعوب والحضارات المختلفة. واستغرقت كلمته 55 دقيقة وشهدت تجاوباً من الحضور الذين تنوعت انتماءاتهم السياسية، وقاطعوه بالتصفيق 18 مرة، لاسيما مع استشهاده بآيات قرآنية ولدى حديثه عن الديموقراطية والتسامح في الإسلام والتعايش مع الآخر، ومعارضته لكل الأعمال المسيئة للإسلام، ولدى ابدائه التعاطف مع معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي. وفيما يلي نص الخطاب:
إنه لمن دواعي شرفي أن أزور مدينة القاهرة الأزلية حيث تستضيفني فيها مؤسستان مرموقتان للغاية إحداهما الأزهر الذي بقي لأكثر من ألف سنة منارة العلوم الإسلامية بينما كانت جامعة القاهرة على مدى أكثر من قرن بمثابة منهل من مناهل التقدم في مصر. ومعاً تمثلان حسن الاتساق والانسجام ما بين التقاليد والتقدم. وإنني ممتن لكم لحسن ضيافتكم ولحفاوة شعب مصر. كما أنني فخور بنقل أطيب مشاعر الشعب الأميركي لكم مقرونة بتحية السلام من المجتعات المحلية المسلمة في بلدي: «السلام عليكم».
إننا نلتقي في وقت يشوبه التوتر بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي وهو توتر تمتد جذوره إلى قوى تاريخية تتجاوز أي نقاش سياسي راهن. وتشمل العلاقة ما بين الإسلام والغرب قروناً سادها حسن التعايش والتعاون كما تشمل هذه العلاقة صراعات وحروباً دينية. وساهم الاستعمار خلال العصر الحديث في تغذية التوتر بسبب حرمان العديد من المسلمين من الحقوق والفرص، كما ساهمت في ذلك الحرب الباردة التي عوملت فيها كثير من البلدان ذات الأغلبية المسلمة بلا حق كأنها مجرد دول وكيلة لا يجب مراعاة تطلعاتها الخاصة. وعلاوة على ذلك، حدا التغيير الكاسح الذي رافقته الحداثة والعولمة بالعديد من المسلمين إلى اعتبار الغرب معادياً لتقاليد الإسلام.
لقد استغل المتطرفون الذين يمارسون العنف هذه التوترات في قطاع صغير من العالم الإسلامي في شكل فعال. ثم وقعت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 واستمر هؤلاء المتطرفون في مساعيهم الرامية إلى ارتكاب أعمال العنف ضد المدنيين الأمر الذي حدا بالبعض في بلدي إلى اعتبار الإسلام معادياً لا محالة، ليس فقط لأميركا وللبلدان الغربية، وإنما أيضاً لحقوق الإنسان. ونتج عن ذلك مزيد من الخوف وعدم الثقة.
هذا وما لم نتوقف عن تحديد مفهوم علاقاتنا المشتركة من خلال أوجه الاختلاف في ما بيننا، فإننا سنساهم في تمكين أولئك الذين يزرعون الكراهية ويرجحونها على السلام ويروجون للصراعات ويرجحونها على التعاون الذي من شأنه أن يساعد شعوبنا على تحقيق الازدهار. هذه هي دائرة الارتياب والشقاق التي يجب علينا إنهاؤها.
لقد أتيت إلى هنا للبحث عن بداية جديدة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي استناداً إلى المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل، وهي بداية مبنية على أساس حقيقة أن أميركا والإسلام لا يعارضان بعضهما بعضاً ولا داعي أبداً للتنافس في ما بينهما، بل ولهما قواسم ومبادئ مشتركة يلتقيان عبرها، وهي مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان.
إنني أقوم بذلك إدراكا مني بأن التغيير لا يحدث بين ليلة وضحاها. ولا يمكن لخطاب واحد أن يلغي سنوات من عدم الثقة، كما لا يمكنني أن أقدم الإجابة على كل المسائل المعقدة التي أدت بنا إلى هذه النقطة. غير أنني على يقين من أنه يجب علينا من أجل المضي قدماً أن نعبر بصراحة عما في قلوبنا وعما لا يقال إلا وراء الأبواب المغلقة. كما يجب أن يتم بذل جهود مستديمة للاستماع إلى بعضنا بعضاً وللتعلم من بعضنا بعضاً والاحترام المتبادل والبحث عن أرضية مشتركة. والقرآن الكريم يقول: «اتقوا الله وقولوا قولا سديداً». وهذا ما سأحاول بما في وسعي أن أفعله، وأن أقول الحقيقة بكل تواضع أمام المهمة التي نحن بصددها اعتقاداً مني كل الاعتقاد أن المصالح المشتركة بيننا كبشر هي أقوى بكثير من القوى الفاصلة بيننا.
يعود جزء من اعتقادي هذا إلى تجربتي الشخصية. إنني مسيحي بينما كان والدي من أسرة كينية تشمل أجيالاً من المسلمين. ولما كنت صبياً قضيت سنوات عدة في إندونيسيا واستمعت إلى الآذان ساعات الفجر والمغرب. ولما كنت شابا عملت في المجتمعات المحلية في مدينة شيكاغو حيث وجد الكثير من المسلمين في عقيدتهم روح الكرامة والسلام.
إنني أدرك بحكم دراستي للتاريخ أن الحضارة مدينة للإسلام الذي حمل معه في أماكن مثل جامعة الأزهر نور العلم عبر قرون عدة، الأمر الذي مهد الطريق أمام النهضة الأوروبية وعصر التنوير. ونجد روح الابتكار التي سادت المجتمعات الإسلامية وراء تطوير علم الجبر وكذلك البوصلة المغناطسية وأدوات الملاحة وفن الأقلام والطباعة، إضافة إلى فهمنا لانتشار الأمراض وتوفير العلاج المناسب لها. حصلنا بفضل الثقافة الإسلامية على أروقة عظيمة وقمم مستدقة عالية الارتفاع وكذلك على أشعار وموسيقى خالدة الذكر وفن الخط الراقي وأماكن التأمل السلمي. وأظهر الإسلام على مدى التاريخ قلباً وقالباً الفرص الكامنة في التسامح الديني والمساواة ما بين الأعراق.
