حياة التشرد فى السودان

محمد كورى
طفل جائع يسير فى منتصف الليل ، لا يعرف اين مقصده، بينما ما تبقى من العالم ينام مرتاح البال،شئ مؤسف ان تمتلك سقفآ يأويك من الحر والبرد،وهناك طفلآ متشرد لا يمتلك شئ ولا تعيره ادنى اهتمام .ولاية الخرطوم من اكثر المدن تعج بهؤلاءالاطفال ، فاقدي الاسر، يتجولون جائعين، ملابسهم متسخه، وممزقه،اذا اصابهم مرض سينتهي امرهم موتى بسبب عدم وجود علاج لهم ،ينامون تحت الكباري والمجاري المليئه بالاوساخ ، مع الجرزان جنبا الى جنب.
هناك منهم من امتلك كتابآ بطريقة ما، يقرأها بعطش الهموم يتلهف الى المعرفة ، كثيرة هي الليالي التي يروي فيها للاخرين عن هذه الحكايات ،حكايات تشد هذه العيون المتعطشة للحنين ،حنين الام المفقود(قصة حزينة ان واحد من الاطفال المتشردين الذين باقتهم الظلم وادخلهم حياة التشرد) سميته استاذ كما يسميه الاطفال الاخرين ، هو الوحيد القادر على القراءه بشكل صحيح ،مع انه لم يمكث في المدرسة سوي عام ونصف فقط،بعد ان قتل والده اثر اصطدامه عربة ملعونة ، وبعده بعام واحد ماتت امه بجراء مرض لم يعرفه الاستاذ هذا نوعية المرض، وهكذا وجد نفسه بين مجموعة من الاطفال جمعتهم بؤس الحياة وشقاءها وفقرها ،اطفال ينتمون الى كل لون ،اعمارهم تتفاوت بين سنة الى اثنى عشر،ينامون اثناء الليل غير مبالين بالمطر،يحاولون النوم في جوع ومرض، عيونهم شاخصة لائ نوريسطع اتجاههم، اذانهم صاغبة لتكسر عجلات سيارات الشرطة .
انهم اطفال صغار احب الواحد منهم الاخر، يشعرون انهم اخوه، جميعهم محرومين من الحنان والسند.
طفل اخر لا يقل عن دافنشى اهميه فى الرسم، هذا اذا توفرت له بعض المقومات ايضا الاهتمام والرعايه، دعك من هذا، فالدوله التى نعيش فيها لا تحترم ابناءها، فكيف تحترم ما يرسمونه، خساره كبيره، فدافنشى هذا بالرغم من صغر سنه وبؤس حياته وهو متشرد لا يوجد من يرعاه ويعتنى به، الا انه من افضل الرسامين فى البلاد، اذا اتيحت الفرصه للوحاته بأن تعرض فى احد المراكز الثقافيه يمكنها ان تهز البلاد بأكمله، لوحاته تحكى عن حياتهم وحياة اخرين عانوا من ظلم الحياه،
يرسمها بواسطة قلم رصاص، او فحمه اذا لم يتوفر له القلم، يقوم برسم صوره لشخص يمر فى الطريق، يتوقف الماره، ينظرون الى الصوره اثناء اكتمالها، يقولون بعد ذلك : رسم يبرز الشبه تمامآ، هذا الطفل يملك موهبة واعدة، من المؤسف الا تهتم الحكومة بهذه المواهب، ويستذكرون حكاية ابناء الشوارع الذين ساعدتهم بعد الاسر فاصبحو كبار المغنين ورسامين.
هؤلاء الاطفال المشردين الذين نراهم دائمآ في الطرقات والأذقة الضيقة وتحت الجسور والباسطين على مقربة من الحوائط هم اطفال صغار فاقدين للطعام والشراب والمأوى وفقدو حنين الام ، عاشوا حياة كلها شقاء والم ، كذلك فقدو حقهم في التعليم ،قد نرى من منهم موهوبآ في الرسم او في أي شئ اخر لكن عندما لا تعير الدولة ادنى اهتمام لهم او حتى من يرعاهم يذهب مواهبهم سد .
من هذا البؤس التي تلتف حول اعناقهم وتخنقهم يفقدون السعادة والفرح والخلاص، انهم يفقدون الحنان والكلام الطيب، ما يريدونهم شئ مادي ملموس، شئ يحررهم من القلق، من الرغبة في البكاء، سنين طويلة يمضون وحيدآ فى شوارع المدينه، معانين من اساءات الماره يتعرضون للضرب المبرح من رجال الشرطه، ومن الاشقياء الاكبر منهم سنا، لم يعرفوا ابدا معنى الاسره، بالرغم من انهم لم يعرفوا السعادة ابدا الا ان الحقد لم يسكن قلوبهم.
