علاقة الحرب بالسياسة
الجنرال حامد حجر
قال نزار الطبقجلي وهو لواء ركن ومحاضر في الكلية العسكرية العراقية الثانية في سياق مادة التاريخ العسكري للدفعة (٢٨) قال:
“ولكن وما إن تنشب الحرب حتي تصبح السياسة بالضرورة سياسة القوة: فإما أن نجبر الخصم علي الخضوع لقانوننا، أو نكون مضطرين إلي الخضوع لقانونه، وتصبح السياسة التي كنا نتبعها سياسة فاشلة كل الفشل”[١].
إن الحرب عمل من أعمال العنف، وليس هناك حدود للتعبير عن هذا العنف، فكل خصم من الخصمين يصنع قانون الآخر. ومن هنا ينتج عمل متبادل. يصعد الأمور إلي الحدود القصوي. لذا فإن البلد يحكم علي نفسه بالهزيمة عندما يمتنع عن إستخدام جزء من وسائله، في الوقت الذي يصمم فيه خصمه علي إستخدام وسائله كلها.[٢]
إن نهاية كل عمل حربي هو القتال، الذي يقع الرهان عليه في قلب الحرب نفسها، لأن هدفه وهو الوصول إلي تدمير قوة الخصم التي هي حجر المحك لكل عمل حربي.
بذلك يكون الحرب إستمرار للسياسة لكن بوسائل أخري، بمعني عندما (تفلس) السياسة تبدأ الحرب. إذن السياسة “فن إدارة الشر الإنساني”.[٣]
أستطرد الطبقجلي: هذه الكلمات لكلاوزفتز° أشهر من كتبوا في الإستراتيجية، لكن بعد مائة وثلاثين عاما من كتاباته، إفتتح ريمون آرون محاضرته الأولي في الإستراتيجية الذرية مستعيرا نفس فكرة كلاوزفتز فقال: “إنكم تعرفون جميعا كلمة كلمنصو : إن الحرب تبلغ من الجدية مبلغا لا يجوز معه أن تترك للعسكريين وحدهم”. ولكنكم لربما كنتم تجهلون كلمة أخري للجنرال ديغول. فقد كتب رئيس الوزراء البريطاني السابق المستر آتلي بمناسبة ظهور مذكرات الجنرال ديغول: إن ديغول كان بالتأكيد رجلا عسكريا كبيرا سوي أنه كان سياسيا سيئا. فرد ديغول علي ذلك بقوله:”إن السياسة مهمة أكثر جدية من أن تترك للسياسيين لوحدهم”.
ويبدو إنه لا يوجد بين الفكرتين خلاف أو تناقض، والطريقة الوحيدة للتوفيق بينهما، هي إعطاء ثقافة سياسية للضباط، وعدم ترك رجال السياسة جاهلين بمعطيات الإستراتيجية، وتطبيقات الفن العسكري، وهذه فكرة صحيحة شاعت مع ظهور فكرة الحرب الشعبية الشاملة التي تعتمد علي جعل العسكريين سياسيين، وجعل للسياسيين مقاتليين ثوريين.
ليست الحرب نزاعا أو صراعا بين عناصر الطبيعة: إنها قبل كل شيئ واقع بشري، وبتعبير أصح “هي شكل من اشكال العلاقات البشرية”. وبهذا الشمل، تشمل الحرب المفهوم الإجمالي للنزاعات البشرية الممكنة. التي يميل عامل العنف فيها دوما إلي التفتح إلي أقصي ما يمكن. إذن الحرب بهذا الشكل تمثل أحرج لحظات النزاع بين الرجال، وإمتدادها وفورانها لا يمكن أن تكونا من طبيعة أخري تخالف طبيعتهم.[٤]
ويقول كلاوزفيتز في هذا المقطع الذي نال إعجاب أنجلز “إن الحرب لا تخص ميدان الفنون والعلوم، ولكنها تخص الوجود الإجتماعي، أنها نزاع بين المصالح الكبري يسويه الدم، وبهذا فقط تختلف عن النزاعات الأخري. ومن الأفضل بدلاً من مقارنتها بأي فن من الفنون، مقارنتها بالتجارة التي هي أيضا نزاع بين المصالح والنشاطات البشرية، وهي أكثر شبها بالسياسة التي تعتبر بدورها ولو بجزء منها في الأقل، نوع من التجارة علي مستوي مال. إن السياسة هي الرحم الذي تنمو فيه الحرب، وتختفي فيه الملامح التي تشكلت بصورة أولية، كما تختفي خصائص المخلوقات الحية في أجنتها”.[٥]
وتستمر هذه العلاقة بين الحرب والسياسة مرورا بكافة أجيال الحروب .. ولا يختلف الحال بين الجيل الأول الذي حضره وكتب عنه كلاوزفيتز وحرب الجيل الخامس الحالي وهو إستخدام التقنيات الحديثة بهدف إيجاد حكومة في الظل، وهي حرب بالإكراه وإفشال الدولة وزعزعة إستقرارها ثم فرض واقع جديد تراعي مصالح دول أخري.[٦]
° كلاوزفتز: جنرال ومؤرخ حربي بروسي من أهم مؤلفاته “عن الحرب”. تركت كتاباته حول الفلسفة والتكتيك والإستراتيجية أثرا عميقا في المجال العسكري في البلدان الغربية، تدرس أفكاره في العديد من الأكاديميات العسكرية كما إنها تستعمل في عدة مجالات مثل قيادة المؤسسات والتسويق، يعتبر من أكبر المفكرين العسكريين شهرة وتأثيرا علي مر التاريخ.
المراجع:
١- نزار ناظم الطبقجلي، لواء ركن، محاضر وقائد الكلية العسكرية العراقية الثانية بخان بن سعد، ١٩٩٠م.
٢- كارل فون كلاوزفتز، الوجيز في فن الحرب، ص:27.
٣- السودان عنف النخبة، غسان علي عثمان، ص:٢٠٣
٤- مذكرات الجنرال ديغول.
٥- لماذا الحرب؟، ألبرت إنشتاين وسيغموند فرويد، ترجمة جهاد الشبيني، منشورات تكوين، ٢٠١٨م.
٦- حروب الجيل الرابع وتوظيف المليشيات والمرتزقة، جهاد محمد حسن، مركز بيت المقدس للدراسات، الإمارات العربية المتحدة، ٢٠١٧م.