أعلم كذلك أن الإسلام كان دائماً جزءاً لا يتجزأ من قصة أميركا، حيث كان المغرب هو أول بلد اعترف بالولايات المتحدة. وفي مناسبة قيام الرئيس الأميركي الثاني جون أدامس العام 1796 بالتوقيع على معاهدة طرابلس، كتب ذلك الرئيس أن «الولايات المتحدة لا تكن أي نوع من العداوة تجاه قوانين أو ديانة المسلمين أو حتى راحتهم».
منذ عصر تأسيس بلدنا ساهم المسلمون الأميركيون في إثراء الولايات المتحدة. لقد قاتلوا في حروبنا وخدموا في المناصب الحكومية ودافعوا عن الحقوق المدنية وأسسوا المؤسسات التجارية كما قاموا بالتدريس في جامعاتنا وتفوقوا في الملاعب الرياضية وفازوا بجوائز نوبل وبنوا أكثر بناياتنا ارتفاعاً وأشعلوا الشعلة الأولمبية. وعندما تم أخيراً انتخاب أول مسلم أميركي إلى الكونغرس، قام ذلك النائب بأداء اليمين الدستورية مستخدما في ذلك نفس النسخة من القرآن الكريم التي احتفظ بها أحد آبائنا المؤسسين توماس جيفرسون في مكتبته الخاصة.
إنني إذن تعرفت على الإسلام في قارات ثلاث قبل مجيئي إلى المنطقة التي نشأ فيها الإسلام. ومن منطلق تجربتي الشخصية، استمد اعتقادي بأن الشراكة بين أميركا والإسلام يجب أن تستند إلى حقيقة الإسلام وليس إلى ما هو غير إسلامي، وأرى في ذلك جزءاً من مسؤوليتي كرئيس للولايات المتحدة حتى أتصدى للصور النمطية السلبية عن الإسلام أينما ظهرت.
لكن المبدأ نفسه يجب أن ينطبق على صورة أميركا لدى الآخرين، ومثلما لا تنطبق على المسلمين الصورة النمطية البدائية، فإن الصورة النمطية البدائية للإمبراطورية التي لا تهتم إلا بمصالح نفسها لا تنطبق على أميركا. وكانت الولايات المتحدة أحد أكبر المناهل للتقدم عبر تاريخ العالم. وقمنا من ثورة ضد إحدى الإمبراطوريات وأسست دولتنا على أساس مثال مفاده أن جميع البشر خلقوا سواسية، كما سالت دماؤنا في الصراعات عبر القرون لإضفاء المعنى على هذه الكلمات داخل حدودنا وفي مختلف أرجاء العالم. وساهمت كل الثقافات من كل أنحاء الكرة الأرضية في تكويننا تكريساً لمفهوم بالغ البساطة باللغة اللاتينية: من الكثير واحد.
لقد تم تعليق أهمية كبيرة على إمكان انتخاب شخص من أصل أميركي أفريقي يدعى باراك حسين أوباما إلى منصب الرئيس. ولكن قصتي الشخصية ليست فريدة إلى هذا الحد. صحيح أن حلم الفرص المتاحة للجميع بالنسبة إلى كل فرد في أميركا لم يتحقق، لكن الوعد قائم بالنسبة إلى جميع من يصل إلى شواطئنا ويشمل ذلك ما يضاهي سبعة ملايين من المسلمين الأميركيين في بلدنا اليوم. ويحظى المسلمون الأميركيون بدخل ومستوى للتعليم يعتبران أعلى مما يحظى به معدل السكان.
علاوة على ذلك، لا يمكن فصل الحرية في أميركا عن حرية إقامة الشعائر الدينية. وهذا هو السبب وراء وجود مسجد في كل ولاية من الولايات المتحدة ووجود أكثر من 1200 مسجد داخل حدودنا. وأيضاً السبب وراء خوض الحكومة الأميركية إجراءات المقاضاة من أجل صون حق النساء والفتيات في ارتداء الحجاب ومعاقبة من يتجرأ على حرمانهن من ذلك الحق.
ليس هناك أي شك في أن الإسلام جزء لا يتجزأ من أميركا. وأعتقد أن أميركا تمثل التطلعات المشتركة بيننا جميعا بغض النظر عن العرق أو الديانة أو المكانة الاجتماعية: تطلعات العيش في ظل السلام والأمن والحصول على التعليم والعمل بكرامة والتعبير عن المحبة التي نكنها لعائلاتنا ومجتمعاتنا وكذلك لربنا. هذه هي قواسمنا المشتركة وهي تمثل أيضا آمال البشرية جمعاء.
يمثل إدراك أوجه الإنسانية المشتركة في ما بيننا بطبيعة الحال مجرد البداية لمهمتنا. إن الكلمات وحدها لا تستطيع سد حاجات شعوبنا، ولن نسد هذه الحاجات إلا إذا عملنا بشجاعة على مدى السنوات المقبلة، وإذا أدركنا حقيقة أن التحديات التي نواجهها هي تحديات مشتركة، وإذا أخفقنا في التصدي لها سيلحق ذلك الأذى بنا جميعاً.
لقد تعلمنا من تجاربنا الأخيرة ما يحدث من إلحاق الضرر بالرفاهية في كل مكان إذا ضعف النظام المالي في بلد واحد. وإذا أصيب شخص واحد بالإنفلونزا فيعرض ذلك الجميع للخطر. وإذا سعى بلد واحد وراء امتلاك السلاح النووي فيزداد خطر وقوع هجوم نووي بالنسبة إلى كل الدول. وعندما يمارس المتطرفون العنف في منطقة جبلية واحدة يعرض ذلك الناس من وراء البحار للخطر. وعندما يتم ذبح الأبرياء في دارفور والبوسنة يسبب ذلك وصمة في ضميرنا المشترك. هذا هو معنى التشارك في هذا العالم بالقرن الحادي والعشرين وهذه هي المسؤولية التي يتحملها كل منا تجاه الآخر كأبناء البشرية.
