مصر: مليونيات جديدة تتحدى قرارات النظام بانتظار «جمعة الزحف»
القاهرة – أحمد رحيم وأحمد؛ مصطفى ومحمد الشاذلي
بدا أن كل القرارات والإجراءات التي اتخذها النظام المصري خلال الأيام الماضية لم تُثْنِ المتظاهرين عن المطالبة برحيل الرئيس حسني مبارك، إذ خرج أمس ملايين الغاضبين في ميدان التحرير وميادين أخرى في المحافظات معلنين رفضهم بقاء الرئيس في سدة الحكم إلى حين إنهاء ولايته الرئاسية في أيلول (سبتمبر) المقبل.
وفي وقت رحب مبارك بالحوار الوطني الدائر بين نائبه عمر سليمان وبعض قوى المعارضة، التي أكد بعضها احتفاظه بالحق في الانسحاب في حال عدم الاستجابة لمطالبه، حذر سليمان من أن بديل الحوار سيكون «انقلاباً لا نريد أن نصل إليه»، مشدداً على أن «لا إنهاء للنظام ولا انقلاب، لأن ذلك يعنى الفوضى التي يمكن أن تصل بالبلد إلى المجهول الذي لا نريده».
ونقل سليمان عن مبارك أمس ترحيبه بالحوار، موضحاً أن هناك «خطة وجدولاً زمنياً لانتقال سلمي للسلطة»، فيما شكّل مبارك ثلاث لجان، أولها «اللجنة الدستورية» التي ستضطلع بتناول التعديلات الدستورية المطلوبة والتعديلات التشريعية المصاحبة لها، والثانية «لجنة المتابعة»، التي ستتولى متابعة «التنفيذ الأمين لما تم التوافق عليه بين أطراف الحوار الوطني»، والأخيرة «لجنة تقصى الحقائق» المكلفة «التحقيق في أحداث ومواجهات الأربعاء الماضي»، حين شن مناصرون لمبارك غارة على المتظاهرين في ميدان التحرير، ما أدى إلى مقتل أكثر من 10 أشخاص.
في موازاة ذلك، أعلنت الحكومة فتح باب التقدم بطلبات للتوظيف، في محاولة لتهدئة الشارع الغاضب، كما واصلت نيابة الأموال العامة تحقيقاتها مع الوزراء السابقين المتهمين في قضايا فساد، لكن هذه القرارات لم تقنع الشارع بوقف الاحتجاجات، إذ شهد يوم أمس – ثاني أيام التظاهر في إطار «أسبوع الصمود» – تظاهرات حاشدة خرج فيها ملايين في مختلف أرجاء مصر للمطالبة برحيل مبارك، غير عائبين بأي حديث عن حوار أو إصلاحات.
ويبشر يوم أمس بـ «جمعة عاصفة» في ظل دعوة المحتجين في ميدان التحرير إلى عدم قصر الاحتجاجات على الميدان والتظاهر في كل ميادين مصر وشوارعها، في ما أطلقوا عليه «جمعة الزحف». واكتظ ميدان التحرير أمس بأكثر من مليون متظاهر ورفعت صور الشهداء، فيما شهدت الاحتجاجات أمس «تطوراً نوعياً»، إذ توجه آلاف المحتجين إلى مبنى الحكومة والبرلمان المتقابلين في شارع قصر العيني ورابطوا أمامهما ولم ينصاعوا إلى نداءات ضباط الجيش بالالتزام بالتظاهر في ميدان التحرير، وظلوا يهتفون بالمطالبة برحيل النظام والحكومة والبرلمان.
وسرت مخاوف من اقتحام المتظاهرين المقرَّيْن، ما دفع الجيش إلى تعزيز تواجده في هذه المنطقة بعدما سد المحتجون بوابتي مجلس الوزراء والبرلمان. والتزم أفراد الجيش الحياد، فيما خفف المتظاهرون من إجراءات تفتيش قاصدي ميدان التحرير بسبب الكثافة العددية، وظلوا متمركزين عند مداخله.
