سالم أحمد سالم
المسلحون من خلايا شبكة الجماعات الاسلاموية العالمية يجوبون شوارع العاصمة والمدن السودانية وفي كل شبر من السودان في حرية لا يحظون بفتات منها في بلدانهم الأصلية ..
عناصر الجماعات الاسلاموية من فلسطينيين ومصريين وعراقيين وخليجيين وطاجيك وبشتون وباتان وباقي قبائل الأفغان والباكستانيين والبلوش والإيرانيين وغيرهم من الشعوب الصفراء والحمراء ومن كل الملل والنحل يجوبون السودان في تحركات منظمة شبه مستترة، منهم من يمشي على رجلين ومنهم يركب الدراجات النارية ومنهم يركب ذات الأربع وذات الدفع الرباعي من متين السيارات ..
الشعب السوداني وحده هو الذي يزحف على بطنه تلهب ظهره سياط المسغبة والقهر ونقاط التفتيش التي يفرقون فيها بين المرء وزوجه ويفكون “زراير” ضميره ويفتشون ..
قامت حكومة شبكة الجماعات الاسلاموية العالمية المستولية اليوم على السودان بانتزاع المزارع من أهلها السودانيين وحولتها إلى مساكن واستراحات وأسكنت فيها المسلحين الغرباء بعد أن جهزتها بكل ما يلزم ليعيش المسلحون الأجانب في هواء منعش ونقي ..
انتزعت لهم حكومتهم المساحات الشاسعة من أفضل أراضي السودان وأقامت لهم معسكرات التدريبات العسكرية السرّية في أماكن نائية عن العيون قريبة من المدن ..
انتزعت لهم حكومتهم المستعمرة للسودان البيوت والشقق وأجبرت المواطنين السودانيين على بيع منازلهم وعقاراتهم بسعر بخس ووطنّت مسلحيها داخل المدن ..
أنفقت وتنفق حكومتهم المستولية على السودان الملايين من أموال الشعب السوداني في شراء الأثاث المستورد لراحة أعضاء هذه الجماعات، وما لذ وطاب من مستورد الطعام والشراب وما يشتهون من أطعمة بلدانهم وفاكهة كثيرة عن الشعب السوداني ممنوعة ..
تدفع لهم حكومتهم المستولية على السودان الأموال اللازمة بالعملات الحرة لتغطية نفقاتهم الشخصية ونفقات عائلاتهم البعيدة .. وحسابات التوفير وقروض الاستثمار غير واجبة السداد ..
ملّكتهم حكومتهم المستولية مئات آلاف الأفدنة من عزيز خصيب أرض السودان، ومنحتهم المزارع والأراضي الشاسعة للاستثمارات التجارية والزراعية .. والمنتجات يتم تصديرها مباشرة إلى خارج السودان وتبقى العائدات في حسابات خارجية. السودانيون الذين يعملون في هذه المزارع فقراء ضربت عليهم المسكنة والملاريا يعيشون في قطاطي القش وبيوت الحصير ..
الحكومة المستولية فتحت لمسلحيها الأجانب خزائن البنوك والاعتمادات المصرفية للمضاربات التجارية وإقامة المنشآت والعمارات والمحلات التجارية وتنفيذ المشاريع الإنشائية التي تطرحها عليهم حكومتهم بلا منافسة ولا مناقصة ولا هم يحزنون، لكن هنالك شراكات مع بعض السودانيين من اسر وأقرباء أطقم الحكومة ..
وضعت الحكومة المستولية الصناعة في السودان حكرا في يد هذه الجماعات، ومعظمها صناعة عسكرية، انتزعت لها قضبان السكك الحديدية وآليات مشروع الجزيرة لصناعة الدبابات والمدافع التي تحكم بها هيمنتها على الشعب السوداني، بينما تسدد لهم الحكومة المستولية قيمة السلاح من أموال الشعب السوداني! بالمقابل تم تدمير الصناعات الوطنية وإخراج السودانيين عن هذا المضمار…
قامت وتقوم حكومتهم المستولية باستيراد آلاف السيارات الحديثة ذات الدفع الرباعي وغيرها لمسلحيها واشترت لهم أجهزة الحواسيب المتطورة وتقنيات الاتصال النقالة وعبر الأقمار الصناعية وتسدد حكومتهم فواتير المكالمات والكهرباء التي لا تقطع والماء النظيف للغسيل .. والمعبأ للشرب ..
الأرض والمال والسلاح والتجارة والمصارف والصناعة والزراعة، وحتى الشوارع في السودان أصبحت في أيدي خلايا الجماعات الاسلاموية، ونخشى أنهم اتخذوا “ما ملكت أيمانهم” من حرائر فتيات السودان ..
كيف يكون الاستعمار الاستيطاني إذن إن لم يكن هذا استعمارا استيطانيا؟
الشق المكمل لصورة الاستعمار الاستيطاني مجسدة في الأوضاع المزرية التي يكابدها غالبية الشعب السوداني في أتون الفقر والجوع والمرض والبطالة والتجهيل الأكاديمي وويلات الحروب. صور من البؤس تطابق أحياء الصفيح والبؤس التي عاش فيها المواطن الجنوب أفريقي في زمن حكومة الاستيطان العنصري .. لم لا وكله استعمار استيطاني عنصري؟ .. في جنوب أفريقيا كان وفي السودان كائن.
