وزير المالية السوداني: سنتقشف.. ودعونا السودانيين للعودة لـ«الكسرة» و«العواسة» بعد الانفصال
علي محمود لـ«لشرق الأوسط»: سنفقد 70% من نصيبنا في احتياطي النفط.. و50% من عائدات النفط.. إذا انفصل الجنوب
|
قال علي محمود، وزير المالية السوداني، إن الاستفتاء في جنوب السودان، الذي سيجري في التاسع من يناير (كانون الثاني) «يجب أن يكون حرا ونزيها»، لكي يقبله حزبه.. و«إذا كان كذلك فإن أغلبية الجنوبيين سيصوتون للبقاء داخل السودان الواحد».
وقال محمود وهو أحد قادة حزب المؤتمر الوطني الحاكم، وكان واليا لولاية جنوب كردفان، في حوار مع «الشرق الأوسط»، إن المواطن الجنوبي العادي لا يريد الانفصال عن «إخوانه وبني وطنه» في الشمال. واتهم قيادات جنوبية بالعمل نحو الانفصال «لتحقيق مطامع شخصية، وتنفيذ مخططات أجنبية». ووصفهم بأنهم متطرفون، وسماهم «طالبان جنوب السودان». وفي المقابل اعترف محمود بأن حزبه، المؤتمر الوطني، حريص على منح الجنوبيين الحرية، أكثر من أي حزب شمالي آخر، وربما أكثر من أي حزب جنوبي. وقال: «كيف نقدر على حكم أناس لا يريدوننا أن نحكمهم؟»، وأضاف «المعارضة تتحدث عن الحريات والديمقراطية.. وماذا عن حرية الجنوبيين.. أقول إننا نحن فخورون بأننا أول من وافق على منح الجنوبيين حق تقرير مصيرهم».
وتحدث الوزير إلى «الشرق الأوسط» في واشنطن، خلال زيارته لحضور الدورة السنوية لاجتماعات البنك الدولي، وقال إن «البنك لأول مرة منذ سنوات كثيرة أبدى (مشاعر إيجابية) نحو السودان. وذلك بسبب مبادرات أميركية هي الأولى من نوعها. وإن البنك الدولي وعد بمناقشة تقديم مساعدات إلى كل السودان، وليس فقط الجنوب، وبمناقشة ديون السودان الخارجية التي وصلت إلى قرابة أربعين مليار دولار، حسب أرقام صندوق النقد العالمي».
* هل سينفصل الجنوب في استفتاء يناير المقبل أم سيبقى السودان دولة واحدة؟
– نحن، كما أعلن السيد الرئيس، ملتزمون بنقطتين أساسيتين حول الاستفتاء، وهما من أساس اتفاقية السلام لسنة 2005، أولا: إجراء الاستفتاء في موعده، والاعتراف بنتائجه، ثانيا: أن يكون حرا ونزيها، فنحن نصلي وندعو الله ألا يتقسم السودان، وأن يبقى موحدا. لكن توجد احتمالات الانفصال، واحتمالات مشكلات كثيرة وكبيرة:
أولا: طبعا، وكما سمعت، صار قادة جنوبيون يتحدثون مؤخرا عن الانفصال.
ثانيا: طبعا، كما سمعت، صارت أوغندا تتحدث عن تأييد انفصال الجنوب، وإمكانية التدخل لحماية دولة الجنوب الجديدة. نحن لا نريد الحرب، ولا نريد التدخلات الأجنبية، لا في الجنوب ولا في الشمال.
* لماذا، في رأيك، غير قادة جنوبيون رأيهم، وبدأوا يدعون للانفصال؟
– هؤلاء هم المتطرفون، نحن نؤمن بأن أغلبية الجنوبيين، إذا أجريت الانتخابات في حرية ونزاهة، ستؤيد الوحدة لأننا إخوان، وعشنا مع بعضنا في سودان واحد لمئات السنين. والمشكلات والحروب الأهلية تحدث في أي بلد. لكن الذين يدعون للانفصال هم المتطرفون. ووزير النفط، لوال دينق، جنوبي وحدوي، وهو يتندر ويسمى الجنوبيين المتطرفين «طالبان جنوب السودان».
* لكن احتمال الانفصال موجود؟
– نصلي وندعو الله ألا يحدث. وإذا حدث نأمل أن يكون سلميا. وكما قلت لك، نحن والجنوبيون إخوان عبر تاريخ السودان، وتربطنا علاقات كثيرة: عائلية ووطنية ونضالية واجتماعية واقتصادية. رغم تركيز الإعلام الأميركي على النفط، ليس النفط أساس علاقاتنا، ولن يكن. أما إذا انفصلوا، فلا بد أن تستمر العلاقات العائلية والاجتماعية. وأيضا التجارية لأنهم لا بد أن يصدروا النفط عن الطريق الوحيد، طريق الشمال، إلى ميناء بورتسودان. وإذا دمرت آبار النفط، لا بد أن يخسروا هم ونخسر نحن. سنعمل على مساعدتهم في المجالات والمجتمعات الدولية، وسنشجع السياحة والاستثمار في بلدهم.
