احمد قارديا خميس
مع الإعلان الاستفزاري اليوم لانعقاد اجتماع المفوضية القومية للانتخابات بكامل عضويتها لمناقشة الاستعدادات لإجراء انتخابات العام 2015م, معلنة عن أن الانتخابات المقبلة أستحقاق قانوني يحكمه قانون 2008 إلا اذا حدثت بعض التعديلات, وكشف الاجتماع عن قيام دورة تدريبية نهاية الشهر الجاري للعاملين في مجال الانتخابات.
ومؤتمر صحفي الذي عقده رئيس برلمان المؤتمر الوطني الفاتح عزالدين, يوم الاثنين الماضي, الذي أكد فيه أن مشروع قانون الانتخابات سيتم الدفع به الي المجلس الوطني نهاية الشهر القادم, لتعديل بعض نصوصها من شأنها ان تتواءم مع مخرجات الحوار الوطني..
ومن جانب الأخر أكد مختار الأصم نائب رئيس المفوضية القومية للانتخابات, جاهزية المفوضية لاجراء الانتخابات في موعدها المقررة في ابريل 2015م. ونبه الي أن القوي السياسية لا يجوز لها وفق القانون تسليم المفوضية أي طلبات بتأجيل العملية الانتخابية.
يعني من هذه تصريحات واجتماعات تاكد شيئان مهمان اولهما ان الحوار الوطني(الوثبة), الذي اطلقه البشير في يوم 27 يناير الماضي ماهي إلا لشراء المزيد من الوقت للوصول الي موعد الانتخابات القادمة المحددة في ابريل 2015م. اما الشئ الثاني هو تأكيد علي قيام الانتخابات, اذ ما يعني بجاهزية المفوضية!
بهذا نستخلص الي توقع ترشيح السفاح عمر البشير نفسه مجددا لدورة رئاسية آخري وسط أكبر مذبحة يعرفها التاريخ المعاصر يقوم بها نظام مجرم بحق شعبه, يحق لنا استرجاع تاريخ إجرامي شارك الجميع في تكريسه لأنه فعلا يحقق شعار “بالروح والدم ننتخبك يا السفاح”! كلنا ننتمي الي جيل شاهد وعايش فظائع حكم نظام المؤتمر الوطني(جبهة الانقاذ) وتنكيله بأشكال مختلفة بحق شعبه وحرمانه من العيش الكريم وإذلال وتجويعها واغلاقها من العالم بأسره, وذلك بحجة مشروع الحضاري الظلامي.
كتبت ورقة بحثية في جامعة الفاشر عن جرائم الحرب في جنوب السودان التي ارتكبها نظام جبهة الانقاذ بحق أهل هذا الاقليم, وها أنا اليوم أكتب عن جرائم الحرب والجرائم الانسانية والتطهير العرقي بعد مرور خمسة عشر عاما من الزمن في اقليم دارفور وكردفان والنيل الازرق. يا لها من سخرية مقرزة وحزينة, كما كان مشهد اعلان الجهاد ضد جزء من ابناء الوطن.
قضي البشير علي الوجود الجزء من الوطن بجهاد”دخيل” واسلامية طائفية تتبع مشروعا إقليميا عنصريا, كانت بؤرة لفتنة قبيحة وكرست من فكرة مواطنين الجنوب ل”الكفار” وواجب”الجهاد”. ولكن انتماء البشير للمشروع الاسلاموي العروبي الاقليمي كان يزرع ويؤكد وسط حالة انكار وغيبوبة عربية كاملة. وطبعا لا يمكن إغفال حالة السكتية والتخدير الكلي الحاصلة علي حدود حلايب وشلاتين”المحتلة” من قبل مصر لم يطلق حجرا واحدا لتحريرهما.
والآن تستمر فصول المسرحية الهزلية الاجرامية باعلان نظام مجرم يبيد في شعبه منذ ربع قرن عن انطلاق الانتخابات في بلاد تدمر وشعب يباد. والطريق المضحك أن أول من قال في اسبوع الماضي الذي أعلن رغبته لابد من الترشح السفاح البشير في انتخابات المقبلة, كان نائبا في مجلس الوطني عن اقليم دارفور, تلك الاقليم التي تدك وتقصف بالطائرات الانتوف(وذلك في لفتة خبيثة جدا من النظام أنه حتي الاقليم التي تدكها يؤمن أهلها بالنظام”الديمقراطي” في سودان البشير!) حتي انه في مشهد مسرحي يليق بانتاج مسرحيات الفاداني والفاضل سعيد.
السودان الذي حوله نظام الابادة الجماعية الي بلد هاجر منه أهله طوعا وقسرا, الي وطن هو عبارة عن سجن هائل وكبير, الي بلد لا يرويه إلا الخوف والذعر والتخوين والقلق, الي فصل من مشروع عنصري جهوي وتفتيتي مقيت. السودان الذي كان أيقونة الافارقة والعرب, تحول الي بؤرة الخيانة والفساد, حُول بلد جميل مضرب للأمثال في طبيعة وجمال وصفاء ونقاء أهله وشعبه الي مشهد من مشاهد نهايات الزمان, الي درجة آتهم سألوا أحد النازحين من القصف المهول من النظام السوداني علي اقليم دارفور والمعروفة بخفة دم أهلها, وقالوا له: ما الذي تفعله؟ فأجاب بابتسامة حزينة وصفراء مكسورة, وقال: “عمقطع وقت من هون لهون ليجي يوم القيامة”!.
لقد طبق السفاح عمر البشير بشكل لفظي وحرفي الشعار الذي كان يرفع في جمهورية الخوف التي صنعها نظام الابادة الجماعية, بينما كان يرتعد الناس خوفا من انتقام مجرمي المخابرات وأجهزة القمع الأمنية ومليشيات الجنجويد ويصيحون بالروح والدم نفديك يا السفاح. والآن ها هم سيتوجهون لانتخابه “بالروح والدم” المسلوبين قسرا وطوعا بالقذائف الانتوف المتفجرة والرصاص و “الميغ” والصاروخ والدبابة و …, تحولت البلاد الي بؤرة رعب وظفها نظام مجرم للبقاء في السلطة.وشعب لا يزال يقاوم ويسخر من مجرم يحكمه, وكسر عنده حاجز الخوف, لا يمكن أن يهزم.
[email protected]