وبدأ المتظاهرون أمس محاولات لتشكيل ائتلاف يمثل شباب ثورة 25 يناير وقوى معارِضة أخرى وحركات الاحتجاج، مثل «شباب 6 أبريل» و «العدالة والحرية» و «الحملة الشعبية لدعم البرادعي»، و «شباب حزب الجبهة الديموقراطية»، بالإضافة إلى مستقلين لا ينتمون إلى أي تيارات سياسية أو حركات احتجاجية. وقال شباب في الميدان، إن الائتلاف يستهدف الاتفاق على 20 اسماً يمثلون كل الأطياف التي شاركت في الثورة للحديث باسم المتظاهرين.
وبدا لافتاً ظهور مبارك أمس خلال استقباله وزير خارجية الإمارات الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، الذي سلمه رسالة من رئيس الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وهو أول ظهور علني لمبارك مع مسؤول عربي، كما عقد مبارك اجتماعاً أمس مع نائبه ووزير الدفاع والإنتاج الحربي المشير حسين طنطاوي.
وأصدر مبارك أمس قراراً جمهورياً بتشكيل لجنة لدراسة واقتراح تعديل بعض الأحكام الدستورية والتشريعية تتكون من أعضاء في السلطة القضائية وخبراء وشخصيات سياسية، على أن يرأس اللجنة رئيس محكمة النقض رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار سري محمود صيام، الذي التقى مبارك قبل يومين، وتضم في عضويتها النائب الأول لرئيس محكمة النقض المستشار كمال محمد محمد نافع، والنائب الثاني المستشار أحمد محمود مكي، ونائب رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار محمد عبدالعزيز الشناوي، ونائب رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار ماهر سامي يوسف، والنائب الأول لرئيس مجلس الدولة المستشار الدكتور محمد أحمد عطية، ونائب رئيس مجلس الدولة المستشار كمال زكي عبدالرحمن اللمعي، وأستاذ القانون الدستوري الدكتور أحمد كمال أبوالمجد، والدكتور يحيى الجمل، والدكتور إبراهيم درويش، ومحمد حسنين عبدالعال، على أن تستعين اللجنة بمن تراه من الخبراء.
وكُلفت اللجنة درس واقتراح ما تراه مناسباً من التعديلات الدستورية للمادتين 76 و77 المتعلقتين بالترشح للرئاسة وفتراتها، والمادة 88 المتعلقة بالإشراف القضائي على الانتخابات، وغيرها من المواد الأخرى «اللازمة لتحقيق إصلاح سياسي وديموقراطي يلبي طموحات الشعب». ووجه مبارك اللجنة بأن تنتهي من مهمتها فى ميعاد نهايته آخر الشهر الجاري، على أن ترفع إلى نائب الرئيس تقريراً بنتائج أعمالها لعرضها على الرئيس لاتخاذ ما يلزم لطلب تعديل الدستور.
ولوحظ أن اللجنة ضمت بين أعضائها قضاة وخبراء طالما عارضوا النظام وتحدثوا عن عوار دستوري، مثل القاضي أحمد مكي وأساتذة القانون الدستوري أبو المجد والجمل ودرويش. وقال أبو المجد لـ «الحياة»، إن «اللجنة ستجتمع ظهر اليوم لدراسة التكليفات المنوطة بها وسبل إتمامها».
وأصدر مبارك تعليمات إلى رئيس الوزراء أحمد شفيق لتشكيل لجنة المتابعة التي «ستضطلع بمتابعة التنفيذ الأمين لما تم التوافق عليه بين أطراف الحوار الوطني»، مع تعليمات موازية بتشكيل لجنة ثالثة «لتقصّي الحقائق في أحداث ومواجهات يوم الأربعاء الماضي، وإحالة ما تتوصل إليه إلى النائب العام ليتخذ في شأنه ما يلزم من إجراءات»، بحسب نائب الرئيس، الذي أكد أن النظام «لديه خطة وجدول زمني لانتقال سلمي للسلطة»، متعهداً ألا تلاحق الحكومة المحتجين الذين يطالبون بتنحي الرئيس.
