“وثيقة الدوحة” ووحدة السودان
أحداث السودان تهم القرن الإفريقي ووادي النيل وشمال إفريقيا . فالسودان الموحد غير السودان المشرذم قبلياً إلى دويلات هامشية، ناهيك بالتفتت الاجتماعي والسياسي الحاصل في منطقة القرن الإفريقي .
في إبريل/نيسان المقبل ستجرى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إنها مناسبة مهمة تؤشر لمصير السودان الموحد، بعدما تجددت الدعوات الإقليمية إلى منح حق تقرير المصير في الجنوب والشرق والغرب تحت وطأة الحركات المسلحة، المتمردة أو الثورية أو الانفصالية .
كنا نتمنى لو أن الاهتمام العربي بلغ مرحلة متقدمة بمجريات الأحداث، وشُكلت لجنة حكماء العرب إلى جانب (لجنة حكماء إفريقيا) الساعية لاستقرار السودان وأمنه، حيث لا يمكن ترك مصير السودان وغيره من الدول المجاورة في مهب الرياح الإقليمية والدولية، فكيف إذا كانت الكيانات الوطنية مهددة كما هي الحال في الصومال، وإلى حدٍ ما في جيبوتي وإريتريا وإثيوبيا؟
إن هذه الملاحظة لا تُسقط أهمية الجهد القطري في معالجة الوضع الأمني السوداني، والذي أدى إلى ميثاق الدوحة بين الحكومة المركزية ومتمردي دارفور، فما هي ظروفه ونتائجه المحتملة؟
الرئيس السوداني عمر حسن البشير يتعهد بالانسحاب بهدوء في حال خسارته الانتخابات الرئاسية، التي نرتجيها نزيهة وشاملة لعدد كبير من المقترعين السودانيين، وهو يعلن في الوقت عينه نهاية حرب دارفور بعدما وقعت حكومته مع “حركة العدل والمساواة” إحدى أكبر حركات التمرد في إقليم دارفور، “مشروع اتفاق ميثاق الدوحة” تحت رعاية الرئيس التشادي إدريس ديبي، فهل يأتي هذا الإعلان لتعزيز شعبية الرئيس السوداني وحزب المؤتمر الوطني كما ألمح المنافسون له في حزب الأمة؟
بمعزل عن الانتخابات ونتائجها، تبقى وحدة السودان وحماية ثرواته هدفاً وطنياً كبيراً، فالتفتيت – إذا ما حصل – لن يقتصر على انفصال الجنوب في انتخابات حق تقرير المصير في بداية العام ،2011 أو على إقليم دارفور في غرب السودان، إنه سينتقل إلى الشرق والوسط، وسنكون أمام مشهد إفريقي شبيه بالحالة الصومالية .
ثمة إشكالية كبرى تقف أمام الوحدة وتعزيز المركزية، إنها ظاهرة تقسيم الثروة والسلطة . فاتفاق الدوحة يحمل في طياته شيئاً من هذا التقسيم، على مستوى السلطات المحلية وعلاقتها بالحكومة المركزية، وفي مجال الثروات والموارد الطبيعية والبشرية الموجودة في دارفور .
قد يقال: اقتسام الثروة والسلطة نوع من اللامركزية أو هو شكل من الديمقراطية السياسية والاجتماعية . إنها مبالغة في التوصيف، فيما يعاني السودان من حركات انفصالية تحت وطأة القبلية والأخطاء الداخلية المتراكمة والضغوط الخارجية المستمرة .
بالطبع، كان على الحكومات المركزية المتعاقبة أن تجتهد أكثر في مجال التنمية، وربط الأقاليم المترامية الأطراف بالمركز أو العاصمة . ويقع على عاتقها واجب احترام حقوق الانسان وحرياته الأساسية، وإقامة أفضل العلاقات مع دول الجوار ضناً بوحدة السودان واستقراره .
مهما يكن الأمر، فإن ظاهرة اقتسام السلطة والثروة تنطوي على مخاطرة أكيدة، حسبنا في هذا المضمار تأمل التجربة العراقية من خلال الحكم الذاتي الموسع الذي أعطي إلى إقليم كردستان في الشمال، وكيف قادت هذه الظاهرة إلى المطالبة بكيان سياسي منفصل عن العراق، فهل سيتجه جنوب السودان إلى الانفصال في العام المقبل؟ وهل يقود هذا الاتجاه إلى ضرب وحدة السودان في الأقاليم الغربية والشرقية، ونكون أمام حالة مماثلة لواقع الصومال؟
إن معالجة ظاهرة التعددية القومية والقبلية والدينية تكون بإعلاء فكرة المواطنة، وتطبيقها في سائر مجالات الحقوق والحريات، بحيث تشمل التنمية الشاملة سائر الأقاليم بعيداً عن الفساد وظاهرة احتكار السلطة . قد تكون البلاد العربية كافة معنية بهذا التوجه بعدما فشلت في النهوض من إرث التخلف إلى آفاق التطور، وبعدما باتت كياناتها الوطنية مهددة بالتفكك .
* نقلا عن “الخليج” الإماراتية