بقلم : أحمد قارديا خميس.
[email protected]
سوف تنتهي المأساة الدارفورية ذات يوم . لا نعرف كيف , وعلي أي عدد من القتلي والمعوقعين واللاجئين والنازحين و المشردين , وأي كمية من الخسائر واية امراض دائمة في النفوس . وسوف يجلس المؤرخون فوق الانقاض , ويتربع المحللون فوق الهياكل العظمية, ليضعوا رواية مختصرة تليق برفوف المكتبات وسوف يضيع بين الاسطر والفواصل عويل الامهات وبكاء الاطفال. ولن نعثر علي مسؤول شارك في الجريمة. وسوف توزع المسئؤليات. اذا كان تحديد المسئوليات عبثيا وطفوليا, ولا معني له بين الركام والدموع, فلنحدد علي الاقل اسياد الجريمة في هذه الملحمة المخزنة. التصرف الوحشي الشرير. والتعري الفاضح في ساحات الموت من قبل النظام الحاكم .
عندما قامت الثورة المسلحة في دارفور بداية 2003م, وشنت هجمات عسكرية علي النظام القائم وهزمته في عدة معارك , وفقد النظام كل امل من القوات المسلحة السودانية, وعفا حوالي 25 الف ضابط وجندي من ابناء دارفور من الخدمة العسكرية , وقسمت المجتمع الدارفوري الي (زرقة وعرب ), وقامت بتكوين المليشيات ( الجنجويد ) ودعمتها بالعربات والسلاح والطيارات الحربية لمقاتلة القبائل التي تنحدر منها الثوار(زرقة ), بل تركت لها اليد للعربدة والقتل والاغتصاب وحرق القري وازاحة المواطنين, مما تسسبب في قتل حوالي 300 الف شخص وتشريد اكثر من اثنين مليون وخمسمائة الف نسمة من قراهم في اقل من عام, فان حرب الابادة جرت وتجري حتي الان تحت سمع العالم وبصره .
ولعلمنا ويقيننا التام بالمقابر الجماعية في دارفورالتي حدثت في اوقات مختلفة خلال عشرة سنوات الماضية , ولكي نذكر القارئ بجزء منها علي سبيل المثال لا حصر:
مقبرة شطاية في ولاية جنوب دارفور عام 2004م. مقبرة كايليك في ولاية جنوب دارفور 2004م. مقبرة ديسا في ولاية شمال دارفور 2003م. مقبرة دليج الذي يبعد بحوالي 10كلم شرق منطقة دليج عام 2005م .. ويوجد في تلك مقبرة 280 شخص. مقبرة كابار في ولاية غرب دارفور الذي يبعد 40كلم شرق ام دخن. مقبرة سندو في ولاية غرب دارفور الذي يبعد 35كلم شمال شرق مكجر. مقبرة حمادة في ولاية جنوب دارفور الذي يبعد 25كلم غرب خور ابشي عام 2005م. مقبرة بركة في ولاية جنوب دارفور الذي يبعد 35كلم من مهاجرية 2005م. مقبرة تبرا في ولاية شمال دارفور عام 2010م . مقبرة شاوة في ولاية شمال دارفور 2012. مقبرة ابوزريقة في ولاية شمال دارفور 2011م. مقبرة هشابة 2013م شمال كتم.
قد تتصف هذه الايام في التاريخ الانساني بعجز المؤسسات المحلية والاقليمية والدولية عن التصدي للاستهانة بالحياة البشرية والتقاعس من الدفاع عن المثل العليا , والمثال أوضح في السودان اليوم , والمؤسسات الثلاث (المحلية والاقليمية والدولية ) عاجزة عن هذه القضية المؤلمة.
علي المستوي المحلي، لم تكن معظم الاحزاب السياسية السودانية واضحةً بما فيه الكفاية بل ظل دورها هلاميا في الكارثة التي حلت بدارفور اغلبها تدعو الي حل الصراع بالطرق السلمية لكنها سكتت عن الجرائم التي ارتكبت ضد المدنيين بشكل انتقائي . ولم يكن واضحا في اتجاه القبض علي مجرمي الحرب , واعتبروا القرار الصادر من المحكمة الدولية استهدافا لسيادة وكرامة الوطن .