إنها مسؤولية تصعب مباشرتها، وكان تاريخ البشرية في كثير من الأحيان بمثابة سجل من الشعوب والقبائل التي قمعت بعضها بعضاً لتحقيق مصلحتها الخاصة. ولكن في عصرنا الحديث، تؤدي مثل هذه التوجهات إلى إلحاق الهزيمة بالنفس. ونظراً إلى الاعتماد الدولي المتبادل، فأي نظام عالمي يعلي شعباً أو مجموعة من البشر فوق غيرهم سيبوء بالفشل لا محالة. وبغض النظر عن أفكارنا عن أحداث الماضي، فلا يجب أن نصبح أبداً سجناء لأحداث مضت. إنما يجب معالجة مشاكلنا بواسطة الشراكة كما يجب أن نحقق التقدم بصفة مشتركة.
لا يعني ذلك بالنسبة إلينا أن نفضل التغاضي عن مصادر التوتر. في الحقيقة، فإن العكس هو الأرجح: يجب علينا مجابهة هذه التوترات بصفة مفتوحة. واسمحوا لي انطلاقاً من هذه الروح أن أتطرق بمنتهى الصراحة وأكبر قدر ممكن من البساطة إلى بعض الأمور المحددة التي أعتقد أنه يتعين علينا مواجهتها في نهاية المطاف بجهد مشترك.
إن المسألة الأولى التي يجب أن نجابهها هي التطرف العنيف بكل أشكاله.
وقد صرحتُ في مدينة أنقرة بكل وضوح بأن أميركا ليست ولن تكون أبدا في حرب مع الإسلام. وعلى أي حال، سنتصدى لعنف المتطرفين الذين يشكلون تهديداً جسيماً لأمننا. والسبب هو أننا نرفض ما يرفضه أهل كل المعتقدات: قتل الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال. ومن واجباتي كرئيس أن أتولى حماية الشعب الأميركي.
يبين الوضع في أفغانستان أهداف أميركا وحاجتنا إلى العمل المشترك. وقبل أكثر من سبع سنوات قامت الولايات المتحدة بملاحقة تنظيم «القاعدة» ونظام «طالبان» بدعم دولي واسع النطاق. لم نذهب إلى هناك باختيارنا وإنما بسبب الضرورة. إنني على وعي بالتساؤلات التي يطرحها البعض عن أحداث 11 أيلول (سبتمبر) أو حتى تبريرهم لتلك الأحداث. لكن دعونا نكون صريحين: قام تنظيم «القاعدة» بقتل ما يضاهي 3000 شخص في ذلك اليوم. وكان الضحايا من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء. ورغم ذلك اختارت «القاعدة» بلا ضمير قتل هؤلاء الأبرياء وتباهت بالهجوم وأكدت إلى الآن عزمها على ارتكاب القتل مجدداً وبأعداد ضخمة. إن هناك من ينتسبون إلى «القاعدة» في بلدان عدة ومن يسعون إلى توسعة نطاق أنشطتهم. وما أقوله ليس بآراء قابلة للنقاش وإنما هو حقائق يجب معالجتها.
ولابد من أن تكونوا على علم بأننا لا نريد من جيشنا أن يبقى في أفغانستان ولا نسعى إلى إقامة قواعد عسكرية هناك. خسائرنا بين الشباب والشابات هناك تسبب لأميركا بالغ الأذى. كما يسبب استمرار هذا النزاع تكاليف باهظة ومصاعب سياسية جمة. ونريد بكل سرور أن نرحب بجنودنا كافة وهم عائدون إلى الوطن إذا استطعنا أن نكون واثقين من عدم وجود متطرفي العنف في كل من أفغانستان وباكستان الذين يحرصون على قتل أكبر عدد ممكن من الأميركيين.
ورغم ذلك كله، لن تشهد أميركا أي حالة من الضعف لإرادتها. ولا ينبغي على أحد منا أن يتسامح مع أولئك المتطرفين. لقد مارسوا القتل في كثير من البلدان. لقد قتلوا أبناء مختلف العقائد ومعظم ضحاياهم من المسلمين. إن أعمالهم غير متطابقة على الإطلاق مع كل من حقوق البشر وتقدم الأمم والإسلام. وينص القرآن الكريم على أن «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». ولا شك في أن العقيدة التي يتحلى بها أكثر من بليون مسلم تفوق عظمتها في شكل كبير الكراهية الضيقة التي يكنها البعض. إن الإسلام ليس جزءاً من المشكلة المتلخصة في مكافحة التطرف العنيف وإنما يجب أن يكون الإسلام جزءاً من حل هذه المشكلة.
علاوة على ذلك نعلم أن القوة العسكرية وحدها لن تكفي لحل المشاكل في كل من أفغانستان وباكستان. لذلك وضعنا خطة لاستثمار 1.5 بليون دولار سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة لإقامة شراكة مع الباكستانيين لبناء المدارس والمستشفيات والطرق والمؤسسات التجارية وتوفير مئات الملايين لمساعدة النازحين. وهذا أيضا السبب وراء قيامنا بتخصيص ما يربو على 2.8 بليون دولار لمساعدة الأفغان على تنمية اقتصادهم وتوفير خدمات يعتمد عليها الشعب.
اسمحوا لي أيضاً أن أتطرق إلى موضوع العراق. لقد اختلف الوضع هناك عن الوضع في أفغانستان حيث وقع القرار بحرب العراق بصفة اختيارية، مما أثار خلافات شديدة سواء في بلدي أو في الخارج. ورغم اعتقادي بأن الشعب العراقي في نهاية المطاف هو الطرف الرابح في معادلة التخلص من الطاغية صدام حسين، إلا أنني أعتقد أيضاً أن أحداث العراق قد ذكرت أميركا بضرورة استخدام الديبلوماسية لتسوية مشاكلنا كلما كان ذلك ممكناً. وفي الحقيقة فإننا نستذكر كلمات أحد كبار رؤسائنا توماس جيفرسون الذي قال «إنني أتمنى أن تنمو حكمتنا بقدر ما تنمو قوتنا وأن تعلمنا هذه الحكمة درساً مفاده أن القوة ستزداد عظمة كلما قل استخدامها».
تتحمل أميركا اليوم مسؤولية مزدوجة تتلخص في مساعدة العراق على بناء مستقبل أفضل وترك العراق للعراقيين. إنني أوضحت للشعب العراقي أننا لا نسعى إلى إقامة أي قواعد في العراق أو إلى مطالبة العراق بأي من أراضيه أو موارده. يتمتع العراق بسيادته الخاصة به بمفرده. لذا أصدرت الأوامر بسحب الوحدات القتالية مع حلول شهر آب (أغسطس) المقبل، ولذا سنحترم الاتفاق المبرم مع الحكومة العراقية المنتخبة بأسلوب ديموقراطي الذي يقتضي سحب القوات القتالية من المدن العراقية بحلول تموز (يوليو) وكذلك سحب جميع قواتنا بحلول العام 2012. سنساعد العراق على تدريب قواته الأمنية وتنمية اقتصاده، لكننا سنقدم الدعم للعراق الآمن والموحد بصفتنا شريكاً له وليس بصفة الراعي.
