حزب المؤتمر الشعبي أحد الأحزاب المؤثرة في قواعد اللعبة السياسية في السودان،فقد حصل الحزب في آخر انتخابات ديمقراطية في السودان على الترتيب الثالث من نسبة المقاعد في البرلمان، وتولي المعارضة ودبر مع كوادره في المؤسسه العسكرية انقلاب 89 الذي اتى بالحركة الإسلامية إلي السلطة في السودان، وتولى عرابه حسن الترابي تسير دفة الحكم في السودان حتى المفاصله الشهيرة بينه وبين المؤتمر الوطني في الرابع من رمضان فقاد معارضة شرسه ضد شركاء الأمس خصماء اليوم، بما يمتلكه من رصيد ضخم من المعرفة بكواليس النظام في الخرطوم ظل يشكل عبء ثقيل على مؤسسة الحكم الحالية في السودان.
ويرجح المراقبين بأن للحزب الدور الأساسي في تحريك التمرد في دارفور وخصوصا حركة العدل والمساواة التي ينتمى أغلبية قياداتها سابقا إلي الحركة الإسلامية.
بعد مذكرة المحكمة الجنائية ضد الرئيس البشير أيد الحزب على لسان مؤسسه وزعيمة الترابي اجراءات المحكمة وطلب من البشير تسليم نفسه للجنائية ،ومع تعقد الأوضاع في السودان خصوصا بعد تفاقم أزمة دارفور وقرار المحكمة الجنائية الدولية جلسنا مع المحبوب عبدالسلام لمعرفة رؤية الحزب في الراهن السياسي ورؤيتهم لحل الأزمة السودانية.
المحبوب عبدالسلام من كوادر الحزب النافذين فهو تلميذ الترابي المقرب ويتقلد منصب نائب الأمين العام للحزب، خرج من السودان مباشرة بعد المفاصله الشهيرة وظل يدير علاقات الحزب الخارجية بكفاءة اثناء الفترة الحرجة من عمر التنظيم ،ملم بملفات كبيره عن الحزب والسودان.. حاوره راديو حريتنا والسودان على مفترق طرق
وفيما يلي نص الحوار
تنسج مصر خيوط مبادرة شاملة تبدو في الأفق لحل كل جوانب الأزمة السودانية،حسب وجودكم في القاهرة هل استمع المصريين لرؤية قيادات حزبكم وما هو موقفكم من المبادرة المصرية ؟
هم استمعوا لرأينا والتقى القنصل المصري بأمين العلاقات الخارجية في الحزب بشير ادم رحمه في الخرطوم وجلسوا معنا ايضاً في القاهرة،وهنالك تقدم في الموقف المصري بعد القطيعه بين حزب المؤتمر الشعبي والحكومة المصرية, بدأنا نستأنف الحوار وليس هنالك سبب يدعو لإستمرار القطيعه ونعتقد أن الدور المصري مهم جداً والترابي أكد قبل مبادرة الدوحة على أهمية الدور المصري ونصح القطريين بالاتصال بمصر فمصر تنظر للموقف بصورة شامله وتتبنى مدخل الحل الشامل وهذا هو المدخل الذي ظللنا نؤكد عليه طوال العشرة سنوات الماضية.
هناك اتفاق كبير في وجهات النظر بين الرؤية المصرية وحزب المؤتمر الشعبي ولدينا تفاصيل كبيرة عن المبادره لكن الإداره المصرية سوف تفصح عنها في مقبل الأيام .
قدمتم نقد ذاتي في كثير من الأوقات للقوى الحزبية وقطعتم بأنكم بصدد تقديم تقييم لفترة العشرة سنوات كأستكمال منهجي للنقد الذاتي خلال تلك الفترة فإلي أين وصل هذا العمل ؟
العمل قارب على الانتهاء وقطعنا فيه مراحل كبيره وسوف ينشر في القريب العاجل.
