إبراهيم محمود: الغرب رفض تزويدنا بتقنيات متقدمة لمراقبة الحدود ومنع التسلل
أكد وزير الداخلية السوداني المهندس إبراهيم محمود أن الوضع الأمني في مناطق السودان بما في ذلك دارفور يعتبر أفضل، وأن العاصمة السودانية (الخرطوم) تصنف الآن على أنها من أكثر العواصم أمانا على المستوى الإقليمي، وكشف في حوار مع «الشرق الأوسط»، عن خطط للأجهزة المختصة تحسبا لأي مخاطر ومهددات أمنية مستفيدة من تجارب ودروس الأحداث التي أعقبت وفاة النائب الأول للرئيس زعيم الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق في مايو (أيار) 2005 بالخرطوم، وكذلك دخول مجموعات العدل والمساواة لمدينة أم درمان في مايو (أيار) 2008. وقال «قد تكون هنالك مهددات في مجال ممارسة العمل السياسي وتقترن بالأحداث التي وقعت في دول مجاورة وغيرها». وكشف أيضا أن الدول الغربية لم تستجب لمطلب السودان بتوفير تقنيات متقدمة للمراقبة ولمنع تسلل البشر والسلاح عبر الحدود، واعتبر أن تدفق السلاح عبر الحدود خاصة الغربية تمثل هاجسا أمنيا. وبشأن الانفلات الأمني في الجنوب قال إنه يؤثر على مناطق بالشمال، لكنه أشار إلى أن وزارته لا تتدخل في الأمر، باعتبار أن اتفاقية السلام الموقعة بين الشمال والجنوب، أعطت الصلاحيات الأمنية للحركة الشعبية بالجنوب. واعتبر أن الأوضاع في دارفور آخذة في التحسن المطرد استنادا على تقرير قوات السلام الدولية «يونميد» الذي قدمته أخيرا للأمم المتحدة. وأعلن أن أجهزة وزارة الداخلية تستعد لتحمل مسؤولياتها ومهامها تجاه إجراء أهم انتخابات عامة تجري في السودان في أبريل (نيسان) المقبل 2010. وقال إن السودان يعتبر الدولة رقم 13 في سجل حوادث المرور عالميا ولذلك يأتي قانون المرور الجديد رادعا بعد إجازته من البرلمان، وأنه خضع لمناقشات واسعة من كافة الأجهزة وسيقترن بحملة للثقافة المرورية.
* كيف يبدو المشهد للوضع الأمني في السودان بوجه عام؟
ـ الحمد لله، أننا الآن خرجنا من مرحلة كانت الحروب فيها تشتعل بكل أنحاء السودان، مناطق النيل الأزرق، وجنوب كردفان، والآن نتحدث عن منطقة واحدة بالمقدور معالجتها بإذن الله، وتوفير الأمن والسلامة والاستقرار لأهلها، وهي منطقة دارفور، والحقيقة الآن أن دارفور نفسها في وضع أفضل من أي وقت مضى من ناحية الأمن والاستقرار. وبشكل عام فإن المشهد السياسي العام للبلاد يبدو أفضل من أي وقت مضى، لأننا الآن اتفقنا على الدستور للبلاد، وعلى ترتيبات الفترة الانتقالية وعلى إجراء الانتخابات العامة لتحقيق التداول السلمي للسلطة مما يعكس تطورا إيجابيا وخطوة كبيرة جدا تؤمن الاستقرار وتعزز الثقة والآمال في السير نحو الأفضل.
* وماذا عن المشهد الأمني في العاصمة الأكثر كثافة سكانية؟
ـ الخرطوم اليوم هي العاصمة المصنفة باعتبارها من أكثر العواصم أمانا على المستوى الإقليمي، وهذا التصنيف لم يأت صدفة، وإنما نتيجة لجهد بذل من جانب الشرطة، ولعلنا نذكر كيف كان حال العاصمة وأوضاعها الأمنية قبل 1989 حيث كان القلق والخوف ينتاب كل بيت وأسرة. وكذلك كيف كان الحال مباشرة في أعقاب توقيع اتفاقية السلام الشامل ودخول كميات كبيرة من الأسلحة مما استوجب جهدا كبيرا من جانب قوات الشرطة وتقديم تضحيات جسيمة لصالح ضبط الأمن في العاصمة وتوفير السلامة للمواطنين. إن العاصمة الآن بتقييم الرأي العام ومراقبين وزوّار ومقيمين هي الأكثر أمانا في المنطقة الأفريقية.
