هل لحكومة الخرطوم يدُ في إختطاف عمال الإغاثة وقتل القوات الدولية في دارفور

ظاهرة إختطاف العاملين في المجال الإنساني بولايات دارفور اصبح يعرق الضمير العالمي مع إزدياد معاناة النازحين في معسكرات النزوح من جانب ، ومن جانب الاخر التأيد المبطن من قبل حكومة المؤتمر الوطني والتستر لمرتكبي الجرم من المليشيات التابعة لها ، وقد يظن البعض ان الظاهرة كانت وليدة الوضع المتردي في دارفور نتيجة غياب سلطة الدولة وغيرها من التبريرات ولكن الأمر يذهب الي ابعد من ذلك بالنظر الي طبيعة مرتكبي اعمال الإختطاف وطبيعة تكوينها ومواقيتها والدعم والاشراف والاهداف .

نتيجة تزايد الضغوط الدولية تجاه حكومة الخرطوم وصدور قرارت الاممية 1591 , 1593 ومطالبة السلطة بتفكيك مليشيات الجنجويد التي تعمل تحت إشرافها ولها النصيب الاكبر في جرائم القتل والإغتصاب وحرق القري وغيرها من الاعمال المنافية للاعراف الدولية والسماوية ، عندها إتبعت السلطة سياسة التمويه لخداع المجتمع الدولي والمراقبين بحيث اصدار امرا بضم المليشيات في القوات المسلحة واعطي اسم قوات حراس الحدود ومنح رتب عسكرية لقادة المليشيا وتم تخصيص رواتب شهرية مغرية وصل لاكثر من مليون جنيه شهريا لفرد وهذا ما يعادل اكثر من ضعف راتب الجندي في القوات المسلحة ولم تقف السلطة عندها فحسب بل تم تعين القيادات العليا منهم في المناصب الدستورية في الدول علي سبيل المثال السيد موسي هلال حيث اصبح مستشارا لرئيس الجمهورية ، وبهذا المنحي تحول الة الموت في دارفور من مليشيات خارجة عن القانون الي قوات بيدها القانون لإتمام ما تبقي من المسلسل الاجرامي في قتل وترهيب تحت حماية الدستور والقانون واصبحوا يتمتعون بالحصانة العسكرية وتحول المجرم الي حامي القانون في دارفور وحيث اؤكل اليهم حماية معسكرات النازحين ، وإعتقال المواطنين واستجوابهم وتسير دوريات لحماية المدن وغيرها من المهامات التي كانت تديرها الشرطة والجيش والامن ، اذا اصبح مؤسسة الجنجويد هي الاَمر والناهي في ولايات دارفور ولا لاحد الحق في ان يسأل عما يفعولون .

في خضم السلطات الواسعة التي تمارسها وكلاء المؤتمر الوطني من قوات ما يسمي بحرس الحدود في ولايات دارفور برزت علي الساحة قرار المحكمة الجنائية الدولية في الرابع من اذار مارس 2009 امرا بالقبض علي الرئيس السوداني عمر البشير ، وعندها مربط الفرس حيث اصبحت الامر اكثر من مجرد قتل مواطنين عزل او هتك اعراضهم والتستر بثوب السيادة والوطنية وغيرها من الحجج والاباطيل التي لا ثمن من جوع ، بل الامر قد يضع نهاية لرئيس البشير وحزبه والمؤتمرين بامره من مليشيات حرس الحدود ، عند هذه النقطة قررت السلطة استخدام اساليب الترهيب للمجتمع الدولي واولها تم تكوين مجموعة ارهابية اطلقت علي نفسها نسور البشير وسرعان ما بدلوا المسمي الي احرار افريقيا وهي تتألف من اعضاء في مليشيات حرس الحدود وضباط من الاجهزة الامنية المختلفة لادارة العمليات وموظفين أمنين يعملون في مجال الشؤون الانسانية ومهام هذه القوة تكمن في الاتي :

اولا : شل عمل ما تبقي من المنظمات الإنسانية في دارفور بعد قرار طرد 13 منهم اي المنظمات المارقة كما يقولون وذلك بإتباع اساليب الإختطاف للعاملين ، حرق مقاراتهم ، نهب ممتلكاتهم وخطف سياراتهم وحسب الخطة هذه يؤدي الي احراز نتجتين اما ان تعلن المنظمات الإنسحاب من ولايات دارفور لعدم توفر الأمن او ان تأتي المنظمات وتطلب الحماية الكاملة من السلطة وعندها قد دخلوا بيت الطاعة وعلي السلطة ان تقرر من الموظفين مرغوب ومن غير مرغوب وتدريجيا يتم الاحلال والاستبدال حتي تتحول الي خانة السودنة وفي مرحلة ما بعدها يطلب من المنظمات الاجنبية ان تسلم المعونات في مطارات السودانية الي المنظمات التي تحمل اسمها ولكنها تحت اشراف المجموعات الامنية السودانية.