وأخيراً، مثلما لا يمكن لأميركا أن تتسامح مع عنف المتطرفين، فلا يجب علينا أن نقوم بتغيير مبادئنا أبداً. لقد ألحقت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) أذى ضخماً ببلدنا، حيث يمكن تفهم مدى الخوف والغضب الذي خلفته تلك الأحداث، لكن في بعض الحالات أدى ذلك إلى القيام بأعمال تخالف مبادئنا. إننا نتخذ إجراءات محددة لتغيير الاتجاه. وقمت بمنع استخدام أساليب التعذيب من قبل الولايات المتحدة منعاً باتاً كما أصدرت الأوامر بإغلاق السجن في خليج غوانتانامو مع حلول مطلع العام المقبل.
نحن في أميركا سندافع عن أنفسنا محترمين في ذلك سيادة الدول وحكم القانون. وسنقوم بذلك في إطار الشراكة بيننا وبين المجتمعات الإسلامية التي يحدق بها الخطر أيضاً لأننا سنحقق مستوى أعلى من الأمن في وقت أقرب إذا نجحنا بصفة سريعة في عزل المتطرفين مع عدم التسامح معهم داخل المجتمعات الإسلامية.
أما المصدر الرئيس الثاني للتوتر الذي أود مناقشته، فهو الوضع بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالم العربي.
إن متانة الأواصر الرابطة بين أميركا وإسرائيل معروفة على نطاق واسع. ولا يمكن قطع هذه الأواصر أبداً، وهي تستند إلى علاقات ثقافية وتاريخية، وكذلك الاعتراف بأن رغبة اليهود في وجود وطن خاص لهم هي رغبة متأصلة في تاريخ مأساوي لا يمكن لأحد نفيه.
لقد تعرض اليهود على مر القرون للاضطهاد وتفاقمت أحوال معاداة السامية في وقوع المحرقة التي لم يسبق لها عبر التاريخ أي مثيل. وإنني سأقوم غداً بزيارة معسكر بوخنفالد الذي كان جزءاً من شبكة معسكرات الموت التي استخدمت لاسترقاق وتعذيب وقتل اليهود رمياً بالأسلحة النارية وتسميماً بالغازات. لقد تم قتل 6 ملايين من اليهود وهذا يعني أكثر من إجمالي عدد اليهود بين سكان إسرائيل اليوم. إن نفي هذه الحقيقة هو أمر لا أساس له وينم عن الجهل وبالغ الكراهية. كما أن تهديد إسرائيل بتدميرها أو تكرار الصور النمطية الحقيرة عن اليهود هما أمران ظالمان للغاية ولا يخدمان إلا غرض استحضار تلك الأحدث الأكثر إيذاء إلى أذهان الإسرائيليين وكذلك منع حلول السلام الذي يستحقه سكان هذه المنطقة.
أما من ناحية أخرى، فلا يمكن نفي أن الشعب الفلسطيني، مسلميه ومسيحييه، قد عانى أيضاً في سعيه إلى إقامة وطن خاص له. وتحمل الفلسطينيون آلام النزوح على مدى أكثر من 60 سنة، إذ ينتظر العديد منهم في الضفة الغربية وغزة والبلدان المجاورة كي يعيشوا حياة يسودها السلام والأمن. هذه الحياة التي لم يستطيعوا عيشها حتى الآن. يتحمل الفلسطينيون الإهانات اليومية الناتجة عن الاحتلال، صغيرة كانت أم كبيرة. وليس هناك أي شك في أن وضع الفلسطينيين لا يطاق. وأميركا لن تدير ظهرها للتطلعات المشروعة للفلسطينيين، ألا وهي تطلعات الكرامة ووجود الفرص ودولة خاصة بهم.
لقد استمرت حال الجمود عشرات السنوات: شعبان لكل منهما طموحاته المشروعة ولكل منهما تاريخ مؤلم يجعل من التراضي أمراً صعب المنال. إن توجيه اللوم أمر سهل، إذ يشير الفلسطينيون إلى تأسيس دولة إسرائيل وما أدت إليه من تشريد للفلسطينيين، ويشير الإسرائيليون إلى العداء المستمر والاعتداءات التي يتعرضون لها داخل حدود إسرائيل وخارج هذه الحدود على مدى التاريخ. ولكننا إذا نظرنا إلى هذا الصراع من هذا الجانب أو من الجانب الآخر، فإننا لن نتمكن من رؤية الحقيقة لأن السبيل الوحيد للتوصل إلى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن.
إن هذا السبيل يخدم مصلحة إسرائيل ومصلحة فلسطين ومصلحة أميركا. لذلك سأسعى شخصياً إلى الوصول إلى هذه النتيجة متحلياً بالقدر اللازم من الصبر الذي تقتضيه هذه المهمة. إن الالتزامات التي وافق عليها الطرفان بموجب خريطة الطريق هي التزامات واضحة. وآن الأوان من أجل إحلال السلام كي يتحمل الجانبان مسؤولياتهما، وكي نتحمل جميعنا مسؤولياتنا كذلك.
يجب على الفلسطينيين أن يتخلوا عن العنف. إن المقاومة عن طريق العنف والقتل أسلوب خاطئ ولا يؤدي إلى النجاح. لقد عانى السود في أميركا طوال قرون من الزمن من سوط العبودية ومن مهانة التفرقة والفصل بين البيض والسود، لكن العنف لم يكن السبيل الذي مكنهم من الحصول على حقوقهم الكاملة والمتساوية بل كان السبيل إلى ذلك إصرارهم وعزمهم السلمي على الالتزام بالمثل التي كانت بمثابة الركيزة التي اعتمد عليها مؤسسو أميركا، وهذا هو ذاته التاريخ الذي شاهدته شعوب كثيرة بينها شعب جنوب أفريقيا وجنوب آسيا وأوروبا الشرقية وأندونيسيا.
ينطوي هذا التاريخ على حقيقة بسيطة، ألا وهي أن طريق العنف طريق مسدود وأن إطلاق الصواريخ على الأطفال الإسرائيليين في مضاجعهم أو تفجير حافلة على متنها سيدات مسنات لا يعبر عن الشجاعة أو عن القوة ولا يمكن اكتساب سلطة التأثير المعنوي عن طريق مثل هذه الأعمال إذ يؤدي هذا الأسلوب إلى التنازل عن هذه السلطة.
الآن، على الفلسطينيين تركيز اهتمامهم على الأشياء التي يستطيعون إنجازها. ويجب على السلطة الفلسطينية تنمية قدرتها على ممارسة الحكم من خلال مؤسسات تقدم خدمات للشعب وتلبي احتياجاته. إن تنظيم «حماس» يحظى بالدعم من قبل بعض الفلسطينيين، لكنه يتحمل مسؤوليات كذلك ويتعين على «حماس» حتى تؤدي دورها في تلبية طموحات الفلسطينيين وتوحيد الشعب الفلسطيني أن تضع حداً للعنف وأن تعترف بالاتفاقات السابقة وأن تعترف بحق إسرائيل في البقاء.
وفي الوقت نفسه، يجب على الإسرائيليين الإقرار بأن حق فلسطين في البقاء هو حق لا يمكن إنكاره مثلما لا يمكن إنكار حق إسرائيل في البقاء. إن الولايات المتحدة لا تقبل مشروعية من يتحدثون عن إلقاء إسرائيل في البحر، كما أننا لا نقبل مشروعية استمرار المستوطنات الإسرائيلية. إن عمليات البناء هذه تنتهك الاتفاقات السابقة وتقوض من الجهود المبذولة لتحقيق السلام. لقد آن الأوان لكي تتوقف هذه المستوطنات.
ويجب على إسرائيل أن تفي بالتزاماتها لتأمين تمكين الفلسطينيين من أن يعيشوا ويعملوا ويطوروا مجتمعهم. لأن أمن إسرائيل لا يتوفر عن طريق الأزمة الإنسانية في غزة التي تصيب الأسر الفلسطينية بالهلاك أو عن طريق انعدام الفرص في الضفة الغربية. إن التقدم في الحياة اليومية التي يعيشها الشعب الفلسطيني يجب أن يكون جزءاً من الطريق المؤدي إلى السلام، ويجب على إسرائيل أن تتخذ خطوات ملموسة لتحقيق مثل هذا التقدم.
وأخيراً، يجب على الدول العربية أن تعترف بأن مبادرة السلام العربية كانت بداية مهمة وأن مسؤولياتها لا تنتهي بهذه المبادرة، كما ينبغي عليها أن لا تستخدم الصراع بين العرب وإسرائيل لإلهاء الشعوب العربية عن مشاكلها الأخرى، بل يجب أن تكون هذه المبادرة سبباً لحضهم على العمل لمساعدة الشعب الفلسطيني على تطوير مؤسساته التي ستعمل على مساندة الدولة الفلسطينية ومساعدة الشعب الفلسطيني على الاعتراف بشرعية إسرائيل واختيار سبيل التقدم بدلاً من السبيل الانهزامي الذي يركز الاهتمام على الماضي.
ستنسق أميركا سياساتنا مع سياسات أولئك الذين يسعون من أجل السلام وستكون تصريحاتنا التي تصدر علنا هي ذات التصريحات التي نعبر عنها في اجتماعاتنا الخاصة مع الإسرائيليين والفلسطينيين والعرب إننا لا نستطيع أن نفرض السلام ويدرك كثيرون من المسلمين في قرارة أنفسهم أن إسرائيل لن تختفي وبالمثل يدرك الكثيرون من الإسرائيليين أن دولة فلسطينية أمر ضروري. لقد آن الأوان للقيام بعمل يعتمد على الحقيقة التي يدركها الجميع.
لقد تدفقت دموع الكثيرين وسالت دماء الكثيرين وعلينا جميعاً تقع مسؤولية العمل من أجل ذلك اليوم الذي تستطيع فيه أمهات الإسرائيليين والفلسطينيين مشاهدة أبنائهن يتقدمون في حياتهم من دون خوف، وعندما تصبح الأرض المقدسة التي نشأت فيها الأديان الثلاثة العظيمة مكاناً للسلام الذي أراده الله لها، وعندما تصبح مدينة القدس وطناً دائماً لليهود والمسيحيين والمسلمين، المكان الذي يستطيع فيه أبناء سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يتعايشوا في سلام تماماً كما ورد في قصة الإسراء عندما أقام الأنبياء موسى وعيسى ومحمد سلام الله عليهم الصلاة معاً.
إن المصدر الثالث للتوتر يتعلق باهتمامنا المشترك بحقوق الدول ومسؤولياتها في ما يخص الأسلحة النووية. لقد كان هذا الموضوع مصدراً للتوتر الذي طرأ أخيراً على العلاقات بين الولايات المتحدة وجمهورية إيران الإسلامية التي ظلت لسنوات كثيرة تعبر عن هويتها من خلال موقفها المناهض لبلدي. والتاريخ بين بلدينا تاريخ عاصف بالفعل، إذ لعبت الولايات المتحدة إبان فترة الحرب الباردة دوراً في إطاحة الحكومة الإيرانية المنتخبة بأسلوب ديموقراطي.
أما إيران، فلعبت دوراً منذ قيام الثورة الإسلامية في أعمال اختطاف الرهائن وأعمال العنف ضد القوات والمدنيين الأميركيين. هذا التاريخ تاريخ معروف. لقد أعلنت بوضوح لقادة إيران وشعب إيران أن بلدي بدلاً من أن يتقيد بالماضي يقف مستعداً للمضي قدماً. والسؤال المطروح الآن لا يتعلق بالأمور التي تناهضها إيران ولكنه يرتبط بالمستقبل الذي تريد إيران أن تبنيه.
