حركة العدل والمساواة .. ساحل العاج

حامد حجر – بواكي، كوت ديفوار
عقب مفاوضات الدوحة العام ٢٠١٢م، تم إختبار الحركة في وجودها بشكل جدي وأذكر هنا ثلاث مواقف صعبة:
اولا: في أروقة القصر الوردي في إنجمينا، نشطت عناصر من ضباط وعسس جهاز الأمن الوطني التشادي (ANS)، أيما نشاط للتضييق علي رئيس حركة العدل والمساواة، القائد الدكتور خليل، فقد تم إحتجاز الأخير داخل طائرة الخطوط الجوية الليبية “الأفريقية”، التي قدم بها إلي مطار حسن جاموس، بعد جولة مباحثات في دولة قطر، تم الإحتجاز بأوامر عليا من مكتب الرئيس إدريس ديبي، ولم تسمح له السلطات بالنزول منها والتوجه إلي موقع قيادة قواته في شمال دارفور، يومها في وادي “بوبا”، غربي قرية “فوراوية”، في محاولة لإعتقاله إذا سمحت الظروف.
قد يسأل سائل .. لماذ إمتعاض الرئيس ديبي (IDI)، وغضبه الغير مبرر لعودة القائد خليل دون التوقيع علي وثيقة الإتفاق الإطاري في الدوحة؟ الإجابة طبعا تقرأ في إطار رغبة الرئيس التشادي ومقاربته للحل بحلول تشادية، فمنذ اليوم الأول للحرب كان معاليه مع تجيير مواقفه مع صديقه البشير ، حينما أرادها حربا شعواء، وأن يسلمه وزير دفاعه عبدالرحيم أرضا يبابا بدون سكان.
كما تأتي الضغوط القطرية متماهية مع موقف الخرطوم ولأسباب إيدويولوجية بحته سببا آخر لذلك، والإنسان هو نتاج تحيزاته بالطبع.
في المعادلة الغير محسوبة للقصر حتي حين هو وجود معسكرات في شرق تشاد تعج بالدارفوريين في معسكرات اللآجئين، حيث تحوي أقلها عددا (٢١) ألف نسمة: “دقوبا”، “ملي”، “كارياري”، “تلم”، “قاقا”، “تريجن”، “بريجن”، “حجر حديد”، “كلونقو”، “برك” و”العراديب السبع”. حتي نذكر القارئ غير السوداني بأن هذه المعسكرات تجمع الناس حولها بسبب حملات الجنجويد في العام ٢٠٠٣م، علي قري ومزارع المواطنيين الإفريقيين أصحاب الأرض و”الحواكير”.
تحركت هذه الجموع من الجماهير المؤيدين للدكتور خاصة من المكون القبلي لقبيلة الزغاوة(اللآجئين)، وتظاهرت صادا منافذ المطار، وتضامن معهم ضباط نافذين من الكيان، وأصبح الجو العام في إنجمينا فورلامي عاكرا، وأختبأ الرئيس في مزرعته غربي حي (فرشا).
وبإستفحال الأزمة تدخل القائد معمر القذافي علي خط ساخن مع الرئيس ديبي، أجبرت السلطات التشادية علي الرضوخ والسماح للإفريقية بالتحليق مجددا بإتجاه الشمال، فيما يشبه بترحيل قسري لدكتور خليل، وحطت طائرته علي مدرج طرابلس الغرب.
ثانيا: في الأثناء داهمت قوة من عناصر جهاز الأمن منزلا في حي “مرجان دفق”، لقيادات الحركة الذين كانوا متواجدين في إنجمينا قبيل عودة القائد دكتور خليل، منهم مجموعة الأستاذ علي الوافي بشار (الناطق الرسمي بإسم قوات الحركة حينها)، وأعضاء آخرين من المكتب التنفيذي للحركة، منهم ود البليل عيسي زياد الحمري وبابكر حمدين الهلباوي، وآخرين، لم تكتب النجاح لهذه المداهمة أيضا حيث غادرت المجموعة المنزل (بناءا علي معلومات) قبل دقائق من وصول القوة المداهمة متوجهين إلي ميدان “وادي هور”، وتلك مبلغ ما وصل إليها من قبول جماهيري.
ثالثا: الصورة أدناه لبعض عساكر الحرس الرئاسي الإفواري ألتقطت إلي جانب ضباط لحركة العدل والمساواة السودانية ألتقتت في عاصمة إقليم بواكي شمال جمهورية ساحل العاج.
