الجزء الثانى من مقال (كان يوماً بطعم السلام) فى ذكرى رحيل القائد والمفكر د.جون قرنق
فى إطار الاحتفائية بذكرى استشهاد القائد العظيم والمفكر الوطنى د.جون قرنق كنت قد تحدثت فى الجزء الاول من هذا المقال عن ذلك اليوم التاريخى (7/يوليو/2005) الذى حملنا فيه تباشير السلام والعودة الى الوطن امنين بعد رهق سنوات الحرب ومعاناة النضال، اليوم الذى خرجت فيه أول دفعة من قوات الجيش الشعبى من الجبهة الشرقية بعد عشرة سنوات من الحرب، وكما ذكرنا كانت القوة عبارة عن 1500 جندى من قوات الجيش الشعبى كانت بقيادة القائد العظيم عبد العزيز ادم الحلو والذى وصف لنا تلك القوة عندما سألناه عنها وعن أهدافها قائلاً: (انها القوى المنتخبةالتى ستشارك
فى لواء قوامه ثلاثة الف جندى يكون من الحكومة والحركة الشعبية، وهى قوة منصوص عليها فى اتفاقية السلام وستكون عبارة عن لواء مشترك يكون بالخرطوم للمشاركة فى احتفالات تنصيب النائب الاول وانشاء مؤسسة الرئاسة يوم 9/7/2005م. ) وتحدثنا عن كيف كشف هذا الجزء من الاتفاقية عن عدم جدية المؤتمر الوطنى فى تنفيذ اتفاقية السلام باعتبار انسحاب اللواء الاول من الجبهة الشرقية يعتبر بنداً من اول بنود تنفيذها حسب الجدول الزمنى المحدد لبداية التنفيذ يليها اداء القائد د.جون قرنق للقسم وتنصيبه كنائب أول لرئاسة الجمهورية فى 9/يوليو/2005م، فمنع السلطات
السودانية دخول ذلك اللواء الى الخرطوم فى موعده وبقائه على مشارف كسلا لعدة شهور استشهد خلال اولها د.جون قرنق كان مؤشراً لعدم جدية الخرطوم فى تنفيذ الاتفاقية على العكس لما عزمت عليه الحركة الشعبية التى وضعت السلاح ارضاً وجاءت الى الخرطوم بقلب مفتوح سعياً وراء سلام شامل وعادل وبناء السودان على اسس جديدة.. عبد العزيز أدم الحلو ذلك القائد الذى عرفته مياديين العزة والكرامه بالقوة والثبات والحنكة والحكمة، كان قائداً لذلك اللواء وكان ياسر جعفر السنهورى قائداً مناوباً لتلك القوة، ياسر الذى جاء من وسط السودان وابلى بلاءً حسناً فى حرب
الجنوب والنيل الازرق وجبال النوبة حتى فتحت الجبهة الشرقية فكان رمزاً من رموزها وشعلة من المشاعل التى أنارت طريق الحرية والديمقراطية فيها، وكان لنا لقاء مع الرجلين فى ذلك اليوم، اولها مع القائد عبد العزيز ادم الحلو والتى سنتناولها فى هذا الجزء من المقال ثم نتناول ما قاله لنا القائد ياسر جعفر فى الجزء الثالث، ما جاء على لسان القائدين يعكس الضوء على تلك الفترة الهامة من تاريخ السودان، ويوضح كيف جاءت الحركة الشعبية الى مركز الوطن وهى تحمل السلام على أكفها، وكيف قدمت الحلو كرجل للسلام يفتتح بقلبه الكبير بوابة السودان الجديد الذى
تنظر اليه كوطن يسع الجميع بلا تمييز.. فالى مضابط الحوار:
سألناه عن طبيعة القوة ومهامها كما اوضحنا وسألناه ايضا عن مصير قوات الحركة الشعبية بالجبهة الشرقية فقال : بنود اتفاقية السلام واضحة، فيما يخص قوات الحركة الشعبية بالجبهة الشرقية سيتم نقل هذه الجبهة فى سنة واحدة من تاريخ توقيع الاتفاقية، ستة اشهر قبل بداية الفترة الانتفالية وستة اشهر بعد بداية الفترة الانتقالية بمعنى ان اخر جندى من قوات الحركة الشعبية سيغادر الجبهة الشرقية فيما لا يتعدى التاسع من يناير 2006م وسيتم نقل القوى على دفعتين دفعة فى الستة شهور الاولى وهى نصف القوى (اى اللواء الذى يغادر اليوم فى 7/يوليو/2005م) والنصف فى
الستة شهور الثانية من بداية الفترة الانتقالية..
