بقلم شريف ذهب
هل سيتفاوض نظام الخرطوم طوعاً مع الجبهة الثورية أم ينتظر عصا المجتمع الدولي ؟؟ 1/2
بقلم/ شريف ذهب
جنون العظمة والمكابرة سمات مشتركة تربط بين أنظمة الحكم المستبدة في كل زمان ومكان منذ عهد النمروز و فرعون موسى إلي عصرنا هذا ، والمتتبع لسيرة وتاريخ هذا النمط من الأنظمة يلحظ أن نهاياتها دوماً تكون على شاكلة واحدة ذات طابع مأساوي مذل لقادتها ورؤسائها .
وهناك مشترك آخر بين هذه الأنظمة هو أنها لا تعي الدروس والعِبر إلا مؤخراً جداً فتسعى للحاق بنفسها ولكن بعد فوات الأوان .
ولا أحسب أنني بحاجة لذكر نماذج منها فهي من المعلوم بالضرورة لكل فرد في عصرنا الراهن يتتبع مسيرة الثورات الشعبية في العالم أجمع والمنطقة العربية على وجه الخصوص.
وفي بلادنا ( السودان ) لا يختلف عاقلان بأنّ النظام الحاكم هناك يمثل أحد أسوأ النماذج لتلك الأنظمة المستبدة ، وأنه يسير حذو النعل في طريق سابقاته من الهالكات .
ولعلّ إدراك رموز النظام لهذه الحقيقة جعلهم يتخبطون في اتخاذ قراراتهم بشأن قضايا البلاد المصيرية ، وهم في ذلك غير بعيدين من رصفائهم في الفهم المتأخر ، وإن شئت قلت ( صلاة يوم القيامة ) حسب المثل الشائع ، وكل ما نشهدها هذه الأيام في تصرفاتهم لا تعدو أن تكون نماذج حية لذلك السلوك .
فبعد كل ذلك الهيجان والحديث عن ( الحشرات ) والقطع والجزم بقفل باب الحوار والتفاوض ، عاد النظام مكرهاً تحت عصا مجلس الأمن الدولي للجلوس لطاولة الحوار مع دولة جنوب السودان ودونما شروط مسبقة تحفظ ماء الوجه من شاكلة البدء بالملف الأمني وخلافها من البنود التي حاول النظام جعلها مدارج في عتبات نزوله القسري عند رغبات الإرادة الدولية .
والرجوع لجادة الصواب وإن أتى تحت الإكراه ، فهو أمر جيد ومحمود ، لأنّ الحوار والتفاوض في نهاية المطاف هما الخيران الأمثل لانهاء مواضع الخلاف بين إطراف التنازع حول أيما قضية تكن.
ولا ندري حتى اللحظة هل سيتعظ نظام المؤتمر الوطني بمآله الحالي فيعلن طوعاً عن رغبة حقيقية في الدخول في حوار جاد مع أطراف التنازع الداخلية المتمثلة في الجبهة الثورية السودانية لحل مشاكل البلاد الداخلية في توازي مع قضية الجنوب ، أم سينتظر عصا المجتمع الدولي لينصاع لهذه الخطوة كذلك ، لا سيما وأنّ موضوع الحوار مع الحركة الشعبية ( شمال ) وبالتالي الجبهة الثورية السودانية مُشار إليه في قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2046 الذي بموجبه قام النظام بسحب جيشه وشرطته من منطقة ( أبيي ) وعاد للجلوس لطاولة الحوار مع دولة الجنوب .
وبخصوص موضوع الحوار مع الجبهة الثورية السودانية ، فالواضح حتى اللحظة أن النظام ماضٍ في اتجاه تكرار تجاربه الفاشلة السابقة في تجزئة حلول القضايا المصيرية للبلاد وتناولها بشكل منفرد فيما يشبه التخدير الآني بحيث لم تلبث أن تتفجر وتتعقد بشكل أسوأ عن ذي قبل يستصعب حلها ، ولدينا عدة نماذج من تلك التجارب الفاشلة بدئاً بنموذج التجمع الوطني الديمقراطي الذي كان يشكل وعاءاً جامعاً لكافة عناصر المعارضة السودانية ، و كانت الحركة الشعبية ضمن مكوناته الأساسية وكذلك المقاومة الدارفورية التي كان يمثلها ( التحالف الفيدرالي الديمقراطي ) بقيادة الأستاذ أحمد إبراهيم دريج والدكتور شريف حرير ، فضلاً عن قضية الشرق التي كان يمثلها جبهة الشرق ، هذا بجانب الأحزاب الرئيسية في البلاد .
وعوضاً عن أن ينتهز النظام تلك السانحة ويدخل في حوارٍ شامل جاد مع هذا التكتل الفريد الذي كان يحوي كل فرقاء القضية السودانية ، آثر بكل أسف سلوك نهج التجزئة ، فقام بفصل قضية الجنوب عنها عبر نيفاشا لينتهي المآل بالجنوب نحول الانفصال ، تلا ذلك الاستفراد ببقية عناصر التجمع تباعاً بدئاً بحزب الأمة القومي عبر نداء الوطن ( جيبوتي ) ، ثم الاتحادي الديمقراطي عبر لقاء ( جدة ) بين الميرغني وعلي عثمان ، ثم تلاه الاستفراد بقوات التحالف عبر عملية ( دبي ) الشهيرة مع قائدها العميد عبد العزيز خالد ، ثم دارفور عبر ( أبوجا ) وتوابعها اللا متناهية ، فقضية الشرق عبر اتفاق ( اسمرا ) .