* ما هي حجم المهددات أو المخاطر بالنسبة للعاصمة في ظل الأوضاع السائدة في المنطقة؟
ـ ليس هنالك عاقل يستطيع القول إن الأمن مسيطر عليه مائه في المائة، ولكن أستطيع القول إننا نتحسب للمخاطر والمهددات ونستفيد من أي حدث أو تجربة واجهتها العاصمة، وإن الأحداث في العاصمة والتي صاحبت وفاة الدكتور جون قرنق النائب الأول للرئيس زعيم الحركة الشعبية في حادثة الطائرة الأوغندية، مكنت الأجهزة المختصة من مراجعة كافة الترتيبات الأمنية، وسد الثغرات وتوفير كافة المطلوبات لمواجهة أي حادث ماثل وتطويقه، وكذلك فإن أحداث مجموعة المتمرد خليل إبراهيم (زعيم العدل والمساواة) واعتداءه على مدينة أم درمان في مايو (أيار) 2008 حقق فرصة لمراجعة كل الترتيبات من جانب الأجهزة الأمنية المختلفة والتي توفر التأمين والسلامة، وهذه الجهود تقترن بترتيبات للخطط الأمنية الشاملة لكل السودان بدءًا من مستوى الأمن الداخلي أو على الصعيد الخارجي، أو على مستوى الجريمة العادية، لأن التأمين الأمني والسلامة تعنى بما هو صغير وكبير على حد سواء.
* ماذا عن تقارير تتحدث عن مهددات أمنية للعاصمة؟
ـ إذا تناولنا المهددات الأمنية في السودان فإنها تختلف من موقع لآخر، وإذا تحدثنا عن العاصمة فليس هنالك تهديد كبير لأنه أخذ في الاعتبار وضع خطط وترتيبات وتطوير لخطط أمنية لمجابهة أيما مهدد أمني، ولكن قد تكون هنالك مهددات في مجال ممارسة العمل السياسي، وهذه الإشارة تقترن باستقرائنا لأحداث وقعت في العديد من الدول، ونستصحبها ونحن مقبلون على مرحلة انتخابات عامة كبيرة ومهمة وتخوضها القوى السياسية والأحزاب، والأجهزة المختصة وضعت خطتها وتتحسب لكل طارئ أو حادث على أي مستوى.
* هل تتوافر للشرطة والأجهزة الأمنية الأخرى الإمكانيات التي تمكنها من التعامل مع المهددات في العاصمة وغيرها؟
ـ الواقع أن إمكانيات الدولة في السودان محدودة ولكن يمكن القول إن الحكومة ملمة تماما بالأسبقيات وتوليها الاعتبار التام، ولذلك جاء اهتمامها الجاد والمركز بالشرطة، والرئيس عمر البشير يقول «إن الشرطة هي الدولة» وهي تحظى باستمرار بزيادة حجم القوات والتدريب وتوفير المعينات ويتم الآن التعاقد على الحصول على معينات متقدمة تهدف إلى رفع كفاءة قوات البوليس للاضطلاع بمهامها، كما وضعت برامج تدريبية متقدمة، ولكن إذا قلنا بأنه كاف (100%) فلن نكون صادقين لأن الإمكانيات محدودة ونحن في بلد يوصف بأنه في حجم قارة.
* هل تم تطبيق قرار تجريد الفصائل المسلحة من الأسلحة بعد توقيع اتفاقيات السلام؟
ـ معروف على مستوى العالم أن أي اتفاق للسلام تتبعه حزمة إجراءات ضرورية وحيوية ومهمة، وأحد أهم هذه الإجراءات تسريح المقاتلين أو المحاربين، ونزع السلاح وإعادة دمجهم في المجتمع، وهذا الإجراء يعتبر أساسيا وضروريا لعملية تأمين السلام، وقد كان هناك التزام من جانب المانحين لتمويل البرنامج الخاص بعملية التسريح والدمج، وهو بالطبع، برنامج مكلف لتغطية نفقات تسريح المقاتلين، وكذلك دفع المقابل المادي لجمع السلاح ثم عملية تأهيل حملة السلاح وإعادة دمجهم في المجتمع، لأنه أثناء الحرب تكون هنالك أعداد كبيرة من المجتمع هي جزء من القتال، وأسجل أن هذا البرنامج نفذ بصورة جيدة بالنسبة لاتفاقية سلام شرق السودان ولكن تعثر تطبيقه بالصورة المطلوبة في جنوب السودان، ولذلك يعاني الجنوب الآن من مشاكل.
