في وقت تتصاعد فيه وتيرة القصف المتبادل والاشتباكات بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في مناطق عدة على جبهة العاصمة السودانية بلغت التوترات ذروتها بمدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور، في تحشيد مسلح غير مسبوق منذ أيام، وقد أكملت خمس قوات من رفقاء السلام وفرقاء الحرب الاصطفاف على أبوابها، استعداداً لمواجهة مرتقبة مع قوات “الدعم السريع” المتحفزة للهجوم على المدينة.
حشود مهولة
إلى جانب وجود فرقة الجيش و”الدعم السريع”، كشفت تقارير محلية عن وصول الآلاف من المقاتلين من حركات العدل والمساواة وتحرير السودان (مناوي) وتحرير السودان (مصطفى تمبور)، فضلاً عن وصول قائد أركان حركة جيش تحرير السودان (عبدالواحد نور) إلى المدينة، إلى جانب مقاتلين آخرين من قوات قبلية أخرى تسعى إلى الثأر.
كما أشارت التقارير إلى انفتاح قوات حركة عبدالواحد نور غير الموقعة على اتفاق السلام في مناطق متاخمة للمدينة بعد فترة وجيزة من وصول قائد أركانها المعروف بـ”يوسف كرجكولا” إلى المدينة، تزامناً مع وصول تعزيزات كبيرة أيضاً من حركة “تجمع العدل والمساواة” قيادة عبدالله بندة من مناطق طويلة وشرق جبل مرة ومن الحدود الليبية.
وعلى رغم تأكيده وصول قائد أركان الجيش الحركة إلى الفاشر نفى محمد عبدالرحمن الناير المتحدث باسم حركة تحرير السودان (عبدالواحد نور) أن تكون للزيارة علاقة بالاصطفاف المسلح مع الجيش أو حركات السلام.
إصرار وتحد
بينما كان قائد ثاني قوات “الدعم السريع” عبدالرحيم دقلو أكد أن قواته ستدخل مدينة الفاشر مثلها وبقية مدن دارفور، يؤكد رئيس حركة تحرير السودان، المنخرطة في المعارك مع الجيش مصطفى تمبور، أن الاستعدادات اكتملت لردع قوات “الدعم السريع” وتوجيه ضربة موجعة لها حال هجومها على الفاشر وتلقينها درساً لن تنساه.
ولكن قوى الكفاح المسلح طلبوا منا الانتظار ونحن منتظرون ردهم، واتفقت مع كل من الطاهر حجر والهادي إدريس (قادة حركتين تمسكتا بالحياد)، وعضوي مجلس السيادة المقالين على عدم المواجهة في الفاشر.
أوضح دقلو في حواره مع وسائل إعلام محلية أن حركات السلام المسلحة كانت قد طلبت منه تأجيل دخول المدينة. وأشار إلى أن وجوده في دارفور هدفه حسم الفتن القبلية التي سعى إليها فلول النظام البائد في محاولة لجر قواتنا إلى الانسحاب من الخرطوم.
أزمة وتحذير
وحذر رئيس حركة العدل والمساواة (المنشقة) المحتفظة بحيادها تجاه الحرب، سليمان صندل، من عمليات تعبئة تجري وسط المكونات الاجتماعية في دارفور، تخطط لها عناصر المؤتمر الوطني المقبور لتحويل الحرب بين الجيش وقوات “الدعم السريع” إلى حرب أهلية أو قبلية أو إثنية بين قبائل دارفور.
صندل ناشد، في تغريدة على حسابه بمنصة “إكس”، شعوب الأقاليم المختلفة، وقطاعاته الفئوية والنشطاء وقادة الإدارات الأهلية، تفويت الفرصة على الفلول وعدم السماح لهم بتحويل هذه الحرب إلى حرب قبلية إثنية نتنة.
في هذه الأثناء تتزايد معاناة سكان المدينة الذين غادر بعضهم منازلهم إلى خارجها فراراً من المواجهات المرتقبة في حين لجأ آخرون إلى أحياء أكثر أمناً وجنوبها بعيداً من مرمى النيران والرصاص.
وكشفت مصادر طبية ولائية عن تفاقم الأوضاع الإنسانية والصحية على وجه الخصوص داخل المدينة، إذ بدأت المعينات الطبية وبخاصة المنقذة للحياة في النفاد، فيما يواجه مرضى غسيل الكلى بمركز المدينة أوضاعاً صعبة بسبب الاكتظاظ الشديد مع شح المعينات والأدوية والمستهلكات والأسرة، مما تسبب في بعض الوفيات وسط مرضى الكلى من طالبي الغسل الدموي، مناشدة اللجنة العليا للطوارئ الإنسانية في بورتسودان والمنظمات الإنسانية وجهات الاختصاص المركزية والولائية سرعة التحرك لإنقاذ الموقف المتدهور.
