محجوب حسين
في نظر الكثيرين، الذين جاءوا من الخارج أو الداخل، ان تجربة حركة الإسلام السياسي الشعاراتية لإسلامويي «النيل» السودانيين في مشروعهم المرتكز شكلا ومحتوى على سرقة مقدرات الأمة الســـودانية، هي حقيقة قاطعة ومتفق عليها، هذا الحكم القاسي لمشروع الخواء جاء باعترافاتهم هم أنفسهم بعدما افترقوا جراء تكالبهم على جمع الأصفر والأبيض وما بينهما، والمفارقة في سياق مسوغات ذهنية التبرير لسقوط إسلامويي «البزنس»، السودانيون يقولون ان ما وقع وما هو ماثل في الحاضر السوداني شاذ.
والقائمون عليه يمثلون الشذوذ بعينه، وبالتالي في حالة كهذه، لا يمكن إسقاطها – يرد هذا وبغض النظر عن وجهة نظرنا في حركة الإسلام الإسلام السياسي السوداني بصنوفها وألوانها المتعددة- على عامة معتنقي عقيدة الإسلام السياسي في السودان، أو في محل آخر، ليثُبت ضمن فرز التصفيات بانها تجربة خاصة وحصرية لما تم تعريفه حديثا «بحركة إسلامويي النيل»، التي تقوم على محددات «القبيلة والعرق والجهة»، بتوظيف المقدس لأجل الغنيمة وتساوي السلطة للوصول الى الرفاهية في الأرض عبر استعمال كل الأدوات القذرة التي هي نتاج لمدرسة التربية الفكرية لجماعة إسلامويي النيل في الخرطوم ذات الوعي الانتهازي التي استعملت كل الناس، وتلك هي عقلية ومنهج حياتي، وفي هذا الشأن لا يهم هذه الحركة، أجاء وصولها الى السلطة مجتمعة أو انشقت وتشققت، أو عادت موحدة من جديد ، في إشارة الى ما يجري اليوم في السر والعلن بدون خجل بين «الوطني» الحاكم و»الشعبي» صانع حكم الوطني العاق المنقلب عليه، باستعمال أيديولوجيا «العرق» وقتئذ، وذلك مهما جاءت المبررات للحيلولة دون سقوط نخبة الإسلام النيلي في مذبحة عنصرية القبيلة والجهة، لتكون عملية الإسلام السياسي في السودان عبارة عن لعبة «وسخانة» لا ترتكن الى أي شعار سماوي ولا أرضي، بل تعمل ضدهما معا، وهو الشيء الذي دفع بخيال أحدة صحافيي الكاريكتير الليبراليين الى توصيف تحالف الوطني/ الشعبي مجددا بمثابة عــــودة لتحالف الشيطانين الإسلامويين في السودان، لإعادة ما يُعرف بدولة «الأشباح» السودانية، مبرزا تعاطفه مع الشعب السوداني، الذي لا عليه إلا الدعوات والقول «اعوذ بالله من الشيطان الرجيم» مرات و»من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس»، صدق الله العظيم.
راهن تحالف «الشيطانين» كما يوحي أحد صحافيي الكاريكتير وصلت الى مراحل جد متقدمة، بل عميقة في قسمة «ضيزي» للحكم ومؤسساته، شملت الأجهزة الأمنية والعدلية والعسكرية والاقتصادية والتنفيذية، في انتظار السياسية منها لاكمال الاخراج والسيناريوهات فيها متوفرة، فيما المحور الأهم في عودة أو ترميم جهاز الحكم الذي فقد شرعنة بقائه في ظل سقوط ايديولوجيا الإسلام السياسي كمشروع للبياض والقائم وقتئذ على اختلاف المصالح ومواقع السيطرة أكثر من قيم سياسية مبدئية. في هذا المنحى والمنعطف المهم، ثمة سؤال يتقدم به السودانيون اليوم بعد ربع قرن من ديكتاتورية «الإسلاموعسكرتاريا» وعودة تحالف «الشيطانين»- على حد الوصف – من جديد. ما الذي قدماه في السابق وما لم يقدماه أو يريدان تقديمه وما يمتلكانه وهل لهما جديد أم أن عقلهم يمتلك الجديد بالقياس مع الأزمة الوطنية؟ وألم تقل المعطيات الدالة اننا أمام حكم وعقل فاشل بكل المقاييس في تدبير شؤون العامة، يقابله عقل ناجح بامتياز في تدبير شؤون مصالح العصبية السياسية التي سوف تعمل ماكينة الفساد على تجديد واستمرار مغانمها في البلاد، والتي لا تتم إلا بالتشدد في الهيمنة على السلطة عبر أي آليات، الامر الذي يحتاج بالضرورة الى آليات لحماية هيمنة مشروع إعادة تحالف الشيطانين «الشعبي + الوطني»، لذلك يبقى خيارها يتمفصل في إعادة إنتاج ما اشتهرت به حركة «التجار الإسلامويين» إبان سنوات عقدها الأول للحكم بعودة ثقافة وفكر بيوت الأشباح، الذراع الأهم في حماية السلطة المنتجة لغنائم الفساد.
إذن، ما ينتظر أن يقدمه أو ما يمتلكه تحالف «الشيطانين» في الأمد المنظور والمرتقب للشعب السوداني، الذي يسعى للانعتاق من حركة الاستعمار الحديثة في البلاد السودانية، هو العودة الممنهجة والمنظمة لبيوت الأشباح الذي هو منهج فكري سياسي ثقافي اجتماعي ارتبط بحركة إسلامويي «النيل» في تسعينيات القرن الماضي، وينبني على فلسفة مبتكرة لفكر تعذيب السودانيين الذين تساءلوا وقتئذ عبر أديبهم العالمي الطيب صالح «من أين أتى هؤلاء»؟ فيها ارتكبت أبشع الجرائم وصنوف من التعذيب في بيوت خاصة عرفت «بالاشباح»، واعتبرت أحد السجلات الفاضحة لتاريخ حركة إسلامويي النيل في انتهاك حقوق الإنسان الذي تطًور فيما بعد الى ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والإبادة الجماعية وجميعها موثقة ومحل ملاحقة جنائية دولية. في هذا الخضم إن أردنا أن نقسم مراحل تطور حكم إسلامويي النيل فهي واقعة بين «بيوت الأشباح» في عقدها الأول و»الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية» في عقدها الثاني، أما في الثالثة فهي إعادة منتظرة للاثنتين معا وهو ما ينتظره الشعب السوداني الذي يدفعنا الى تكرار قول صحــافي الكاريكتير «اعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
السؤال، كيف يستقبل السودانيون العهد الجديد/القديم؟ المؤكد، لا حوار ولا اتفاق ولا حل، بل المضي قدما في آفة العصر الفساد والكراهية والقتل والتعذيب، ما دام عداد المال يضخ العمارات والرفاهية وكل النعم الحياتية، إنها أسهل وأرخص تجارة في العصر الحديث، هي التجارة باسم المقدس وممارسة الاحتيال على السماء.
٭ كاتب سوداني مقيم في لندن
محجوب حسين