بسم الله الرحمن الرحيم
ومرة أخرى العلاقات مع تشاد
علي أبو زيد علي
غادر البلاد مطلع هذا الأسبوع وفد تشادي رفيع المستوى برئاسة وزير الخارجية وعضوية الأجهزة الأمنية والعسكرية بعد أن قام بإجراء مباحثات مكتفة مع الجانب السوداني والتقى برئيس الجمهورية في خطوة تعتبر استجابة للمبادرة الجريئة التي قام بها الدكتور غازي صلاح الدين لحظة تسلمه ملف دارفور وزيارته لجمهورية تشاد ضمن أولى الخطوات التي استهل بها الدكتور تحركاته للإمساك بخيوط حل الأزمة السودانية في دارفور .
أشرنا في مقالات سابقة وفي اللحظات الأولى التي تم فيها تسليم مستشار الرئيس غازي مهام كبير المفاوضين والمسئول عن ملف دارفور، أن الرجل أصاب كبد القضية في أول تصريح إعلامي له عقب زيارته لولايات دارفور والالتقاء بالأطراف الإقليمية والأممية في تلك الولايات وقد جاءت تصريحاته بان حل مشكلة دارفور لا تكتمل إلا من خلال طرفين أساسيين الطرف الأول أن تلعب منظمات المجتمع المدني دوراً في تحقيق السلام والجانب الثاني أن تتم مراجعة العلاقات السودانية التشادية كمسألة مفتاحية لتحقيق السلام في دارفور، وخطى الممثل الحكومي دكتور غازي خطوات متقدمة في الجانبين وظهرت نتائج هذا السعي بانعقاد اللقاء التشاوري للمجتمع المدني الدارفوري في الدوحة في نوفمبر الماضي وفي حضور الوفد التشادي رفيع المستوى للبلاد في أواخر الأسبوع الماضي .
إن السعي لتحسين العلاقات وإعادتها إلى طبيعتها بين الدولتين ظل مكان اهتمام الطرفين منذ فترة بعيدة وتم توقيع عدد من المواثيق بين الدولتين في عدد من المحطات ابتداء من الخرطوم وأنجمينا وليبيا وباريس وعدد من عواصم العالم وظلت هذه الاتفاقات عرضة للسقوط والانهيار في فترات وجيزة تعود بعدها حالات العداء والتربص وسوء العلاقات .
تلعب الأوضاع الأمنية المتردية في تشاد منذ الاستقلال وانفجارات التمرد ضد النظام التشادي في كل فترة دوراً أساسياً في تراجع العلاقات الطبيعية بين البلدين ولا يغيب على القارئ أن كل الأنظمة التي حكمت تشاد إنما عبرت من السودان نحو أنجمينا، وتمثل الحكومات التشادية بعد الاستقلال حكومات للثوار من فليكس مالوم مروراً بجيكوني وهبري وانتهاءاً بدبي وظل السودان ممثلاً في إقليم دارفور المنطقة المناسبة للجوء الثوار المتطلعين للاستيلاء على انجمينا لعدد من الأسباب منها الجغرافية ممثلة في طول الحدود بين البلدين ومنها العرقية ممثلة في عدد وحجم القبائل المشتركة بين الدولتين ومنها الثقافية للعلاقات التاريخية بين ممالك تشاد وسلطنة دارفور وتتشابه السحنات واللهجات بين سكان دارفور وتشاد.
أدى ظهور التمرد المسلح في دارفور إلى تأزيم الوضع بين الدولتين وإلى تقاطع المصالح بين النظام السوداني والنظام التشادي فقد تطلعت تشاد إلى أن تلعب الحكومة السودانية دوراً في تحجيم الحركات المناوئة لها . بينما الحكومة السودانية رأت في تشاد تغييراً في مواقفها الداعمة إبان إنفجار الأوضاع في دارفور في لقاء الفاشر بين الرئيسين البشير ودبي والإعلان المشترك للقضاء على المتمردين في دارفور .
أيضاً لعبت القوى الدولية دوراً من خلال موقفها من المشكلة السودانية في دارفور إلى تصعيد العداء بين الجارتين خاصة الدور الفرنسي في المنطقة وهي التي تمثل الدور الأوربي الغربي على الحدود السودانية من خلال تواجدها عسكرياً وسياسياً في أنجمينا .. المحور الثالث الذي أدى إلى عدم صمود الاتفاقيات السابقة هي محور القبلية ، فالرئيس التشادي الذي ينتمي إلى القبيلة التي تمثل الركيزة الأساسية للحركات الدارفورية المسلحة في مناطق شمال دارفور خاصة حركتي العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان قبل توقيع أبوجا 2005م إذ أن عدد من القيادات في الحركات المسلحة كانوا من بين الذين دعموا الثورة التشادية في توجهها نحو انجمينا، ولعبوا دوراً أساسياً في تمكين النظام القائم في تشاد خاصة أن القبيلة تلعب دوراً كبيراً في التوجهات السياسية في الدولة المجاورة للسودان .
إن وصول هذا الوفد في الظروف المحيطة بالمشكلة الدارفورية والنهج الذي تنتهجه الحكومة السودانية في مرحلة التحول الديمقراطي والسعي لإطفاء بؤر الاشتعال داخلياً وتخفيف حدة المواجهة مع المجتمع الدولي والحرص الشديد لإنهاء مشكلة دارفور والوصول إلى سلام واستقرار في هذه المنطقة الحيوية للسودان والقارة تجعلها ترد التحية بأحسن منها وأن الخطوة التشادية سوف تردها الحكومة بخطوتين إذ أن مصلحة البلدين تتطلب تجاوز التصعيد والمرارات السابقة التي بلغت ذروتها في وصول المتمردين التشاديين في مارس 2007م إلى القصر الرئاسي في انجمينا ووصول حركة العدل والمساواة إلى مدينة أم درمان في مايو 2008م والتي جعلت تشاد تعلن حالة الحرب مع السودان وجعلت السودان يصف حادث أم درمان بالغزو التشادي .
إن السؤال الذي يقفز للأذهان هل ستكون دورة اللقاءات وتجاوز العداء بين الدولتين هي آخر المحاولات في إعادة الأوضاع إلى الاستقرار المنشود في كل منهما؟ الإجابة على هذا السؤال رغم الإرادة التي أظهرتها تشاد والسودان تتوقف على ثلاثة محاور رئيسية .
المحور الأول : التدخلات الغربية في علاقاتها مع السودان خاصة الدولة الفرنسية أكثر الدول الأوروبية تشدداً تجاه السودان وتأييداً للجنائية الدولية .
المحور الثاني : يتمثل في تعاون كل من الدولتين من أجل الوصول إلى اتفاقات سياسية مع الحركات المسلحة المتمردة في وجه الحكومتين لبناء الأمن والسلام على الحدود .
المحور الثالث : الحد من التطلع القبلي والولاء المزدوج للقبيلة والخيار بين الوطن والانتماء القبلي .
ولله الحمد..