وانجي: دارفور أرض أفريقية لشعب أفريقيبوبويا سيمون فودو
تقع دارفور في الجزء الغربي من السودان وعُرفت بأزماتها السياسية والإنسانية الطويلة والمعقدة، وقد أصدرت المحكمة الجنائية الدولية عام 2009 مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير، على خلفية جرائم مختلفة يزعم أنها ارتكبت في دارفور: جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. فإذا ما نظرنا إلى شمال وجنوب السودان كدولتين مستقلتين ترابطت مصالحهما لفترة طويلة، هل سيكون لأزمات دارفور أثر سلبي على العلاقات بين البلدين بعد 9 يوليو 2011؟
لقد ترك البروفيسور باري وانج، وهو أحد أقدم أعضاء الجيش الشعبي لتحرير السودان وعمره 74 عاماً، كما فعل الدكتور جون قرنق دي مابيور، بصمات تاريخية خلال فترة الصراع في الجنوب. فقد رفض اتفاقية أديس أبابا الموقعة سنة 1972 والتي منحت جنوب السودان حكومة مستقلة ذات حكم شبه ذاتي. تحدث باري، وهو حالياً عضو في البرلمان في المجلس التشريعي لجنوب السودان، في مقابلة رسمية عن آثار الأزمات في دارفور إذا ما بقيت دون حل قبل انتهاء الفترة الانتقالية على جنوب وشمال السودان على حد سواء:
س: ما هي الآثار التي يمكن أن تترتب عن الأزمات في دارفور على جنوب وشمال السودان إذا لم تُحل هذه الأزمات قبل نهاية الفترة الانتقالية؟ وهل يمكنك تتبع بعض المعالم السياسية التاريخية لأزمات دارفور؟
\”الثقافة الأفريقية هي الأقدم والأساس الذي قام عليه اعتناق الدين الإسلامي.\”
البروفيسور باري وانجي
ج: إن تاريخ دارفور موثق توثيقاً جيداً، وكما تعلم لم تدخل دارفور في السودان الأنجلو-مصرية إلا في 1916، إذ كانت قبل ذلك سلطنة مستقلة. والحقيقة الثانية المهمة هي أن دارفور أرض أفريقية تعود إلى شعب أفريقي، ومعظمهم مسلمين ومرتبطين جداً بثقافاتهم الأفريقية. وقد كانت الثقافة الأفريقية هي الأقدم والأساس الذي قام عليه اعتناق الدين الإسلامي. وبالتالي لا يمكن صهر سكان دارفور في الثقافة العربية في السودان، إذ إنهم شعب أفريقي.
إذا لم تُحل قضية دارفور قبل نهاية الفترة الانتقالية فإنها ستفضي إلى وضع معقد. وسينشأ ذلك مع عدم استعداد الحزب الحاكم في الخرطوم للاعتراف بحق الدارفوريين في تقرير مصيرهم وهو الأمر الذي يحق لهم (أي للدارفوريين). لقد استغرق الأمر سنوات عديدة وأرواح كثيرة لتتنازل الخرطوم للجنوب في حق تقرير المصير، فلماذا لا يُمنح هذا الحق نفسه لدارفور؟
وبطبيعة الحال، فإن الفرق بين الجنوب ودارفور هي الأغلبية غير المسلمة في الجنوب، ولكن تاريخياً، شعب دارفور وسودانيو الجنوب يتشبهان، كل ما في الأمر هو أن الدارفوريين قد تم \’تعريبهم\’ إلى حد ما من حيث الدين والثقافة الإسلامية وما إلى ذلك. ولكن العامل الأكثر أهمية هو أن للدارفوريين الحق، سياسياً وتاريخياً، في ممارسة تقرير المصير إما للبقاء في السودان العربية أو بالانفصال لتشكيل دولة خاصة بهم.
سيصبح الجنوب دولة مستقلة، وسوف نتقيد بقوانين دولية محددة. فعلى سبيل المثال، من الآن فصاعداً لن نكون قادرين على التدخل علناً في قضية دارفور، وبالتالي لا يمكننا أن نرسل جيوشنا للقتال مع الدارفوريين. ولكن الجميع يعلم تعاطف الجنوب مع الدرفوريين، وذلك لأن قضيتهم أصيلة.بالاضافة الى ذلك، فقد مررنا، نحن الجنوبيون بجميع المراحل التي تمر بها دارفور الآن.
