من يحكم جمهورية السودان؟
الإجابة علي هذا السؤال تثير كثير من الإشكاليات ومع ذلك يجب علينا أن نطرح هذا السؤال علي الجميع بحسبان أن الدولة الحديثة هي دولة مؤسسات وتحكمها القوانين واللوائح التي توضح وتفصل المهام والواجبات في تسلسل هرمي وبغياب هذا النهج تتحول الدولة إلي ملك خاص يحكمها شخص واحد أو حتى تنظيم واحد ملكاً كان أو رئيساً وهلمجرا……في عالمنا المسمي بالثالث ابتلينا بحكومات لا تحمل من مضمون الحكومة إلا أسمها , حكومات تسيطر عليها فرد أو أفراد معدودون يسيرونها حسب هواهم بلا رقيب ولا حسيب إلاّ ما تمليها عليهم ضمائرهم وياليتها كانت ضمائر نقية وصافية , هذا البؤس هو السبب الذي أوردنا الخسران علي طول الخط ولم تتخلف الحكومة السودانية الحالية عن هذه القاعدة فبالرغم من تضخمها بالوزراء ووزراء الدولة والمستشارين والمساعدين وآخرين لا نعلهم إلاّ أن هؤلاء جمعياً لا يشكلون مؤسسة متضامنة في إنفاذ سياسات متفق عليها ، معظم الوزراء مجرد تميمة جرتك لا يملكون إلاّ الامتيازات العربات والنثريات ، والعمولات وهلمجرا……أما ممارسة اختصاصاتهم الاصيلة في وزاراتهم فهي محرمة عليهم ، حتى اجتماعات مجلس الوزراء والذي يشبه البرلمان من كثرة أعضاءه ومنتسبيه مجرد تظاهرة فقط لا مجال لتبادل الرؤى أخذا وعطاءاً ونقاشا موضوعياً وإلاّ لكانت الأمور في أحسن أحوالها اجتماعات مجلس الوزراء مجرد لقاءات للتنوير من الرئيس أو نائبه أو بعض الوزراء من أصحاب القربي!!وحتى في الوزارات فأن معظم الوزراء مهمشون ولا يعرفون من أمور وزاراتهم إلا القليل هنالك أيادي خفية تحرك الوزارة دون علم الوزير وحتى لو علم الوزير المسكين فأنه يلزم الصمت فالدخول الي الوزارة ليس كالخروج منها !! ومع علم الجميع بالوضع فقد آثر الأغلبية السكوت عملاً بالقاعدة الذهبية أن كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب ، قليل من الوزراء يصدعون بالحق وها هو الدكتور عبد الله تيه يقدم استقالته من وزارة الصحة الاتحادية بل يركلها مبيناً النهج المعوج الذي يتبعه النظام في إدارة البلاد.
هذا النظام يديره قلة لا تظهر للناس ولكنها تمسك بفاصل البلاد باعتبارها وصية عليها من دون عباد الله وهذه القلة لم تفعل ذلك من باب الحرص علي جودة العمل واتفانها لصالح البلاد والعباد ولكنها تفعل ذلك من باب العنصرية والجهوية بالله عليكم هل سمعتم وزراء من أهل الانقاذ ( الشمال النيلي) أشتكوا التهميش في وزارتهم!! من يجرؤ علي تجاهل أو تجاوز عوض جاز في في عمل وزارته!!ومن يجرؤ علي تجاوز عبد الرحيم محمد حسين في وزارته ومن يجرؤ علي تجاوز علي كرتي في عمل وزارته!!أليس هذا انهياراً للقيم التي يتحدث عنها النظام ؟ أين المساواة بين الوزراء حتى الذين ينتمون إلي الحزب الحاكم من أهل الهامش يعيشون التجاهل والاستخفاف في أداء مهامهم الموكلة إليهم بحكم القوانين واللوائح وهم مستضعفون لا حول لهم ولا قوة , فعلها عبد الله تيه بعد أن ألقي بالاستقالة في وجه النظام العنصري البائس !!أليست هذه الممارسات وحدها سبباً في المطالبة بإسقاط النظام بقضه وقضيضه!! نعرف وزراء علي قدر كبير من المهنية والخبرة المركوزة والرغبة في الإصلاح ولكنهم اصطدموا بالواقع المرير الذي يعشش داخل النظام ، سد طرق الاصلاح أمامهم!!اكتشفوا أن هنالك حكومة من الباطن وهي التي تدير البلاد وما هم الا شغيلة ينفذون ما يملي عليهم ومن يجرؤ علي التصدى علي هذه الظاهرة فمصيره الإبعاد بل الطرد من الوزارة و اغتياله سياسيا وأدبياً و وما جري في وزارة الصحة في الأيام الفائتة خير دليل علي ذلك هذه الوزارة المفصلية المرتبطة بحياة الناس دار حولها الكثير من اللغط من سوء إلا دارة والفساد المستشري في أوصالها ، الوزير هو آخر من يعلم بكل ذلك !!أيعقل أن يبلغ الاستخفاف هذه الدرجة .
أخي عبد الله تيه قد أرسيت سابقة يكون لها أجرها وأجر من عمل بها إلي قيام الساعة فقد خرجت من الوزارة طائعاً مختاراً ليس لانك فاشل وغير قادر علي إدارتها ،كما سيشاع من السفهاء في الأيام القادمة ولكنك أبيت الاستجهال الذي يمارسه بلطجية النظام الذي لا يرون في أمثالك من أهل السودان ، أمثال تيه و كوكو وكبشور ودينق و نيال وأدم وأبكر و أوهاج وشين تتكافأ دماؤهم مع أهل الانقاذ( العرب الخلص) الذين إصطافهم الله لحكم هذه البلاد علي نهج الإسلام والعروبة !! والإسلام يصدع بالحق أن لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى الناس سواسية كأسنان المشط فكلنا عبيد الله ، عن أي دين يتحدث هؤلاء حتما لا يتحدثون عن الإسلام الذي أتي به النبي (صلي الله عليه وسلم)والذي ساوي بين العربي علي بن أبي طالب وبين الأفريقي بلال بن رباح!! .
أن ما يجري في السودان لم يود بطبيعة الحال إلي انفصال الجنوب؟فحسب بل سيؤدي إلي تشرذم هذه البلاد أيادي سبأ اثنيات وقبائل وجهويات تقاتل بعضها بعضا و تمزق البلاد شر ممزق ولا سبيل إلي النجاة إلاّ بإزالة هذا النظام الذي زرع الكراهية والبغضاء بين أهل السودان ، هذا النظام لم يمتثل لأمر النبي (صلي الله عليه وسلم) دعوها فانها منتنة!!
أخي تيه سيأتي اليوم الذي نحس فيه بالمساواة والعدالة وبالعزة وبالكرامة في وطن يسع الجميع علي قدم المساواة لا أحد يدعّي الاصطفاء ولا النقاء العرقي الذي يجعله يتكبر علي الناس يرونه بعيداً ونراه قريباً, وسيعلم الذين أى منقلب ينقلبون.
بارود صندل رجب
المحامي