من أجل ماذا؟
لماذا استجلاب عناصر من الخارج لحراسة الحكومة إن كانت حكومة سودانية صرفة؟ ..
هل القوات المسلحة والأجهزة الأمنية وأصناف الشرطة من العناصر السودانية غير كافية؟
أم أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية من أصول سودانية تنقصها الشجاعة؟
أم أن الوافدين من البشتون والأفغان والفلسطينيين وغيرهم أكثر بسالة من الجندي السوداني؟
أو أكثر وطنية من السودانيين؟
أم أن الوافدين يتفوقون على السودانيين في الخبرة العسكرية؟
أم أن بعانخي وترهاقا والقادة العسكريين العظام الذين علموا الدنيا فنون العسكرية والجسارة والتصويب على الحدق قد استجلبوا خبراء من القوقاز وقطاع غزّة؟
أم أن عثمان دِقْنه قد كسر نظام “المربعات العسكرية” للإمبراطورية العظمى مستعينا بخبرات إيرانية؟
أم أن الحكومة المستولية خائفة من جنودها من السودانيين .. ومن “أحجارها الكريمة” ؟
أم هل جاء الوافدون جهادا في سبيل الله؟
ومنذ متى تحول الجهاد في سبيل الله إلى ارتزاق وميز عرقي واستعلاء على أهل البلاد؟
ومنذ متى تحول الجهاد في سبيل الله إلى تميّز مادي ومعنوي على الضابط والجنود من أبناء البلاد؟
ومنذ متى تحول الجهاد في سبيل الله إلى استثمارات ومليارات الدولارات؟
ومنذ متى تحول الجهاد في سبيل الله إلى انتزاع الأموال والممتلكات من شعب تم إفقاره؟
ومنذ متى تحول الجهاد في سبيل الله إلى شقق مفروشة ومكيفات هواء وأرصدة .. بدولار الكفار؟
ولماذا لا يسكن “المجاهدون” في خيام أو في بيوت الطين والقطاطي مثل 99.9 من الشعب السوداني؟
ولماذا استجلاب عناصر أجنبية تسرح وتمرح وتمارس الاستعلاء العرقي على الشعب السوداني؟
لماذا ومن أجل ماذا استجلاب عناصر أجنبية تعيث تخريبا في الاقتصاد الوطني وتكسر هياكل الاقتصاد التقليدي وتحول الأموال والمنتجات إلى خارج السودان، فلا انتفع الشعب بالإنتاج بينما يتضرر الاقتصاد بهروب العائدات ورؤوس الأموال، وتحول الاقتصاد من الإنتاج إلى المضاربة لماذا؟
ولماذا الإنفاق على هذه الخلايا المدمرة للنسيج الاقتصادي والاجتماعي والمهينة للجندي السوداني؟
والسؤال المهم: جهاد ضد من؟ .. ضد الشعب السوداني “الكافر” ؟ !
استعمار استيطاني أجنبي بواجهة محلية:
الإجابة على الأسئلة الفوق أو بعضها يقودنا تلقائيا إلى حقيقة واحدة هي أن الحكومة القابضة على السودان لا تعدو كونها حكومة استعمار استيطاني لها أجندة خارجية تطبقها بندا تلو الآخر، وسنام الأجندة كان فصل الجنوب الذي أعلنت عنه الجماعة عشية الاستيلاء على السودان بمقدمة انقلاب عسكري.
استعمار استيطاني؟ نعم، وقد فصلّت ذلك في سياق سابق تحت عنوان (الجماعات الباطنية تحتل السودان وتترصد … ) حيث قدمت البراهين كافة المعاصرة والتاريخية أن السودان تحكمه الشبكة الاسلاموية العالمية، وأن الخلية السودانية خلية صغيرة ومجرد واجهة تنفيذية لا أكثر. لكني سأضع هنا بعض الثوابت.
أولا ومن حيث المبدأ العام، فإن أي حكم يتم أو يستمر بقوة السلاح هو حكم استعماري. لا فرق هنا بين أن يكون من يستخدم السلاح غزاة أجانب، بيض من أوروبا مثلا، أو سود أو حمر أو صفر من مواطني نفس البلد، فالأجنبي والمحلي يتساويان من حيث فرض السيطرة بقوة السلاح قهرا. للأسف مفهوم الاستعمار السائد عندنا ارتبط فقط باللون الأبيض الأوروبي، لكن الأوروبي نفسه استعمر الأوروبي مثل الاستعمار الألماني النازي لأوروبا، وأيضا داخل القطر مثل الاستعمار المحلي النازي لألمانيا أو في اسبانيا وايرلندا وغيرها. لذلك يجب أن نصحح مفهوم الاستعمار عندنا، ويجب أن يكف البعض عن وصف الانقلابات العسكرية بأنها أحكام وطنية، فهي ليست وطنية بل هي أحكام استعمارية لا ريب في استعمارها. فكلمة “وطنية” تعني “إرادة” الشعب في وطنه لأن الوطن شعب قبل أن يكون قطعة من الجغرافيا، والبشر هم الإرادة والإرادة هي الحرية التي فطر الله الناس عليها. وعليه فإن كل من يقهر “إرادة” الشعب تنتفي عنه الصفة الوطنية أجنبيا كان أم مواطنا، فهو استعماري محتل للإرادة والأرض معا.
