ميمونة عبدالله فطر
[email protected]
سأكتب هذه المرة بطعم آخر ومختلف، سأكتب رغم نُذري بألا أكتب مرة اخرى. وهذا هو حال كثير من الذين يكتبون في مشكلات السودان التي لاتريد ان تنتهي .فكلما يتعهدوا بأن لا يكتبوا؛ يجدون انفسهم يقومون بالفعل ذاته. وهاأنذا اعود مرة اخرى للكتابة مضطرة. واي انواع الكتابة هي.؟ انها الكتابة المؤلمة، الكتابة التي تأتي من أنني المُجنى عليها والموجوعة.الكتابة التي ان لم تكتبها ستظل مستسلماً لسياط الجاني وضرباته.
فعن (تابت) اقول ، لم يفقد الرجال مروءتهم او رجولتهم حينها، ولا حتى أنهم زحزحوا عن مواجهة الجناة وآثروا مشاهدة اغتصاب بناتهم ونسائهم في ضحى القرية ، وإنما تكرار الألم .الالم الذي ادمنوه عقداً من الزمان جعلهم بلا حيلة . نعم كان الرجال حضوراً في ( تابت) . لكن اجسادهم ماكان لديها قوة تصد بها الجناة. كانوا ميتين منذ وقت طويل، فلا لومٌ يقع عليهم إطلاقاً.
مادعاني لكتابة هذه الأسطر – بصراحة- ليس جريمة ( تابت) فحسب ، وإنما تعليق كتبه شاب سوداني على الفيس بوك عشية الجريمة ، ويبدو انه من الذين لا يعرفون من بلادنا سوى خرطومها وقصورها . حيث قال في تعليقه (ان الذين اعتدوا على النساء والفتيات في منطقة ( تابت) هم من المنطقة نفسها، وان الجيش السوداني أطهر من ان يقوم بهذا الفعل الذي لا يشبهه) انتهى تعليق المعلق السوداني.
الاشارة الاولى، دعونا نلقى بهذا التعبير الصادق الذي ينم عن شاب سوداني ، دعونا نلقى به على السودانيين جميعُنا، وعلى ذلك نقس ردود افعالنا الحقيقية. ثم لنحاول – بأذهاننا – محاكاة ذات الحدث بكامل بشاعته في مدينة الخرطوم ، في ديسمبر المقبل مثلاً. ماذا سيكون حينها .؟ لستُ سخية في الغضب لهذه الدرجة لكن الامر مجرد تخيل ، فليس من السليم نقل الالم من تابت إلى الخرطوم اوالعكس، لكن العملية عملية تقييس للفعل ووضعه في ميزان الشعور السوداني العام، ومن ثم الافصاح عن هذا الشعور بمطلق الصراحة.
السواقط والمواقف التي تباينت على مستوى كتابنا ومثقفينا السودانيين والاعلام عامة، ازاء الحدث خير دليل على هذا التقييس واجلاء حقيقة الالم ومرارته، ومن ثم تفاوت درجات الاحساس لدينا.
فلتكن الرسالة هنا ؛ ( خلونا نوحد شعورنا السوداني تجاه اي ألم او ظلم ) في تابت او الشمس غابت.
ثم الإشارة الثانية؛ لماذا ، او مالذي يجعل القوات الأممية تقف بجانب الحكومة وتتستر علي أفعالها على مدى سنوات الحرب كلها ..؟ ببساطة ليس لان كبيرهم يتلقى أموال ضخمة من نظام الخرطوم وحسب؛ ولكن أكبرهم بنيويورك رجل مائع بلا روح، وبلا عيون . يشبه في مياعته حسبو نائب الرئيس وبشارة دوسة الدكتور التيجاني سيسي وكل قائمة الجبناء. وهذه هي الاشارة الثالثة.
وهي، مالذي سيحدث لو استقال جميعهم من مراكزهم الصورية والكرتونية؟ هل مازالوا يحاولون اقناعنا بانهم ماضون في إعادة دارفور إلى سيرتها الأولى؟ أم مازالوا يكذبون علينا بانهم سيفككون النظام من الداخل حيث كراسيهم المرتجة.؟ لم يفعلوا ولن يفعلوا حتى اذا أُنتهُكت رجولتهم . لذلك هم أدوات مشاركة في إبادة أهلهم، والتاريخ سوف يذكرهم بمواقفهم وافعالهم. ويؤلمني ان اتذكر امهاتهم واباؤهم الاولين الذين شاعوا بالعدل والاستقامة، تلك البطون الطيبة التي انجبتهم.
(تابت) يهاجمها الجنجويد ،لا احد منّا او منهم يلقى بالاً. تابت ينهبها الرمرميض؛ لا احد منا او منهم يلقى بالاً. تابت تهاجمها مليشيات النظام، لا احد منا اومنهم يلقي بالاً. تابت يستبيحها البشير ويغتصب (البنيّات)؛ لا احد منا او منهم يلقي بالاً. تابت الان فقدت عذريتها و……!!!! وماذا بعد فقد العذرية ؟ واي حياة تحياها لنفسها بعد سقوط آخر مكامن الكرامة والشرف.؟
لذلك أدعوا جميع الموجوعين ، الا يعيروا اهتماماً لأبناء دارفور الذين يتقاسمون النعيم مع نظام الخرطوم الملطخ بالدماء، ولا يهتموا بالذين يزيدونهم جراحاً فوق جراح، كالذين ينسبون الحدث لأهل المنطقة نفسها، والا يلتفتوا الى المجتمع الدولي بكامل الالتفاتة، اهتموا بأنفسكم ولانفسكم، لا احد ينوي صادقاً إيقاف الآلام في دارفور، نحن فقط الذين نهتم بالأمر ، لانها مسؤوليتنا التاريخية والأخلاقية ، مسؤوليتنا نحن السودانيين أولاً واخراً. لانها ليست معركة رد الاعتبار والانتصار، وإنما هي معركة الكرامة والشرف. وسوف يختار الشرفاء صفنا النبيل الذي يمضي لتحقيق الحياة الكريمة، واما الزبد فيذهب وينتهي، والجيف سيختفي الى الابد.
البشير واتباعه سيمثلون أمام العدالة طال الزمن او قصر، فقط دعونا كسودانيين نعمل من اجل تحقيق هذه العدالة.
ان جريمة دارفور تعتبر الجريمة الأكثر بشاعة في وجه الأرض منذ التقاء السودانيين في هذا السودان الكبير. وان استمرار النظام في الجريمة على مدى اكثر من عشر سنوات يعني انه ليس هناك من يستطيع إيقافه . لماذا؟ لأننا لا نزال كسودانيين بعيدين عن بعض في الاتجاه والانتماء والتطلع. فحق للنظام الاستمرار ان يستبيح تابت والدلنج والخرطوم وغيرها من مدن السودان.
اخيراً، الجريمة التي حدثت بـ(تابت) تعتبر جريمة فوق حدود البشاعة ،اذا كانت الضحية واحدة او عشرين او تسعين.وسيظل الحق حقاً والباطل باطلاً.