وقال إن الرئيس «رحب بما أنجزه الحوار مع القوى السياسية من وفاق وطني». واعتبر أنه «يضع أقدامنا على بداية الطريق الصحيح للخروج من الأزمة الراهنة». وشدد على «ضرورة مواصلة الحوار والانتقال به من الخطوط العريضة لما تم الاتفاق عليه، إلى خريطة طريق واضحة بجدول زمني محدد تمضي بمصر على طريق الانتقال السلمي والمنظم للسلطة في إطار احترام الشرعية الدستورية». ونقل عن مبارك تشديده على أن «شباب مصر يستحقون تقدير الوطن، وأصدر (الرئيس) تعليماته بالامتناع عن ملاحقتهم أو التضييق عليهم أو مصادرة حقهم في حرية الرأي والتعبير».
وكان سليمان التقى أمس رؤساء مجالس إدارة ورؤساء تحرير الصحف، وشدد على أن «الحوار والتفاهم هو الطريقة الأولى لتحقيق الاستقرار في البلاد والخروج من الأزمة الحالية بسلام وبخطوات متصلة ببرنامج عمل لحل جميع المشكلات»، محذراً من أن «الطريق الثاني البديل هو حدوث انقلاب، ونحن نريد أن نتجنب الوصول إلى هذا الانقلاب، الذي يعني خطوات غير محسوبة ومتعجلة وفيها مزيد من اللاعقلانية، وهو ما لا نريد أن نصل إليه، حفاظاً على مصر وما تحقق من مكتسبات وإنجازات».
واعتبر أن «رحيل مبارك الآن، كما يطالب المتظاهرون، أمر ضد أخلاق المصريين، التي تقضي باحترام كبيرها ورئيسها، كما أن هذا الأمر ليس مهيناً للرئيس فقط، وإنما للشعب المصري كله». وقال: «الرئيس مبارك أحد أبطال حرب أكتوبر، والمؤسسة العسكرية حريصة على أبطال أكتوبر ولا يمكن أن ننسى تاريخنا أو نضيعه».
وأشار إلى «استمرار الحوار مع الشباب والقوى السياسية للخروج من الأزمة الحالية»، مؤكداً أنه «لا إنهاء للنظام ولا انقلاب، لأن ذلك يعني الفوضى التي يمكن أن تصل بالبلد إلى المجهول الذي لا نريده». وانتقد الدعوة إلى العصيان المدني، معتبراً أنها «دعوة خطيرة جداً على المجتمع، ونحن لا نتحمل ذلك على الإطلاق ولا نريد أن نتعامل مع المجتمع بالأداة الشرطية، إنما يتم التعامل بالحوار والموضوعية والواقعية وطبقاً للقدرات المتاحة».
وأكد أن الحكومة «تبذل جهوداً كبيرة لمواجهة متطلبات الجماهير وعودة الحياة إلى طبيعتها، بعد الشلل الذي تعرضت له الخدمات المقدمة للجماهير خلال الفترة الماضية»، مشيراً إلى أن «التواجد الكبير فى ميدان التحرير للمتظاهرين يجعل المواطنين يترددون في الذهاب لأعمالهم». وقال: «لا نستطيع أن نتحمل استمرار الوضع طويلاً، ولا بد من إنهاء هذه الأزمة في أقرب وقت ممكن».
وأشار إلى أن «انتخابات مجلسي الشعب والشورى تحتاج لقوات شرطة لتأمينها، وللأسف، فإن الشرطة تحتاج حالياً فترة من الوقت لتستعيد قوتها وثقة الشعب فيها بعد الأحداث الأخيرة». وأضاف أن «ثورة الشباب كانت لها إيجابيات، لكن لا يجب أن ننزلق إلى سلبياتها، ونحن حريصون على المجتمع المصري، كما أن الضغوط والآثار لن تكون أبداً فى مصلحة المجتمع، لكنها دعوة إلى المزيد من الفوضى وخروج خفافيش الليل لترويع المجتمع. ونحن على يقين من أن مصر مستهدفة، وهذه فرصة لهم، ليس للتغيير، بل إن كل ما يهمهم هو إضعاف مصر وخلق فوضى لا يعلم مداها إلا الله… لقد تحاورنا مع الشباب وهناك من يحرضهم، لكننا سنستمر في الحوار».