وقبل أن يرفع البعض المصاحف على أسنّة رماحهم، أو يطوون أسيافهم داخل قماشة الدين كما يفعل مصارعو الثيران ويزعمون أن الجماعة المستعمرة للسودان هي جماعة إسلامية، أقول أولا لهؤلاء أن الجماعات الاسلاموية الأجنبية المستعمرة للسودان مفارقة للدين من حيث العمل والتعامل، فالدّين هو ما وقر في الصدر وصدّقه العمل، و”عمائل” هؤلاء لا تحتاج إلى ضوء. ثم إن الدين الإسلامي بالذات وفي نصوص عشرات الآيات القرآنية الكريمة منع منعا صريحا، حتى الرسل والأنبياء شملهم المنع، عن قهر إرادة الفرد حتى لو كان الهدف إدخال الفرد قسرا في دين الله. الحرية هي أقيم ما كرم الله به الإنسان دون سائر الكائنات الأخرى المسيّرة بما فيها الملائكة، والقهر قمع لهذه القيمة الربانية المهداة للإنسان تفردا، وعليها يقوم الثواب والعقاب الرباني. ومع ذلك نكتفي بآية واحدة من محكم التنزيل من سورة البقرة “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” وجزئية ” لاَ إِكْرَاهَ” لا تنحصر فقط في منع إكراه الناس على الدخول في الإسلام، بل تعني في معناها المطلق أن الدين يمنع الإكراه على أي شيء، ويأمر بحسن المجادلة في كل أمر. ذلك لأن المنع عن الإكراه على الأعلى، وهو إدخال الناس عنوة في الدين، ينسحب تلقائيا على الأدنى من تفاصيل الحياة. كما أن الإكراه يعني انقطاع الحجة، والأديان تنزل بالحجة كوسيلة للإقناع العقلي، ولم يكن ليعجز الله أن يخلق كل البشر على الإيمان ” وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ” وبذلك، وبنصوص القرآن الكريم، تسقط كل مبررات القهر المتستر بالدين. وعليه، فإن من يقهر البشر بالدين لا يخرج عن ثلاثة: إما أن يكون يجهل الدين، أو أنه يستغل الدين في ما نهى عنه الدين، أو أنه يظن أنه يعلم مصالح البشر أكثر من رب العالمين، وهذا هو الطغيان المبين! والتستر بالدين في السودان لم يتوقف عند حدود القهر، بل جوّز الاستعمار الاستيطاني ونهب الثروات واستعباد عباد الله شركا علاوة على نزع الحرية التي فضل الله بها البشر. هو إذن استعمار استيطاني بكل المقاييس.
ومن علامات الاستعمار الاستيطاني، كالجاثم في السودان، أنك ترى الأجنبي يفرض سلطته بالسلاح. ولا فرق هنا إذا كان السلاح في يد جندي مواطن في خدمة الأجنبي أو كان بيد الأجنبي أو كان السلاح بيديهما معا كما هو الحال في السودان، فالأجنبي ومن يخدمه شركاء في الاستعمار، يد عليا ويد سفلى.
ومن علامات الاستعمار الاستيطاني أن يبحث المواطن وهو داخل بلده عن حقوقه الطبيعية عند الأجنبي أعطاه أو منعه، أو يلتمس المواطن الوسيلة عند الأجنبي لوظيفة أو قرض.
ومن علامات الاستعمار الاستيطاني أن يتمتع الأجنبي المستعمر بما لا يتمتع به المواطن من خيرات البلاد، وأن تجري الثروات والأموال والسلاح في يد الأجانب ومن والاهم، بينما يجري الفقر والبؤس والملاريا في دم كل مواطن ويجري الموت مع الأطفال في الحارات والأزقة القـذرة يلاعبهم لعبة يخسرونها دائما أمام أبواب المستشفيات والصيدليات الموصدة دونهم بمزاليج العوز، فتعود الأمهات بدمعة متحجرة في العين وجثة في الحضن وغصة لا تنبلع ولا هي تخرج.