* هل لديكم خطة أو تأمين للحؤول دون دخول السلاح عبر الحدود إلى داخل السودان؟
ـ إحدى المشاكل الكبيرة التي يعايشها السودان تتمثل في هذه الحدود الطويلة الممتدة مع تسع دول ومعظمها خالية أو ليس أمامها عائق طبيعي ما عدا المملكة العربية السعودية، ولذلك تتيح طبيعة هذه الحدود المفتوحة بلا عوائق تدفق السلاح من دول الجوار وخاصة في دارفور، فتدفق السلاح عبر الحدود لدارفور يمثل أحد أهم أسباب المشكلة الأمنية في دارفور. ويمكن القول إن الجهود والمساعي تبذل لضبط الحدود ولمنع تهريب السلاح إلى داخل السودان ولكن الوضع يتطلب جهدا كبيرا وخارقا على الحدود الطويلة، وقضية تدفق السلاح تمثل أحد الهواجس الأمنية ولكن نعول كثيرا على ثقافة وتقاليد وأعراف أهل السودان المستندة على التواصل والتعاضد وترفض وتنفر من ثقافة العنف، والتي تعتبر دخيلة ووافدة وجديدة على السودانيين، ونقول أيضا إنه رغم هذه الهواجس فإن معدلات الجريمة في السودان تسجل أقل المعدلات مقارنة مع ارتفاعها في دول كثيرة.
* أليس في المقدور توفير تقنيات متقدمة لمراقبة ولمنع تسلل البشر والسلاح عبر الحدود؟
ـ نظريا، كافة الدول وبوجه خاص الدول الغربية يهمها عدم تسلل البشر أكثر من السلاح، وقد طلبنا المساعدة في توفير التقنيات المتقدمة التي تخدم أهداف السلامة وتساعد على عدم اختراق القانون، وتمنع تسرب المتسللين من دول الجوار عبر السودان إلى أوروبا ولكننا لم نجد تجاوبا أو استجابة حتى الآن.
* ألم تطرح قضية الحدود المفتوحة وما تمثله من مخاطر مع أي جهة إقليمية أو دولية؟
ـ نحن نعرف جيدا أن حدودنا واسعة وكبيرة جدا، ومن الصعوبة تغطيتها ولكننا نحتاج لدعم وتعاون مع كل الشركاء ممن لديهم مشاكل مع تهريب السلاح والبشر أو المخدرات، وإذا تعاونت معنا هذه الدول، وبوجه خاص الدول الغربية، نستطيع توفير قدر معقول من الضبط الحدودي.
* هل تؤثر أوضاع دارفور الأمنية على أوضاع المناطق الأخرى في السودان؟ وما هو التقييم الآن للموقف الأمني بدارفور؟
ـ أي جزء من الوطن يعاني من مشكلة أمنية، يعتبر مشكلة الوطن كله، بالنسبة لأوضاع دارفور فإن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، نحو الاستقرار الأمني، وهذا الحديث أوردته «يونميد» في تقريرها الأخير لمجلس الأمن، وقد قارنت فيه ما بين ما كانت تعاني منه دارفور في الفترات الماضية من مشاكل ونهب مسلح، وأن تأزم المشكلة بهذه الطريقة يقود إلى التمرد، وأي منطقة اختفى منها التمرد، عاد إليها الاستقرار، ولدينا الآن مثال ونموذج يتمثل في منطقة «مهاجرية» وكانت بها قوات حركة منى أركو مناوي وتعاني من مشاكل أمنية ونهب وقطع طرق وجاءت حركة خليل إبراهيم وأخرجت قوات منى، وجاءت قوات الحكومة وأخرجت قوات خليل، والآن عادت الأوضاع إلى الهدوء، وحدث استقرار في منطقة «مهاجرية». ولذلك نعتبر أن التمرد في دارفور يمثل العنصر الأساسي للخلل الأمني وعدم الاستقرار في دارفور.
* هل يؤثر ما وصف بالانقلاب الأمني واشتباكات قبلية بمناطق بالجنوب على الشمال؟
ـ كما ذكرت فأي جزء من الوطن يواجه مشكلة تنعكس على باقي أجزاء الوطن وهي تؤثر على الحركة بين الشمال والجنوب، وفي المناطق التي تعاني من خلل بالجنوب يجعلها تعاني من مشاكل أمن غذائي وبالتالي هنالك حراك للمواطنين من منطقة لأخرى، وأعتقد أن إحدى المشاكل الأساسية أن الدستور الانتقالي ودستور حكومة جنوب السودان نص على وزارة الشؤون الداخلية في الجنوب ولذلك فإن الوضع الأمني الداخلي بالجنوب أصبح مسؤولية الحركة الشعبية التي تتولى مهام وزارة الداخلية بالجنوب.
* هل تستعد وزارة الداخلية لمواجهة متطلبات أهم وأخطر انتخابات عامة في السودان في أبريل (نيسان) المقبل؟
ـ بالطبع فإن إجراء انتخابات عامة وعلى درجة عالية من الأهمية لا بد أن تستنفر كل الجهود. والشرطة السودانية لديها خبرة طويلة في توفير الأمن والسلامة للعملية الانتخابية التي بدأت في السودان لأول مرة عام 1953 وقد قامت الشرطة بتأمين كافة المراحل التي تسبق الانتخابات العامة بما فيها التعداد، وقد وضعت خطة لكل مرحلة وعلى المستوى المركزي والولائي وعلى مستوى المحليات وتستعد لوضع خطة تأمين وسلامة لكل دائرة انتخابية. وقد وضعنا خطة تدريبية شاملة بما فيها إرسال ضباط كبار للخارج للتعرف على أساليب التدريب وسيتواصل هذا الأمر لتوفير التأهيل المطلوب، ونحتاج لتوفير معنيات تقنية، وكذلك وضعت خطة لترقية المجتمع بكيفية السير في عملية الانتخابات نزيهة وآمنة بإذن الله. ولقد أثبتت التجارب من حولنا، سواء كينيا أو زيمبابوي وأخيرا إيران ما يترتب على الانتخابات العامة، ونحن نستفيد ونتحسب لإدارة الانتخابات وتأمينها في المرحلة القادمة.
* كيف تمضي عملية السجل المدني؟
ـ في وزارة الداخلية حدثت تطورات تقنية متقدمة ذات الصلة بالخدمات للجمهور في المرور والترخيص للقيادة أو السيارات والجواز الإلكتروني وقد خطا السجل المدني خطوات عملية دقيقة بكفاءة عالية وتتوقع أن يبدأ التسجيل الأساسي لكل المواطنين مع نهاية العام، وستكون هنالك مكاتب تسجيل في جميع مدن وولايات السودان.
* لماذا شددت العقوبات إلى حد سحب رخصة القيادة لأربع سنوات في قانون المرور؟
ـ هذا القانون نوقش على كافة المستويات والتخصصات وفي ورشة ضمن البرلمانيين وهو استند إلى قرار من الأمم المتحدة لزيادة العقوبات لأن هنالك أكثر من مليون إنسان ماتوا بسبب حوادث الحركة وأكثر من (50) مليونا أصيبوا بإعاقة مستديمة، وأن المرور يمثل السبب الأساسي للموت في العالم، والسودان الدولة (13) في قائمة الدول كثيرة الحوادث، وكثرة العربات لا تعني كثرة الحوادث المرورية، فهناك دوائر كثيرة متداخلة وذات اختصاصات في المجالات كافة للتعاون من أجل السلامة والمرورية واتفقنا معها على تعميم الثقافة المرورية وإدخالها في المناهج الدراسية بدءا من مرحلة الأساس، وقد خضع القانون لمناقشات واسعة وهو خرج من وزارة الداخلية في طريقه إلى البرلمان الذي يبت فيه عبر المناقشة ومن ثم الوصول إلى قرار بشأنه مجملا.
محمد سعيد محمد الحسن
الشرق الاوسط