كشف تحقيق “العربي الجديد” الاستقصائي عن نهب مليشيا الدعم السريع لمعدن النحاس من الخرطوم، بعد استخراج كميات هائلة من مبان حكومية وأهلية، وبيعها في “سوق النعام” بمنطقة أبيي الحدودية التي تديرها بعثة الأمم المتحدة.
– لدى وصوله إلى حي جبرة جنوبي الخرطوم في الأسبوع الثاني من إبريل/نيسان الماضي، صُدم المهندس السوداني هاني عمر من الحفر المنتشرة على جانبي الطريق والممتدة داخل أزقة الحي ومنازله، التي انتُزعت منها كابلات كهربائية لاستخلاص معدن النحاس.
غادر عمر المنطقة قبل عامين هرباً من الحرب، وبين حين وآخر، شاهد على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة تظهر التخريب الذي طاول خطوط إمدادات الكهرباء والمنازل المدمرة، “لكن لم نتخيل أن الوضع بهذا السوء بعدما احتلت قوات الدعم السريع الحي في ديسمبر/كانون الأول 2023 حتى نهاية يناير/كانون الثاني 2024، وأضحى إحدى نقاط الارتكاز الرئيسية للهجوم على سلاح المدرعات”، يقول الأربعيني عمر، بينما يقف إلى جوار تسعة شباب، كلفهم الجيران بتفقد منازلهم البالغ عددها 208 منازل سمح الجيش بالدخول إليها بعد تحرير المنطقة، مضيفاً لـ”العربي الجديد” :”حتى محول الكهرباء الضخم الذي كان يغذي منطقتنا بالطاقة نُزع من مكانه رغم أنه يتوسط أعمدة إسمنتية بارتفاع 15 متراً وسرقت أجزاء كبيرة من مكوناته لاستخراج النحاس”.
“ليس هذا فحسب، إذ نُهب من مدينة الخرطوم 7 آلاف محول كهربائي متعددة الأحجام، فضلاً عن سرقة محولات أخرى كانت تغذي 16 محطة تحويلية في محليات أم درمان وأمبده والخرطوم بحري الحرارية وهي الأكبر في البلاد”، بحسب ما كشفه، لـ”العربي الجديد” الناطق باسم حكومة ولاية الخرطوم الطيب سعد الدين، مضيفاً أن أفراداً من مليشيا الدعم السريع سرقوا 25 مضخة للمياه بمحطتي مياه حي المقرن في ولاية الخرطوم والخرطوم بحري لسحب النحاس منهما. كما تضررت خطوط إمدادات الكهرباء في 85% من منازل محليتي الخرطوم، والخرطوم بحري، التي تراوح عدد مساكنها بين مليون ومليون ومائتي منزل.
كيف استُخرج النحاس ولماذا؟
زاد من ذهول عمر ورفاقه رفعت محمد، وأنس مالك، ومحمد مأمون، المحارق التي نصبها لصوص الكابلات لصهر النحاس داخل بعض منازل حي جبرة، باستخدام خزانات ملابس خشبية أشعلوا عبرها نيراناً هائلة، ما أدى إلى ذوبان وانصهار أسقف ونوافذ وأبواب المنازل.
واستعان اللصوص بفنيي كهرباء وخبراء اقتلعوا كابلات ونهبوا المحولات، إذ لا يمكن لغير المتخصصين استهداف الأماكن المتضررة بهذه الكيفية، بحسب ملاحظة الأمين العام السابق للغرفة الصناعية بالسودان عبد الرحمن عباس، أحد المتضررين إذ استهدفت مصانعه الثمانية في الخرطوم، وسرقت المحولات وتوصيلات الكهرباء، متهماً قوات الدعم السريع بسرقتها قائلاً لـ”العربي الجديد”: “هذا العمل ممنهج ومخطط له بعناية، إذ قطعوا الإمداد الكهربائي في البداية ليتسنى لهم العمل بأمان وروية في فك المحولات وانتزاع الكابلات الكهربائية”، مضيفاً أنه يحتاج إلى مليونين و400 ألف دولار أميركي، لشراء محولات جديدة لمصانعه.