باشبوزوق الأمس .. وجنود اليوم:
ومن علامات الاستعمار الاستيطاني أن يتحول الضابط والجندي والشرطي من أهل البلاد إلى “باشْبُوزُوقْ” أو باشْ بوزوق. الباشْبُوزُوقْ في الحالة السودانية، والكلمة تركية، هم من السودانيين البسطاء الذين عينهم الاستعمار التركي كجنود غير نظاميين لانتزاع الجبايات وقمع السودانيين بأقسى الوسائل. (دار الوثائق القومية: وثيقة صادرة عن محمد علي باشا: “تشكيل اورديين باشبوزوق لجهة السودان. تاريخ الإنشاء: 1883-1-4. مكاتبة من الجناب العالي إلى وكيل الجهادية للموافقة على ترتيب 50 نفر من عساكر المشاة الباشبوزوق تحت أمرة ضابط بندر القصير لتحصيل رسوم الجمرك من الحجاج” المنشئ: محمد علي. ثم، دار الوثائق: مكاتبة من إسماعيل باشا إلى رئيس المجلس الخصوصي بشأن الإفادة بالموافقة على قرار المجلس الخصوصي المتعلق بفرز عساكر أرادى الباشبوزوق الموجودين بمعرفة ناظر الجهادية لرفت الضعاف والغير صالحين للخدمة ومعاملتهم بحسب الأصول) الأتراك صنفوا الباشبوزوق السودانيين كجنود “غير نظاميين” حتى لا ينالوا “شرف” الجندي التركي والمصري. الباشبوزوق من السودانيين اغتالوا ونفذوا عمليات الإعدام وعذبوا وجلدوا الرجال بالسياط وأشبعوهم مهانات وانتزعوا “الفدايات” من آذان النساء “والزمام” عن أنوفهن المجدوعة واستخلصوا الجبايات العالية من حواصل الفقراء وصادروا البهائم والمحاصيل ورموا الفقراء في سجون لا تطاق. الباشبوزوق من السودانيين كانوا القفاز الذي استخدمه الأتراك المستعمرون في عملياتهم الدامية وغير الأخلاقية ضد الشعب السوداني. تلك كانت سياسة “أضرب العبد بالعبد” ! فهل يا ترى يختلف ما يقوم به جنودنا البواسل وجنود الأجهزة الأمنية والشرطة اليوم عما كان يقوم به باشبوزوق التركية السابقة؟ سوف نرى.
جنود الحكومة الراهنة ارتكبوا الفظائع ضد أهلهم من السودانيين ومارسوا التعذيب وفتحوا بيوت الأشباح وأغلقوا آلاف البيوت بالتشريد الجماعي وانتزعوا الجبايات والضرائب الباهظة بأقسى الأساليب والفظاظة ورموا الفقراء في السجون الأسوأ من سجون الترك. بهذه الفعال وغيرها يتساوى الجندي والشرطي والأمني السوداني اليوم مع الباشبوزوق السوداني في زمن التركية السابقة. فكلا الفريقين سوداني وكلاهما عذب وقتل وبطش ببنات وأبناء جلدته من السودانيين. هذا أولا.
ثانيا عمليات التعذيب والبطش بالشعب أو برفقاء السلاح التي مارسها جنود الحكومة الراهنة لم تكن معروفة في التاريخ العسكري والمدني السوداني. لم يحدث ذلك حتى في أقصى حالات الخصومة. ثم إن هذه الممارسات ظهرت على حين غرة بمجرد وقوع الانقلاب العسكري للجماعات الاسلاموية واحتلالها السودان. فمن أين أتى الجنود والضباط وفجأة بالتعذيب والقمع بلا رحمة ضد أهلهم؟
هل تلقى الجنود والعساكر السودانيون تدريبات عسكرية عن كيفية تعذيب الشعب وإشباعه مهانات؟
هل التعذيب والقمع ضمن السلوك العادي للمجتمعات السودانية؟
هل انشقت الأرض وخرج التعذيب والقمع والبطش وانتشب فجأة عفريتا في عقول الجنود كما في أفلام الخيال غير العلمي؟
لا هذه ولا تلك .. إنها ممارسات دخيلة وفدت من خارج الحدود الجغرافية ومن خارج حدود القيم الاجتماعية والمبادئ العسكرية السودانية. ممارسات وافدة لم تنشق عنها ارض السودان. وهنا نضع يدنا على نقطة نطابق أخرى بين باشبوزوق الترك وبين جنود الحكومة الراهنة. فكلاهما طرف سوداني قام بتنفيذ ممارسات عنف وتعذيب وبطش مستورد. فباشبوزوق الترك نفذوا القمع والبطش المستورد من تركيا، وجنود اليوم نفذوا القمع والبطش المستورد من معاطن العنف ومعاقل الحركات الباطنية في المشرق العربي وآسيا حتى كهوف نورا بورا في جبال أفغانستان وباكستان وإيران. ومع أنني أوضحت تفاصيل منابت العنف في المقال السابق (الحركات الباطنية احتلت السودان …) لكن تكفي مثالا أن حكومة طالبان في أفغانستان كانت تذبح الناس بالسكين كالخراف في وسط ملاعب كرة القدم بين شوطي المباريات، ثم يتواصل اللعب. وقد شاهدت بنفسي تقريرا مصورا في إحدى القنوات الفرنسية. هذه شعوب تعايشت مع العنف والفظائع التي تستقبحها النفس السودانية. من مثل هذه المصادر جلبت الجماعات الاسلاموية للسودان العنف والتقتيل والتعذيب الذي نفذه جنودنا السودانيون على أهلهم وعشيرتهم تماما كما فعل باشبوزوق الترك ..
ثالثا، وفي السياق نجد أن الخلية الاسلاموية السودانية التي نفذت الانقلاب العسكري هي خلية واحدة في الجسد الكبير للشبكة الاسلاموية العالمية. وتبعا لذلك طبيعي أن يتضاءل دور الخلية السودانية في القرارات التي تتخذها الشبكة الاسلاموية حول إدارة وحكم السودان. وتبعا لذلك أيضا فإن الجنود السودانيين اليوم ينفذون قرارات البطش والتعذيب التي تصدر عن الشبكة الاسلاموية العالمية الحاكم الفعلي للسودان. صحيح أن سودانيين في مستويات تنفيذية عليا في واجهة الجماعة الحاكمة يصدرون التعليمات المباشرة للجنود والأمن والشرطة ويشاركون بأيديهم في عمليات البطش والتعذيب، إلا أن ذلك لا يلغي حقيقة أن القرارات تصدر عن “جهة أجنبية” يبصم عليها السودانيون في الحكومة الظاهرة بتوقيعاتهم. وبذلك لا يختلف حال جنود اليوم الذين يتلقون الأوامر عن جهة “أجنبية” عن الباشبوزوق الذين كانوا يتلقون الأوامر من الباب العالي التركي “الأجنبي” بالنسبة للحالة الراهنة، ونسبة للتسلسل الهرمي العسكري، طبيعي أن يجهل الضابط والجندي مصدر الأصلي للأوامر التي تتنزل عليه من أعلى القيادة.
تلك هي أوجه التقارب الأساسية بين بارشبوزوق التركية السابقة وبين واقع الجنود والضباط والأجهزة الأمنية والبوليسية للحكومة الراهنة. هذا التقارب يخلق إشكالية بالغة التعقيد بالنسبة لمستقبل السودان لكون أن الجماعات الاسلاموية قد ضربت حول نفسها جدارا بشريا من الجنود السودانيين يحميها من الشعب السوداني. وفي حال المواجهة الوشيكة، فالقتل والمقتول سوداني! ذلك أن تدخل الجماعات المسلحة الأجنبية قد يأتي بنتائج معكوسة تماما. سأعود لهذه الإشكالية في الفقرات اللاحقة بعد استكمال بعض الجوانب ذات العلاقة.
فستق العبيد .. وبطيخ يكسّر بعضه!
“فستق العبيد” هو اسم الفول السوداني عند أهل لبنان وفلسطين والعراق وبلدان المشرق العربي. وإذا قارنا العبارتين نجد أن الفول يقابل الفستق والعبيد هم السودانيون أو أي قوم سود! أولا يجب أن نأخذ العبارة بدون انفعال. فقد تربّت أجيالهم على هذا المفهوم تجاه اللون الأسود. كل من يحمل أو تحمل بشرة سوداء هو بالنسبة لهم عبد أو عبدة. طبعا القوانين الأوروبية توقع عقوبات صارمة على من يستخدم مثل هذه العبارات، لكن لا يهمنا ما يقول أو يمارس هؤلاء العربان والآسيويين داخل أقطارهم. الذي يهمنا أن أعضاء الجماعات الاسلاموية المنتشرة داخل السودان تنظر إلى المجتمعات السودانية كلها من هذا المنظور العرقي المتعالي على هواء. ومهما تحدثت الجماعات الاسلاموية عن الأخوّة والدين، يظل هذا الموقف النفسي الذي نشأوا عليه قابعا تحت ألسنتهم وخلف عباراتهم لا ينطقون به إلا في خلوتهم مع بعضهم البعض. وعلينا أن نأخذ دائما في الاعتبار أن الجماعات الاسلاموية تمرست أن تقول خلاف ما تبطن مثلما درجت على المكر والخديعة.
ومن الأمثال الشعبية الرائجة عن هذه الشعوب مثل معناه: “إذا طفل غيرك أصابه الجنون، أضحك له” بمعني أن تضحك على التصرفات التي تبدر عن الطفل المريض! طبعا غالبية مجتمعاتنا السودانية تشعر بالأسى أمام مشهد طفل به جنّة أو صرع، لكنه عند هؤلاء مدعاة للضحك. هذا المثل يجسد حقيقة شعور هؤلاء تجاه الغير حتى في ما بينهم، فما بالك إذا كان هذا الغير بالنسبة لهم مجرد سودانيين سود “فستق عبيد” يستعمرونهم بقوة السلاح؟ وأظن من الضروري التذكير أن هذه الجماعات الاسلاموية في بلدانها قد أبادت وتبيد الأطفال في رياض الأطفال وتبقر بطون ذوات الحمل ويفجرّون الأسواق كما فعلوا ويفعلون في الجزائر والعراق ولبنان وأفغانستان وغيرها. طبيعي إذن أن لا تكترث الجماعات الأجنبية الاسلاموية أو تهز أكتافها لما يصيب الشعب السوداني خاصة وهي التي صنعت هذه المآسي والدماء. ومن البديهي أن تبتهج الجماعات الاسلاموية الأجنبية بالدور الذي يقوم به الجنود والشرطة السودانية في قتل وقهر وكسر أنفة الشعب السوداني، فهي التي هيأت هؤلاء الجنود وعبأتهم للفتك بذويهم. دور الجنود السودانيين من منظورهم ينطبق عليه المثل المتداول في بلدانهم: “بطيخ يكسّر بعضه” ! .. الجنود وعموم الشعب السوداني هم البطيخ الذي يكسّر بعضه .. فهل انتم منتهون؟
الإشكالية والمأزق ..