ثانيا: إستهداف قوات اليونميد ان يتم وفق الية مبرمجة وذلك بأستهداف قوات الدول التي لا تساند حكومة الخرطوم في المحافل الدولية او الدول التي تساند المحكمة الجنائية الدولية مثل دولة رواندا ، يوغندا، السنغال وجنوب افريقيا وغيرها بالاضافة الي امكانية إستهداف المستشارين العسكرين التابعين لدول الغربية ان صادف تواجدهم خارج المدن الكبري في ولايات دارفور الثلاثة. وهذا يؤدي الي ارغام الدول المعنية لسحب قواتها او الي تغير لهجتها ومواقفها تجاه السلطة الحاكمة في السودان.

ثالثا: ممارسة كافة اشكاليات الضغط والترويع في معسكرات النازحين ومحيطها لإجبار النازحين لعودة الطوعية .

رابعا : ارسال رسائل قوية اللهجة ممزوجة بالتهديد للدول الغربية ورعياها في السودان لوقف دعم ومساندة الحركات المسلحة في دارفور بالاخص فرنسا ، بالاضافة لكبح ارسال جماعات حقوق الإنسان ومبعوثين دوليين لتحقيق في جرائم اضافية .

بناءا علي النقاط الواردة او يسميه الضالعين في المخطط باسم ” الاركان الاربع ” تم تنفيذ جزء منها وما تبقي اعظم واكثر مكرا من ما نفذ .

وفق البرمجة تم تنفيذ حسب المطلوب في الاركان الاربع علي نحو التالي:

تم حرق مقر منظمات اكسفوم والصليب الاحمر الدولي ومنظمة العون المسيحي النرويجي ومنطمة اطباء بلاحدود في كل من الجنينة والفاشر واردمتا ونيالا ، تزامن ذلك مع إختطاف ثلاثة موظفي اغاثة غربين يعملون لصالح منظمة اطباء بلاحدود MSF فرع بلجيكا في 11 مارس 2009 من منطقة سرف عمرة بولاية شمال دارفور،وتلتها إختطاف شارون كومنز وهلدا كابوكي من منظمة غول الايرلندية Goal Ireland من كتم في ولاية شمال دارفور بتاريخ 3 يوليو 2009 ، ثم إختطاف موظفتي اغاثة ضمن طاقم منظمة المساعدة الطبية العالميةInternational Medical Aid من منطقة عد الفرسان في جنوب دارفور ، وتوالت المسلسل بإختطاف ثلاثة فرنسين يعملون لمنظمة اطباء بلاحدود من قبل التنطيم الارهابي صقور احرار افريقيا في شهر اغسطس 2009 ولاحقا تم إختطاف الفرنسي غوتيبة لوفيغر في 21 اكتوبر علي بعد بضع اميال من عاصمة ولاية غرب دارفور الجنينة . هذا في ما يتعلق باجبار المنظمات العاملة في الحقل الانساني لوقف اعمالها في مساعدة المتضررين من سياسة الارض المحروقة Scorched Earth Policy، وكانت النتيجة اعلان اغلب المنظمات بسحب عناصرها العاملة خارج المدن الكبري في اقليم دارفور وبل تم ترحيل الموظفين الغربين الي العاصمة الخرطوم ونقص فعاليتها بنسبة اكثر من 50%
ضمن مخطط إستهداف قوات الاممية ( اليونميد ) في دارفور في 10 مارس تعرض دورية لكمين في ولاية غرب دارفور ادي الي جرح 4 جنود وتم الاستيلاء علي ثلاثة سيارات ، وفي 17 مارس 2009 مقتل ضابط في القوة الاممية علي يد المليشات المسلحة في شرق نيالا ، وفي 5 اغسطس قتل ضابط تابع لليونميد امام منزله في مدينة نيالا حاضرة ولاية جنوب دارفور ، وفي 12 اكتوبر اصيب جندي سنغالي بجروح خطيرة في منطقة كتم شمال دارفور ، وفي 29 سبتمبر جرح جندي رواندي وسرقة عربته في كمين وقع علي بعد كيلومتر من مدينة الجنينة وفي نفس اليوم تم إختطاف اثنين من الموطفين المدنين في اليونميد من مقر عملهم في زالنجي ، 17 اكتوبر اصيب ثلاثة من افراد شرطة اليونميد بجروح خطيرة وتم إختطاف سيارتهم في منطقة فبو في جنوب دارفور واخيرا وليس اخر تم تتويجها بقتل خمسة من الجنود الرواندين في كل من سرف عمرة وشنقل طوباي بولاية شمال دارفور في الرابع والخامس من شهر ديسمبر 2009 ان هذا العمل الاجرامي المخطط من قبل الدولة ومليشياتها المتعاونة قد إستهدف جنود الدول الغير الصديقة لحكومة الخرطوم وفي نفس الوقت تعالت اصوات النافذين في السلطة بضرورة مغادرة القوات الاممية من دارفور .
اما بشأن الضغط علي النازحين قد تم عمليات تصفيات جسدية لمشايخ وممثلي النازحين في كل من معسكر ابو شوك ومعسكر زمزم ومعسكر اردمتا. اما قتل الافراد النازحين قد تعدي الي اكثر من 157 فردا منذ صدور مذكرة الجنائية وحالات الاغتصاب المسجلة قد وصل 382 حالة وهناك مئات الحالات لم تدون في سجلات اليونميد والمنظمات نتيجة الخوف من ما تترتب عليها من عقاب من السلطة او نتيجة الخوف من العار والسمعة Cultural Stigma. ونتيجة لعدم توفر الأمن في مخيمات النازحين قرر بعض منهم ترك المعسكرات ونزحوا الي داخل المدن وقطنوا في المساكن المهجورة او عند بعض المعارف من لديه منهم ، والسلطة تهلل بأن النازحين قد عادوا الي قراهم ولكن الحقيقة دون ذلك نزحوا من جحيم الي جحيم اخر.
اشارات التهديد لدول الغربية ، ان إستهداف المنظمات الاغاثة كانت ممنهجة ولفرنسين النصيب الاكبر من العذاب ، لا يخفي عندما هدد ممثل المجموعة الارهابية المسمي بصقور احرار افريقيا بقتل الموظفين الفرنسين وبضرب المصالح الفرنسية في كل من مورتانيا والنيجر وفي الحقيقة هاتين الدولتين قد قدما منها اغلب المليشيات الذين قطنوا في حواكير المشردين والنازحين من اهل دارفور.
بالإشارة لما ورد من سرد يدور تساؤلنا في موقعة هل لحكومة المؤتمر الوطني يد في ما يجري من عمليات إختطاف للعاملين وقتل لجنود اليونميد وسرقة السيارات في دارفور ، وربطا للوقائع في مدي علم ومعرفة مطابخ القرار في الخرطوم بما يجري ، وما صرح به مستشار رئيس السوداني موسي هلال لصحيفة ايريش تايمز الايرلندية Irish Times بعد اطلاق سراح السيدة شارون كومينز ” اننا دفعنا للخاطفين مبلغ 150 الف يورو ” ، واكدها وزيرالدولة للشؤون الإنسانية الجيلاني عبدالقادر خلال زيارتة لجمهورية الايرلندية في ثاني ايام عيد الاضحي المبارك بصحبة قطبي المهدي وزاد علي ذلك بأنهم يعرفون الجناة ويعرفون قبائلهم واين يسكنون وإننا سوف نقدمهم لمحاكمات ولكن يبدو ذلك نوع من المزايدات التي ظلت تطلقها وتمارسها النظام باستخدام الة التضليل اكثر من كونها حقيقة ، ومضي علي الحادثة عدة اشهر ولم نسمع باعتقال احد من المجرمين بل المخزي في الامر ان السلطة قد قدم حوافز مالية في شكل فدية Ransom فوق الحصانة من العقاب رغم معرفتهم التامة لمن ارتكب الجرم وهذا تشجيع من قبل السلطة لإرتكاب مزيد من الجرائم ، وهنالك شبهات تدور حول ابن موسي هلال في ادارة المخطط في منطقة سرف عمرة وكتم وكبكابية في شمال دارفور ، وتصفية الجنود الرواندين قد وقع في محيط تلك الدائرة ، اليس محق من قال ايادي السلطة وراء الاحدث ، بعيدا عن دموع التماسيح وذر الرماد في العيون.

نواصل

ادريس محمود [email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *