مهمة المشير السيسي «القومية» في الخرطوم

حجوب حسين

سيطرت مصر خلال العامين الماضيين على الجزء الأكبر من المشهد السياسي والإعلامي في منطقة الشرق الاوسط، لأهميتها ودورها المحوري والإستراتيجي في صياغة وترتيب أوضاع المنطقة، بما يخدم مصالح ومراكز قوى إقليمية ودولية ووطنية متعارضة أومتوافقة، بل هي البوابة لترتيبات عديدة تخص مصالح ومطامح قوى مختلفة، إلا أن الأهم في ما عرفته المنطقة من صراع للقيم السياسية وبعد مخاض سياسي خلف انعكاسات حادة، هو صعود الجنرال السيسي إلى سدة السلطة التي أهلته لقيادة اهم دولة مركزية وأساسية بين دول الإقليم.

تبقى تلك حقيقة مادية لا مناص منها، فيها يرى السيسيون – أنصار السيسي في مصر والعالم العربي – أن الجنرال جاء تلبية لإرادة وحاجة وطنية واجتماعية وقومية، وفي منعطف تاريخي مهم لمصر، على الخصوص ودول المنطقة على العموم، واساس هذه الحاجة التي تسمو على كل وسائل الشرعية، هو تحالف قوى الشعب لقطع الطريق أمام فوضى الإسلامويين التي عرفت في أدبيات التغيير والتحول والانتقال في المنطقة «بالربيع العربي»، الرامي أصلا لإنهاء مؤسسات الدول، على علتها، وتعويضها بمستنقع الدم والقتل.. أما المناهضون للسيسي فيرون فيه رجلا انقلابيا لا يمتلك شرعية انتخابية تؤهله لحكم مصر، بل هو ديكتاتوري يعمل على إعادة إنتاج النظام الأسبق، وأنه جاء بدعم سعودي وكان إفرازا لصراع قوى إقليمية خليجية ودولية، ترى في استمرار منظومة «اللحى المصرية» في حكم مصر والانفراد بمقدرات الدولة المصرية خطرا يهدد الأمن القومي برمته.

وبعيدا عن موقف الفريقين حول مدى دستورية وشرعية النظام الجديد في مصر، وبواقعية الأشياء على الارض وتداعياتها، فان ثمة تحديات داخلية كبيرة في السياسة والتوافق والاقتصاد قد ترافق أي نظام جديد، وهو الشأن ذاته بالنسبة للانظمة التي ما زالت على سدة السلطة، حيث ان لعدد كبير منها مشاكل متشابهة، إلا أن أهم الاوراش الكبرى، في نظرنا، المنتظرة لقائد مصر الجديد هي إعادة هيكلة الحقل الديني المصري، باعتباره معقل إنتاج فكر الإسلامويين الذي تضررت منه المنطقة برمتها، مع منع استغلال الدين أو توظيفه في حواضر إيمانية أو غيرها.

وفي ارتباط وثيق الصلة يبقى حكم المشير عبد الفتاح السيسي في خطر حقيقي في ظل مهددات دول الإقليم المجاورة التي ترى في الحكم الجديد حكما «معاديا» وأعني بذلك الخرطوم جنوبا، وطرابلس الغرب غربا، التي انهارت فيها مؤسسات الدولة لصالح ميليشات قبائلية وإسلاموية، وهي التي انتشت وتمددت بعدما تمت سرقة ثورة قوى مصر التقدمية المدنية التحريرية، التي لا تقبل الانتكاسة ضمن واقع مصري مدني تنويري عميق حداثي، لا يمكن ان يستجيب لدعاوى عقل إسلاموي مشروعه السياسي التمكين الذي كان تجربة شكلت من كل النواحي خطأ تاريخيا وقع فيه إسلامويو مصر، في فرصة تاريخية كان بإمكانهم أن يقدموا فيها نموذجا آخر مختلفا قائما على التوافق والمصالحة لمشروع مصري وطني، لذلك هزموا أنفسهم ومشروعهم المحلي وامتداداتهم المؤيدة والمناصرة والداعمة الأخري، ولكنهم لم يهزموا الدولة المصرية. ضمن هذه المهددات الإقليمية و»قومية» مشروع السيسي المتحالف مع بعض القوى الخليجية الكبرى، عليه ان يأخذ دعوة القائد الليبي الجديد خليفة حفتر بعين الاعتبار والجدية، ومشروعه القائم على استعادة مؤسسات الدولة الليبية من إيدي الإرهابيين. ومعلوم في هذا الاتجاه أن سقوط ليبيا الغنية في يد جماعات الإسلام السياسي يعني تلازم التطرف والإرهاب والمال وهوكفيل بخراب المنطقة بأكملها وليس مصر فحسب. واول مهدد للحكم يتمثل في الخرطوم التي يجب ان يتعاطى معها المشير بجدية، بمعنى ان بند الإطاحة بالبشير، يجب أن يبقى بندا ضمن مشروعه القومي، فوجود البشير، الذي يعمل على دعم المليشات الليبية بالسلاح ويأوي جماعات مصر، خطر دائم، ونشير إلى أن زيارة الإسلاموي الليبي بلحاج إلى الخرطوم، كما جاءت في قناة تلفزية ليبية، اسفرت عن وصول طائرة سودانية إلى مطار معيتيقة العسكري بطرابلس محملة بالسلاح والعتاد والرجال من السودان. وربما ستتكرر التجربة مع اسلامويي مصر. يذكر أن القاهرة قادرة على تغيير الانظمة السودانية ودعمها، بل توفيرالغطاء الدولي لها والبشير نفسه عندما قام بخدعة انقلابه كانت القاهرة هي التي وفرت الاعتراف والتغطية العربية والإقليمية والدولية له. يبقى المهم في الأمر رؤية السيسي في المعارضة السودانية وطبيعة التحول والحراك الاجتماعي في السودان، الذي انتج معطيات جديدة يجب أن تختبرها القيادة الجديدة لأنها سوف تسهل لها فتح الخرطوم وإنهاء خطر موجود يتعامل الآن بفهم ان «أخاك مجبر لا بطل».

٭ كاتب سوداني مقيم في لندن

محجوب حسين
القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *