منذ إطلاق الرصاصة الأولى للحرب المصيرية الدائرة الآن، لم يتبق مواطن سوداني واحد، يشك أنّ جيشه فاقد الإرادة العسكرية، وإنه أداة طيّعة وألعوبة في يد قيادات الحركة الإسلامية، وعصابات فلول نظام الإنقاذ البائد، وأنّ ما تسمى “مجازاً” بالقوات المسلحة السودانية، لا هي قومية في تكوينها، سيما في قياداتها العليا، ولا هي وطنية، تعمل لصالح الوطن والمواطن، وفق ما هو منصوص عليه في كافة الوثائق والدساتير والتعهدات المهنية المتعارف عليها، في البلاد وفي معظم بلدان العالم.
ومن الطبيعي والبديهي، أنّ من يخلّ بتعهداته مراراً مع سبق الإصرار والترّصد، ويتجاوز صلاحياته، فرداً كان أم جهة اعتبارية، يفقد صفته، والشواهد ماثلة عبر التاريخ أنّ الجيش السوداني، ظل ينتهك الدساتير، ويتعدى على صلاحيات السلطات المدنية مراراً وتكراراً، آخرها في 25 أكتوبر 2021م حيث قوّض الحكم المدني ـــ الانتقالي برئاسة الدكتور عبدالله حمدوك، واستمر في اغتصاب السلطة في البلاد إلى يوم الناس هذا، رغم التعهدات المسبقة والمغلظة من قياداته الحالية.
هذه الموبقات الدستورية المتكررة والمقززة، من الجيش السوداني، كلها كوم، وخيباته المدوية خلال الحرب التي جروا إليها في 15 أبريل 2023م وبمباركتهم لمآلاتها، كوم آخر، إذ هناك عدد لا يستهان به من أبناء الشعب السوداني، يرون أن الخسائر المتتالية للجيش لمواقعه غير مبررة، ويرونه أنه تخاذل يكتنفه الغموض، سيما ما حدث في مدنية ود مدني والإقليم الأوسط في شهر أكتوبر الماضي.
رغم الإنفاق البذخي في الجيش من الخزانة العامة، لعقود على حساب رفاهية المواطن، دافع الضرائب، خسر كافة المعارك تقريبا، أمام قوات الدعم السريع، ولم يكسب سوى معركة تحرير مبنى الإذاعة، وما تلى ذلك من تحرير أحياء أمدرمان القديمة، في معركة غامضة، تبدو مقايضة بمواقع أخرى، أغلب التكهنات أنه الإقليم الأوسط!
وبات الرعاة والفلاحين في بواديهم يدركون، أنّ سبب تجرع الجيش السوداني للهزائم القاسية، مرده افتقار هذا الكيان لصفة القومية، والوطنية، بالعربي الفصيح، مرد هذه الفضائح العسكرية، انقلابهم على السلطة المدنية، ونكوصهم بتعهداتهم، ثم إصرار قياداته الحالية، على محاولة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، من خلال إعادة تمكين الحركة الإسلامية في الحكم مرة أخرى بقوة السلاح، ولا غرابة في هذه العقيدة القتالية المميتة، إذا سلمنا أنّ قيادات الجيش في المرحلة الحالية، هم صنيعة خالصة للحركة الإسلامية، وهي ذات الفضل في بريق النياشين على أكتفاهم، أي أنهم قادة مؤدلجين، يفتقرون إلى المهنية، والإرادة العسكرية، ولم يتردد بعض هؤلاء القادة المهزومين، في المجاهرة بهذه الصفة، ولدرجة التفاخر!
رغم كل هذا نشك أن قيادات الجيش هؤلاء، قد طلبوا أو وافقوا على دعوة شرذمة من فلول النظام البائد، لنفرة تفويض الجيش، والتي ضجّت بها “الأسافير” مؤخرا، لسبب بسيط أن هؤلاء القادة يدركون جيداً، استحالة كسبهم للحرب الدائرة الآن ميدانياً، رغم أنهم كسبوا بعض الوقت، وبالتالي، فإن هذا التفويض، إن حدث ولو”خجاً” اسفيرياً ليس أكثر من مجرد ضغط نفسي زائد علي نياشينهم الزائفة، وأن عصابات فلول النظام البائد، تتخذ من مثل هذه النفرات، للتحشيد والاستنفار، في محاولة لتزيف الإرادة الشعبية لصالحهم.
وإذا افترضنا جدلاً أن قادة الجيش هم من طلب أو بارك هذه النفرة، على نهج ما فعل مستشارهم، وعرابهم السيسي مصر، في ثورة 30 يونيو 2013، فمن الواضح أن هذا الطلب جاء متأخرا للغاية، ويعتبر في هذا التوقيت، تعبيراً صارخاً عن قلة حيلة الجيش السوداني، المأزوم نفسياً، والمهزوم عسكرياً، وكان الأفق، طلب هذا التفويض قبل انقلابهم على السلطة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021م وليس بعد مضى أكير من سنتين عجاف، من الفشل في حكم البلاد عسكرياً، وبعد التورط في إشعال حرب جروا إليها جراً، وخسروا فيها خسراناً مبيناً. فإن كانوا يركنون على تقليد ما فعله “فرعون” مصر، فإنهم إما متناسين أو متجاهلين أن تفويض السيسي من قبل الشعب المصري في ثورة 30 يونيو 2013 كان ضد الإخوان المسلمين وليس تجييرا لصالحهم.
غض النظر عمن طلب التفويض، فإن هذا الطلب في حد ذاته، يعتبر إهانة لثورة ديسمبر المجيدة، واستهتاراً فجاً بدماء شهدائها البواسل، سيما وهم يدركون جيداً، إنها لم ولن تمت، وأنها كامنة ومتقدة تحت الرماد.
أن هذا الطلب ليس أكثر من وقاحة سياسية، معهودة في تنظيم الإخوان المسلمون وحزب المؤتمر الوطني المحلول. وإن جاءت هذه الدعوة في الظروف العادية، لعرف هؤلاء الفول “حاجة” عن إصرار “الجيل الراكب راسو” على إنهاء حكم العسكر، وقبر الإسلامين وإلى الأبد.
ثم من أين لقادة الجيش الحاليين، النازحين في ولايات السودان المختلفة، الفارين من مقرات ألويتهم، أين لهم قوة العين التي يطلبون بها تفويضاً شعبياً لحكم حكم اغتصبوها أصلا في وضح النهار، وفشلوا في ترويضها؟
قائدهم فار من ولاية إلى ولاية لا يلوي على شيء، في حيز أضيق من خرم الإبرة، فإن احتشد من يروجون لهم إعادتهم للسلطة، من بقايا شرذمة الحركة الإسلامية وعصابات الكيزان، فليسهم بمقدور قادة الجيش مخاطبتهم حياً، ولو تكحلوا بالشطة، كان ذلك ممكنا قبل امتلاك قوات الدعم السريع لمسيرات ذكية أدخلت في جوانحهم الرعب.
كما خابت آمال الجيش في استنفار حواضن الحركة الإسلامية، وخسئ في كتائبهم من الدواعش والإرهابيين، ومثلما فشلت ركونهم على تجار الحرب، المرتزقة من حركات دارفور المسلحة، فإن التفويض المنتظر، لن يحصل، ولن يخرج لهم النصر العزيز المختبئ من صندوق علاء الدين السحري. ولن يحكم الجيش “الجبيل الراكب راسو”، ولو انتصدر.
//أقلام متّحدة ــ العدد ــ 148//