سرقة 7 آلاف محول كهربائي من مدينة الخرطوم وحدها
تؤكد المعلومات السابقة حكومة ولاية الخرطوم، إذ يقول سعد الدين، إن مليشيا الدعم السريع استعانت بعصابات من جنسيات أفريقية وعربية إلى جانب خبراء سودانيين تعاونوا معها عبر مدها بخرائط توضح أماكن خطوط الكهرباء ومواقع كابلات المحولات، ولم يسلم من السرقة، “حتى كابلات القصر الرئاسي وكل المؤسسات الحكومية في الخرطوم ومقار وكالات الأمم المتحدة”.
لكن كيف نزعت كابلات الكهرباء من جدران المنازل والمنشآت؟ يشرح فنيو الكهرباء مصلح سيف الدين، وعماد حسن وسامي عبد الله ما جرى عبر خبرتهم المكتسبة في العمل بقطاع الإنشاءات، موضحين أن اللصوص تتبعوا التوصيلات الكهربائية من نقطة وجود صندوق التأمين الذي يدخل عبره التيار الكهربائي من الأعمدة في الشارع وصولاً إلى المنازل ومن خلال الحفر في الجدران لنزع الأسلاك الرفيعة ثم سحب الأسلاك النحاسية من داخلها”.
وتصل كمية النحاس في كابلات الكهرباء بالمنشآت الكبيرة مثل المساجد والمدارس إلى نحو 6 كيلو جرامات لكل 100 متر مربع من توصيلات الكهرباء، كما يقول الفنيون الثلاثة، الذين توصلوا إلى ذلك من خلال قياسات مسجد “أم حقين” في حي جبرة، لمعرفة طول توصيلات الكهرباء فيه، مؤكدين لـ”العربي الجديد” أن توصيلات الكهرباء الأرضية تكون على عمق متر واحد تقريباً، وهي أكبر سماكة من التي تستخدم في المنازل، وهو ما تؤكده مقاطع مصورة لـ”العربي الجديد” توضح كيف تم نزع التوصيلات والمحولات من باطن الأرض وجدران مسجد الحي، الذي سرق منه المحول الكهربائي أيضاً.
من الخرطوم إلى سوق “النعام”
يهرب النحاس المسروق من المحولات وكابلات الكهرباء عبر مسارات مختلفة، أهمها يبدأ من الخرطوم، وصولاً إلى سوق “النعام” الواقع بمنطقة أبيي الحدودية منزوعة السلاح بين السودان وجنوب السودان التي تديرها بعثة الأمم المتحدة (UNISFA)، وهناك يتم بيع المعدن، كما تؤكد مقاطع مصورة من السوق.
وتنقل أطنان النحاس بواسطة سيارات دفع رباعي أو شاحنات نصف نقل أو سيارت ربع نقل مزدوجة الكابينة تعرف محلياً بـ”البكاسي”، ويقودها جنود من الدعم السريع عبر جسر خزان جبل أولياء (40 كيلومتراً جنوب العاصمة) ومنها إلى الصالحة جنوب غربي أم درمان (تحت سيطرة الدعم السريع حاليا) وصولاً إلى دارفور ومنها نحو المحطة الرئيسية في أبيي والتي لم تعرف تلك التجارة من قبل كما يؤكد ثلاثة تجار تواصل “العربي الجديد” معهم عبر تطبيق واتساب، وطلبوا تعريف أنفسهم بأسماء مستعارة خوفاً على حياتهم، إذ يشترون النحاس المعاد تشكيله من أفراد الدعم السريع، وهي تجارة رائجة في السوق وتستقطب الكثيرين لمكاسبها الكبيرة كما يقولون، خاصة أن سوق النعام يعتبر منذ عامين أكبر بازار للمنهوبات القادمة من الولايات الخاضعة لسيطرة المليشيا، بحسب ما تؤكده المصادر.