قضية دارفور أصبحت مدخل لاستقطاب لقوى دولية كبرى تجاه السودان مثل أمريكا وفرنسا وروسيا الصين ، وقد اعلنتم في السابق إن من أسباب اختلافكم الرئيسية مع المؤتمر الوطني الحاكم عدم إدارة السياسية الخارجية بعزة وسيادة،مع الوضع الراهن والتركيز الكبير من القوى الدولية على السودان هل تعتقدون بأن السياسة الخارجية للسودان اليوم تدار بعزة وأستقلال أم أن هنالك تنازلات كبيرة تتم؟
دعنا نتحدث تحديدا عن تنازل استخباري وهو معروف في كل العالم وعبر التاريخ كمؤشر للضعف الداخلي ، منذ انقسام الحزب الحاكم من الحركة الإسلامية ذهبوا مباشره لتقديم العون الاستخباري وليس اصلاح السياسية الخارجية ، هم ظنو لفترة أن بأمكانهم الاستغناء بالعلاقة المباشره مع أمريكا دون المرور مثلا بمصر وهذا خلق لهم مشاكل إقليمية كبيره ،ونحن قصدنا بأن تدار السياسية الخارجية بعزة واستقلال حيث أنها سياسة خارجية وليس تعاون استخباري.
هناك مدارس في الغرب تدعو للحوار مع الحركات الإسلامية وان لا تقصى ولا أن تعزل ،وقد ذكر المستشرق الفرنسي فرنسوا بورديه أن الغرب من الأفضل لهم الحوار مع الترابي الذي يجيد الإنجليزية والفرنسية وله صور مع بابا الفاتيكان بدلاً من الحوار مع غيره.
نحن لدينا وعي بأن العالم أصبح وثيق وموصول والعلاقات في العالم أصبحت علاقات تعاون. الترابي يقول في كتابه الأخير أن الطاقة التي بذلت لضرب مركز التجارة العالمي وأحدثت رد فعل عنيف على الإسلام لو وظفت في اصلاح العالم الإسلامي لأثمرت.
نحن كتبنا في دستور 98 أن تدار السياسية الخارجية بعزة وسيادة ، دائما الذي يتورط في التعاون الاستخباري يصل إلي نتائج خطأ،هم اعتقدوا بتعاونهم مع الإستخبارات الأمريكية يمكنهم ضرب دارفور بوحشيه كامله دون أن يسألهم أحد واتضح أن الاستخبارات الأمريكية لا تحكم أمريكا،أمريكا تحكمها الخارجية الأمريكية والكونجرس والمجتمع المدني وهذا تعبير علي قصر النظر.
من المعلوم لكثير من المراقبين علاقات حزبكم الوثيقه مع حركة العدل والمساواة والتي يعتبر أغلبية قياداتها من كوادر حزبكم السابقين. الآن الوضع بعد مذكرة الجنائية الدولية تأزم جداً في السودان. فما هي مساهمة حزب المؤتمر الشعبي في حل أزمة دارفور والأزمة القومية؟
نحن أكثر حزب لديه وثائق ، قدمنا ورقه للقطريين وقدمنا رؤية متكاملة من الحزب حول حدث في العاشر من مايو(هجوم حركة العدل والمساواة على امدرمان) وقدمنا ورقة عن تقييم اتفاقية السلام وليس الأوراق فقط بل قمنا بأعمال مثل الحوار بين الفور والزغاوة والذي نجح بصورة كبيره وبدأنا التمهيد لحوار بين الزغاوة والعرب ولكن الحكومة قامت بإعتقال المشاركين في المفاوضات فور عودتهم من دارفور إلي الخرطوم .
فيما يخص الحوار الثنائي مع المؤتمر الوطني لدينا شروط يجب أن توفي حتى يتثى لنا الجلوس في طاولة تفاوض مع المؤتمر الوطني.
أما فيما يخص القضايا القومية فليس لدينا تحفظ حتى في الجلوس مع المؤتمر الوطني الحاكم والذي درج على التعامل معنا بصورة غير لائقة حزبياً مثل توجيه الدعوة لأفراد داخل الحزب بأسمائهم دون توجيه الدعوة بصورة رسمية للحزب،وهذا خطأ كبير في التعامل بين الاحزاب. فيما يتعلق باطروحة الحزب ومثلما قال القطريين أن قيمة الترابي ليس فيما يتبعه من مؤيديين وما يحصل عليه من دوائر في الانتخابات وانما قيمته في معرفته بقضايا السودان ومقدرته على تقديم حلول للمشاكل،وهذا معلوم لعضوية المؤتمر الوطني فقد قدم الترابي حلول كثيره لأزمات كبيره في السابق في احلك المواقف وهو يعتبر من الساسه المخضرمين في العالم ،لذلك فأقصاء المؤتمر الشعبي خطأ كبير في معالجة الأزمات الراهنة.