هنا وفي عملية إستخباراتية محكمة تسرب ضباط من الحركة بعد مراوغة جهاز الأمن التشادي (ANS)، حيث نشطت عناصره للقبض علي الضباط في إنجمينا ومدينة كوسري الكميرونية المجاورة للعاصمة التشادية، وبتوجيه من الرئيس ادريس ديبي (IDI). تمثل دور الحركة في سرعة التصرف، وبإشراف مرتب من قيادة مكتب الحركة في العاصمة التشادية يومها، قاموا بإفشال خطة الرئيس وتفويت الفرصة والحيلولة دون القبض عليهم، مستخدمين المعلومات والإستجابة السريعة من رجال المهمات الخاصة من أمثال الكمندر: جمال “جوجو”، عبدالرحمن “كوندشن”، حامد زكريا سليمان، عمنا محمد أسو كتر، علي بحرالدين ادريس، حسين عيسي نقيل وآخرون لم تسعفني الذاكرة فعتبي!.
كان الوقت صباحا حين تجمع الرجال مرة أخري في مايدقوري لإلتقاط أنفاسهم، مايدوغوري (Maiduguri) هي عاصمة ولاية برنو بنجيريا. يوجد في المدينة متحف ومطار، كما يوجد فيها بعض من أفضل جامعات ومستشفيات نيجيريا، وجامعة مايدوغوري الذي عمل فيها البروفسور الراحل عبدالله الطيب،
عند الوصول لسوق المدينة والذي لم ينتظم بعد، نسبة لمعارك طاحنة جرت يوم أمس بين قوات الدرك التابعة لسلطة بورنو إستيت (Borno State)، ومليشيا (بوكو حرام)، وهي جماعة إسلامية متطرفة.
كان الوضع متوترا في المدينة التي أعلنت فيها حالة الطؤاري وأحكام عرفية، إنتشار كثيف للجيش وإنشاء نقاط تفتيش وتفحص وجوه العابرين بشكل دقيق، وإنزال بعض الناس للتحري معهم.
استمرينا في التقدم شمالا وفي طريق يتخلله كثبان الرمال وأكوام من نبات السعف المنتشرة، وبعض أشجار الدليب في الاودية الجافة. وبعد رحلة صعبة في سيارة غير مريحة وصلنا بعد صلاة العصر إلي ساحل مدينة (ديفا)، المطلة علي بحيرة تشاد (Lake Chad)، ديفا (بالإنجليزية: Diffa)‏ مدينة أقصى جنوب شرقي النيجر، تقع قرب الحدود مع نيجيريا، تعتبر مركز منطقة ديفا وأكبر مدنها بعدد سكان 23,600 نسمة، إحصاء العام ٢٠٠٤م،[1] وبعد رحلة ليست قصيرة غربا وصلنا إلي مدينة (زندان)، العاصمة التاريخية للنيجر.
ثم إلي نيامي (Niami)، عاصمة النيجر الحديثة، ومنها تم الترتيب ووصول مجموعة الضباط إلي مدينة بواكي (Bouaki)، التي كانت تحت اشراف القوات الدرك والمليشيات الشمالية.
القاعدة الجوية المتاخمة لمطار مدينة بواكي، كانت من نصيب حركة العدل والمساواة السودانية، والتي كان يشغلها حراسة القوات الشمالية المسلمة بقيادة كمندا (الرائد): فا موسي وتارا، حيث قضي الضباط ليلتهم الاولي ضيوفا في منزل رئيس الوزراء غيمي سورو في الحي الفرنسي الثالث، (Air France 3)، الراقية.
وفي الصباح وفي جو إستوائي ممطر، تحركنا في حافلتين إلي مطار والقاعدة الجوية “سنكارا”، حيث إستقبلنا بحرارة كمندا فا وتارا، وقام بإجازنا بمحتويات المعسكر من أبنية وميادين تدريب عنيفة، وملاجئ طائرات حربية ومدارج هبوط، إلي جانب أماكن تواجد القوات الصديقة حول المطار خاصة موقع القوات الفرنسية، لتعيننا هذه المعلومات في أداء مهامنا طيلة ما يقرب من عام من الزمن التي قضيناها معهم.
فذلكة تاريخية .. ظلت جمهورية ساحل العاج مستقرا سياسيا ولثلاث عقود قبل أن تصيبها لعنة ٱلهة الغابة الافريقية في المدينة الإحيائية (أنيمس). الرئيس بوانييه فلكس هوفويت (١٩٠٥ – ١٩٩٣)، ينتمي الي أقلية الباولي أكبر القبائل إنتشارا ونفوذا في البلاد[2].