بيع النحاس المسروق في سوق “النعام”
ويدخل النحاس إلى دولة جنوب السودان، ومنها إلى أوغندا، يقول أحد التجار الثلاثة الذي تربطه علاقات تجارية مع وسطاء هنود في دولة كمبالا، مضيفا: “عند المعبر الحدودي بين السودان ودولة جنوب السودان لا تكترث نقاط التفتيش الجمركية بما تحمله الشاحنات الجرارة، وتسمح لها بالدخول إلى جنوب السودان، وتواصل بعضها في طريقها إلى المعبر الحدودي في مدينة نمولي بين دولة جنوب السودان وأوغندا لتمر بعدها عبر نقطة جمارك نمولي، إذ لا توجد رسوم جمارك على البضائع، ويُدفع 500 دولار فقط على الجرار رسمَ عبور”.
وبمجرد دخول الشاحنات المحملة بالنحاس إلى الحدود الأوغندية، يشتريها تجار هنود، وهم وكلاء لمصانع النحاس في بلادهم، ويعاد تدوير الكميات المحملة في شكل لفائف أسطوانية في منطقة جنجا الأوغندية، وتشحن عبر طريق ترابي إلى ميناء كيلينديني بمدينة مومباسا جنوب شرقي كينيا، للتصدير إلى ميناء تشيناي في الهند، بحسب المصدر السابق.
أرباح هائلة
يقول التجار الثلاثة الذين ينحدرون من مناطق متفرقة في ولايات دارفور: “بعد نشوب الحرب في الخرطوم بحوالي سبعة أشهر (أواخر عام 2023) بدأ أفراد من قوات الدعم السريع بجلب الثلاجات ومكيفات الهواء المسروقة وكميات قليلة من النحاس المسروق إلى سوق النعام، ليتم شراء الكيلو الواحد ممن يطلق عليهم اسم (الشفشافة) لصوص المنازل الصغار بـ 18 ألف جنيه سوداني (دولار واحد). ومن بعدها نمت التجارة ووصل الحال إلى أن يسدد بعض المشترين دفعات مقدمة من المال إلى ضباط الدعم السريع بهدف حجز كميات كبيرة لتشجيعهم على جلب المزيد ما أدى إلى زيادة الأسعار حتى وصل سعر طن النحاس المصهور إلى ثلاثة آلاف دولار في حين أن سعره عالمياً يصل إلى 9739.68 دولاراً، لذا تصاعد التنافس بين الضباط من أجل جلب المزيد.
سهل غياب الجيش السوداني عن تلك المناطق وعدم وجود ارتكازات أو نقاط تفتيش له من مهمة اللصوص، كما يقول التجار، مؤكدين أن الحرب شهدت عمليات نهب واسعة للمعادن من داخل البيوت وإعادة صهرها وبعد النحاس يأتي الذهب إذ يباع الغرام بـ 120 ألف جنيه (50 دولاراً)، بعدما كان سعره في الشهور الأولى من عام 2024 حوالي 72 ألف جنيه (30 دولاراً)، ويقل هذا كثيراً عن سعر غرام الذهب الرسمي البالغ 250 ألف جنيه (100 دولار) بحسب تجار في منطقة غرب كردفان، يعلمون أن هذه البضائع مسروقة، لكنهم يتاجرون فيها، إذ يمتلكون شاحنات جرارة ضخمة يمكنها نقل عشرات الأطنان، ومن لا يملك شاحنة، يستأجر من مدينة جوبا في جنوب السودان، وفي مقابل النحاس والذهب المباع في السوق تشتري قوات الدعم السريع الوقود والمواد الغذائية في خط إمداد وتموين رئيسي للمليشيا، كما يقول التجار.
“الدعم السريع” ينفي والجيش يرد
في سبتمبر/أيلول 2024، ضبط أفراد من اللجنة الأمنية المشتركة (تضم الأمن الاقتصادي وشرطة مكافحة التهريب والاستخبارات العسكرية والقوات المشتركة) 14 طناً من النحاس داخل حدود ولاية البحر الأحمر وهو في طريقه للتصدير، وفق ما يؤكده لـ”العربي الجديد” مكتب المدعي العام لجمهورية السودان.
