الساحة السياسية الداخلية والخارجية بالسودان مشغولة هذه الأيام بمسائل الحوار والمفاوضات، إذ أبدت أحزاب معارضة موافقتها إجراء حوار مع حزب المؤتمر الوطني،الحاكم في السودان، وفي الخارج يتفاوض الأخير مع الحركة الشعبية في أديس أبابا، علاوة على لقاء رئيس الآلية المشتركة لدارفور محمد بن شمباس بقادة الحركات الرئيسة في اقليم دارفور، أعقبه لقاء بن شمباس والرئيس اليوغندي يوري موسيفني لدفع العملية السلمية بدارفور؛ في ظل هذه الاجواء إلتقت الطريق رئيس حركة العدل والمساواة السودانية، جبريل ابراهيم محمد، وأجرت معه الحوار التالي.
. كيف تنظرون للحراك الحواري الجاري اليوم وأين أنتم منه؟
نحن في الجبهة الثورية لم يحدث في يوم من الايام أن رفضنا دعوة للحوار أوالحل السلمي، سواء كان ذلك عبر دعوة مفاوضات او منتدى حوار؛ و لكن في كل الدعوات والاحوال، نحن نحمل مطالب شعبنا في حدقات عيوننا و لن نتركها وراءنا أيّا ما كان الداعي والمكان، وان لم تستجاب لمطالبنا، نعود إلى المربع الذي كنا فيه و لن نتنازل عن مطالب شعبنا الأساسية المشروعة و لن نحاور من أجل الحوار فقط. و في الحقيقة أثبتت لنا تجربتنا الطويلة انه لا يوجد شريك حقيقي مستعد لدفع استحقاقات السلام في طرف النظام الذي يرتاد منتديات الحوار من أجل العلاقات العامة و من أجل أن يقال لهم من قبل المجتمع الدولي أنهم يريدون السلام.
. الحكومة التفت عليكم بملتقى أم جرس في محاولة للوصول إليكم لمفاوضتكم!
أولاً ملتقى أم جرس ملتقى إلتأم بواسطة جماعة قبلية لتأطير قضية سياسية قومية في إطار قبلي وهذا خطأ. ونحن رفضنا هذا المنحى جملة وتفصيلاً، و أصدرنا بيانا مشتركا مع حركة تحرير السودان قيادة مناوي أوضحنا فيه انه لا يجوز ابتسار أو إختزال القضايا السياسية القومية الكبرى و مطالب كل الشعب على انها مطالب قبلية.
. ماهي هذه المطالب ؟
مطالبنا معلنة و معروفة لدى القاصي و الداني؛ تبدأ من المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة واحترام حقوق الانسان وحقوق المواطنة المتساوية وسيادة حكم القانون والديمقراطية العدالة في توزيع السلطة و الثروة و ضمان حريات الأفراد و الجماعات و محاربة التمييز الجهوي والعنصري الذي تمارسه سلطة الخرطوم اليوم ضد سكان بعض الاقاليم؛ نريد حلا شاملا غير مجزأ، و تعويضاً عادلاً و مجزياً للمتضررين من الحرب و عودة طوعية مشرفة للنازحين و اللاجئين إلى أراضيهم الأصلية بعد توفر الأمن و الخدمات العامة الأساسية من مياه و تعليم و صحة و مأوى ..الخ؛ نريد تخصيص ميزانيات معتبرة تمكن الأقاليم المتضررة بالحرب من إعادة البناء و اللحاق بركب التنمية.
. كيف تنظرون لدخول الحركة الشعبية مفاوضات مع النظام سواكم ؟
ليست هذه المرة الأولي التي تجلس فيها الحركة الشعبية مع النظام؛ منذ ان اندلع الحرب في جنوب كردفان في يونيو من العام 2011 و اعلان النظام الحرب على الحركة الشعبية، كانت هنالك جولات تفاوضية متعددة معظمها غير مباشرة بين النظام و الحركة وهما محكومان بالقرار الأممي رقم 2046 الذي يدعو الطرفين للجلوس و التفاوض في شان القضايا الخاصة بجنوب كردفان والنيل الازرق، الا اننا ندرك ان الحركة واعية تماما وملتزمة بقضايا السودان بأكمله، وانهم يدركون ما يرديه منهم الشعب السوداني ونعلم انهم يتحركون باجندة الشعب السوداني لا باجندة ضيقة؛ لا مانع من الحوار لكن اثق في انهم لا يقومون بشئ اقل مما هو مرجو منهم . نحن جميعنا نريد حلا شاملا. المشكلة مع المركز ونظامه وليست مشكلة خاصة بالحكم في جنوب كردفان والنيل الازرق او دارفور، وما لم نصل لسلام شامل حقيقي لكل قضايا السودان المحورية، تبقى الأزمة قائمة و رحى الحرب دائرة.
. يقال ان النظام يجتهد في مفاوضات الخارج ليدمجكم في وثيقة حواره التي أعلنها بالداخل!