ونحن كنا دائما نشك أن المؤتمر الوطني لديه التزامات خارجية تمنعه من التعاطي مع الشعبي. لكن اتضح لنا انه هذا غير صحيح ولكن خوف المؤتمر الوطني من أن يكون الشعبي جزء من حل هذه المشاكل هو الذي يمنعه من الحوار مع الشعبي فيجب أن يتخلص المؤتمر الوطني من هذا الخوف وعليه أن يقبل حتى الاراء الحاده التي تصدر من المؤتمر الشعبي مثل رأيه في المحكمة الجنائية الدولية.
بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية بتوجيه الاتهام رسمياً للرئيس السوداني عمر البشير بالمثول أمامها عمدت الحكومة على طرد عدد من منظمات الإغاثة الإنسانية في دارفور بحجة التخابر مع المحكمة الجنائية، حسب رصيدكم السابق في تجربة الحكم ومعرفتكم بكواليس السياسية في السودان هل هذا القرار نتيجة لرد فعل ارتجالي للحكومة أم خطوة تكتيكه للحكومة للتفاوض مع المجتمع الدولي ؟
منذ أول العهد في الإنقاذ هنالك مدرسة من الإسلامين تدعو للتعامل مع العالم بنديه وخصوصا الغرب وعدم تقديم تنازلات، وهذا يبدو واضحاً في علاقتنا مع مصر في السابق عندما أتخذت مصر بعض الخطوات كتعبير عن رفضها لبعض سياسات الإنقاذ مباشره قمنا بتأميم جامعة القاهرة وطردنا بعثة الري المصري وعندما فرضوا تأشيرة دخول لمصر فرضنا تأشيرات دخول للمصريين وكانوا يعتقدون أن هذا النمط جيد للتعامل. لكن الملاحظ أنهم يتعاطون مع الأمريكان عكس السابق فقد استقبلوا قبل أيام المبعوث الأمريكي ولم يتفاعلوا مثل السابق عندما ضرب مصنع الشفاء فقاموا بطرد السفير الأمريكي والسفير البريطاني ولكن بالعكس طردت المنظمات اليوم التي مثلها مثل اي كيان لديها عدد هائل من الموظفين وتقوم بخدمات كبيره في السودان.
لكن في هذا الموقف تحديداً اختاروا المكان الخطأ، اختاروا الجهات التي لها علاقة بأكل وشرب المواطنين ولم يضعوا في حسبانهم الالاف من المواطنين الذين يواجهون الجوع والموت.
ذكرتم في السابق أن قضايا السودان مهما تشعبت هي فرع لأصل الحرية، مع إعلان الانتخابات في فبراير أعلن المؤتمر الشعبي مقاطعته للانتخابات فهل تحفظ المؤتمر الشعبي نتيجه لمعلومات يملكها لعدم نزاهة وحيدة الانتخابات القادمة ومن أنها لن تفضي للحرية التي ينشدها المؤتمر الشعبي ؟
المؤتمر الشعبي لم يعلن مقاطعته للانتخابات وموقف المقاطعة من أطروحة الانتخابات بصورة عامة خطأ، فجميع التنظيمات تنشد الانتخابات ومقاطعة حزب واحد للانتخابات لا يدفع بأتجاه الحل نحن نتخذ مواقفنا بالإتساق مع القوى السياسية الأخرى.
لكن هنالك خطوات أساسية يجب حسمها قبل الشروع في أي حديث عن الانتخابات مثل قضية تعديل القوانين المقيده للحريات التي كان من المفترض تعديلها منذ ثلاث سنوات وحل أزمة دارفور حتى لا تعزل من الانتخابات و حتى لا نكرث فيها لوضع مثل الذي حدث في شمال العراق عام 91.
لكن من المؤكد أن الوضع الحالي لا يفضي لانتخابات حرة نزيهة،نحن طرحنا مرات عديده تكوين حكومة انتقالية من شخصيات قومية محايده ليس لها برنامج في التنمية وحل المشاكل الماثله لكنها فقط تدير الانتخابات المقبله.