هدف استراتيجي
في السياق أوضح أستاذ العلوم السياسية مجتبى على الأمين أن اهتمام قائد ثاني “الدعم السريع” بالسيطرة على الفاشر ينبع من إدراكه بأن ذلك سيشكل نقطة تحول كبيرة في مسيرة الحرب، متوقعاً ألا يطول تأجيل معركة السيطرة على المدينة طويلاً، لأهميتها الخاصة كمقر رئيس لحكومة الإقليم بكل رمزيتها التاريخية، إذ سيستكمل سقوطها خروج كامل دارفور من قبضة الحكومة المركزية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف الأمين أن لقوات “الدعم السريع” هدفاً استراتيجياً من وراء السيطرة على الفاشر لفتح الطريق إلى تعزيز قدرات قواتها البشرية والمادية التي تواجه ضغطاً كثيفاً بالخرطوم، فضلاً عن طرق بقية مدن ولايات غرب السودان خصوصاً مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان التي ربما تكون هي الهدف التالي.
واستبعد الأكاديمي أن تتخلى قوات “الدعم السريع” عن دخول الفاشر امتثالاً للمناشدات والوساطات الأهلية الداخلية أو الضغوط الأممية والأميركية أو الأوروبية التي سبق أن طالبتها بوقف عمليتها في المدينة.
وكانت الولايات المتحدة ذكرت أن تقارير موثوقة تكشف عن أن أياً من الجيش أو قوات “الدعم السريع” لم يتخذ التدابير اللازمة لتجنب الخسائر في صفوف المدنيين في أحياء الفاشر السكنية.
“الدعم” تتهم
من جانب آخر اتهمت قوات “الدعم السريع” الجيش بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية على رغم توقيع الطرفين على الالتزامات التي تتضمن حماية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
وذكر بيان لناطقها الرسمي على صفحتها بمنصة (إكس) بأنه على رغم الالتزامات الإنسانية للطرفين في منبر جدة، فإن هيئة استخبارات الجيش تواصل وضع العراقيل المتعمدة لمنع وصول المساعدات الإنسانية لمستحقيها، إذ لم تدخل شاحنة واحدة إلى المناطق تحت سيطرة “الدعم السريع”.
اعتبر البيان “أن عرقلة دخول المساعدات الإنسانية المتجهة إلى المواطنين في مناطق سيطرة (الدعم السريع) تشكل إخلالاً بالالتزامات التي أكدناها مطلع الشهر الجاري بالسماح بالمرور السريع للمساعدات”.
كرر البيان اتهام الجيش باستخدام العون الإنساني سياسياً كوسيلة للعقاب الجماعي وحرمان المدنيين في تلك المناطق من حقوقهم الأساسية، مشيراً إلى تعمد الجيش تأخير تأشيرات المنظمات العاملة في مناطق سيطرة “الدعم السريع”، ومنع وصول المعدات الطبية إلى المستشفيات من قبل منظمتي “أطباء بلا حدود” و”الطوارئ الإيطالية”، بصفة خاصة.
الخرطوم تحتدم
على صعيد متصل، شهدت جبهة الخرطوم العسكرية احتداماً وارتفاعاً في وتيرة القصف المتبادل والاشتباكات بين الجانبين أمس السبت، بمعظم أحياء العاصمة خصوصاً شرق وجنوب الخرطوم، ودوت كذلك انفجارات عنيفة بالمناطق المواجهة لشارع النيل على مداخل كبري المنشية ومناطق بري شرق مطار الخرطوم والقيادة العامة للجيش.
وأفاد شهود عيان بسماع أصوات انفجارات في أنحاء متفرقة جنوب أم درمان مع تبادل القصف المدفعي والاشتباكات البرية المباشرة بالأسلحة الرشاشة والمدافع المحمولة على الكتف في بعض أحياء أم درمان القديمة الواقعة على شارعي الموردة والأربعين شمال سلاح المهندسين، وفي كل من أحياء بانت والعباسية والموردة العريقة.
