كشفت صحيفة “سودان تربيون” عن مصادر في النيابة العامة عن تسجيل أكثر من 190 حالة إخفاء قسري لفتيات في المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات الدعم السريع، في العاصمة وولايات الجزيرة وسنار، كما تحدثت مصادر عسكرية عن احصاء نحو 900 حالة اعدام نفذتها الدعم السريع في الخرطوم.
ووثق تقرير لمركز «مشاد» تصفية 11,409 شابًا ميدانيًا بإعدامات خارج نطاق القضاء، غالبها بدوافع عرقية، فيما أُصيب 14,685 شابًا بجروح متفاوتة نتيجة الاستهداف العشوائي والمباشر. كما تم اعتقال أكثر من 9,000 شاب وشابة تعسفيًا.
وأكد عضو في اللجنة الوطنية لجرائم الحرب وانتهاكات الدعم السريع – طلب حجب اسمه – في حديث لـ”سودان تربيون” وقوع جرائم أخرى ارتكبتها تلك القوات بحق الفتيات والنساء، منها “الاختطاف لأغراض الاستعباد الجنسي والاستغلال، والنهب، والاعتداء البدني بالضرب، والعمالة القسرية”.
ولم يرد النائب العام ورئيس اللجنة الوطنية لرصد انتهاكات الدعم السريع على طلبات متكررة من “سودان تربيون” لتحديد الأرقام والإحصائيات التي حصلت عليها اللجنة حتى الآن.
وتحدث ذوو ضحايا تم إعدامهم خلال الحرب في السودان عن تفاصيل مرعبة رافقت تصفية أقاربهم، إضافة إلى عمليات تعذيب قاسية تعرضوا لها.
وكشفت تحقيقات خاصة لـ”سودان تربيون” في مايو 2024، تفاصيل مأساوية عن اغتيال الدعم السريع لمدنيين شنقًا داخل معتقلات وغرف إعدام نصبتها في العاصمة الخرطوم.
وقالت مصادر عسكرية لـ”سودان تربيون” إن “الإحصائيات المتعلقة بإعدام قوات الدعم السريع للمئات من الأشخاص في الخرطوم فاقت 900 شخص”.
وصرّح ضابط في جهاز أمني لـ”سودان تربيون” أن هناك تقارير جمعتها الأجهزة الأمنية والعسكرية وثقت قتل مدنيين على يد عناصر الدعم السريع بالرصاص والإعدام شنقًا في مناطق مختلفة من الخرطوم.
ولم يشر الضابط إلى أماكن محددة، لكنه أكد وقوع أعمال قتل واعتقالات وتهجير وتعذيب وحصار للمدنيين في مدينتي بحري والخرطوم.
قصة إعدام
وأشار (س-ح) إلى مقتل شقيقه على يد الدعم السريع في يوليو 2024 بحي الرميلة في الخرطوم.
وروى تفاصيل مؤلمة حول مقتل شقيقه، الذي اتهمته قوات الدعم السريع بالتعاون مع الجيش السوداني ونقل معلومات عن وجودها في المنطقة والأحياء المجاورة، وذلك بعد خروجه إلى السوق المركزي جنوب الخرطوم وعودته مساءً.
وقال إن التهمة التي وُجهت لشقيقه كانت جمع ونقل معلومات عن تحركات الدعم السريع في الحي والأحياء المجاورة، ونقلها شفهيًا إلى مصدر يتبع للاستخبارات يعمل في السوق نفسه.
وأكد أن تلك القوات أطلقت عليه النار بعد اعتقاله لبضعة أيام، في حين لم يتسنّ – حسب إفادته – معرفة المكان الذي دُفن فيه.
وبعد سيطرة الجيش على المنطقة، أكد (س) توسيع نطاق البحث عن جثمان شقيقه (ف)، حيث يتابعون مع الجهات المختصة برفع الجثامين ذلك الأمر.
انتهاكات موثقة
وثقت بعثة الأمم المتحدة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق بشأن السودان مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان المروعة التي ارتكبتها كل من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع، ودعت إلى إجراء تحقيقات حولها وتقديم الجناة إلى العدالة.
وفي مقابلة مع أخبار الأمم المتحدة، أوضح إدمور توندلانا، نائب رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) في السودان، أن النساء والفتيات هن الأكثر تضررًا من الصراع، مع ورود تقارير عن حالات اغتصاب وزواج قسري واختطاف.
قصة تعذيب واعتقال
بعد أشهر من العمل الإجباري في إعداد الطعام لجنود الدعم السريع، توفيت السيدة (ن) جراء التعذيب الشديد الذي قام به جنود يتبعون لتلك القوات.