تعاطف الجنوب مع الدرفوريين شيء معروف
إذا ذهبت إلى مدينة واو عاصمة ولاية بحر الغزال الغربية ستجد هناك مستوطنة كبيرة جداً من الدارفوريين، لقد كانوا قادرين على التأثير في شعب الجنوب. ليس ذلك فحسب، بل انضم عدد لا بأس به من سكان دارفور إلى جيشنا. ولذلك تمكن الدرفوريون من كسب تعاطف الكثير من الجنوبيين. لكن وكما قلت، نحن لن نتدخل في الشؤون الداخلية للسودان، فالتعاطف لا يعني أنه علينا المشاركة في حرب تحريرهم (الدارفوريين)، لأننا سنكون ملزمين بالتقيد بالقانون الدولي.
ثمة نقطة أخرى تتعلق بالانتماء العرقي. فلو رجعنا إلى التاريخ سنرى أن الدارفورين والنوبيين وشعب النيل الأزرق أخطؤوا في القتال ضدنا من 1955 حتى 1972، ويعود ذلك لعدم وعيهم السياسي، وقد اكتشفوا الآن أن القضية لم تكن دينية بل عرقية.
لا يحمل الجنوب أية ضغينة وسنستمر في الدفاع عن حق الدارفوريين في تقرير المصير على المستوى الدولي. فدعم تقرير مصيرهم ليس جريمة وللجنوب كل الحق المشروع لدعم قضية دارفور.
لمزيد من المعلومات إقرأ : الحرب الأخرى – الصراع العربي الداخلي في دارفور
س: ليست هذه بالمرة الأولى التي يجلس فيها متمردو دارفور للتفاوض مع حكومة الخرطوم. فهل ترى أن بإمكان هذه المفاوضات الجارية أن تثمر حلاً ناجعا لأزمة دارفور؟
ج: بالنظر إلى تاريخ الصراع في الجنوب، لا بد للحكومة السودانية من أن تفهم أنها ستتنازل في نهاية المطاف. سيحاول الشمال الاحتفاظ بدارفور لأطول فترة ممكنة، ولكنني أعتقد أن مع اكتساب الدارفوريين خبرة في الحرب، سينتصرون في النهاية. قتالهم ليس لبسط نفوذهم على العرب، بل هو بهدف للتحرير. أما بالنسبة للمفاوضات في الدوحة، سبق وأشرت إلى إحجام الشماليين عن التوصل إلى اتفاق. وإن لم يتعاون الشماليون فسيُهزمون، ولن تحمل الحكومة السودانية العرب على قتال أهل دارفور.
س: لماذا تعتقد أن أهل دارفور سينتصرون؟
ج: لأن العالم قد تغيّر، وهناك متعاطفون كثر مع دارفور. أنا لا أتحدث عن الجنوب، فهناك دول أفريقية أخرى تدعم قضية دارفور.
س: ما هي العوامل التي تطيل المفاوضات للتوصل إلى اتفاقات نهائية ناجحة بين الطرفين؟ هل يمكن أن يكون ذلك بسبب الفصائل في دارفور أم لأن الخرطوم لا تزال تحارب جنوب السودان؟
\”للفصائل خلافاتها ولكن في نهاية المطاف رغبة شعب دارفور هي التي ستنتصر.\”
البروفيسور باري وانجي
ج: حتى في الجنوب، توجد العديد من الفصائل فهذا من طبيعة حروب التحرير. ويستغل الأعداء هذه الخلافات، وأعتقد أنك تعرف تاريخنا. فأنا أرى أن للفصائل خلافاتها ولكن في نهاية المطاف رغبة شعب دارفور هي التي ستنتصر.
تتطلب الأزمات في دارفور التزاماً حقيقياً من جميع الأطراف لايجاد حل حقيقي ونزيه. ولكن يبدو أن الرؤى المضادة و المنقسمة وألعاب إلقاء اللوم والمصالح الشخصية لا تزال هي الخطوط الرئيسية التي يتم التعامل مع مشاكل دارفور من خلالها. إن استقلال جنوب السودان القريب سيغيّر حتما التشكيل السياسي في المنطقة. ومع وجود دولتين مستقلتين و ذو سيادة في الشمال والجنوب، ستعتمد درجة مشاركة كل منهما بالتأكيد على المصالح الوطنية والأمنية لكل طرف. وفي خضم التحركات السياسية والعسكرية والدبلوماسية، يجب أن يكون مصير شعب دارفور هو الأساس قبل بدء أي عمليات سلمية في المنطقة.
الآراء الواردة في هذا التقرير لا تعبر بالضرورة عن رأي الناشر أو عن رأي الموقع www.sudanvotes.com