اما علي المستوي الاقليمي نجد ان جامعة الدول العربية قدمت للنظام النصح والمشورة في كيفية غسل يديه من الجريمة النكراء .. وايضا قدمت له الحماية امام المنظمات الاقليمية والدولية او الوساطة للتدليس ما يحدث في دارفور . وهناك بعض الدول العربية قدمت الاسلحة والاموال والاعلام الكاذب للنظام , مثل دولة قطر التي ما زالت تقوم بمبادرات وتطرح نفسها علي انها منظِّر العصر وملهم العالم العربي الحديثة. كما يتبجج اخرون بالإعراض عن عمل اي شئ، إما لتعقيد المسالة او لان العالم العربي يقوم في وجه عمر البشير كأنه لم يفعل شرا في دارفور.
اما الاتحاد الافريقي بالرغم من ضغوط المجتمع الدولي قد ساهم بالقوات علي الارض . لم تستطع هذه القوات ان تحمي المدنيين من القتل بل لم تكن حيادية من اكبر كارثة انسانية تقع في قلب افريقيا وهي جريمة التطهير العرقي التي تعرض لها اهل السودان بدارفور , فبدلاً من ان يقف القادة الافارقة مع الضحية , فاذا بهم يقفون مع الجاني ويسعون بكل جهد حتي لا تطاله يد العدالة , وتقوقعت القيادات الافريقية وتضامنت ضد المحكمة الدولية باعتبارها تطارد القادة الافارقة بصورة انتقائية .
اما المجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا والمنظمات الحقوقية والانسانية الغربية قد رصدت عملية الجرائم الممنهجة ضد الابرياء في دارفور, وتحت ضغطهم قد أصدرت الامم المتحدة عدة قرارات بايقاف وتحقيق تلك الجرائم , وحتي اصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف برأس النظام ووزير دفاعه ووالي شمال كردفان وقائد الجنجويد علي كشيب لاتهامهم بارتكاب جرائم الابادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب في دارفور وطلب تقديمهم للمحاكمة . وبرغم من كل هذه القرارات لم يساعد المجتمع الدولي المحكمة في القبض علي الجناة , حتي صرحت المدعية العام للمحكمة ( بن سودة) عندما قالت في مجلس الامن انهم يشعرون بالاحباط في عدم تطبيق القرار وعدم التعاون من الاطراف .
اما الصين وايران فكليهما دفعت بالشعب الدارفوري الي الموت لانهما قدمتا كل المساعدات العسكرية لهذا النظام ليس في قصف الناس برا وجوا فقط بل مساعدة التظام في المحافل الدولية . ولكن الصين هي دولة عظمي هي التي قادت وتقدمت هذه الازدواجية الدولية , وعليها تقع مسئولية هذا الحجم من الموت . وعلي ازدواجية لغتها الغامضة والباردة مثل الجثة .
نجد ان الابادة التي بدأت في عام 2003م مستمرة حتي اليوم لان مرتكبي الجريمة مازالت يمرحون ويرقصون ويقتلون , لقد نسي العالم أصل قضية الابادة ويتحدث فقط عن الاغاثة. من هنا لا نستطيع ان نؤكد ان القضية دخلت في اطار السياسة المجمدة؟ ما عاد احدٌ متحمساً للضغط علي النظام الحاكم للخضوع لقرارات المحكمة الدولية …عليه تقع المسئولية علي صاحب القضية اي علي الشعب المظلوم شعب دارفور والشعب السوداني الحر الذي يرفض ضميره الوطني ان يتم علي ارضه اقسي وافزع جريمة ضد الانسانية ضد جزء من شعبة ؟…. وهم في تحدي حقيقي طالما الاخرون تقاعسوا عليهم قبول هذا التحدي لاخذ امرهم بايديهم لان التقاضي عن هذه الجريمة وكأن شيئا لم يكن سوف يهدد الوحدة الوطنية ومستقبل السودان ؟.
الجميع يفركون ايديهم الآن , ويحيلون قضية دارفور التي شاركوا في قتلها او تقاعسوا من أجل مصالحهم المحلية والاقليمية والدولية الي قوات اليوناميد ( الهجين), كأنما هذا العالم وضع راحة ضميره بين يدي محمد بن شمباس رئيس بعثة (UNAMID) ، والوسيط المشترك للإتحاد الأفريقي واللأمم المتحدة. وذهب الي النوم علي المقبرة الجماعية الكبري في دارفور.