حتى اللحظة ليس للنظام وثيقة يستطيع أن يدعونا للانضمام إليها. فخطاب الرئيس لم يقل شيئاً غير العناوين العامة، و دعوات المراكبية التي يطلقها النظام للحوار ليست جديدة، و ليس هنالك ما يشي بأن النظام جاد هذه المرة و لم يقدم شيئاً يمكن اعتباره هامش جديّة. وان كنت تشير الي لقائنا برئيس الآلية المشتركة بدارفور محمد بن شمباس، فان لقانا به جاء تاكيدا لنوايانا الصادقة ازاء الحل السملي؛ وكما قلت لك نحن لن ننفك عن المطلب الرئيس وهوالحل الشامل الذي ارتضيناه مع الجميع في الجبهة الثورية و في وثيقة الفجر الجديد مع قوى المعارضة الأخرى. الكل يجري حواراته و لكن لا يقبل أحد باتفاقات جزئية. والنظام في وضع مذري اقتصادياً و عسكرياً و سياسياً، وندرك انه يبحث عن مسكنات للاحتقان السياسي الذي يكاد أن ينفجر، و بالطبع المسكن الذي يبحثون عنه غير موجود في صيدلية الجبهة الثورية.
. هل انتم كحركات دارفورية علي صعيد تفاوضي واحد؟
نحن لسنا حركات دارفورية و لو تعمد البعض ليوسمنا بذلك بغية تقزيم قضيتنا. كل الكيانات المنضوية تحت سقف الجبهة الثورية و التنظيمات و القوى السياسية المتحالفة معها متفقة بشأن الحل الشامل للقضية السودانية و مطالب الشعب الأساسية. صارت التنظيمات المنضوية تحت سقف الجبهة الثورية أقرب إلى بعضها من ذي قبل و أكثر تفهماً لمواقف بعضها و استطاعت أن تبني درجات متصاعدة من الثقة فيما بينها، وصرنا نتحاور وننسق فيما بيننا بنحو مستمر؛ لا أقول أن الأمور كلها عسل على لبن ولكننا افضل كثيرا من أي وقت مضى، وهذا ما يرضي جماهيرنا ويعزز ثقتهم فينا، ونحن نتحمّل مسئولية قضية الشعب السوداني بأكمله و ليس قضية أهل دارفور فقط.
. الناس في دارفور يتهمون صراحة الحكومة بخلق الفتنة بين القبائل هل تتفقون معهم؟
عندما يتحدث الشعب، اعلم أنه لا يتحدث من فراغ؛ إنما يتحدث عن واقع يومي مرير يعيشه لحظة بلحظة و هو شاهد على كل أحداثه بعينيه و أذنيه و كل حواسه. و نحن نتفق مع شهادة الشعب المكتوي بنيران الحرب القبلية التي يشعلها النظام إن لم يكن بأمره المباشر فبسلاحه و ذخائره و مركباته و زيّه العسكري و وقوده و تدريبه العسكري و فوق هذا و قبله بتفرجه على المقتتلين دون تدخل للفصل بينهم و تدخله السلبي و المنحاز لجانب في أحايين كثيرة في مجهودات الصلح الأهلي الذي غالباً ما يفسده التدخل الرسمي.
. والي جنوب دارفور عرض على الحركات المسلحة تسليم السلاح مقابل عدم سحقها!
هذا الوالي لا يدري ما يقول، واظنه من الرجال الذين تنقصهم الكياسة، وحديثه ذاك يبين حقيقة انه يريد ان يرتكب جرائم تطهير عرقي و جرائم حرب و جرائم ضد الإنسانية. كيف جاز له أن يقول بصوته في الإذاعة أنهم بصدد سحب مليشيات النظام من الأبيض وتوجيههم لتطهيرالمناطق التي توجد بها الحركات المسلحة!! هو يعلم ماذا فعلت هذه المليشيات في الأبيض و ضواحيها وفي غرب كردفان و الذين برهنوا بسلوكياتهم القبيحة للشعب السوداني قاطبة أن ما كان يجأر به أهل دارفور من شكوى ضد هذه المليشيات أكثر من صحيح و استغرب الشعب كيف تحمل شعب دارفور أفاعيل هذه المليشيا طوال أكثر من عقد من الزمان. و غريب أمر والي جنوب دارفور الذي يدعو مليشيات النظام للقيام بعمليات تطهيرعرقي في بلاده في الوقت الذي يتنازل فيه والي شمال كردفان من كل أموال مشاريع النهضة التي يسعى لتعمير ولايته بها نظير إخراج هذه المليشيات من أرضه، و يرفض فيه والي غرب كردفان مجرد مرور هذه المليشيات عبر أراضيه!!
. ماذا تداولتم في ورشة أديس أبابا الأخيرة؟
ورشة أديس أبابا كانت فرصة للقاء حركتي العدل و المساواة السودانية و حركة تحرير السودان بقيادة مناوي بالوسيط الدولي المشترك محمد بن شمباس، وقد تباحثنا في هذا اللقاء حول الاحتياجات الاساسية للنازحين في دارفور المتمثلة في الأمن و المياه و التعليم و الصحة و الطعام بجانب التحرر من الكبت و الاعتقال التعسفي و التعذيب. واخبرنا الوسيط أن الشغل الشاغل عندنا هو الوضع الكارثي الذي يعيشه النازح في دارفور و في بقية أنحاء السودان، و ذكرناه بأن مسئولية يوناميد في حماية المدنيين بما فيهم النازحين و حماية قوافل الإغاثة تأتي في مقدمة المهام التي كلّفوا بها، كما أخبرناه بقلقنا إزاء حالة المجاعة التي تعيشها مخيمات النازحين و ظهور الأمراض الغريبة والمعدية فيها و في مدن الإقليم مع طرد ومضايقة النظام للمنظمات التي تقدم الخدمات الانسانية والطبية للنازحين والمستقرين .
حوارات الطريق