إن التغلب على فقدان الثقة الذي استمر لعشرات السنوات سيكون صعباً، لكننا سنمضي قدماً مسلحين بالشجاعة واستقامة النوايا والعزم. سيكون هناك الكثير من القضايا التي سيناقشها البلدان ونحن مستعدون للمضي قدماً من دون شروط مسبقة على أساس الاحترام المتبادل. إن الأمر الواضح لجميع المعنيين بموضوع الأسلحة النووية أننا قد وصلنا إلى نقطة تتطلب الحسم وهي ببساطة لا ترتبط بمصالح أميركا، لكنها ترتبط بمنع سباق للتسلح النووي قد يدفع بالمنطقة إلى طريق محفوف بالمخاطر ويدمر النظام العالمي لمنع انتشار الأسلحة النووية.
إنني مدرك أن البعض يعترض على حيازة بعض الدول لأسلحة لا توجد مثلها لدى دول أخرى ولا ينبغي على أي دولة أن تختار الدول التي تملك أسلحة نووية، وهذا هو سبب قيامي بالتأكيد مجدداً وفي شدة على التزام أميركا بالسعي من أجل عدم امتلاك أي من الدول للأسلحة النووية. ويجب أن يكون لأي دولة، بما في ذلك إيران، حق الوصول إلى الطاقة النووية السلمية إذا امتثلت لمسؤولياتها بموجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، وهذا الالتزام جوهري في المعاهدة ويجب الحفاظ عليه من أجل جميع الملتزمين به.
إن الموضوع الرابع الذي أريد أن أتطرق إليه هو الديموقراطية. إن نظام الحكم الذي يسمع صوت الشعب ويحترم حكم القانون وحقوق جميع البشر هو النظام الذي أؤمن به وأعلم أن جدلاً حول تعزيز الديموقراطية وحقوق جميع البشر كان يدور خلال السنوات الأخيرة، وأن جزءاً كبيراً من هذا الجدل كان متصلاً بالحرب في العراق. اسمحوا لي أن أتحدث بوضوح وأقول ما يلي: لا يمكن لأي دولة ولا ينبغي على أي دولة أن تفرض نظاماً للحكم على أي دولة أخرى.
ومع ذلك، لن يقلل ذلك من التزامي تجاه الحكومات التي تعبر عن إرادة الشعب، حيث يتم التعبير عن هذا المبدأ في كل دولة وفقاً لتقاليد شعبها. إن أميركا لا تفترض أنها تعلم ما هو أفضل شيء بالنسبة إلى الجميع، كما أننا لا نفترض أن تكون نتائج الانتخابات السلمية هي النتائج التي نختارها، ومع ذلك يلازمني اعتقاد راسخ بأن جميع البشر يتطلعون إلى امتلاك قدرة التعبير عن أفكارهم وآرائهم في أسلوب الحكم المتبع في بلدهم ويتطلعون إلى الشعور بالثقة في حكم القانون وفي الالتزام بالعدالة والمساواة في تطبيقه، ويتطلعون كذلك إلى شفافية الحكومة وامتناعها عن نهب أموال الشعب ويتطلعون إلى حرية اختيار طريقهم في الحياة. إن هذه الأفكار ليست أفكاراً أميركية فحسب، بل هي حقوق إنسانية، وهي لذلك الحقوق التي سندعمها في كل مكان.
لا يوجد طريق سهل ومستقيم لتلبية هذا الوعد، لكن الأمر الواضح بالتأكيد هو أن الحكومات التي تحمي هذه الحقوق هي في نهاية المطاف الحكومات التي تتمتع بقدر أكبر من الاستقرار والنجاح والأمن. إن قمع الأفكار لا ينجح أبداً في القضاء عليها. أميركا تحترم حق جميع من يرفعون أصواتهم حول العالم للتعبير عن آرائهم بأسلوب سلمي يراعي القانون حتى لو كانت آراؤهم مخالفة لآرائنا وسنرحب بجميع الحكومات السلمية المنتخبة شرط أن تحترم جميع أفراد الشعب في ممارستها للحكم.
هذه النقطة لها أهميتها لأن البعض لا ينادون بالديموقراطية إلا عندما يكونون خارج مراكز السلطة ولا يرحمون أحداً في ممارساتهم القمعية بحق الآخرين عند وصولهم إلى السلطة. إن الحكومة التي تتكون من أفراد الشعب وتدار بواسطة الشعب هي المعيار الوحيد لجميع من يشغلون مراكز السلطة بغض النظر عن المكان الذي تتولى فيه مثل هذه الحكومة ممارسة مهامها: إذ يجب على الحكام أن يمارسوا سلطاتهم من خلال الاتفاق في الرأي وليس عن طريق الإكراه ويجب على الحكام أن يحترموا حقوق الأقليات وأن يعطوا مصالح الشعب الأولوية على مصالح الحزب الذي ينتمون إليه.
أما الموضوع الخامس الذي يجب علينا الوقوف أمامه معا فهو موضوع الحرية الدينية.
إن التسامح تقليد عريق يفخر به الإسلام. لقد شاهدت بنفسي هذا التسامح عندما كنت طفلاً في أندونيسيا، إذ كان المسيحيون في ذلك البلد الذي يشكل فيه المسلمون الغالبية يمارسون طقوسهم الدينية بحرية. إن روح التسامح التي شاهدتها هناك هي ما نحتاجه اليوم، إذ يجب أن تتمتع الشعوب في جميع البلدان بحرية اختيار العقيدة وأسلوب الحياة القائم على ما تمليه عليهم عقولهم وقلوبهم وأرواحهم بغض النظر عن العقيدة التي يختارونها لأنفسهم لأن روح التسامح هذه ضرورية لازدهار الدين ومع ذلك تواجه روح التسامح هذه تحديات مختلفة.
ثمة توجه في بعض أماكن العالم الإسلامي ينزع إلى تحديد قوة عقيدة الشخص وفقاً لموقفه الرافض لعقيدة الآخر. إن التعددية الدينية هي ثروة يجب الحفاظ عليها ويجب أن يشمل ذلك الموارنة في لبنان أو الأقباط في مصر، ويجب إصلاح خطوط الانفصال في أوساط المسلمين كذلك، لأن الانقسام بين السنّة والشيعة أدى إلى عنف مأساوي، لا سيما في العراق.
إن الحرية الدينية هي الحرية الأساسية التي تمكن الشعوب من التعايش ويجب علينا دائماً أن نفحص الأساليب التي نتبعها لحماية هذه الحرية، فالقواعد التي تنظم التبرعات الخيرية في الولايات المتحدة على سبيل المثال أدت إلى تصعيب تأدية المسلمين فريضة الزكاة، وهذا هو سبب التزامي بالعمل مع الأميركيين المسلمين لضمان تمكينهم من تأدية فريضة الزكاة.