أعود إلى الإشكالية بالغة التعقيد التي وضحت من خلال التقارب الشديد بين بارشبوزوق التركية السابقة وبين الجنود والأجهزة الأمنية والبوليسية للحكومة الاستعمارية الراهنة، فأقول من الحق أولا أن لا ننكر أن هؤلاء الجنود هم من أبناء الشعب السوداني، وأنهم قد تم حقنهم بجرعات عالية من مزيج الضلالات. أولا التضليل باسم الدين حيث قاسمهم الشيطان وزين لهم أعماله. وتوظيف الدين كما تعلمون قوي التأثير جعل الشعوب الأوروبية ذات يوم تقطع آلاف الهكتارات من الغابات مجانا لصالح الكنيسة مقابل مساحة مساوية في الجنة لما يقطعه الشخص! تقطع متر عندك في الجنة متر وتستلم وثيقة بذلك موقعة ومختومة من الكنيسة، إيصال يقدمه الشخص لرب العالمين يوم القيامة! ذلك ما كان يعرف بصكوك الغفران. الجنود السودانيون بدورهم، على مستوياتهم من المعرفة، كانوا يرون على قمة السلطة رجل دين مرموق هو حسن الترابي، وكانوا يرون حواريي الترابي من أساتذة الجامعات يباشرون التعذيب والقتل والبطش بأيديهم ثم يقومون إلى صلاة الجماعة! وهكذا ارتبط الدين عند الجند بالتعذيب والبطش. ثم إن العديد من هذه العناصر الأمنية قد جرى التقاطهم في سن باكرة وتمت تنشئتهم بأنهم الأفضل عند الله وأنهم صحابة وغيرهم كفار ملاعين يتوجب مجاهدتهم بالقتل والتعذيب والبطش وتخليص البلاد من شرورهم. وهكذا أصبحت هذه العناصر من الجند تري نفسها في منطقة بين الله وبين الناس، والناس دونهم بفراسخ. كما تم إطلاق أيديهم يفعلون بالناس ما يشاءون وكل ما يفعلون بزعمهم مأذون به من عند الله! ثم دخل المال كعنصر أغرى مئات المرتزقة من عديمي الأخلاق الذين دخلوا سوق البطش والتعذيب، وطبعا المال مدفوع من أموال الشعب السوداني الذي يجري تعذيبه والتنكيل به .. بطّيخ يكسّر بعضه .. بفلوسه ..
هذا الخليط من حابل التضليل بالدين بالجريمة بنابل الارتزاق بالدم والكذب تشكلت منه كتلة من السودانيين الذين لا يتورعون عن ذبح الشعب والبطش به. والمأساة أنهم يظنون أنهم يحسنون صنعا. وعمق المأساة أنهم لا يدركون أنهم يتلقون الأوامر عن جهات أجنبية قد قست قلوبها فهي كالحجارة أو اشد قسوة لا تتقي فيهم ولا في الشعب إلاّ ولا رحمة ولا ترى فيهم إلا مجرد فستق عبيد وبطيخ يكسّر بعضه .. وهنا تقوم الإشكالية ويكمن المأزق. إذ لابد أن يعي الجنود والضباط وأجهزة أمن الحكومة وأفراد الدفاع الشعبي و”الأحجار الكريمة” واللات واللاَّتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى وغيرها من المليشيات أنهم فعلا مجرد أحجار وأدوات قتل يستخدمهم المستعمرون في طعن الشعب السوداني. باشيوزوق جدد. وعي الجنود بهذه الحقيقة ليس بالأمر الهين، لكن عدم إدراكها ينأى بالجندي بعيدا عن شرف الجندية ويجرده تماما عن الصفة الوطنية. فالجندي الوطني لا يقهر ولا يقتل أهله ولا يكون أداة في يد مستعمر. لذلك ثار علي عبد اللطيف وصحبه، ولذلك انحاز الجيش إلى الشعب في ثورتي أكتوبر وأبريل. واليوم السودان دخل فعلا في مفاصلة مع الجماعات الاسلاموية التي تستعمره. فهل سوف يقف الجيش والأمن مع شرفه الوطني والعسكري والشعب، أم يفتك بالشعب ونحصل على باشبوزوق جدد؟
اخوان نسيبة؟ .. كضابين والله العظيم!
الصحابية نسيبة كما ورد في كتب السيرة هي “نسيبة بنت كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن ابن النجار، أنصارية من بني مازن. أسلمت عند ظهور الإسلام وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم وشهدت معه غزوات أحد والحديبية وخيبر وحنين وعمرة القضاة ويوم اليمامة وبيعة الرضوان، وروت عدة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهي من المبشرين بالجنة. شاركت في العمل العسكري في فترة صدر الإسلام مثل معركة أحد فكانت تذب عن النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف وترمي عنه بالقوس. حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم مدح أداءها في المعركة. هذه هي نسيبة الصحابية الجليلة.