وخلص إلى أن «كلنا نهتم بمن سيكون الرئيس المقبل لمصر، ولا بد من أن تكون هناك شروط لمن يترشح لهذا المنصب الرفيع، وألا يتقدم ستمئة فرد – مثلاً – للرئاسة، وإلاّ ستكون مهزلة بالنسبة لمصر، ولا بد من أن يضع الدستوريون ما يليق بمنصب الرئاسة».
وانتقدت «لجنة الحكماء» تأخر نائب الرئيس والحكومة الجديدة في إصدار قرارات من دون سبب مقنع، كما نددت في بيان أمس بـ «غموض» بعض ما صدر من هذه القرارات. وأشارت إلى أن أعضاءها التقوا عدداً كبيراً من ممثلي الشباب وأداروا حواراً طويلاً معهم، «طلبوا في نهايته أن ترفع اللجنة رؤيتهم ومطالبهم إلى نائب الرئيس ورئيس الحكومة». وحدد البيان هذه المطالب بـ «تفويض نائب الرئيس تولي الإشراف على تحقيق الإصلاحات السياسية المنشودة، وإنهاء العمل بحالة الطوارئ في أقرب وقت ممكن، وحل المجلسين التشريعيين، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تمثَّل فيها التيارات والأحزاب السياسية المختلفة… تتولى إدارة شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية التي بدأت، وحتى تتم انتخابات رئاسية جديدة».
وعددت أيضاً «الوقف الفوري للسياسة التي ينتهجها الإعلام الرسمي لتشويه صورة كثير من الأفراد والجماعات وفئات المجتمع، والوقف الفوري لإجراءات القمع والقبض على بعض المتظاهرين وضرورة الإفراج فوراً عن المعتقلين السياسيين، ومحاسبة كل من ساهم عمداً أو تقصيراً في وقوع الغياب الأمني الشامل والانفلات الإجرامي وتقديمه إلى المحاكمة… واستبعاد جميع رموز النظام التي أساءت إلى شعب مصر من جميع المواقع الحكومية والحزبية».
ولحق حزب «الوفد» المعارض بجماعة «الإخوان المسلمين» في إعلان الاحتفاظ بحق الانسحاب من الحوار، إذ لوح بالانسحاب في حال عدم الاستجابة لمطالبه. وقال رئيس الحزب الدكتور السيد البدوي، إن «مطالب الوفد التي قدمها خلال جلسة الحوار مع سليمان تضمنت تعديل المواد 76 و77 و88 و93 من الدستور، وإضافة مادة جديدة تتيح لرئيس الجمهورية الحق في الدعوة إلى انتخاب جمعية تأسيسية تضع دستوراً جديداً يؤسس نظاماً برلمانياً تكون الحكومة فيه هي المسؤولة أمام الشعب وليس رئيس الجمهورية، ويكون للشعب الحق في اختيارها ومراقبتها ومساءلتها ومحاسبتها وسحب الثقة منها».
وطالب «الوفد» بتعديل قانون مباشرة الحقوق السياسية وقانون مجلس الشعب «بغرض تطوير النظام الانتخابي، ليكون بالقائمة النسبية غير المشروطة، وبالاعتماد على قاعدة بيانات الرقم القومي ضماناً لنزاهة الانتخابات، كما طالب بإلغاء لجنة شؤون الأحزاب والسماح بحرية تكوين الأحزاب السياسية بمجرد الإخطار، شرط أن تلتزم بالدستور والقانون، وألا تكون قائمة على أساس ديني أو تكون لها تشكيلات عسكرية».
وقال البدوي إن حزبه طالب بتخلي الرئيس مبارك عن رئاسة الحزب الوطني الحاكم «والتحقيق في مسؤولية الحزب عن تزوير الانتخابات التشريعية وإفساد الحياة السياسية، وكذلك التحقيق في اعتداءات الشرطة على المتظاهرين وإطلاق الرصاص الحي ثم الانسحاب المفاجئ لقوات الشرطة، ما تسبب في انفلات أمني غير مسبوق، وكذلك أحداث الأربعاء ومحاكمة المتسببين فيها، على أن تحل المجالس النيابية التي جاءت نتيجة التزوير فور الانتهاء من إجراءات تعديل الدستور والتعديلات التشريعية العاجلة، ثم يفوض الرئيس جميع اختصاصاته إلى نائبه».