استراتيجية تغطية الشمس بالغربال
ما علاقة (الجهاد) الإلكتروني للحزب الحاكم بالمواقع الإباحية..؟.
خالد ابواحمد
برغم المحن والمصائب والابتلاءات والانشغال بهموم العمل والدراسة والمعايش إلا أننا والحمدلله نتعلم صباح كل يوم جديد من الأحداث التي تمر علينا، فخروج الشباب والطلاب للشارع في مواجهة السلطة الغاشمة أفرز حقائق جديدة على أرض الواقع أعتقد أنها من أكثر الإيجابيات لإنتفاضة 30 يناير 2011م علاوة على الكثير الإيجابيات التي يمكن البناء عليها في سبيل الوصول لمرحلة التغيير الكبيرة التي وصل إليها الشعب التونسي والتي سيصل إليها إن شاء الله تعالى اليوم أو غداً الشعب المصري بعد ثلاثون عاماً من الكبت والارهاب وسرقة المال العام من الحزب (الوطني ) الحاكم في مصر الذي يمثل صورة طبق الأصل للمؤتمر (الوطني) الحاكم في السودان.
في تاريخ 30 يناير 2011م كانت لحظة الحقيقة في السودان فهب الشباب هبة قوية برغم محاولات إخمادها في مهدها لكنها اشتعلت في القلوب المتعطشة للحرية وإزالة هذا الكابوس، فجُوبهت بالضرب.. والقتل..وانتهاك حرمات تجاوزوا فيها كل الأعراف والتقاليد والقوانين الربانية والبشرية، ذلك كان متوقعاً لكن أمراً حدث لم يكن في حسبان الكثير من الاخوة، عندما قامت وحدة (الجهاد) الإلكتروني المكلفة بمنع نشر تداعيات ثورة الشباب قد نجحت في منع القُراء من مطالعة الكثير من المقالات الحوارية ومنع النقاش فيها ليس بحجب هذه الصفحات فحسب ولكن بوضع صوراً فاضحة مكانها وصفحات لمواقع إباحية..!!.
الاخ الكريم السوداني الأصيل الأستاذ أسامة خلف الله مصطفى الذي فوجئ بهذا التصرف قال “منذ الصباح الباكر أحاول أن أكتب كلمة..عِصينا، وأجد من يمسحها فور كتابتها..طوال اليوم أحاول أن أكتب مداخلة فى مقال (الثورة إنطلقت من تونس)…ثم أجد أمامى موقعاً إباحياً…ولأن صغاري يحيطوننى عند الكتابة، تجد يداى ترتجف بحثاً عن زر إغلاق الشاشة…أصابنى الإحباط بعض الشىء ولكن إمتلأ قلبى طمأنينة بأننى على حق فى محاربة هذا النظام الذى يتستر تحت عباءة دين الأخلاق والحرية التى لا يملك رموز هذا النظام منها مثقال ذرة”.
بروز شمس الحقيقة في 30 يناير
آخيراً جاءت اللحظة التي أصبح فيها الجميع على يقين كامل بكل الأساليب القذرة التي مورست معي من قبل بسبب كتاباتي، ولا زال الأخ أسامة مذهولاً من هول الصدمة التي ألمت به قائلاً ” توقعتهم أن يحاربونا بشتى الوسائل..بمقالات لتثبيط الهمم، وأخرى بالأخبار الكاذبة، توقعتهم أن يشحذوا عبقريى الإنترنت لوضع كل العراقيل والخدع الإسفيرية، ولكن آخر ما توقعت أن يفقدوا جوهر الدعوة التى قالوا أنهم جاءو لارسائها الأخلاق والفضيلة..لقد زادنا ما تعرضنا له فى مقالات الإنتفاضة من هجوم إلكتروني لا أخلاقى : صلابة وقوة فى العزيمة حتى نلقى الله فى سبيلها”.
وفي ذات الصدد علق على هذه الحادثة زميلاً آخراً بقوله” بعد 21 عاماً من الجهاد النظام الحاكم يكشف مجاهداته الحقيقيه بوضع مشاهد إباحيه في مقالات الانتفاضة.. ونعِم الجهاد”..!!.