وبالمثل، من الأهمية بمكان أن تمتنع البلدان الغربية عن وضع العقبات أمام المواطنين المسلمين لمنعهم من التعبير عن دينهم على النحو الذي يعتبرونه مناسباً، مثل فرض الثياب التي ينبغي على المرأة المسلمة أن ترتديها. إننا ببساطة لا نستطيع التظاهر بالليبرالية للتستر على معاداة أي دين.
ينبغي أن يكون الإيمان عاملاً للتقارب في ما بيننا، لذلك نعمل الآن على تأسيس مشاريع جديدة تطوعية في أميركا من شأنها التقريب فيما بين المسيحيين والمسلمين واليهود. إننا لذلك نرحب بالجهود المماثلة لمبادرة جلالة الملك عبدالله بن عبدالعزيز المتمثلة في حوار الأديان، كما نرحب بالموقف الريادي الذي اتخذته تركيا في تحالف الحضارات. إننا نستطيع أن نقوم بجهود حول العالم لتحويل حوار الأديان إلى خدمات تقدمها الأديان يكون من شأنها بناء الجسور التي تربط بين الشعوب وتؤدي بها إلى تأدية أعمال تدفع إلى الأمام عجلة التقدم لجهودنا الإنسانية المشتركة، سواء كان ذلك في مجال مكافحة الملاريا في أفريقيا أو توفير الإغاثة في أعقاب كارثة طبيعية.
إن الموضوع السادس الذي أريد التطرق إليه هو موضوع حقوق المرأة.
أعلم أن جدلاً يدور في شأن هذا الموضوع، وأرفض الرأي الذي يعبر عنه البعض في الغرب ويعتبر المرأة التي تختار غطاء لشعرها أقل شأناً من غيرها، لكنني أعتقد بأن المرأة التي تحرم من التعليم تحرم كذلك من المساواة. إن البلدان التي تحصل فيها المرأة على تعليم جيد هي غالباً بلدان تتمتع بقدر أكبر من الرفاهية وهذا ليس من باب الصدفة.
اسمحوا لي أن أتحدث بوضوح: إن قضايا مساواة المرأة ليست ببساطة قضايا للإسلام وحده، لقد شاهدنا بلداناً غالبية سكانها من المسلمين مثل تركيا وباكستان وبنغلادش وإندونيسيا تنتخب المرأة لتولي قيادة البلد. وفي الوقت نفسه، يستمر الكفاح من أجل تحقيق المساواة للمرأة في بعض جوانب الحياة الأميركية وفي بلدان العالم. لذلك، ستعمل الولايات المتحدة مع أي بلد غالبية سكانه من المسلمين من خلال شراكة لدعم توسيع برامج محو الأمية للفتيات ومساعدتهن على السعي في سبيل العمل عن طريق توفير التمويل الأصغر الذي يساعد الناس على تحقيق أحلامهم.
باستطاعة بناتنا تقديم مساهمات إلى مجتمعاتنا تتساوى مع ما يقدمه لها أبناؤنا، وسيتم تحقيق التقدم في رفاهيتنا المشتركة من خلال إتاحة الفرصة لجميع الرجال والنساء لتحقيق كل ما يستطيعون تحقيقه من إنجازات. أنا لا أعتقد أن على المرأة أن تسلك ذات الطريق الذي يختاره الرجل كي تحقق المساواة معه، كما أحترم كل امرأة تختار ممارسة دور تقليدي في حياتها، لكن هذا الخيار ينبغي أن يكون للمرأة نفسها.
وأخيراً، أريد أن أتحدث عن التنمية الاقتصادية وتنمية الفرص. أعلم أن الكثيرين يشاهدون تناقضات في مظاهر العولمة لأن شبكة الإنترنت وقنوات التلفزيون لديها قدرات لنقل المعرفة والمعلومات، ولديها كذلك قدرات لبث مشاهد إباحية منفرة وفظة وعنف غير عقلاني. وباستطاعة التجارة أن تأتي بثروات وفرص جديدة، لكنها في ذات الوقت تحدث في المجتمعات اختلالات وتغييرات كبيرة وتأتي مشاعر الخوف في جميع البلدان، حتى في بلدي، مع هذه التغييرات. وهذا الخوف هو خوف من أن تؤدي الحداثة إلى فقدان السيطرة على خياراتنا الاقتصادية وسياساتنا، والأهم من ذلك على هوياتنا، وهي الأشياء التي نعتز بها في مجتمعاتنا وفي أسرنا وفي تقاليدنا وفي عقيدتنا.
لكنني أعلم أيضاً أن التقدم البشري لا يمكن إنكاره، فالتناقض بين التطور والتقاليد ليس أمراً ضروريا، إذ تمكنت بلدان مثل اليابان وكوريا الجنوبية من تنمية أنظمتها الاقتصادية والحفاظ على ثقافتها المتميزة في الوقت ذاته. وينطبق ذلك على التقدم الباهر الذي شاهده العالم الإسلامي من كوالالمبور إلى دبي. لقد أثبتت المجتمعات الإسلامية منذ قديم الزمان وفي عصرنا الحالي أنها تستطيع أن تتبوأ مركز الطليعة في الابتكار والتعليم. وهذا أمر مهم، إذ لا يمكن أن تعتمد أي إستراتيجية للتنمية على الثروات المستخرجة من تحت الأرض ولا يمكن إدامة التنمية مع وجود البطالة في أوساط الشباب. لقد استمتع عدد كبير من دول الخليج بالثراء المتولد عن النفط، ويبدأ بعض هذه الدول الآن بالتركيز على قدر أعرض من التنمية، لكن علينا جميعاً أن ندرك أن التعليم والابتكار سيكونان مفتاحاً للثروة في القرن الحادي والعشرين. إنني أؤكد على ذلك في بلدي. كانت أميركا في الماضي تركز اهتمامها على النفط والغاز في هذا الجزء من العالم، لكننا نسعى الآن إلى التعامل مع أمور أوسع من ذلك.