قلت له: كومندر عبد العزيز لمعرفتى لك انك من اكثر قيادات الحركة الشعبية تحمساً لمشروع السودان الجديد بمعطيات نيفاشا ما هى امكانية تحقيق هذا المشروع الحلم فى معطيات نيفاشا خاصة وانها جعلت من السودان شمال مسلم وجنوب غير مسلم؟
قال: امكانية تحقيق هذا المشروع صارت اكبر من اى وقت مضى خاصة وان اتفاق السلام الذى تم فى نيفاشا بفتح الباب واسعا امام قوى السودان الجديد التى تحلم بهذا المشروع خاصة ان هذا الاتفاق قد امن على ثلاثة او اربعة محاور اساسية لتمكين قوى السودان الجديد من تحقيق هذا المشروع
اولاً/ امن على التحول الديمقراطى وبضمانات ووجود جيشين لضمان قبول كل الاطراف بنتيجة الانتخابات فى حالة قيامها.
ثانياً/ فتح مجال العمل السياسي لكل القوى السياسية بلا استثناء .
ثالثاً/ الحريات العامة.. فى كل مناحى العمل السياسى قد تمّ التأمين عليها بالاضافة لذلك نجد ان هناك لا مركزية – التأمين على الامركزية الكامل وضمان مشاركة الجماهير فى الحكم هذه ايضا تدعم الممارسة الديمقراطية لانها ستعمل على احداث التحول الديمقراطى الحقيقى الذى تشارك فيه كافة قطاعات الشعب باختيار ممثليها دورياً فى تغيير يشمل راس الدولة والاجهزة التنفيذية هذا بالاضافة الى ضمان الانتقال السلمى للسلطة بين القوة السياسية السودانية دون الحوجة للجوء الى العنف او استخدام للسلاح او غير ذلك وكذلك ديمقراطية التوزيع العادل للثروة حيث
تعتبر من احدى مسببات عدم الاستقرار وكذلك احتكار السلطة فى ايدى نخبة قليلة من السودانيين فاذا توفرت هذه المعطيات خاصة توزيع الثروة التى تضمن التنمية المتوازنة فلن تكون هناك اسباب للاحتراب وبالتالى ستستقر الديمقراطية وسيستقر السودان وتتم عملية التشكيل للوعى السودانى وهذايضمن سلام دائم واستقرار دائم محمى بالتعايش والقبول المتبادل بين كل السودانيين وبالتالى تكون هناك امكانية لديمقراطية حقيقة مذدهرة ومستقرة، ديمقراطية تقدم الحلول لقضايا شائكة مثل قضايا الهوية وهكذا ومن خلال الديمقراطية سيتاح المجال لكل الثقافات السودانية
للمساهمة الفاعلة فى خلق الهوية السودانية دون فرض او سيطرة ثقافة واحدة على الثقافات الاخرى، ونحن نترك مسألة الهوية هذه للتاريخ وللتفاعل الحر بين الثقافات دون ان نعمل على تحديدها مسبقاً او محاولة فرضها وبالتالى ستذوب كل اسباب النزاع او الاختلاف او الاعتراض وبالتالى نتمكن من تحقيق السودان الجديد كما نحلم به وقد وضعت كل الاسس والضمانات التى تساعد على ذلك.
قلت له: إذن كيف تقدر إمكانية تنفيذ الاتفاقية والالتزام بها؟
قال.. نحن عندما شرعنا فى الوصول الى اتفاق يوقف الحرب وينشر السلام كنا قد عزمنا على تحقيق ذلك وعلى الطرف الاخر أن يكون عازماً على ذلك، فالارادة السياسية لاطراف الاتفاق هى الضمان الوحيد لتنفيذه.
قلت له: عبد العزيز الحلو وانت تقود هذه القوة وتفتح بها بوابة السودان الجديد بعد عشرين عاماً من القتال ماذا تقول لاهل السودان ولشعب السودان وانت قادم اليهم بجنودك وعتادك وحبك لهذا الوطن ؟
اقول لهم هذه القوة هى رمز للوحدة واذا تم احترام الاتفاق ووصلت الى الخرطوم وتم تشكيل النواة من هذه القوة بالتأكيد سيكون نواة جيش السودان الجديد الذى يدافع عن السودان ضد العدوان الخارجى، الجيش الذى لا يستخدم لقمع المواطنيين او تطلعات الشعب نحو الحرية والعدالة والمساواة وبالتاكيد فى هذه الحالة سيكون السودان سودان جديد.
(انتهى التصريح)
هكذا جاء الحلو وهو يحمل السلام بشرف وقلب كبير كما قاتل وقاد الحرب من قبل بشرف وقلب كبير.. وصلت الاتفاقية مرحلتها الاخيرة خلال خمسة سنوات تنصل عبرها الطرف الاخر من كل البنود وانفصل الجنوب كنتيجة حتمية، ثم عادت الحرب الى جنوب كردفان، حرب فرضها النظام على الولاية بعد تزوير ارادة شعبها وتزوير الانتخابات والتى كان الحلو رأس الرمح فى الوصول الى تحقيق النصر الكاسح فيها بارادة اهلها وشعبها وتحقيق أحلامهم قى الحرية والديمقراطية والسلام لاجل العيش الكريم، كما فرض النظام الحرب على النيل الازرق، فلم يتوانى الحلو ورفاقه فى العودة الى
ميادين الشرف والعزة والكرامة.. وهكذا عرف الوطن عبد العزيز أدم الحلو رجلاً للحرب والسلام .
احسان عبدالعزيز