وفاة الفريق سعد الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري خلال حرب أكتوبر 1973
عارض قرارات السادات فأقاله في غرفة عمليات الجيش.. وسجن 3 سنوات بدعوى إفشاء أسرار عسكرية
القاهرة: محمد عبد الرءوف ومحمد عبده حسنين
غيب الموت، أمس، الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان الجيش المصري إبان حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، عن عمر يناهز 89 عاما بعد معاناة طويلة مع المرض، حيث وافته المنية بمستشفى عسكري حيث كان يتلقى العلاج.
ولد الشاذلي في أبريل (نيسان) عام 1922 بمحافظة الغربية، ويوصف بأنه العقل المدبر لحرب أكتوبر 1973، حيث إنه تولى رئاسة أركان الجيش المصري في الفترة من مايو (أيار) 1971 وحتى ديسمبر (كانون الأول) 1973.
وللشاذلي تاريخ عسكري مشرف حيث أسس أول فرقة للمظلات في الجيش المصري عام 1954 واستمر في قيادتها حتى عام 1959، كما تولى قيادة أول قوات عربية موحدة في الكونغو كجزء من قوات الأمم المتحدة (1960 – 1961)، وانتقل بعدها إلى العاصمة البريطانية لندن حيث عين ملحقا عسكريا في السفارة المصرية هناك في الفترة (1961 – 1963)، وعاد ليتولى قيادة لواء المشاة بالجيش عامي 1965 و1966.
وفي الفترة من 1967 إلى 1969 تولى قيادة القوات الخاصة (المظلات والصاعقة)، ثم عين قائدا لمنطقة البحر الأحمر العسكرية من عام 1970 وحتى 1971.
وفي 16 مايو 1971، وبعد يوم واحد من إطاحة الرئيس السادات بأقطاب النظام الناصري، فيما سماه بـ«ثورة التصحيح»، عين الشاذلي رئيسا للأركان بالقوات المسلحة، باعتباره لم يكن محسوبا على أي من المتصارعين على الساحة، واستمر في هذا المنصب حتى 13 ديسمبر 1973. إلى أن انتقل إلى العمل الدبلوماسي، حين عين سفيرا لدى بريطانيا (1974 – 1975)، ثم سفيرا لدى البرتغال (1975 – 1978).
حظي الشاذلي بشهرة كبيرة للمرة الأولى في عام 1941، عندما كانت القوات المصرية والبريطانية تواجه القوات الألمانية في الصحراء الغربية خلال الحرب العالمية الثانية، وصدرت الأوامر للقوات المصرية والبريطانية بالانسحاب، لكن الملازم الشاذلي بقي ليدمر المعدات المتبقية في وجه القوات الألمانية المتقدمة.
وبرزت العبقرية العسكرية للشاذلي في حرب يونيو (حزيران) 1967، عندما مني الجيش المصري بهزيمة نكراء.. إلا أن الشاذلي الذي كان يقود وحدة من القوات المصرية الخاصة (المعروفة بمجموعة الشاذلي) في مهمة لحراسة وسط سيناء، اتخذ قرارا جريئا بعبور قواته الحدود الدولية قبل غروب يوم 5 يونيو، وتمركز بقواته داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بنحو 5 كيلومترات، وبقي هناك يومين إلى أن اتصل بالقيادة العامة للجيش في القاهرة التي أمرته بالانسحاب فورا، لينفذ الأمر ويعود بقواته ومعداته سالما، ومتفاديا النيران الإسرائيلية، وكان آخر قائد مصري ينسحب بقواته من سيناء.
وبعد هذه الحادثة اكتسب سمعة كبيرة في صفوف الجيش المصري، فتم تعيينه قائدا للقوات الخاصة والصاعقة والمظلات، وقد كانت أول وآخر مرة في التاريخ المصري يتم فيها ضم قوات المظلات وقوات الصاعقة إلى قوة موحدة هي القوات الخاصة.
وعقب تعيينه كرئيس للأركان، دب الخلاف بين الشاذلي والفريق محمد أحمد صادق، وزير الحربية آنذاك، حول خطة العمليات الخاصة بتحرير سيناء. حيث كان الفريق صادق يرى أن الجيش المصري يتعين عليه ألا يقوم بأي عملية هجومية إلا إذا وصل إلى مرحلة تفوق على العدو في المعدات والكفاءة القتالية لجنوده، عندها فقط يمكنه القيام بعملية كاسحة يحرر بها سيناء كلها.. إلا أن الشاذلي لم يقتنع بأن هذا التوجه يتناسب مع الإمكانيات الفعلية للجيش، ولذلك طالب بأن يقوم بعملية هجومية في حدود إمكانياته، تقضي باسترداد من 10 إلى 12 كيلومترا في عمق سيناء.
وخلال حرب أكتوبر، عارض الفريق الشاذلي تطوير الهجوم المصري خارج نطاق الـ12 كيلومترا التي تقف القوات فيها بحماية مظلة الدفاع الجوي، لأنه رأى أن أي تقدم للقوات خارج مظلة الدفاع الجوي معناه القضاء على تلك القوات، إلا أن السادات وافق على قرار وزير دفاعه المشير أحمد إسماعيل وطور الهجوم.. وهي العملية التي أسفرت لاحقا عن ثغرة الدفرسوار، والتي طوقت فيها القوات الإسرائيلية الجيش الثالث بالكامل في السويس. ووصلت القوات الإسرائيلية إلى طريق السويس القاهرة، ولكنها توقفت لصعوبة الوضع العسكري بالنسبة لها غرب القناة، خصوصا بعد فشل الجنرال شارون في الاستيلاء على الإسماعيلية وفشل الجيش الإسرائيلي في احتلال السويس مما وضع القوات الإسرائيلية غرب القناة في مأزق صعب وجعلها محاصرة بين الموانع الطبيعية والاستنزاف والقلق من الهجوم المصري المضاد الوشيك.
في يوم 17 أكتوبر 1973 طالب الفريق الشاذلي بسحب 4 ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب، ليزيد من الخناق على القوات الإسرائيلية الموجودة في الغرب والقضاء عليها نهائيا، علما بأن القوات الإسرائيلية يوم 17 أكتوبر كانت لواء مدرعا وفرقة مشاة فقط. وتوقع الفريق الشاذلي عبور لواء إسرائيلي إضافي ليلا، لذا طالب بسحب عدد 4 ألوية مدرعة تحسبا لذلك. وأضاف أن القوات المصرية ستقاتل تحت مظلة الدفاع الجوي وبمساعدة الطيران المصري وهو ما يضمن التفوق المصري الكاسح وسيتم تدمير الثغرة تدميرا نهائيا، كأن عاصفة هبت على الثغرة وقضت عليها (حسب ما وصف الشاذلي).. وهذه الخطة تعتبر من وجهة نظر الشاذلي تطبيقا لمبدأ من مبادئ الحرب الحديثة، وهو «المناورة بالقوات»، علما بأن سحب هذه الألوية لن يؤثر مطلقا على أوضاع الفرق المشاة الخمس المتمركزة في الشرق.
لكن السادات وأحمد إسماعيل رفضا هذا الأمر بشدة، بدعوى أن الجنود المصريين لديهم عقدة نفسية من عملية الانسحاب للغرب منذ نكسة 1967، وبالتالي رفضا سحب أي قوات من الشرق للغرب.. وهنا وصلت الأمور بينهما وبين الشاذلي إلى حافة النهاية، وقرر الرئيس السادات إقصاء الشاذلي من رئاسة الأركان داخل غرفة العمليات وعين الفريق محمد عبد الغني الجمسي خلفا له. وفي 13 ديسمبر 1973، تم إنهاء خدمة الفريق الشاذلي بالجيش وعينه السادات سفيرا لمصر لدى إنجلترا ثم البرتغال.
وفي عام 1978 انتقد الشاذلي بشدة معاهدة «كامب ديفيد» وعارضها علانية مما جعله يتخذ القرار بترك منصبه والذهاب إلى الجزائر كلاجئ سياسي، حيث كتب الفريق مذكراته عن الحرب، التي اتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغم جميع النصائح من المحيطين.
كما اتهم في تلك المذكرات السادات بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة، في مفاوضات فض الاشتباك الأولى. وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه السادات بإساءة استعمال سلطاته، وهو الكتاب الذي أدى إلى محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية.. وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة، ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانوني وتجريده من حقوقه السياسية.
وحين عاد إلى مصر عام 1992 بعد 14 عاما قضاها في المنفى، قبض عليه فور وصوله المطار وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن دون محاكمة، رغم أن القانون المصري ينص على أن الأحكام القضائية الصادرة غيابيا لا بد أن تخضع لمحاكمة أخرى.
ووجهت للفريق للشاذلي تهمتان؛ الأولى هي نشر كتاب من دون موافقة مسبقة عليه، واعترف الشاذلي بارتكابها. أما التهمة الثانية فهي إفشاء أسرار عسكرية في كتابه، وأنكر الشاذلي صحة هذه التهمة الأخيرة بشدة، بدعوى أن تلك الأسرار المزعومة كانت أسرارا حكومية وليست أسرارا عسكرية.
وأثناء وجوده بالسجن، نجح فريق المحامين المدافع عنه في الحصول على حكم قضائي صادر من أعلى محكمة مدنية، وينص على أن الإدانة العسكرية السابقة غير قانونية، وأن الحكم العسكري الصادر ضده يعتبر مخالفا للدستور، وأمرت المحكمة بالإفراج الفوري عنه.. ورغم ذلك، لم ينفذ هذا الحكم الأخير، وقضى بقية مدة عقوبته في السجن، وخرج بعدها ليعيش بعيدا عن أي ظهور رسمي.
ويذكر أن الفريق الشاذلي هو الوحيد من قادة حرب أكتوبر الذي لم يتم تكريمه بأي نوع من أنواع التكريم، وتم تجاهله في الاحتفالية التي أقامها مجلس الشعب المصري لقادة حرب أكتوبر، والتي سلمهم خلالها الرئيس أنور السادات النياشين والأوسمة. ومن أشهر مؤلفاته: «حرب أكتوبر»، و«الخيار العسكري العربي»، و«الحرب الصليبية الثامنة»، و«أربع سنوات في السلك الدبلوماسي».