وهاهي الأيام تثبت مرة أخرى ما ظللت اقول به “أن وحدة (الجهاد) الالكتروني تقوم بالكثير من الأعمال القذرة ذات العلاقة بالعمل الالكتروني”، وللذين لا يعرفون ان مشاهد الفيديو التي صورت حرق السحرة في إحدى الدول الأفريقية وقال مؤيدو النظام بأنها مشاهد لحرق جنوبيين هي من بنات أفكار هذه الوحدة، فإن انفصال الجنوب حدث بذات الوسائل التي قام ويقوم بها الحزب الحاكم في زرع الفتن وتكريس الكراهية والحقد بين الطرفين من خلال هذه الوحدة، وبعد ذلك تورطت صحف (الانتباهة) و(الدار) و(أخبار اليوم) في يوم الإثنين 24 يناير المنصرم حيث نشرت صحيفة الدار تحت عنوان: (بالصورة والقلم- حرق جنوبيين وهم أحياء بسبب عودتهم للشمال) وليس هذا فحسب بل قامت بإرسال هذا الفيديو للآلاف من الشباب بشكل خاص، صوراً فظيعة اثارت موجة من الهلع والاستنكار وسط المواطنين، ولكن اتضح في نفس اليوم وبصورة لا تقبل الشك أن الصُور التي نشرتها الصحف موجودة على موقع (اليوتيوب) على الانترنت منذ اكثر من عامين تحت عنوان (حرق سحرة وهم أحياء).
إن وحدة (الجهاد) الالكتروني روّجت لهذا الفيديو الكاذب على مستوى عال وسط الشماليين، وقد وصل هذا الفيديو لشبابنا في بلاد الاغتراب والمهجر وفي بادي الأمر صدقوا هذه الفرية لكن بعد اكتشاف الحقيقة أدركوا خطورة كذب هذا النظام على وحدة التنوع في السودان وعرفوا والحمدلله بالدليل القاطع كذب الذين يحكمون البلاد أكثر من عقدين من الزمان.
إن حادثة الفيديو الذي صّور حرق السحرة ونشره على أنه عملية حرق قام بها جنوبيين سودانيين يكشف عن الغرض الخبيث لما في عقلية الحزب الحاكم بواسطة (الجهاد) الالكتروني وبالطبع الغرض واضح ولا يحتاج منا لتوضيح أكثر، لذا لم يكن غريباً بالنسبة ليّ هذه الأكاذيب والتلفيقات والدبلجات الفنية في غسل أدمغة البشر بغية زراعة الكراهية بين أبناء الوطن، والجنوبيون إذا كانت أخلاقهم الحرق وقتل الأبرياء لقتلوا أسرى الجيش والدفاع الشعبي الذين مكثوا بطرفهم سنين عدداً، والحقيقة أنهم كانوا يعانوا أشد المعاناة في الحفاظ عليهم من قذائق طائرات (الانتينوف) التابعة للقوات الجوية السودانية، بينما قامت القوات المسلحة السودانية باعدام كل الأسرى الذين كانت تأسرهم أثناء الحرب حتى لا تتحمل مسؤولية الحفاظ عليهم والقيام بحقوقهم التي كفلتها لهم كل القوانين الربانية والبشرية، تأكيداً على هذه الجريمة النكراء أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر يوم الخميس الرابع من مارس 2004م أن الجيش الشعبي لتحرير السودان وافق على إطلاق سراح جنود سودانيين نظاميين أسرى لديه، وقال رئيس اللجنة جاكوب كيلينبرغ، والذي زار الخرطوم ” إن الصليب الأحمر زار أكثر من 700 أسير حرب في سجون الجيش الشعبي لتحرير السودان”، مضيفاً “لقد أنهينا الاستعدادات لنقل أسرى الحرب المعتقلين لدى الجيش الشعبي لتحرير السودان”، وقد تأكد لرئيس اللجنة السيد جاكوب كيلينبرغ أن الطرف الحكومي لا يملك بحوزته أي أسير للحركة الشعبية التي كانت تعلم مسبقاً أن الجيش السوداني كان يقوم بتصفية الأسرى أولاًُ بأول..!!.
وهل كان فيديو الحرق هو الأول…؟؟
بالتأكيد لم يكن هو الأول الذي يستخدمه النظام في ضرب وحدة الشعب السوداني وفي شهر مارس من العام 2010م فبركت وحدة (الجهاد) الإلكتروني فيديو وتم نشره على نطاق واسع وإرساله لعشرات المواقع السودانية بعنوان (تصفيات الحركة الشعبية فى جنوب السودان) ويظهر فيه أفراد بلباس عسكري يقتلون آخرين بشكل فظيع لا تقبله النفس من شدة القسوة وتم ذكر أن الحركة الشعبية تصفي أفراداً من عضويتها، وفي وقت سريع للغاية تم معرفة مصدر الفيديو الذي اتضح أنه لمجموعة من أفراد الشرطة في لاغوس النيجيرية يقومون بقتل مجموعة من اللصوص، والكثير من الذين شاهدوا هذه المظاهر الدموية الصعبة طالبوا النظام بالإعتذار للحركة الشعبية لكننا جميعاً نعرف أن النظام من تأسيسه حتى الآن لم يعرف فضيلة لإعتذار ولا تطييب لخواطر ولا يحزنون لأنه في الأساس تكريس الفتنة والكراهية والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد.
وبذات المنطق..وذات الفكر والنهج الاسلاموي تتعامل حكومة المؤتمر اللاوطني مع الشعب السوداني وقد شاهد العالم قاطبة فيديو جلد فتاة اليوتيوب، وعاش العالم قاطبة الإبادة الجماعية في دارفور، ومجازر بورتسودان وأمري وكجبار، ومجزرة معسكر (كلما) ومعسكرات الخدمة الالزامية ومذبحة 28 ضابطاً في أواخر رمضان بداية التسعينات، وكونهم يتعاملون مع المواقع الإباحية والصور الفاضحة في معاداتهم للمعارضين يؤكد ما ذهبنا إليه طيلة السنوات الماضية في انتهاجهم للميكافيللية كنظام حكم، ومن ثم نفي أي علاقة لهم بدين الله السمح الحنيف الذي آخى بين الناس من كل الأجناس البشرية.
تزييف الحقائق
الكاتب العراقي خالد سليمان في قراءة لأحداث رواية (١٩٨٤) الشهيرة للكاتب والروائي البريطاني الراحل جورج أورويل، يكشف النهج الذي تتبعه الأنظمة الشمولية في تزييف الحقائق كما يفعل عندنا في السودان مركز الخدمات الصحفية (SMC) كإحدى استراتيجيات الأجهزة الأمنية الاعلامية في صد الهجمات والذي هو في الحقيقة النقد اليومي الذي يوجه للنظام في ما يلي الأمور المعاشية والحياتية اليومية، فالنهج الاقصائي الأمني والاعلامي للأنظمة من هذه الشاكلة يعمل بشكل دائم على تزوير الوثائق والكلام والخطب، فيذكر الكاتب ” وينستون سميث بطل الرواية، وهو في العقد الرابع من عمره، يعمل في وزارة الحقيقة، فيعيد كتابة وصياغة الوثائق وأحداث الماضي في شكل يناسب الحلقة الداخلية لحزب الأخ الكبير ورؤيته الى العالم، ويتلخص جزء كبير من عمله في تغيير وإعادة كتابة مقالات صحافية قديمة ترجمها من اللغة المتداولة إلى لغة حديثة مشفرة (نيوزسبيج) لا يفهمها الناس، كما عليه التخلص من الصحف والوثائق الأصلية بعد إتمام عمله كي لا يستطيع أحد العودة إلى حقيقة أحداث الماضي”.
ويشير إلى أن عمل وينستون يجسد تزويراً دائماً للتاريخ، وفي ذات القسم الذي يعمل فيه وينستون يعمل الفنانون والشعراء والممثلون، الشاعر يعيد كتابة الأشعار القديمة كي تنسجم مع خط الحزب وعقائده، والممثلون يعيدون تسجيل الأحاديث والخطب المسجلة على الأشرطة والأقراص ويعزونها إلى الراهن، فالواقع السوداني بكل ما فيه من صور التصدع السياسي والثقافي يوفر هذا النوع من المخيلة الروائية حيال التاريخ الحديث للسودان في ظل حكم (الإنقاذ)..!!.
ذات الدور في تزييف الحقائق يقوم به إعلام الحزب الحاكم وله في ذلك مؤسسات اعلامية وصحافية كثيرة وشخوص أمثال الطيب مصطفى واسحاق فضل الله والفضائية السودانية ومركز الخدمات الصحفية التابع لأجهزة الأمن، ووحدة (الجهاد) الالكتروني، و الأقلام التي ترتزق مما تزيف من حقائق، وفي يقيني التام الذي لا يتزحزح أبداً أن النظام لا محالة زائل مهما يرتكب من حماقات وخروج عن المالوف وزيادة أعداد الضحايا من قتلى وجرحى ومعتقلين رجالاً ونساءً، وحتماً سيذهب النظام وسيترك خلفه وطناً ممزقاً وفوق هذا وذاك سيترك حصانة للأمة السودانية ضد كل تشرزم.
علاقة الحزب بالمواقع الفاضحة..!!
ان علاقة الحزب الحاكم في السودان ومؤسساته الأمنية والاعلامية بالمواقع الإباحية علاقة تجسيد وتكريس للإنحطاط الأخلاقي بكل صوره التي عشناها في هذا العهد الأسود، والحزب الحاكم والمواقع الفاضحة يشتركان في كونهما ينشران الفاحشة والرزيلة بين الناس ويكرسان لثقافة تعف عنها النفس السوية وتنبذها ولا تحتمل صورها ونتانتها فالجميع يعرف أن الذين يحكمون السودان الآن بقهر الناس وقتلهم وتشريدهم والتنكيل بهم يمارسون الدجل والكذب ولا يتورعون في ممارسة كل أنواع الفواحش ما ظهر منها وما بطن، فإن إغتصاب النساء في دارفور يراه رئيس البلاد رئيس الحزب الحاكم شرفاً لا يدانيه شرف للمغتصبات..!!.
وبالنسبة للمعتقلين السياسيين من الأحزاب في بيوت الأشباح فقد وثقت لجنة مكافحة التعذيب التابعة للأمم المتحدة عام 1991م وقائع تعذيب المعتقلين وتعريتهم من ملابسهم والتحقيق معهم وهم عُراة، وفي مكان آخر تم بالفعل اغتصاب أحد كبار ضباط الجيش وبطريقة فاقت التصور ويذكر فيها الضحية تفاصيل لم تحدث حتى في سجن أبوغريب بالعراق ولا بسجون غوانتنامو بكوبا التابعة للمخابرات الامريكية، مما يدل على الخلفية النفسية والاجتماعية السيئة لهؤلاء بل يشير بوضوح لخبث أصل الذين يديرون دفة بلادنا التي اشتهرت بين العالمين بحسن الخلق والمنبت منذ آلاف السنين.
.إذاً العلاقة بين الحزب الحاكم والمواقع الإباحية هي علاقة ارتباط عضوي وشراكة في الفعل القبيح ولذا لم يجد الشخص العامل في وحدة (الجهاد) الإلكتروني أي غضاضة في وضع مواقع إباحية وصوراً فاضحة في صفحات نقاش ليشاهدها الجميع فيمتنعوا عن إبداء رأيهم على هذه الصفحات لأن نفوسهم سوية وكريمة وشريفة لا تقتاد الحرام، وبطبيعة الحال أن الذين يقتاتون الحرام ويتعاملون معه كل يوم لا يرون في نشر المواقع الإباحية اي مشكلة..!!.
“إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون”..19 سورة النور
صدق الله العظيم
الأول من فبراير 2011م
خالد عبدالله- ابواحمد
صحفي وكاتب سيناريو
[email protected]