طيّب! لماذا يزعم هؤلاء أنهم أخوان نسيبة؟ الرسول الكريم كان يقاتل الكفار لأنهم طلبوا الحرب، فهل تقاتل حكومة الجماعة الاسلاموية كفارا؟ هل الحرب في الجنوب كانت جهادا في سبيل الله، والله قد نهى عن سبيل الظلم والعدوان؟ ألا يكفي أن الترابي الذي أرسل الشباب إلى محرقة الجنوب قد وصف لاحقا قتلاه بالفطائس بعد أن فسخ زيجاتهم عن بنات حور من نسج خياله؟ هل الحرب في دارفور جهاد في سبيل الله ضد حفظة القرآن والأبرياء والقرى الآمنة، أم أن اغتصاب الحرائر صار ضمن قائمة الجهاد في سبيل الله؟ أم أن الرسول الكريم فتح بيوتا للأشباح يعذب فيها البشر؟ لاشك أن ربطهم اسم نسيبة بمثل هذه الأعمال فيه تدنيس لاسمها وجالب للكراهية لأن الناس قد كرهوا الجماعة الحاكمة الظالمة، ولو جاءت نسيبة إلى زماننا هذا لتبرأت منهم أو من اسمها ولضربت وجوه الجماعات الاسلاموية بسيفها كما فعلت في أحُدْ وفي حرب مسيلمة الكذاب، فكلهم مسيلمة.
الزج باسم نسيبة لا يخرج عن إطار استغلالهم الدين مطية. فقد حرفت الجماعات الاسلاموية القرآن الكريم وابتسروا آياته واشتروا بها ثمنا قليلا للتغرير بالمجتمعات، وقطعا التغرير بالجنود وعساكر الأمن واستغلالهم في ارتكاب الجرائم ضد مجتمعاتهم. وضمن هذا التغرير والتغريب، أطلقوا على الوحدات العسكرية والفيالق بل والأحياء السكنية مسميات ذات دلالات إسلامية مثل اليرموك و أحُدْ وأبو دجانة وغيرها. أيها الجنود ورجال أمن الحكومة، أنتم لستم أخوان نسيبة .. كونوا أخوان كلتوم ومريم وخيلان فاطنه بانحيازكم لأعراضكم وشرفكم وأهلكم وجيرانكم، ولا تكونوا باشبوزوق يخدم المستعمر المتخفي خلف قلة من الوجوه سودانية.
طبعا كان الهدف الأول للجماعات الاسلاموية اقتلاع كل الشعب السوداني عن جذوره الحضارية “التمكين” وتحويل الشعب إلى مجرد بالونات في الهواء يحركونها. إلا أن عشرة آلاف عام من الحضارة كانت عصية الاقتلاع و”البولنة” !. لذلك اكتفوا بمجموعات من الأجهزة الأمنية والمليشيات لإذلال هذا الشعب العنيد وإرغام انف كرامته، فكانت سياسة التغرير والتغريب بهؤلاء النفر. تغريب في الجغرافيا بأن جعلوا الجند والأتباع يعيشون خارج واقعهم الجغرافي وبالتالي الاجتماعي. وتغريب في التاريخ بإرسالهم الجند والأتباع إلى مرحلة تاريخية موغلة في القدم. وطبعا عندما تنزع الإنسان عن واقعه الجغرافي والاجتماعي يصبح مجرد بالون يمكن تحريكه في أي وجهة ولأي غرض. وهكذا تضاءل انتماء هؤلاء الجنود وجماعات الأمن للوطن الجغرافي والاجتماعي إلا من حيث المعايشة من أكل وشرب وجنس، أما واقعهم الذي يعيشون ففي تجاويف الخيال حيث يظنون أن أرض الإسلام كلها أرضهم وأنهم رساليون والشعب كافر ينبغي البطش به، مع أن الإسلام لا يبطش بالكفار! وبفقدان الجند للانتماء الواقعي للأرض والمجتمع، أصبح الجنود السودانيون جزء من الجماعات الاسلاموية التي لا وطن لها أصلا. والملهاة أن شبكة الجماعات الاسلاموية العالمية رفعتهم بالونات يعلقون الهواء وهبطت هي واستوطنت السودان واستعمرته ووظفت هؤلاء الجند لحمايتها بالتنكيل ببني وطنهم! حقا إنها حنكة في المكر تدير الرأس …
تحرير الحركة السياسية الإسلامية السودانية
جانب مهم في المشكل أن الحركة السياسية الإسلامية السودانية نفسها بعد أن كانت خلية في الشبكة الاسلاموية، رهنت مصيرها وأصبحت مجرد واجهة للحكم وأداة طيعة في يد الجماعات الاسلاموية العالمية. ولعل ذلك يقتضي ممن يهمهم الأمر تحرير الحركة السياسية الإسلامية السودانية نفسها بفصلها أولا عن شبكة الجماعات الاسلاموية العالمية وتحويلها إلى حزب سياسي له برنامج وتوجهات وطنية سودانية بحتة ضمن التيارات السياسية الموجودة في البلاد. هذه هي الثغرة الوحيدة التي يمكن أن تنفذ منها الحركة السياسية الإسلامية إلى الساحة السياسية بعد أن أصبح زوال هذه الحكومة الاستعمارية مسألة وقت قد يكون قصيرا …