ويقول رئيس نيابة الجرائم الاقتصادية، عامر محمد إبراهيم لـ”العربي الجديد” : “النحاس الذي تم ضبطه كان على شكل مواسير، لا نعرف كيف جرى صهره هكذا”. لكن هذه الكمية بسيطة، إذ يقدر مصدران أمنيان على صلة بالملف، (فضَّلا عدم ذكر اسميهما لكونهما غير مخولين بالتواصل الإعلامي)، كميات النحاس المسروق من الخرطوم فقط، بين (700 ألف طن ومليون طن).
وبينما تجمع مصادر التحقيق على أن قوات الدعم السريع تقف وراء ما حدث من تخريب لكابلات ومحطات الكهرباء وسرقة النحاس منها، بدليل سيطرتها على تلك المناطق خلال الفترة التي تم فيها التخريب، نفى مستشار قائد قوات الدعم السريع عمران عبد الله، استهدافهم للبنية التحتية وتدميرها متهماً الجيش السوداني ومن يقاتل معه بالتورط في الأمر، قائلاً :” قواتنا كانت مشغولة بالدفاع عن نفسها ولم تملك الزمن الكافي لما يتم اتهامها به”، ويتابع:” هناك تجاوزات من بعض الأشخاص، ولكن عملاً بهذا الترتيب والتنظيم وراءه قوة منظمة ونحن نتهم استخبارات الجيش بأنها ضليعة فيه ولها يد فيه وإلا لم يكن النحاس المسروق سيصل إلى بورتسودان للتصدير كما مناطق أخرى تحت سيطرة الجيش”، إلا أن الناطق باسم الجيش السوداني، العميد ركن نبيل عبد الله، يصف تلك الاتهامات بـ”الساذجة والمفضوحة”، قائلاً لـ”العربي الجديد: “قوات الدعم السريع كانت تحتل هذه المناطق خلال العامين الماضيين بعدما شردوا مواطنيها وقتلوهم ونهبوا ممتلكاتهم، وقواتنا طردتهم مؤخراً ووجدت المنازل والمرافق العامة والخاصة بهذه الحالة من النهب والتخريب الممنهج”.
تتقاطع الإفادة السابقة مع ما جاء في مقطع مصور، يظهر أفراداً من قوات الدعم السريع وهم يبيعون كميات النحاس الخردة في ما يعرف ببورصة بيع النحاس بالمنطقة الصناعية الجديدة، المعروفة بـ”الإسطبلات”، جنوبي الخرطوم.
أفراد من الدعم السريع يبيعون النحاس في منطقة الإسطبلات جنوبي الخرطوم
تورط مختلف الأطراف
يتهم كمبال علي كمبال، الرئيس السابق لغرفة الصناعات الغذائية (عضو اتحاد الغرف الصناعية)، ضعاف النفوس في القوات المشتركة (فصائل مسلحة أُنشئت لحماية المدنيين في دارفور إثر اندلاع نزاع السودان في 2023) بالتجارة والمساعدة في تصدير النحاس المسروق، قائلا لـ”العربي الجديد”، :”النحاس يهرَّب إلى دولة جنوب السودان التي لا تنتج أي كميات منه، وبسهولة تجده معروضا في السوق العالمي”.
لكن المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة، العقيد أحمد حسين مصطفى، ينفي الاتهامات الموجهة لقواته بالمساعدة في تهريب النحاس المسروق وتصديره، قائلا :”إن هذه الاتهامات غير واقعية مقارنة بالمهمة التي تقوم بها القوة المشتركة “هذا الفعل ضد توجهاتنا كقوات تتكون من حركات ثورية وتتمسك بثوابتها، وهي الآن تدافع عن الوطن والمواطن”، ويضيف لـ”العربي الجديد”: “مهمتنا الحفاظ على وحدة البلاد وصون كرامة المواطن، وهي مهمة مقدسة لدينا، وليس مهمتنا البيع أو الشراء”.