بونييه العجوز وحسب شهادة صديقي الشاب زانا (Zana)، من سكان حي إيرفرانس: ‘بونييه رجل حقق الكثير لبلاده، من بنيات تحتية وخاصة الزراعية وتقسيم الأراضي للفلاحين حسب رؤية تيار السنكاريين الإشتراكيين. كان رزينا ويخاطب الشعب في المناسبات من خلال كلمة مكتوبة بلغة فرنسية رفيعة وعالية الجودة”.
لوران غباغبو:
سياسي عاجي تولى رئاسة البلاد لنحو عقد من الزمن، ولما هزم في الإنتخابات الرئاسية بإشراف الأمم المتحدة العام 2010م، رفض التسليم بنتائج الانتخابات فأشعل أزمة سياسية انتهت باعتقاله عام 2011م. لكن ما دور حركة العدل والمساواة السودانية في ذلك؟.
المولد والنشأة:
ولد لوران غباغبو يوم 31 مايو/أيار 1945 في مدينة غانيوا غربي ساحل العاج.
الدراسة والتكوين:
حصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة ديدرو بالعاصمة الفرنسية باريس.
الوظائف والمسؤوليات:
مارس غباغبو مهنة التدريس في بداية حياته، ثم انخرط مبكرا في مسار النضال النقابي والسياسي ضد نظام الرئيس الأسبق فيليكس هوفيوت بوانييه (أول رئيس لساحل العاج من 1960 إلى 1993).
المسار السياسي:
أسس في عام 1982 الجبهة الشعبية لساحل العاج التي نشطت في النضال السياسي ضد نظام الرئيس المؤسس هوفيوت بوانييه، وبعد سلسلة من النشاطات السياسية المناهضة للنظام غادر غباغبو للإقامة خارج البلاد في العاصمة الفرنسية باريس، قبل أن يقرر العودة من منفاه الاختياري إلى بلاده في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
شارك في أول انتخابات رئاسية عام ١٩٩٠م، بعد إعلان الرئيس الأسبق بوانييه عن فتح المجال للتعددية السياسية، بسبب تصاعد الضغط السياسي والمطالب الشعبية بإطلاق الحريات العامة في ساحل العاج.
وبعد رحيل مؤسس الدولة العاجية بوانييه عام ١٩٩٣م، نتيجة إصابته بداء السرطان تولى بعده السلطة رئيس البرلمان هنري كونان بادييه طبقا لما ينص عليه دستور البلاد.
وسرعان ما تم إجراء انتخابات رئاسية سنة ١٩٩٥م، أقصي منها لوران غباغبو تماما كما تم إقصاء الحسن وتارا بعد إستصدار بادييه لقانون يمنع ذوي الأصول غير العاجية من الترشح لرئاسة البلاد.
وفي عام ١٩٩٩م، أطاح إنقلاب عسكري بهنري كونان بادييه، ليتولى بعده الجنرال روبرت غي مقاليد السلطة. وفي سنة ٢٠٠٢م، أجريت إنتخابات رئاسية أقصي منها كل من وتارا بسبب “شكوك” حول أصوله غير العاجية، والرئيس السابق هنري كونان بسبب “نواقص” في الملف، وفاز غباغبو في هذه الإنتخابات لكن الجنرال غي رفض النتائج وأعلن نفسه رئيسا وحيدا للبلاد.
إندفع غباغبو معززا بدعم كبير من قوات الجيش والدرك في مواجهة الجنرال غي، وطلب من أنصاره التظاهر من أجل فرض إختيارهم، وإستمر في الضغط والمواجهة حتى تم إبعاد غي خارج البلاد، ليتولى بعده غباغبو زمام السلطة في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٠٢م، ومنذ ذلك التاريخ وهو يتولى رئاسة جمهورية ساحل العاج.
لم يقبل الحسن وتارا وأنصاره إستيلاء غباغبو على السلطة، وطالبوا بإعادة الإنتخابات وتطورت تلك المطالبات والإحتجاجات إلى محاولة إنقلاب على نظام غباغبو الذي كان وقتها في زيارة لإيطاليا حيث تمكن المتمردون من السيطرة على مدينة بواكي شمالي البلاد، ومهاجمة عدد من المراكز الحيوية في العاصمة أبيدجان دون أن ينجحوا في الإطاحة بالنظام.