هذا النهج في تجزئة الحلول أدى بقضية الجنوب نحو الانفصال كما أسلفنا ، وأودى بالأحزاب التقليدية نحو التشرذم المخل ، ليس في تحالفاتها البينية فحسب وإنما في نطاق كياناتها الداخلية لينتهي بها المآل تحت رحمة المؤتمر الوطني يحركها كيف شاء كما عليها الآن !!
بيد أنّ أكثر التأثيرات السالبة لهذه الإستراتيجية كانت على صعيد قضية دارفور ، حيث كانت ابوجا إيذاناً ببدء مرحلة التشرذم الحقيقي للمقاومة الدارفورية التي كانت قد دخلت لتلك العملية عبر وفد تفاوضي مشترك لعناصرها المكونة من حركة العدل والمساواة وجناحي حركة التحرير ( عبد الواحد ومني ) .
وقد أدى انفراط ذلك التحالف عقب التوقيع الانفرادي من إحدى جناحي حركة التحرير لوثيقة أبوجا ، إلي انفراط عقد تلك الحركات نحو عدة فصائل بعضها في اتجاه ابوجا والأخرى في الاتجاه المضاد .
تلا ذلك عمل ممنهج من الطرف الحكومي في اتجاه خلخلة صفوف جناح حركة التحرير الموقعة معها على تلك الاتفاقية بغرض إضعافها تمهيداً للتنصل من تلك الاتفاقية ، الأمر الذي دفع الموقعين عليها في نهاية المطاف للعودة للميدان العسكري مجدداً .
وذات السيناريو الباهت الذي قاد للوضع الراهن في البلاد يود النظام إعادة إنتاجه مع تحالف الجبهة الثورية السودانية ، التفافاً على بنود قرار مجلس الأمن الأخير المتعلق بالتفاوض مع هذه الجبهة لحل قضايا البلاد ذات الصلة ، مستخدماً أسلوب تجزئة القضية على أساس مناطقي ، جهوي ، قبلي ، عناصرها دارفور ، النيل الأزرق وجبال النوبة .
وأحد فصول هذا المخطط يتجلى في التحركات الأخيرة لبعض قيادات الحزب القومي السوداني ( القيادة الجماعية ) الذين كانوا قد خرجوا على زعيمهم التاريخي الراحل ( فيليب غبوش ) ، حيث يتم تسويقهم هذه الأيام تحت مسمى ( وفد أبناء النوبة العائد من الولايات المتحدة الأمريكية ) ؟ .
وهذه العملية ليست وليدة اللحظة أو محض صدفة وإنما تم التخطيط والإعداد لها منذ أشهر عديدة نشط فيها عناصر المؤتمر الوطني من أبناء جبال النوبة ، حيث قاموا بعدة جولات مكوكية لعديد من عواصم العالم التقوا خلالها بعدد من الأفراد من أبناء الجبال من بينهم هؤلاء الثلاثة القادمين من أمريكا ، ضمن مخطط من النظام الحاكم يهدف لفصل قضية جبال النوبة عن النيل الأزرق ودارفور وبالتالي الجبهة الثورية والحركة الشعبية ( شمال ) ، في خطوة شبيهة بتجارب النظام السابقة مع قضية الجنوب عبر ما أُطلق عليها ( عملية السلام من الداخل ) ومولودها ( اتفاقية الخرطوم للسلام ) وملحقاتها من ( فشودة ) وغيرها التي أثبتت جميعها فشلها ولم تقد في نهاية الأمر سوى لتقوية الحركة الشعبية ( الأم ) التي عاد النظام للتفاوض معها مجدداً ولكن بشروط أخرى انتهت بفصل الجنوب . وبكل أسف لم يتعظ نظام المؤتمر الوطني من تلك التجربة ويود الآن تكرارها مع الجبهة الثورية السودانية .
وهذا الأمر وان كان يمثل تحدياً كبيراً للجبهة الثورية السودانية لا سيما في ظل بعض التكهنات التي تفيد بأنّ ثمة توجه لدى بعض أقطاب المجتمع الدولي نحو فصل قضية الحركة الشعبية عن دارفور بحيث يتم إلحاق قضية دارفور باتفاقية الدوحة وتعاد قضية الحركة الشعبية إلي نيفاشا تحت بند برتكول المنطقتين ، بما يعني بالضرورة انفراط تحالف الجبهة الثورية .
غير أن ثقتنا في قيادة هذه الجبهة كبيرة في وعيهم التام بخطورة هذا المخطط الذي يرمي فيما يرمي إلي تمييع القضية وبعثرتها عبر خطة النظام الجارية الآن نحو استقطاب بعض الزعامات القبلية وادعاء انسلاخهم عن الحركة الشعبية وانضمامهم للمؤتمر الوطني ومن ثم صناعة زعامات زائفة منهم لمنطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق بالاشتراك مع ما يسمى بالحركة الشعبية ( جناح السلام ) توطئة لإجراء مشورة شعبية زائفة وقفل ملف المنطقتين وكذا الحال لقضية دارفور ، والتفاصيل كثيرة من السهولة بما كان استنتاجها .
وبالتالي فلا تفاوض منفرد خارج إطار الجبهة الثورية ككيان قومي موحد لحل كافة قضايا البلاد وعلى رأسها التحول الديمقراطي . نواصل