قصف وغارات
ودارت أيضاً اشتباكات وقصف متبادل جنوب غربي أم درمان في حي النخيل المجاور لمنطقة الفتيحاب سقطت على أثرها مقذوفات مدفعية عدة (دانات) عشوائية في بعض أحياء المنطقة متسببة في رعب وهلع كبيرين وسط المواطنين.
وبحسب مصادر عسكرية، فقد تابع الطيران الحربي استهدافه مواقع قوات “الدعم السريع” في محيط الإذاعة والتلفزيون وسط أم درمان، كما نفذ غارات جوية عدة قرب محيط مزارع المزدلفة وحلة كوكو بشرق النيل دمر خلالها عدداً من الأهداف للميليشيات المتمردة.
وأضحت المصادر أن سلاح الطيران تمكن أيضاً من تدمير رتل من مركبات “الدعم السريع” المقاتلة وشاحنة محملة بالذخيرة كانت قد توغلت داخل موقع هيئة العمليات قطاع الصالحة بغرب أم درمان.
البرهان إلى جيبوتي
وصلاً لجولته الأفريقية الأخيرة لكل من كينيا وإثيوبيا، توجه القائد العام للقوات المسلحة الفريق عبد الفتاح البرهان، صباح اليوم الأحد، إلى جيبوتي في زيارة رسمية، يعقد خلالها مباحثات مع الرئيس الجيبوتي إسماعيل عمر قيله، حول القضايا المشترك والأوضاع بالسودان.
ووفق وكالة السودان للأنباء (سونا) تتناول المباحثات تطورات الأوضاع في السودان جراء تداعيات تمرد قوات الدعم السريع ضد الدولة السودانية، وسبل تطوير وتعزيز العلاقات في كافة المجالات بين البلدين.
وداخلياً تفقد رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول عبدالفتاح البرهان قاعدة مروي الجوية والفرقة 19 مشاة بالولاية الشمالية.
وأكد قائد الجيش، لدى تقديمه واجب العزاء في مقتل قائد الفرقة 15 بالجنينة اللواء الركن عمر صديق بمنطقة القرير عدم خضوعهم في الجيش لأي مزايدة أو ابتزاز أو خيانة الدولة.
العنف الجنسي
إلى ذلك جددت الولايات المتحدة إدانتها الشديدة لتفشي العنف الجنسي المرتبط بالنزاع في السودان، الذي نسبته مصادر موثوقة، بمن فيهم الضحايا أنفسهم، إلى قوات “الدعم السريع” والميليشيات المتحالفة معها بحد كبير.
ووصف بيان للسفارة الأميركية في الخرطوم التقارير العديدة عن الاغتصاب والاغتصاب الجماعي وغيره من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء والفتيات في الخرطوم ودارفور ومناطق أخرى بأنها مثيرة للاشمئزاز ويجب أن تتوقف.
وأوضح البيان أن النساء والفتيات كن معرضات بشكل خاص لأعمال العنف والانتهاكات الشنيعة منذ اندلاع الصراع في السودان، لافتاً إلى ارتفاع خطر الاستغلال وسوء المعاملة بالنسبة إلى أولئك الذين فروا من التهديد المباشر للنزاع في السودان، وكذلك خطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، بما فيه العنف الجنسي المرتبط بالنزاعات داخل وخارج مخيمات اللاجئين والنازحين داخلياً وغيرها من الأماكن.
بدوره أكد مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي التزام احترام سيادة السودان وسلامته الإقليمية ووحدته الوطنية واستقلاله، مجدداً التضامن مع الشعب السوداني في تطلعه المشروع إلى استعادة النظام الدستوري عبر حكومة يقودها مدنيون.
وطالب المجلس رئيس مفوضية الاتحاد بتشكيل لجنة مخصصة رفيعة المستوى للعمل مع جميع أصحاب المصلحة السودانيين لضمان عملية شاملة نحو التحول السياسي المنشود، والإسراع في تنفيذ خريطة الطريق التي وضعها الاتحاد الأفريقي لحل النزاع في السودان،
ودان بيان للمجلس العواقب الوخيمة للصراع المدمر على الوضع الأمني والإنساني في السودان والدول المجاورة، لافتاً إلى الانتهاكات القانونية التي لازمت النزاع.
وأعرب المجلس عن قلقه بشكل خاص إزاء الوضع الإنساني في دارفور وكردفان والخرطوم، وكذلك في منطقة أبيي الإدارية وامتداده إلى أجزاء من البلاد، ودعا إلى الوقف الفوري غير المشروط لإطلاق النار من أجل إنهاء الصراع.