لكن مصادر التحقيق تؤكد أن النحاس المسروق من قبل قوات الدعم السريع، نقل خلال فترة الحرب إلى مناطق تقع تحت سيطرة الجيش، وهذه جريمة خطيرة يجب التقصي بدقة حول المتورطين فيها يقول الخبير القانوني، المعز حضرة، والذي يملك مكتب محاماة بالخرطوم، مضيفا لـ”العربي الجديد”: “جرى تصدير كميات من النحاس المسروق عبر ميناء بورتسودان، وهذه منطقة تحت سيطرة القوات المسلحة”.
بالإضافة إلى ما سبق يؤكد مصدران أمنيان اشترطا إخفاء هويتهما للموافقة على الحديث، تصدير 19 ألف طن من النحاس المسروق إلى دول الجوار عبر المعابر الرسمية. لذا وجهت وزيرة الصناعة المكلفة محاسن علي يعقوب في الرابع من فبراير/شباط 2024 خطابا إلى رئيس مجلس الوزراء، برقم 35 وحصل عليه “العربي الجديد”، حذرت فيه من “ظهور انتهاكات في الآونة الاخيرة وعمليات ممنهجة تنهب الكابلات والمحولات وأجزاءً أخرى من الماكينات التي تحتوي على مادة النحاس، وغيرها من المعادن الأخرى التي يجري استخراجها وتخريدها من ماكينات المصانع وبيعها لتجار الخردة وتصديرها إلى خارج البلاد”.
عقود تصدير بأثر رجعي
في الثالث والعشرين من مايو/أيار 2024 أصدر مجلس الوزراء الانتقالي قراراً بالرقم 50 يقضي بـ”تجميد قرار رقم 5 لسنة 2024 والخاص بالموافقة على تصدير الحديد الخردة مع تحصيل رسوم الصادر المقررة عليه بنسبة 25% لزيادة حصائل الصادر وللمساهمة في تكلفة استيراد السلع الاستراتيجية، على أن يتضمن قرار التجميد إيقاف صادر النحاس والألومنيوم”، بحسب ما نصت عليه الوثيقة التي حصل عليها “العربي الجديد”.
وعبر تتبع ومقارنة البيانات الصادرة عن الجهات ذات العلاقة، تبين أن كمية النحاس التي كانت موجودة في فناء ميناء بورتسودان ومعدة للتصدير قبل صدور قرار إيقاف صادر الحديد والنحاس الخردة، 500 طن، إلا أن ما صُدِّر فعلياً من النحاس هو 3900 طن، وهي آخر إحصائية غير رسمية لما صُدِّر قبل توجيه وزارة الصناعة خطاباً إلى مجلس الوزراء للمطالبة بإيقاف تصدير جميع أنواع الخردة في الرابع من فبراير 2024، بحسب مسؤولَين في وزارة التجارة والتموين على صلة بالملف، طلبا عدم ذكر اسميهما، لأنهما غير مخولين بالتحدث للإعلام، مؤكدين لـ”العربي الجديد” أن بعض المصدِّرين استغلوا الثغرة في قرار مجلس الوزراء الانتقالي، بأن فتح باب التصدير للخردة قبل صدور قرار الحظر، ما دفع المصدِّرين إلى استخراج عقود بأثر رجعي، فصُدِّر ما هو على المستندات، لا الموجود على أرض الواقع، وساعدهم في ذلك فقدان وزارة التجارة لكل بياناتها جراء الحرب”.
والإجراء الخاص بصادر النحاس، يبدأ بطلب شهادة من وزارة المعادن، ثم الذهاب إلى النافذة الموحدة التي تضم (بنك السودان المركزي والشركة السودانية للموارد المعدنية وهيئة المواصفات والمقاييس ووزارة المعادن وهيئة الجمارك وجهاز الأمن والمخابرات ووزارة التجارة) لمراجعة المستندات المرفقة، وفي حال الموافقة تمنح الشركة شهادة التصدير، المعروفة بوثيقة المنشأ، وبهذا يكون المعدن جاهزاً للتصدير، حسب ما يوضحه محمد الطاهر عمر، مدير عام الشركة السودانية للموارد المعدنية المحدودة (حكومية تعنى بالإشراف والرقابة على موارد قطاع التعدين في السودان).