إلى كل ضابط وجندي وأمني ومليشيا:
اعتقد من واجب كل جندي وضابط أمن وشرطي ودفاع (شعبي!) ومليشيات أن يعي جيدا هذه الحقائق سواء وافق عليها أو اختلف على جزء منها:
أولا: الدين الإسلامي ليست له علاقة بما تزيّنه لكم شبكة الجماعات الاسلاموية المستعمرة للسودان، والإسلام منها براء. وكل ما تقومون به من بطش وفتك بالشعب هو عمل نهى عنه الإسلام، وله عقابه في الآخرة، وقد يصيبكم وأهلكم منه في الدنيا، وهكذا قال الله تعالى في محكم التنزيل
ثانيا: الحكومة الحالية هي واجهة لحكومة استعمارية تدير، أو بالأحرى تدمر، السودان. واستمراركم في خدمة هذا الاستعمار يجعل منكم مجرد باشبوروق وأدوات تدمير للوطن سوف ترتد عليكم آثاره. نعم تظلون باشبوزوق متى بقيتم تحمون من نهبوا أموال البلاد وهربوها وألقوا للشعب ولكم بفتات لا يسد الرمق ولا يغني من مسغبة الغلاء الفاحش،
ثالثا: هذه الحكومة الاستعمارية ألحقت بالسودان أضرار بالغة في كل الجوانب الأخلاقية والاقتصادية والغلاء والأزمات والبطالة ومزقت وحدته وضربت أسافين الفرقة بالعنصرية والقبلية حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، وفصلت الجنوب عن عمد، واستمرارها يعني بلا شك المزيد من الانقسامات والدمار والتمزق.
رابعا: الجندي والضابط ورجل الأمن والمليشيات يظل باشبوزوق طالما بقي في خدمة هذا الاستعمار الجاثم على الوطن يشبعه تمزيقا وفتنة وخرابا،
خامسا: لا توجد حكومة خالدة، والحكومات الدكتاتورية والاستعمارية خاصة لم تصمد ولن تصمد في السودان. الحفنة القليلة في واجهة الحكم قد تهرب أو يحاكمها الشعب بالعدل. من الحكمة والعقل أن لا ترهنوا مستقبلكم ومستقبل أسركم إلى هذه الجماعة القليلة، وأن لا تكونوا وصمة عار في جبين أسركم وبناتكم وأولادكم، فالسودانيون يذكرون إلى اليوم وبعد مضي أكثر من مائة عام المخازي التي ارتكبها الباشبوزوق في حق أهلهم،
سادسا: هذه الحكومة إلى زوال قريب، فقد انتهت مدة الأجل، والشعب السوداني بدأ يجمع أطرافه من أجل أن يثب ويستعيد حريته ويستعيد بلاده من القبضة الاستعمارية الأجنبية،
سابعا: سيقول لكم الحفنة المستحكمة أن الشعب سوف يفتك بكم، وهذا كذب وخداع من أجل أن يحتموا بكم. هذا الشعب السوداني الذي ولدكم شعب معلّم ورائد ويعرف أنكم قد تم تضليلكم. الشعب السوداني عفو يحب العفو متى ما انحزتم إليه وتبرأتم عن الحفنة المستعمرة المستقوية بكم على أهلكم. الشعب السوداني كل الشعب المظلوم المقهور المتحفز على يمينكم، وحفنة قليلة وغزاة مستعمرون على يساركم، فانحازوا إلى من شئتم. مهما كان خياركم فقد حدد الشعب خياره ..
أيها الجنود والضباط
إن لم تفعلوا شيئا من كل ما ورد هنا، فإن شرفكم العسكري وحده يلزمكم أن تذهبوا إلى أوكار المسلحين وغير المسلحين من عناصر الجماعات الاسلاموية الاستعمارية وتخرجوهم عن ديار السودان. أنتم تعرفون أوكارهم، فأخرجوهم عن صياصيهم بملابسهم التي عليهم وإلى المطارات مباشرة. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنتُمْ أُولاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ” آل عمران.
يا غريب بلدك يللا لي بلدك
لقد أزف الوقت أن تنظفوا شرفكم العسكري وبلادكم من هؤلاء الغزاة، وأن تغنوا مع الشعب السوداني:
يا غريب بلدك يللا لي بلدك سوق معاك ولدك
لملمن عددك انتهت مددك وعلم السودان يكفي لي سندك
الحروب زالو فازو من صمدو والشباب اليوم للجهاد نهضو
قلتو في الميثاق كل زول بلدو
ديل بقاياكم لسّه ليه قعدو؟
رفعة السودان ديمه نحن نقول
بئس الاستعمار في شمس أو ضل
تاني ما بنتغشّ استعمارنا يطول
شعبنا اتحرر من قيود الذل
سالم أحمد سالم
26 يناير 2011
[email protected]
التمس من الجميع توصيل هذا الموضوع للضباط والجنود والشرطة وضابط وجنود الأمن والمليشيات