وقالت (ب)، وهي ناجية من المعتقل نفسه، لـ”سودان تربيون” إن السيدة (ن) وبعد اقتحام الدعم السريع الحي الذي يقمن فيه جنوب الخرطوم، طُلب منهن العمل في إعداد الطعام.
وذكرت أن عددًا من جنود الدعم السريع استمعوا إلى القتيلة بينما كانت تجري محادثة هاتفية عادية مع ابنها المقيم في ليبيا، ووصفت له الأوضاع.
واتهم الجنود السيدة (ن) بنقل معلومات عنهم لمصدر، دون التبيّن أو التحقق من المتحدث الآخر معها.
وأضافت: “تم ضربها أمامنا، ثم اقتيدت في سيارة إلى مكان غير معلوم، وعلمنا بعد فترة أنها في المعتقل”.
وقالت السيدة (ب) إنهم علموا بوفاتها بعد نحو شهرين في المعتقل بسبب التعذيب.
انعدام الرغبة العدلية
ويرى الخبير القانوني معز حضرة أن الأطراف المتحاربة والأجهزة العدلية تفتقر للرغبة في ملاحقة ومحاسبة المجرمين الذين يرتكبون تلك الانتهاكات.
وأشار في حديث لـ”سودان تربيون” إلى أن القضاء السوداني والنيابة ليس لديهما القدرة، التي تسبقها الرغبة، في محاكمة أي طرف من أطراف هذه الجرائم.
ويعتقد حضرة أن الأنسب هو إصدار مجلس الأمن الدولي قرارًا بتكوين لجنة تحقيق في جرائم الحرب منذ 15 أبريل 2023، أسوة بقرار التحقيق في جرائم دارفور 2003-2004.
ويجزم بأن تلك الخطوة من شأنها ضمان عدم الإفلات من العقاب، مؤكدًا أن أطراف النزاع تستخدم خطاب الكراهية وقانون “الوجوه الغربية” في ارتكاب الجرائم المحرّمة دوليًا، ويمكن تصنيفها كإبادة جماعية.
قيد النظر
وتقول عضو مبادرة “لا لقهر النساء”، أميرة عثمان، لـ “سودان تربيون”، إن المبادرة لا تمتلك حتى الآن إحصائيات حول النساء اللاتي تعرضن للقتل.
وشددت على أن المساءلة والعدالة وعدم الإفلات من العقاب تعد من مبادئ رؤية المبادرة لوقف الحرب.
وأفادت في الوقت نفسه، بأن العمل على ملاحقة المتورطين في تلك الجرائم – مع ظروف الحرب كما هو معلوم للجميع – غير مجدٍ، لغياب المنظومة العدلية تمامًا، من شرطة للتحقيق ونيابة وقضاء.
وأكدت أن المبادرة تضع بعين الاعتبار مسألة المحاكم الدولية قيد النظر، رغم القناعة الراسخة بعدم جدواها، لافتة إلى أن قضية الرئيس المعزول البشير خير دليل على ذلك.
رعب بلا حدود
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن العواقب الكارثية للحرب في السودان على حقوق الإنسان هي واقع يومي يعيشه ملايين السودانيين، مضيفًا أن الرعب الذي يتكشف هناك لا حدود له.
وفي بيان صادر عن مكتبه بداية الشهر الحالي، نبّه تورك إلى أن التقارير عن عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء في ولاية الخرطوم مقلقة للغاية، مشيرًا إلى مقاطع فيديو مروعة متداولة على وسائل التواصل الاجتماعي تُظهر ما لا يقل عن 30 رجلًا بملابس مدنية يُعتقلون ويُعدمون على يد مسلحين يرتدون زي قوات الدعم السريع في الصالحة جنوب أم درمان.
وأضاف أن هذا يأتي في أعقاب تقارير صادمة أخرى في الأسابيع الأخيرة عن إعدامات خارج نطاق القضاء لعشرات الأشخاص المتهمين بالتعاون مع قوات الدعم السريع في جنوب الخرطوم، والتي يُزعم أن “لواء البراء” ارتكبها.
وقال خبراء من الأمم المتحدة، في تقرير نُشر الأسبوع الماضي، إن النساء والفتيات في السودان الذي دمّرته الحرب يواجهن انتهاكات واسعة النطاق ومنهجية لحقوقهن، تشمل الاغتصاب الجماعي والاستعباد الجنسي والقتل، خصوصًا من جانب مقاتلي قوات الدعم السريع.
سودان تربيون