ولتصدير أي سلعة تجارية، يجب إرفاق المستندات الآتية: “فورم EX صادر من بنك تجاري، موضحاً فيه الكميات المراد تصديرها والمبلغ المستحق دفعه حسب أسعار سلع الصادر من وزارة التجارة، ورخصة صادر من وزارة التجارة أو عقد بيع ساري المفعول بين المصدر والمورد موثق من وزارة التجارة، والرقم التعريفي الضريبي والتسجيل في الغرفة التجارية، وفق الموقع الرسمي للجمارك السودانية”.
بسبب تلك الوقائع طالب الأمين العام السابق للغرفة الصناعية، عبد الرحمن عباس في مارس/آذار 2025، بنك السودان المركزي، بتجميد حسابات صادر النحاس الخردة، وإجراء تحقيق في كيفية تصدير نحاس مسروق بالطرق الرسمية، قائلاً: “الجهات المسؤولة لم تسأل الجهة التي صدرت النحاس الخردة من أين أتت به”. وأضاف:” نطالب السلطات المختصة بأن تضع المبالغ المحصلة من صادر النحاس المسروق تعويضاتٍ لأصحاب المصانع التي تضررت من سرقة المحولات والكابلات الكهربائية”.
جريمة حرب
“سرقة النحاس تعني فصل شريان الحياة وموت الاقتصاد سريرياً”، يقول كمبال، فخطورة الأمر أنه وصل حد سرقة محولات وكابلات غرف العناية المركزة في المستشفيات والمصانع بمجالاتها المختلفة، الدوائية والغذائية والمطاحن والأكسجين، وهذه أكبر كارثة لقيمة المحولات العالية وبعدها الكابلات، ومن بين أكبر الأضرار الخسائر المترتبة عن الزمن المتوقع لعودة الكابلات والمحولات إلى وضعها الطبيعي، بالتالي نتحدث عن فاقد الإنتاج الضخم وفقدان الأسواق العالمية بسبب توقف العمل وهذه الفترة ستشهد إحلال منتجات من دول أخرى مكان الصادرات السودانية ما يؤدي إلى تشريد قطاع كبير من العمالة، ويتابع: “كمثال بسيط حتى يعاد تأهيل الكابلات والمحولات والمولدات والموتورات ومعدات أخرى في واحد من المصانع التي أعرفها، يحتاج إلى أكثر من مليون دولار، إذ توجد كابلات غالية، يصل سعر المتر فيها إلى 1000 دولار”.
و”يعتبر كل من يهرب أو ينقل أي بضائع أو سلع ممنوعة أو مقيدة قانوناً، إلى خارج السودان، أو يصدّرها أو يشرع في ذلك بقصد تفادي أسباب المنع أو القيد أو التحايل على دفع الإيرادات العامة، مرتكباً لجريمة الإضرار بالاقتصاد الوطني”، وفق المادة (57 أ – 1) من القانون الجنائي لسنة 1991 تعديل لسنة 2020، التي نصت في فقرتها الثانية: “دون المساس بأي عقوبة أشد في أي قانون آخر، يعاقب كل شخص يرتكب أو يشترك أو يساعد أو يحرض على ارتكاب الجريمة الواردة في البند 1 بالسجن مدة لا تتجاوز العشر سنوات والغرامة ومصادرة الوسائل المستخدمة في ارتكاب الجريمة”.
ونصت الفقرة الثانية من المادة 182 من القانون الجنائي على أن “من يرتكب جريمة الإتلاف الجنائي يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز خمس سنوات أو الغرامة أو العقوبتين معاً فإذا حدث الإتلاف في أثناء الشغب أو استعمال النار أو المواد الحارقة أو الناسفة أو السامة، لمرفق عام أو خاص يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز العشر سنوات أو الغرامة بما لا يقل عن قيمة التلف”، ويقول المحامي حضرة إن التخريب الذي حدث وفقاً للتوصيف القانوني، جريمة حرب وفقاً لاتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949، التي تناولت تدمير البنية التحتية والمنشآت المدنية وكابلات محطات الكهرباء في مشهد لا يقل خطره أو أثره عن الجرائم ضد الإنسانية.