في إحياء مئوية معركة دروتي
بقلم: د. عبدالوهاب الأفندي
منابر الجالية السودانية الأمريكية
30 أبريل 2010
(1)
يقود الباحث والناشط البريطاني الأصل أليكس دوفال منذ فترة حملة
من أجل إحياء الذكرى المئوية الأولى هذا العام لمعركتي قرندينق
ودروتي في دارفور، ولكنه حتى الآن لم يجد من الدعم إلا بقدر ما
وجد الخليفة عبدالله رحمه الله في أم دبيكرات.
(2)
يجادل أليكس بأن السودان هو البلد الوحيد في العالم الذي هزم أقوى
امبراطوريتين أوروبيتين في ذورة الحقبة الاستعمارية، حيث أجلت
قوات الحركة المهدية الاحتلال التركي- المصري المدعوم من قبل
بريطانيا في عام 1885، بينما صدت قوات دارفورية بقيادة
جنرالات المساليت المحاولات الفرنسية المتكررة لإلحاق دارفور
بالامبراطورية الفرنسية.
(3)
معارك الثورة المهدية معروفة ومسجلة في التاريخ السوداني والعالمي
ويتم الاحتفاء بها من حين لآخر. أما المعارك ضد الفرنسيين في دار
مساليت فتكاد تكون غير معروفة لغالبية السودانيين، ناهيك عن
غيرهم. اللهم إلا من قصيدة ملحمية عصماء في عام 1964
للشاعر المبدع، محمد مفتاح الفيتوري، خلد فيها ملحمة دروتي،
وكانت من درر شعره.
(4)
وقعت أولى هذه المعارك في منطقة قرينديق في وادي كجا في يناير
1910، حيث تصدت قوات بقيادة الجنرال بحر الدين اندوكا
للجيش الفرنسي الغازي الذي خسر المعركة، وفقد كل ضباطه
الأوروبيين ومعظم جنود الحملة القادمين من السنغال ووداي.
عاد الفرنسيون بقوة أكبر تصدت لها قوات المساليت ومن دعمهم
من أهل دارفور في يوليو من نفس العام، فكانت النتيجة أيضاً
خسارة فرنسية.
(5)
وقعت أكبر الملاحم في دروتي، قرب موقع الجنينة الحالي، في أكتوبر
من ذلك العام، حيث التحمت قوات بقيادة السلطان تاج الدين اسماعيل
مع قوات فرنسية في معركة غير متكافئة، قتل فيها السلطان بسيفه
قائد القوة الغازية، كما قتل عشرات آخرين. ولكن المعركة انتهت
أيضاً بمقتل السلطان وأربعين من أقاربه. وعمل الفرنسيون قتلاً
وحرقاً في دار مساليت، إلا أن الثورة اشتعلت ضدهم ليس في دار
مساليت فقط، بل في وداي أيضا ً.
(6)
لم يأل الفرنسيون جهداً في محاولة التغطية على هزيمتهم باتباع
النهج المعروف: فرق تسد، حيث قاموا بتأليب ممالك دارفور
الصغيرة بعضها ضد بعض، بل بذر بذور الفرقة داخل الأسر الحاكمة
في داخل هذه الممالك كذلك. وإذا كانت الهجمة الاستعمارية
الفرنسية المباشر قد صدت وباءت بالفشل، فإن بذور الفرقة التي
بذرت ما تزال تنتج ثمارها المرة.
(7)
أضم صوتي إلى صوت أليكس في ضرورة إقامة احتفال وطني يليق
بجهاد أهلنا المساليت وسلاطينهم الأبرار، وعلى رأسهم السلطان
تاج الدين الذي سعى للشهادة في معركة دروتي الشهيرة، ونرجو
أن يكون قد نالها بحقها. (كثر هذه الأيام إطلاق ألقاب وأوصاف
الشهادة على كل من قتل في معركة يرضى عنها الواصفون، ولكن
الشهادة درجة لا يمنحها إلا الله تعالى، وكل ما سوى ذلك لا يعدو
أن يكون إثماً وافتراءً عليه، نعوذ بالله من ذلك).
(8)
العبرة من تلك الوقائع المشهورة هي أن النصر يأتي من الصدق
ووحدة الصف، بينما يأتي الخذلان من التفرق والاختلاف
(“ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم”). وعليه لا بد أن يكون
الاحتفال بتلك الوقائع المشهودة احتفالاً يجسد الوحدة والتلاحم، في
دارفور أولاً، وفي الوطن كله ثانياً. وذلك اتباعاً لسنة السلطان
تاج الدين، عليه رحمة الله، حيث صلى بجنوده وخطب فيهم خطبة
حماسية جعلتهم يحملون على العدو حملة رجل واحد، بدون خوف
أو تردد.
(9)
ذكر الفيتوري في قصيدته المذكورة نصيحة أحد أنصار السلطان
تاج الدين ممن توافدوا لدعمه من الممالك المجاورة في تجسيد
لوحدة المسلمين. ولكن الرجل الذي كلف استطلاع قوات العدو جاء
بنصيحة مثبطه، مفادها ألا قبل لجند دارفور بالفرنجة لما حملوه
من أسلحة فتاكة، وأن الحكمة في التراجع.
(10)
كان رد السلطان تاج الدين أن قال للرجل: لولا أنك ضيف عندنا
جئت مناصراً لقتلتك. وكلف به من يعيده من حيث أتى، ثم كانت
الملحمة
::: :::