المؤتمر الشعبي يمتلك علاقات جيده وخصوصا مع الحركة الشعبيه لتحرير السودان ،وقد ذكرتم في اتفاق جنيف مع الحركة الشعبية انكم سوف تحتفظون بعلاقات وثيقة مع الحركة، في ظل هذا المنعطف الذي يمر به السودان والجنوب مقبل بعد فترة قصيره على الاستفتاء على الحكم الذاتي حسب اتفاقية نيفاشا. هل تعتقدون كرؤية استشرافية أن الأوضاع الحالية في السودان تشجع الجنوب على الاستمرار في الوحدة ؟
وردت عباره (كيف تكون المصائر ) في مذكرة لندن مع الحركة الشعبية لتحرير السودان في سبتمبر 2004 ود.جون جرنق زعيم الحركة كان معجب جداً بهذا الكلمة عندما كتبت في ذلك الوقت.
بمعنى حتى لو أصبح السودان دولتين بعد الاستفتاء حتى لو افترقنا نفترق أصدقاء متعاونين ونحن استخدمنا لأول مرة في تلك الورقه تعبير الوحدة الجاذبة وقلنا يجب العمل لدعم التنمية والميزانيات للجنوب ودفع الاستثمارات العربية للعمل في الجنوب.
المشكله الأساسية في تعقيدات العلاقة التي افرزتها اتفاقية السلام بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية أن الحركة الشعبية تريد الحفاظ على العلاقة مع المؤتمر الوطني بأي ثمن حتى تبلغ الإستفتاء
هنالك رأي جنوبي قوي أن يوثقوا علاقتهم مع المؤتمر الوطني ويتركوا الشماليين لمشاكلهم. لأنهم يرون أنهم إذا افسدوا الاتفاقية قبل 2011 يكونوا قد خسروا حلم الأستقلال. وكانت هنالك محنه كبيره بوفاة د.جون جرنق لانه كان يكرس كل طاقته لتحويل الجيش الشعبي لحزب سياسي في الشمال والجنوب وكثير من مفاتيح هذا التحول كانت متوفره في شخصية جرنق، فالحركة الشعبية كانت لديها زراع سياسي محدود وأفكار د.جون جرنق كانت تمثل رصيد فكري ضخم للحركة الشعبية، لكن لم تتحول الحركة لحزب سياسي في ذلك الوقت بصورة كامله وموت جرنق وتوقيع الاتفاقية مع حزب سيئ جداً مثل المؤتمر الوطني جعل فرص العلاقة بين الشمال والجنوب تصبح ضعيفه جداً ،وصعب استثمار العلاقة التي بدأناها في جنيف ودفعنا ثمن غالي مقابلها وجلسنا كحزب لفترة ثلاثة سنوات في الإعداد لها و كنا نرى هذه التضحيات مهمة في سبيل السلام بين الشمال والجنوب لكن ذلك لم يحدث.
وهذا ينطبق على بقية القوى السياسية الأخرى التي تمتلك علاقات أكبر من علاقتنا مثل التجمع الوطني الديمقراطي.
بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية هنالك دعم كبير من أمريكا وبريطانيا وفرنسا للقرار ،وهناك مفاوضات لمبعوثين هذه الدول. المؤكد أن هنالك مصالح خاصة للقوى الكبرى في السودان رغم الشق الإنساني للقضية والمواثيق الدولية . وهناك متغيرات كبيره في العالم اليوم مثل الأزمة المالية التي يمر بها النظام الرأسمالي العالمي. والحرب التي تخوضها أمريكا في أفغانستان والعراق. كقراءات بالنسبه لكم هل يمكن للحكومة في ظل تقديم تنازلات معينه أن يصرف الغرب النظر عن موضوع المحكمة الجنائية ؟
الغرب لديهم تجارب حضارية تجعلهم يفكروا أكثر من مرة قبل القيام بعمل عسكري رغم أن غير مستبعد أن تقوم الإدارة الأمريكية الجديدة وحلفائها الأوروبيين بعمل عنيف تجاه السودان.
أما المحكمة كمؤسسة قانونية لا مناص منها ولا يتوقع أن يقوم مجلس الأمن بالغاء المحكمة ولا يتملك مجلس الأمن حتى سلطة إبطال القرار.
والذين يفكروا بصورة موضوعية ينتهوا للحل السليم أن تظل المذكرة مجمدة لمده عام وتجدد عام بعد عام وهنالك نماذج مثل ذلك ،وهذا هو المخرج القانوني الوحيد،لكن هناك مسأله أصبحت ممله من كثرة ذكرها وهي أن المحكمة نتجت من موضوع دارفور وحل أزمة دارفور ليس معجزة ولا تطرح حركات دارفور شروط صعبه مثل التي طرحها الجنوب من انفصال وأستفتاء.