تراسيم
عبدالباقي الظافر
قبل سنوات ارتدي الفريق صلاح قوش (لبس خمسة) وكان وقتها يراس جهاز الامن.. خطب قوش وتوعد بتقطيع اوصال المعارضين واكد وقوفهم من وراء الرئيس البشير.. تلك كانت ايام الحماسة والولاء الاعمى البائنة في كبد السماء.
لكن الامر تغير في مؤتمر صلاح قوش ليلة البارحة.. التغيير الذي سنتعرض ملامحه جاء نتيجة قراءة تستتد لمعلومات ربما لا تكون متوفرة لكل الناس..جاء قوش في كامل لباسه المدني الانيق وفي ذلك قراءة..كان واضحا في بذل المعلومات حيث لم يعد بحل قريب.. الحل النهائي للسيولة ابريل من العام القادم .. عائد نفط الجنوب لا يساوى ثمن باخرة جازولين.. كما اتهم التجار بالجشع وجني الارباح ..في هذه كان الرجل يتحدث وفي خاطره حربه على القطط السمان التي خسرها بفصل مراكز قوى في الدولة لا ترغب في مواجهة الفساد.
الاهم من ذلك تسديده لانتقادات لاذعة للجهاز التنفيذي الذي فشل في ايصال الدقيق لاتبرة بسبب نقص الوقود.. الشاحنات في الصف والناس تعاني..بل ابرز دور جهاز الامن في مراقبة الافران وهو دور يخصم من عمل الجهاز المفترض يكون متخصصا في جمع المعلومات لا ترتيب صفوف الخبز.. بل وصل الامر حد الاستغراب من توراي الجهاز التنفيذي عن الانظار خلال الأزمة الصعبة جدا.
لكن الاهم من كل ذلك هو ترحيب قوش بالمظاهرات السلمية وإيجاد المبررات لها وهو موقف جديد (لنج) لان قانون الانقاذ القمعي يعتبر اي تجمع من اكثر من ثلاث افراد عملا غير قانوني ان لم يصرح له مسبقا..كما برأ الرجل ساحة قواته من قتل المدنيين وقال ان مهمة حفظ الامن تقع على عاتق الشرطة وان الامن لا يتدخل الا بطلب منها وفي الاحوال العادية يحدث غير ذلك بالضبط باعتبار ان يد الجهاز هى العليا بين اجهزة القمع الانقاذية.
في مجمل القول كان قوش هادئا ولم يذكر عهدا ولا ولاء للسيد رئيس الجمهورية ولم يتوعد باراقة كل الدماء.. قراءة هذا الخطاب مقرونا ببيان الفريق حميدتي الذي اعلن ان قمع التظاهرات المدنية ليست من اختصاص قوات الدعم السريع ثم بعد ذلك كله صمت القوات المسلحة يفيد ان المشير البشير بات وحيدا وان الغرف المغلقة تشهد نقاشا جادا حول ترتيبات استثنائية خاصة اذا ما احتفظ الشارع بزخم الحراك وتم فتح باب للمفاوضات السرية بين الشارع ورجال حول الرئيس كما حدث في اكتوبر ١٩٦٤ أبريل ١٩٨٥..السياسة هى فن الممكن وتحييد الخصوم.