لكن البلاد دخلت منذ التاسع من سبتمبر/ أيلول ٢٠٠٢م، في حرب أهلية وأزمات سياسية وعسكرية مفتوحة، ولم تنجح كل الإتفاقات والوساطات في نزع فتيل الأزمة الحادة التي قسمت البلاد إلى جنوب يحكمه غباغبو وأغلب سكانه مسيحيون، وشمال أغلب سكانه مسلمون يسيطر عليه المتمردون “القوات الجديدة”. التي إنبثقت منها قوات الحرس الرئاسي التي تسمي إختصارا فارسي (FARSI)، وهي التي تربطها علاقات عامة مع حركة العدل والمساواة.
وفتحت تلك الأزمة المجال واسعا أمام التدخلات الإقليمية والدولية في الشأن الداخلي للدولة، حيث توجد ومنذ ٢٠٠٢م، قوات عسكرية فرنسية تدخلت في البداية تحت شعار حماية المواطنين الأجانب في عملية أطلق عليها اسم “ليكورن”، كما توجد أيضا قوات تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلم، ومراقبة وقف إطلاق النار.
وفي مارس/آذار ٢٠٠٧م، وقّع غباغبو مع خصومه اتفاقا في واغادوغو في بوركينا فاسو تولى على إثره قائد المتمردين غيوم سورو رئاسة الحكومة. غيم كان سياسيا مغمور من الشباب المسيحيين كون حزبه واإتلف مع الحسن وتارا أكثرية برلمانية تجاوز النصف زائدا الواحد.
وظل غباغبو متمسكا بالسلطة ويماطل في إجراء انتخابات رئاسية بعد أن انتهت ولايته المفترضة عام ٢٠٠٥م، وبعد ضغوط داخلية وخارجية شديدة قبل بإجراء الانتخابات في نهاية ٢٠١٠م، على أمل أن تنهي عقدا من الأزمات السياسية والعسكرية، وأن تعيد الإستقرار السياسي والإقتصادي لإحدى أكبر وأهم دول القارة الأفريقية.
وحصل غباغبو في الجولة الأولى على ٣٨%، من الأصوات متقدما على غريمه الحسن وتارا الذي حل ثانيا بنسبة ٣٢%، بيد أن الأمور تغيرت في الجولة الثانية بعد تحالف وتارا مع هنري كونان بادييه الذي حصد ٢٥%، من الأصوات في الجولة الأولى، حيث حصل وتارا على نسبة ٥٤%، مقابل ٤٦%، لغباغبو بحسب النتائج المعلنة من قبل اللجنة الإنتخابية، وهي النتائج التي رفضها غباغبو، وتم تعديلها من قبل المجلس الدستوري لتصبح في صالح غباغبو.
وفي ١١بريل/نيسان ٢٠١١م، مر علي الرئيس لوران لحظات رتيبة ومقلقة وإنتابته هواجس من الخوف علي مصيره الشخصي، فقد وصلته الأخبار بأن الفندق محاط بمقاتلي (الدوزو)، حراس تراث الغابة الإفريقية وحافظو أسرار ارواح الأسلاف، بالتحالف مع مقاتلي الصحراء السودانية (العدل والمساواة)، إختار لوران غباغبو الإستسلام والنزول من الطابق السادس في الفندق إلي الطوابق السفلي، أي إلي حيث تقيم القوات الفرنسية الخاصة، والتي بدأت مبكرا التنسيق مع القوات التابعة لخصمه الحسن وتارا.
في يوم ٢٦ ديسمبر ٢٠١٢م، تسمرنا أمام شاشات التلفزيون علي أثر إستشهاد قائدنا الدكتور خليل، كانت الصدمة التي ألجمتنا، إنه الميلاد الثاني لخليل البطل، الموت هي الحقيقة الوحيدة في هذا الكون .. فأصبح عيدا لشهداء الحركة التي وجدت لتبقي!
صدرت أوامر هذه المرة من الدكتور جبريل بضرورة التحرك عبر مطار “وقادوقو”، إلي ‘عنتيبي’، و”جوبا”، كل ذلك لحضور “مؤتمر الحركة في “الحديات”، لإختيار رئيس ووفقا للنظام الأساسي، وتلك صفحة ناصعة أخري لحركة العدل والمساواة ..
إلي جانب القائد الشهيد خليل، نذكر هنا مهندسين لهذه الرحلة Mission : احمد داؤد عبدالرحمن فرتي، المستشار بشارة سليمان نور، رئيس الحركة الحالي الدكتور جبريل ابراهيم ..
وللتاريخ لسان ..

https://www.facebook.com/share/p/1D8aedqR7T/

المراجع:
[1]، موقع ويكيبيدييا.
[2]، الموسوعة السياسية والعسكرية، فراس البيطار (بيروت)، ص:499.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *