ثروت قاسم
1- يوم الجمعة 8 يونيو 2018 ؟
في يوم الجمعة 8 يونيو 2018 ، وقعت واقعة زلزالية في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ، ربما كانت لها تداعياتها غير المباشرة على امر القبض الصادر من محكمة لاهاي ضد الرئيس البشير في مارس 2009 ويوليو 2010 ، في تهم ابادات جماعية ، وجرائم ضد الانسانية ، وجرائم حرب ، يُتهم الرئيس البشير بارتكابها في عامي 2003 و2004 في دارفور .
راينا ان نستعرض هذه الواقعة لمنفعة وتنوير القارئ الكريم ، حتى لا يحاكي اطرش الزفة . ولسبب آخر اهم ، هو ان امر قبض المحكمة ضد الرئيس البشير ، صار الصخرة التي تتكسر عليها عمليات الحوار الوطني الجاد بمستحقاته ، والوفاق الوطني المُستدام ، والسلام العادل الشامل ، والتحول الديمقراطي الكامل . ارغم امر القبض الرئيس البشير لان يكنكش في السلطة ، ويحافظ عليها بكل الوسائل غير المشروعة ، ومنها تكوين ميليشيات الدعم السريع القبلية الذئبية ، وخصيه لعملية الحوار الوطني ، واستنجاده ببوتين واردوغان ، وابتداعه لسياسة المحاور المدمرة للوطن ، والمسيلة للدم السوداني سنبلة .
يفنجط الرئيس البشير شمالاً ويميناً لانه يعرف وحق المعرفة ان الحوار الوطني الجاد بمستحقاته ، سوف يقود لانتخابات حرة ونزيهة وشفافة ، وسوف تقود هذه الانتخابات بدورها للتحول الديمقراطي الكامل ، الذي سوف يستولد حكومة ديمقراطية تحترم القانون الدولي ، فتقوم بإنفاذ امر القبض ، وتسليم الرئيس البشير لمحكمة لاهاي تحت الكلابيش ، فيقضي بقية حياته على بروش سجون لاهاي الباردة ، بدلاً من راحات كافوري وبيت الضيافة .
ومن ثم صيرورة امر القبض الصخرة التي تتكسر عليها عملية الوفاق الوطني ، فصارت رب نافعة ضارة ، وتقدرون فتضحك الاقدار .
2- تداعيات امر القبض ؟
نزعم ، وكله حق ، ان امر القبض وراء كل المشاكل والمحن والاحن التي يمر بها السودان واهل السودان حالياً . امر القبض سبب العقوبات والمقاطعات التي تنهال تداعياتها الثقيلة على راس محمد احمد السوداني ، وتتسبب في الضائقة المعيشية ، وشح الوقود الذي عطل الدورة الزراعية وقاد لمجاعات في الهامش ، واشاع العطش وادي لقفل المشافي في الاطراف بسبب توقف الدوانكي لانعدام الوقود ، وتدهور الجنيه السوداني لاكثر من 3333 ضعف قيمته مقابل الدولار قبل انقلاب الانقاذ … وغير ذلك من كوارث بسبب العقوبات والمقاطعات ، التي سببها امر القبض ، وحصرياً امر القبض .
صار امر القبض الفيل في الغرفة ، الذي يجنب الرئيس البشير السودانيين رؤيته ، بواسطة آلته الاعلامية الجبارة ، التي تزور الحقائق ، وتشوه الوعي الجمعي للسودانيين ، وتصور محكمة لاهاي على انها محكمة امبريالية ضد الافارقة .
لا نلقي القول على عواهنه بتوكيد مسئولية امر القبض في كوارث السودان الحالية ، ولا نتكلم من فراغ ، بل نتوكاً على حقائق صلدة ، نوجز بعضاً منها في النقاط التالية ، مثالاً وليس حصراً :
اولاً :
ترفض الادارات الامريكية المتعاقبة رفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للارهاب ، وعدم التطبيع مع حكومة البشير ، وعدم ارجاع السفير الامريكي للخرطوم ، ورفض المسئولين الامريكان والاوربيين مقابلة الرئيس البشير ، ورفض البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونادي باريس التعامل مع السودان … هذه وتلك وغيرهما بسبب واحد لا ثان له ، وهو ان رئيس الدولة السودانية هارب من العدالة الدولية .
ثانيا :
+ بسبب امر قبض الرئيس البشير ، يرفض نادي باريس شطب الدين الخارجي الذي تجاوزت قيمته ال 55 مليار دولار ، كما تم شطبه لدول الهايبك اي الدول الفقيرة الكثيرة المديونية
Highly- indebted poor countries HIPC
ثالثاً :
+ لا تزال عقوبات الكونغرس الامريكي في اطار قانون سلام دارفور سارية ، الامر الذي يمنع التطبيع بين واشنطون والخرطوم … والسبب لان الرئيس البشير مطلوب للعدالة الدولية في ملف دارفور .
رابعاً :
+ لا يزال السودان محروما من الهبات والمنح والمساعدات بما يتجاوز 350 مليون دولار كل سنة في اطار اتفاقية كوتونو ، بسبب عدم تسليم حكومة السودان الرئيس البشير لمحكمة الجنايات الدولية .
خامساً:
يشعر السودانيون بالعار والخزي كون رئيس دولتهم محرم عليه السفر لاي بلد به قضاء مستقل ، وصوره في ارشيفات مراكز شرطة الحدود الدولية والمطارات والمواني كهارب من العدالة الدولية ، ومطلوب القبض عليه . اخطرت الاردن وجنوب افريقيا وكينيا ويوغندة وموريتانيا الرئيس البشير انه ربما تعرض لما لا تُحمد عقباه اذا فكر في زيارة اي من هذه البلاد ، نتيجة لتداعيات زياراته السابقة لهذه الدول .
اعلاه غيض من فيض المقاطعات والعقوبات والزعازع ، التي يسببها امر قبض الرئيس البشير للسودان واهل السودان ؟
ناتي بعد هذه المقدمة الطويلة ، لاستعراض ما حدث يوم الجمعة 8 يونيو 2018 ؟
3- جان بيير بمبا ؟
جان بيير بمبا ، وما ادراك من هو ؟
في يوم الجمعة 8 يونيو 2018 ، حكمت محكمة الاستئناف في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي ببراءة جان بيير بمبا ، واطلاق سراحه ، بعد استنفاد بعض الاجراءات البيروقراطية ، بعد ان حكمت عليه المحكمة الاولية في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي في جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب ، ب 18 سنة سجناً في عام 2008 ، امضى منها 10 سنوات في سجون لاهاي .
ولكن من هو جان بيير بمبا وماهي قصته ، وعلاقته بالرئيس البشير ، وهل تعني براءته ، براءة الرئيس البشير وشطب امر قبضه ؟
دعنا نبدأ من طقطق .
نحن الان في عام 2002 . وقتها كان السيد بمبا واحد من اربعة نواب لرئيس جمهورية الكنغو الديمقراطية . استجاب السيد بمبا لطلب رئيس جمهورية افريقيا الوسطى فيلكس بوتاسي ، وارسل 1500 مقاتلاً من ميليشياته الخاصة ، لتساعد رئيس جمهورية افريقيا الوسطي في الحرب الاهلية المندلعة في بلده . بقيت ميليشيات السيد بمبا الكنغولية في جمهورية افريقيا الوسطى لمدة 5 شهور من اكتوبر 2002 وحتى مارس 2003 .
في ابريل 2003 ، فتحت حكومة جمهورية افريقيا الوسطى التي تلت حكومة فيلكس بوتاسي بلاغات جنائية لدي محكمة الجنايات الدولية في لاهاي متهمة ميليشات السيد بمبا بارتكاب جرائم ضد الانسانية وجرائم حرب واغتصابات جماعية في جمهورية افريقيا الوسطى .
بعد التحري لمدة 5 سنوات وسماع 5300 شاهد ، اصدرت محكمة الجنايات الدولية امر قبض ضد السيد بمبا في يوم الجمعة 23 مايو 2008 ، حوالي عشرة شهور قبل صدور امر قبض الرئيس البشير .
في يوم السبت 24 مايو 2008 ، القت السلطات البلجيكية القبض على السيد بمبا في بروكسل ، وسلمته لمحكمة الجنايات الدولية في نفس اليوم . في المقابل ، لم يتم القبض على الرئيس البشير خلال التسعة سنوات التي تلت صدور امر القبض .
في يوم الثلاثاء 21 يونيو 2016 ، وبعد محاكمة استمرت 8 سنوات ، حكمت محكمة الجنايات الدولية على السيد بمبا ب 18 سنة سجناً ، رغم ان السيد بمبا لم يكن مع ميليشياته في جمهورية افريقيا الوسطى ، من اكتوبر 2002 وحتى رجوعهم للكنغو في مارس 2003 ، وبقي في جمهورية الكنغو الديمقراطية طول وقت بقاء ميليشياته في جمهورية افريقيا الوسطى . بررت المحكمة قرارها ادانة السيد بمبا بمسئولية القائد ، لان السيد بمبا كان بامكانه وهو في الكنغو ردع ميليشياته ، وهي في جمهورية افريقيا الوسطى ، من العنف المفرط ، ولكنه لم يفعل .
مسئولية القائد هي البند الذي سوف تتم بموجبه محاكمة الرئيس البشير ، اذا تم القبض عليه ، لان الرئيس البشير ، كما السيد بمبا ، لم يكن مشاركاً بشخصه في ابادات الجنجويد الجماعية في دارفور خلال عامي 2003 و2004 ، وبقي في الخرطوم طول الوقت .
4- عبدالهادي شلوف ؟
الاستاذ الدكتور عبدالهادي شلوف الليبي – الفرنسي هو المحامي المسئول عن ملف دارفور لدى محكمة الجنايات الدولية .
كتب صاحبكم للاستاذ شلوف متسائلاً عن :
واحد :
تداعيات الحكم ببراءة السيد بمبا على ملف الرئيس البشير ؟
اتنين :
قال :
امام الرئيس البشير خياران لتجنب الملاحقة المسيئة له وللبلاد:
+ الأول أن يبرم السودانيون اتفاقاً حول هذا الموضوع يجيزه مجلس الأمن ، ويتحول ملف دارفور من محكمة الجنايات الدولية الى مجلس الامن ، وتصير القضية سياسية بدلاً من جنائية ، ويتم شطب امر القبض .
+ الخيار الثاني أن يفعل الرئيس البشير ما فعله الرئيس الكيني اوهورو كينياتا في موقف مماثل ، وهو الاستقالة ومواجهة المحكمة في لاهاي.
برر رئيس كينيا خطوته بالقول :
“فعلتُ ذلك لأجنب بلادي العقوبات غير المباشرة التي تقع عليها عندما يكون رئيسها ملاحقاً جنائياً”.
للاسف ، لم يتدبر الرئيس البشير فعلة رئيس كينيا التي انتهت باطلاق سراحه ، وإطلاق سراح بلده كينيا . لا يزال الرئيس البشير مطارداً ، ومعه بلاد السودان كرهينة وساتر .
السؤال هو : هل الخيار الاول المذكور اعلاه صحيح ، لان السيد اوكامبو قد صرح بان امر القبض لا يمكن شطبه ، وكل ما يستطيع مجلس الامن فعله هو تجميد امر القبض كل سنة حتى ياخذ صاحب الوديعة وديعته .
سوف انور القراء الكرام بمجرد ان استلم رد الاستاذ شلوف على رسالتي .