* هل كان في الإمكان تفادي الوصول إلى تقسيم السودان؟.. لقد قال زعماء جنوبيون كثيرون إن حزب المؤتمر هو المسؤول لأنه لم يجعل الوحدة جاذبة؟
– ماذا قدموا هم ليجعلوا الوحدة جاذبة؟ لماذا منذ أول يوم بعد اتفاقية السلام سنة 2005 عملوا على تحويل الجنوب إلى دولة؟ لماذا قاطعوا المعاملات الاقتصادية مع حكومة السودان، واتجهوا نحو أوغندا وكينيا؟
* قالوا إن حزب المؤتمر يركز على الشريعة الإسلامية، ولا يرفض تقسيم السودان في سبيل فرض الشريعة؟
– نحن لم نفرض الشريعة على أي شخص. نحن قلنا إن كل ولاية وكل إقليم يضع القوانين التي يريدها. إذا كانوا يريدون بناء مساجد في الجنوب وبارات إلى جانبها. هناك غيرهم من يريد بناء المساجد ولا يريد بارات إلى جانبها.
* قالوا إن هناك تفرقة عنصرية ضدهم من جانب الشماليين؟
– تفرقة عنصرية.. كيف؟.. النائب الأول لرئيس الجمهورية جنوبي. تفرقة عنصرية.. ووزير شؤون رئاسة الجمهورية جنوبي؟ تفرقة عنصرية… وزير النفط جنوبي؟ تفرقة عنصرية.. وهم يحكمون الجنوب من دون أي شمالي، ويشاركون في حكم الشمال؟
* على محمود حسنين، نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي (المعارض)، قال مؤخرا لـ«الشرق الأوسط» إنكم في حزب المؤتمر (الحاكم) تتحملون مسؤولية تقسيم السودان لأنكم منذ أن جئتم إلى الحكم (انقلاب سنة 1989) دعوتم لتقرير مصير الجنوب؟
– هناك نقطتان للإجابة على هذا السؤال: الأولى: نحن، وعلى حق، حريصون على حرية الجنوبيين أكثر من أي حزب شمالي آخر، وربما أكثر من أي حزب جنوبي. كيف نقدر على حكم أناس لا يريدوننا أن نحكمهم؟ تكرر أحزاب المعارضة الحديث عن الحرية والديمقراطية، ماذا عن الحرية للجنوبيين؟ نحن فخورون بأننا أول من وافق على منح الجنوبيين حق تقرير مصيرهم.
النقطة الثانية: ألم توافق أحزاب المعارضة على حق تقرير المصير مع الجنوبيين في اتفاقية أسمرة سنة 1995؟ هل نسوا سنوات التجمع الديمقراطي والتعاون مع الحركة الشعبية؟ هل نسوا التنازلات التي قدموها إلى الحركة الشعبية؟ بعد أن انسلخت الحركة الشعبية منهم بعد أن استغلتهم وحققت أهدافها، ها هم يريدون أن يلوموا حزب المؤتمر، الذي منذ البداية، وبحسن نية، ومن دون مناورات، وافق على حرية الاختيار للجنوبيين. أقول هذا، وأضيف أنه ليس صدفة أن الحركة الشعبية وقعت على اتفاقية السلام مع حزب المؤتمر (سنة 2005)، وليس مع أحزاب المعارضة. لا بد أنها وثقت فينا أكثر منهم.
* كيف ترى المستقبل؟
– كما قلت لك، نحن نصلي وندعو الله ألا ينقسم السودان، أرض الآباء والأجداد، شماليين وجنوبيين.
ولأننا التزمنا بالاستفتاء، سنقبل بنتائجه، على شرط أن يكون الاستفتاء حرا ونزيها ليعبر عن رأي المواطن الجنوبي العادي الذي، كما قلت لك، يريد أن يستمر في العيش معنا. نحن إخوانه وبنو وطنه عبر مئات السنين، ومن قبل ثروة النفط. وليس مع أوغنديين أو كينيين يريدون استغلاله بسبب ثروة النفط، ولا يحترمونه ولا يقدرونه.
* ما هو الهدف من زيارتكم لواشنطن، وماذا حققتكم؟
– حضور اجتماعات الدورة السنوية للبنك الدولي. ولأول مرة منذ سنوات كثيرة، حققنا تحسنا كبيرا في علاقة السودان بالبنك. وتم الاتفاق على عقد سلسلة مؤتمرات «مائدة مستديرة» لتقديم مساعدات للسودان، ولدراسة ديون السودان الخارجية. وعقدت أولى حلقات «المائدة المستديرة» خلال جلسات البنك. وفيه اعترفت نائبة رئيس البنك للشؤون الأفريقية، أوبياغلي إزيكواسيل، من نيجيريا، بأنه ليس الجنوب وحده الذي يحتاج إلى مساعدة البنك، ولكن الشمال أيضا. وسيعقد قريبا مؤتمر «مائدة مستديرة» وورش عمل لدراسة مشاريع التنمية في كل السودان، وليس في الجنوب فقط. وسيكون على أعلى المستويات. وبالإضافة إلى البنك الدولي، ستشترك فيه دول ومؤسسات استثمارية كبيرة.
* ماذا سيحدث لديون السودان الخارجية، التي وصلت إلى قرابة الأربعين مليار دولار، حسب إحصائيات صندوق النقد العالمي؟
– كما قلت، سيناقش الموضوع في «مؤتمر مائدة مستديرة» قادم. وقالت نائبة رئيس البنك إن الديون «موضوع صعب»، لكنها قالت إنه يهم كل الشعب السوداني، شماليين وجنوبيين، بصرف النظر عن التطورات السياسية داخل السودان، وعن انفصال الجنوب أو عدم انفصاله.
* ماذا سيحدث للديون الخارجية إذا انفصل الجنوب؟
– أيضا، هذه ستناقش في مؤتمر «مائدة مستديرة».
* قال زعماء جنوبيون إن الجنوب لن يدفع أي شيء من الديون الخارجية لأن الحكومات الشمالية هي التي استدانتها، وبنت بها كباري ومصانع في الشمال، واشترت بها أسلحة لضرب الجنوبيين؟
– أكرر أننا سنبحث تقسيم الديون في مؤتمر «المائدة المستديرة»؟ وأضيف أننا اشترطنا مع البنك الدولي حسم الموضوع قبل الاستفتاء في الجنوب.
* إذا انفصل الجنوب، هل ستطلبون تقسيم الديون حسب عدد السكان مثلا؟
– انفصل الجنوب أو لم ينفصل، سنطلب إعفاء السودان من كل ديونه. وهذا ما أشار إليه السيد نائب رئيس الجمهورية، على عثمان محمد طه، عندما ألقى خطاب السودان في الأمم المتحدة في الشهر الماضي. قال إن السودان يجب أن يعامل مثل معاملة الدول الأقل تطورا، التي تطبق عليها إجراءات الإعفاء من الديون.
* ما هو الدور الأميركي في تحسين علاقة السودان بالبنك؟
– قدم المندوب الأميركي في البنك الدولي مبادرات لدفع التعاون مع السودان. ونحن نعتقد أن الحكومة الأميركية اقتنعت، مؤخرا، بأن حكومة السيد الرئيس عمر البشير ملتزمة بتنفيذ اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب سنة 2005. بل إنها نفذت كل بنودها. وأكثر مما نفذ الجنوب. ولم يتبق غير بند الاستفتاء، والرئيس كرر مرات كثيرة أننا ملتزمون بتنفيذه وبالاعتراف بنتائجه.
* كيف سيتأثر دخل وزارة المالية من النفط إذا انفصل الجنوب؟
– سنفقد سبعين في المائة من نصيبنا من احتياطي النفط، وخمسين في المائة من نصيبنا من عائدات النفط. نحن نأمل وندعو الله ألا ينقسم السودان، لكن هذا ما سوف يحدث إذا تقسم.
* ماذا ستفعلون إذا قسم السودان وفقدتم كل هذا العائد؟
– أولا: كنا نعيش قبل النفط، ونقدر على أن نعيش إذا فقدنا جزءا كبيرا من دخل النفط، ثانيا: اكتشف نفط في شمال السودان. ونأمل أن يعوضنا هذا عما سنفقده، إذا حدث الانفصال، ثالثا: بدأنا إعلان سياسات تخفيض الواردات وزيادة الضرائب الجمركية وترشيد الصرف الحكومي.
* ما هذه الإجراءات الحكومية؟
– عندما اختارني السيد الرئيس وزيرا للمالية، أجريت دراسات عن صادراتنا ووارداتنا، ووجدت أننا نستورد ما يساوي أكثر من تسعة مليارات دولار كل سنة، منها مليار للسيارات، وقرابة مليارين للقمح، ومائة مليون دولار للزيوت، وقرابة مائة مليون دولار لأثاث، ومثلها لفواكه ولعب أطفال، وسلع كمالية، وحسب سياستي الجديدة، لا بد من تخفيض هذه المبالغ بترشيد الاستيراد، وفرض ضرائب جمركية على الكماليات. وفعلا، أصدرت أوامر بوقف استيراد السيارات المستعملة لأنها، في المدى البعيد، ستكون عبئا على أصحابها وعلى الاقتصاد السوداني. وقد تحدثت إلى الشعب السوداني عن أهمية العودة إلى منتوجاتنا المحلية، إلى الذرة والدخن، إلى الكسرة (خبز سوداني من الذرة الرقيقة) والعواسة (عملية تقليدية لطهي الكسرة).