عرفوا ألام الجوع ودخلو السجن، حيث يرغمهم الجنود على الجري حول محيط غرفة السجن، عندما يرغمهم التعب على التوقف يتعالى وقع الصوط على ظهورهم، اجسادهم ممزقة ، يبكون في بادئ الامر بكاءآ شديدآ ولكن دموعهم ما تلبث ان تجف دون ان يعرفو السبب.
تصور طفل كهذا عمره عشرة عامآ فقط لانه متشرد، الا يتملكه شعورآ بامتلاكه لقنبلة قادرة على تدمير المدينة والقضاءعلى كل مافيها، عندها سيشعر بالسعادة، ولكنه يمكن ان يكون سعيدآ ربما لوالتقى انسانا ما ، امراة ذات يدين نائمتين تضمه على صدرها، تمسح له وجهه، تيسر له سبل نوم حقيقي، بعيدآ من كوابيس ليلة السجن، عندها سيكون سعيدآ والحقد لم يسكن قلبه، انهم حقا بحاجة ماسه لشخص يرعاهم، لو كل شخص يؤنبه ضميره الانساني اخذ واحد فقط من هؤلاء الاطفال ووفر له بيئة أمنة واكل وشراب وعلى الاقل مدرسة سوف تكون بلادنا جنة في الارض.
في احساسهم ان هنالك موجة تجتاح اعماقهم، فهم من الفقراء الذين لا يمتلكون شيئآ ،حيث الفقر شردهم والظلم كبدهم عناء التعب، يدركون ان الدولة لا تكتفي بقتل الفقراء جوعآ فقط، بل تسلبهم حتى، يعرفون ان الناس لم يكونوا متساوين في هذه الحياة ،وان كفة الميزان تميل دائما الى الجهه نفسها .
هناك في المدينة العالية ذات احياءها الثريه يطالب الرجال والنساء الاغنياء بطرد هؤلاء الاطفال، وهنا في الاسفل نقول يجب ان يتساوي الجميع، ويذهب هؤلاء الاطفال الى المدارس ،نريد لهم بيتا ومدرسة وحنان، كم من مرة طلب الشرطة لمطاردتهم في احياء مثل الرياض والطائف وغيره، فهم يرون وجودهم في هذه الاحياء يسبب لهم الضيق ، ماذا ينقصهم اذا اعطوهم طعامآ وكساءا وهم الاثرياء؟
ظاهرة الاطفال المشردين هي ظاهرة موجوده في كثير من بلدان العالم، لكن فى بلادنا مختلفة تمامآ، اطفال بالالاف لا يعرف احد مصيرهم، ظاهرة ناتجة من سوء التنظيم الاجتماعي و تصور ونظرة البنية السياسية للدولة اتجاه هؤلاء، هم كلهم منحدرين من الاسر الفقيرة للمجموعات المهمشة، فقدوا اباءهم وامهاتهم في سن مبكرة، ومنهم من اتولد اصلآ في هذه الجحور التي يعيشون فيها، في حياتهم لم يجدوا قط من يرعاهم ، لا يد حنينة تلامسهم، لا صوت ام يحمل حنان اليهم ويحادثهم، كل ما عرفوه من هذه الحياة هي الشقاء والالم والجوع والمرض، اطفال صغار واجهوا الحياة كاناس كبار من اجل ان ياكل الواحد منهم شيئآ حتى لا يموت جوعآ. حياتهم جمعت ما بين الكفاح والتعاسة ،لانهم واجهوا هذه الحياة بكل قسوتها وجبروتها. ارى ان هذه المشكله هي مشكلة المجتمع الانساني ككل ، والخطأ خطأ المجتمع ايضآ، مسؤلية تشردهم وظلمهم يقع علينا كلنا كبشر، حقوقهم من الحياة نحن من ينعم به وهم جائعين عراة يتجولون المدن بحثآ عما يحتمل من الامن .
هذه دعوة لكل من هو انسانآ بحق ، بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ،دعوة لاعالة هذه الاطفال ،دعوة للرعاية،دعوة لتقديم المساعدة لهم.عندما تكون مارآ في احد الطرقات فقد حاول النظر عليهم لتعرف ماذا ترسم عيونهم من ظلم وتعاسة ،فقد انظر وفكرلتعرف ماذا يريدون،وقدم المساعدة لهم ولو قليلآ.
[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *