في يوم ١٥ ابريل ٢٠٢٣م استقبلت الخرطوم الرصاصة الاولى لاعلان اندلاع الحرب بين القوات المسلحة والدعم السريع. الواقع المفاجىء الجديد فرض على القادة العسكريين بان تنحصر مهامهم في حماية انفسهم وحامياتهم العسكرية، و على اعضاء مجلس السيادة المدنيين، والوزراء وحكام الولايات ان يتحملوا مسؤولية حماية انفسهم بانفسهم، لان ليست هنالك ترتيبات مسبقة في هذا الجانب.
التواصل بين رئيس مجلس السيادة واعضاء حكومته انقطع من اليوم الاول، والتواصل بين الوزراء فيما بينهم ايضا كان شبه مقطوع.
في وقت وجيز انحرف مسار الحرب الى الزحف نحو المؤسسات الحكومية، و احتلال منازل المواطنين ثم تبعتها فظائع و انتهاكات معروفة .
المواطنون غادروا العاصمة الى الولايات والى الخارج، الدول الاجنبية قامت بإجلاء رعاياها، السادة الجدد الذين ملأوا الدنيا ضجيجا بالشعارات وبالوطنية ايضا غادروا البلاد على جناح السرعة، في مثل تلك الظروف لا نستطيع ان نرمي اللوم على احد. بالمقابل كان في نفس الوقت هنالك من يعمل في تلك الاحوال على ايجاد وضع يسمح بوجود مظهر من مظاهر المؤسسات في الدولة.
في بدايات شهر مايو اقترح وزير المالية الدكتور جبريل ابراهيم، على رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان بنقل المؤسسات الحكومية من الخرطوم الى مدينة ود مدني لغرض تأدية بعض المهام مثل صرف المرتبات و تسهيل انسياب السلع والمواد الغذائية والمعاملات الاخرى التي تخص حياة المواطن، وافق الفريق البرهان على الاقتراح، وهذه هي المرة الثانية التي تقوم فيها هذه المدينة بمهام العاصمة، المرة الاولى كان في عهد الحكم التركي حيث تم اختيارها كعاصمة للبلاد قبل ان تنقل الى الخرطوم ، وفي التاريخ الخرطوم نفسها تم نقلها اكثر من مرة .
شهدت مدينة ود مدني اجتماعات ولاة الولايات، واجتماعات لجنة متابعة انسياب السلع والخدمات التي تراسها الدكتور جبريل ابراهيم.
وبعد اسبوع اتخذ قرار نقل المؤسسات من ود مدني الى بورتسودان لاسباب من بينها طمأنة الدبلوماسيين والبعثات الدولية، وسهولة التواصل مع العالم الخارجي، والمساعدة في اجلاء الرعايا، وسهولة حركة الإغاثة والبضائع.
الوزارت مثل المالية، التنمية والرعاية الاجتماعية، الخارجية، الداخلية ،والمعادن ،والطرق والكباري ،والزراعة، والصحة كلها تعمل من بورتسودان الان. ومحافظ بنك السودان ،والوزير المكلف لشؤون مجلس الوزراء ايضا وصلا إلى بورتسودان، واخيرا وصلها رئيس مجلس السيادة الفريق عبدالفتاح البرهان.
لا بد ان نشير هنا بان هنالك وزارات انتقلت الى ولايات ومدن اخرى مثل وزارة الزراعة انتقلت الى القضارف، و وزارة النقل الى كسلا والمعادن الى عطبرة. وهي تجربة يمكن في المستقبل تطرح اسئلة مثل جدوى تمركز الوزارات والمصانع في العاصمة القومية. وربما في مقبل الايام تقدم صورة مختلفة عن مفهوم مصطلح المركز على الاقل من الناحية الجغرافية.
المسؤولون في بورتسودان يقولون بان انتقال المؤسسات من الخرطوم الى بورتسودان لا تعني باي حال من الاحوال بان هنالك نوايا لنقل العاصمة اليها في المستقبل، وهي حالة تختلف عن ما حصل في اليمن.
في الخرطوم مازالت الحرب مستمرة بين الاطراف المتحاربة، ولا يوجد طرف يستطيع ان يقول بانه حسم الصراع لصالحه في الوقت الحاضر ،فلذلك اية محاولة لتكوين حكومة، او تأسيس مؤسسات تعتبر بمثابة القفز عن الواقع، و الضحك على النفس .
الواقع يشير الى ان بورتسودان هي اليوم بمثابة العاصمة الادارية، وهي نفسها على رغم من حداثتها معروفة باساطيرها و حكاياتها ورمزيتها في الذاكرة السودانية .
جاء الوقت لرئيس مجلس السيادي الفريق البرهان بان يعمل على اجراء مشاورات واسعة مع القوى الوطنية الحية لاختيار شخص مناسب ليتولى رئاسة الوزراء، وتكوين حكومة تصريف اعمال توكل اليها مهام محددة، اي تاخير في هذا الجانب ليس في صالح الوطن والمواطن.
كل مرة تكتشف الاجيال بان هنالك ثقوباً في تاريخنا ، احداث عظيمة وشخصيات محورية تتساقط، فلذلك يتطلب منا ان نضع فكرة انتقال المؤسسات الحكومية من الخرطوم الى بورتسودان في تلك الظروف في اطارها الصحيح.