في ما يتعلق بالتعليم، سنتوسع في برامج التبادل ونرفع من عدد المنح الدراسية مثل تلك التي أتت بوالدي إلى أميركا، وسنقوم في نفس الوقت بتشجيع عدد أكبر من الأميركيين على الدراسة في المجتمعات الإسلامية، وسنوفر للطلاب المسلمين الواعدين فرصاً للتدريب في أميركا، وسنستثمر في سبل التعليم الإفتراضي للمعلمين والتلاميذ في جميع أنحاء العالم عبر الفضاء الإلكتروني، وسنستحدث شبكة إلكترونية جديدة لتمكين المراهقين والمراهقات في ولاية كنساس من الاتصال المباشر مع نظرائهم في القاهرة.
وفي ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية، سنستحدث هيئة جديدة من رجال الأعمال المتطوعين لتكوين شراكة مع نظرائهم في البلدان التي يشكل فيها المسلمون غالبية السكان، وسأستضيف مؤتمر قمة لأصحاب المشاريع المبتكرة هذا العام لتحديد كيفية تعميق العلاقات بين الشخصيات القيادية في مجال العمل التجاري والمهني والمؤسسات وأصحاب المشاريع الابتكارية الاجتماعية في الولايات المتحدة وفي المجتمعات الإسلامية في جميع أنحاء العالم.
أما في ما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا، فسنؤسس صندوقاً مالياً جديداً لدعم التنمية والتطور التكنولوجي في البلدان التي يشكل فيها المسلمون غالبية السكان وللمساهمة في نقل الأفكار إلى السوق حتى تستطيع هذه البلدان استحداث فرص للعمل وسنفتتح مراكز للتفوق العلمي في أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وسنعين موفدين علميين للتعاون في برامج من شأنها تطوير مصادر جديدة للطاقة واستحداث فرص خضراء للعمل لا تضر بالبيئة وسبل لترقيم السجلات وتنظيف المياه وزراعة محاصيل جديدة.
اليوم، أعلن جهوداً عالمية جديدة مع منظمة المؤتمر الإسلامي للقضاء على مرض شلل الأطفال. وسنسعى من أجل توسيع الشراكة مع المجتمعات الإسلامية لتعزيز صحة الأطفال والأمهات. يجب إنجاز جميع هذه الأمور عن طريق الشراكة. إن الأميركيين مستعدون للعمل مع المواطنين والحكومات ومع المنظمات الأهلية والقيادات الدينية والشركات التجارية والمهنية في المجتمعات الإسلامية حول العالم من أجل مساعدة شعوبنا في مساعيها الرامية إلى تحقيق حياة أفضل.
إن معالجة الأمور التي وصفتها لن تكون سهلة، لكننا نتحمل معاً مسؤولية ضم صفوفنا والعمل معاً نيابة عن العالم الذي نسعى من أجله، وهو عالم لا يهدد فيه المتطرفون شعوبنا، عالم تعود فيه القوات الأميركية إلى ديارها، عالم ينعم فيه الفلسطينيون والإسرائيليون بالأمان في دولة لكل منهم، عالم تستخدم فيه الطاقة النووية لأغراض سلمية، عالم تعمل فيه الحكومات على خدمة المواطنين، عالم تحظى فيه حقوق جميع البشر بالاحترام. هذه هي مصالحنا المشتركة، وهذا هو العالم الذي نسعى من أجله والسبيل الوحيد لتحقيق هذا العالم هو العمل معاً.
أعلم أن هناك كثيرين من المسلمين وغير المسلمين الذين تراودهم الشكوك في قدرتنا على استهلال هذه البداية، وهناك البعض الذين يسعون إلى تأجيج نيران الفرقة والانقسام والوقوف في وجه تحقيق التقدم، فيما يرى البعض أن الجهود المبذولة في هذا الصدد غير مجدية ويقولون إن الاختلاف في ما بيننا أمر محتم وأن الحضارات ستصطدم حتماً. هناك كثيرون كذلك يتشككون ببساطة في إمكانية تحقيق التغيير الحقيقي، فالمخاوف كثيرة وانعدام الثقة كبير لكننا لن نتقدم أبداً إلى الأمام إذا اخترنا التقيد بالماضي.
إن الفترة الزمنية التي نعيش فيها جميعاً مع بعضنا بعضاً في هذا العالم هي فترة قصيرة والسؤال المطروح علينا هو هل سنركز اهتمامنا خلال هذه الفترة الزمنية على الأمور التي تفرق بيننا أم سنلتزم بجهود مستديمة للوصول إلى موقف مشترك وتركيز اهتمامنا على المستقبل الذي نسعى إليه من أجل أبنائنا واحترام كرامة جميع البشر.
هذه الأمور ليست أموراً سهلة. إن خوض الحروب أسهل من إنهائها، كما أن توجيه اللوم إلى الآخرين أسهل من أن ننظر إلى ما يدور في أعماقنا، وملاحظة الجوانب التي نختلف فيها مع الآخرين أسهل من العثور على الجوانب المشتركة بيننا، ولكل دين من الأديان قاعدة جوهرية تدعونا إلى أن نعامل الناس مثلما نريد منهم أن يعاملوننا. وتعلو هذه الحقيقة على البلدان والشعوب، وهي عقيدة ليست بجديدة، وهي ليست عقيدة السود أو البيض، وليست هذه العقيدة مسيحية أو مسلمة أو يهودية، هي عقيدة الإيمان التي بدأت نبضاتها في مهد الحضارة والتي ما زالت تنبض اليوم في قلوب آلاف الملايين من البشر. إنها عقيدة الإيمان بالآخرين: الإيمان الذي أتى بي إلى هنا اليوم.
إننا نملك القدرة على تشكيل العالم الذي نسعى من أجله، لكن ذلك يتطلب منا أن نتحلى بالشجاعة اللازمة لاستحداث هذه البداية الجديدة، آخذين بعين الاعتبار ما جاء في القرآن الكريم: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفواً». ونقرأ في التلمود أن «الغرض من النص الكامل للتوراة هو تعزيز السلام». ويقول لنا الكتاب المقدس: «هنيئاً لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعونَ». باستطاعة شعوب العالم أن تعيش معاً في سلام. إننا نعلم أن هذه رؤية الرب، وعلينا الآن أن نعمل على الأرض لتحقيق هذه الرؤية. شكراً لكم، والسلام عليكم.