نيانكول مثيانق دوت

نيانكول مثيانق دوت: ” قمة ومكانها في بيت الفن باقٍ سامٍ رغم رحيلها”(نشرته جريدة المصير قبل أيام)
بقلم:شول طون ملوال بورجوك
يومُ الأحد الماضي الثالث والعشرين من شهر سبتمبر فاجأتْ يدُ المنون الأمة الجنوبية بخبرٍ أليمٍ حين غيَّبت بغتة بلبلتها الصداحة وإحدي عمالقة فنها و أماً لمبدعيها و قمة من قمم فنها الأستاذة نيانكول مثيانق دوت.. صحيح أن الأحزان والمصائب تختار أحياناً ألا تهبط علينا فرادي فبينما غطت سحابة حزن أليم سماء الكل بأرضنا في ذلك اليوم والأيام التالية وبينما كان الكل هكذا كنّا نقاسي ونعيش حزناً أخر مثيلاً وهو فقد عزيز وصديق لي ابناً له ولنا فكان علينا أزاء هذا الموقف القيام بواجب العزاء والذهاب خارجاً بعيداً ألي حيث وأروا جثمان فقيدنا الثري، ذهبنا الي مكان لايزال جزءاً و بقيةً باقيةً من مجاهل افريقيا التي تحدث عنها الغرباء الوافدون اليها منذ زمان ولي.. كنّا متوغلين بعيداً ،كما أسلفنا،عن دنيا تكنولوجيا والإتصالات بإحدي بوماتنا بولايات شمال بحر الغزال التي لم تصلها بعد كلمة “ألو معي منو ” ولذا لم نسمع خبر وفاة العزيزة نيانكول لاحظة إذاعته للجمهور في أنحاء البلاد لأول مرة.. للأسف الشديد كان الخبر أول كلمة أسمعها من أفواه أهل مدينة كحديث الساعة لحظة عودتي اليها من هناك فأصبح حقيقة غمي في فؤادي غمين…
وقع خبر رحيلِها علي آذاننا وقوع الصاعقة فنيانكول كانت مطربة يعشق فنها الكثيرون لما كانت تقدمه طيلة حياتها الفنية من فن رفيع ملتزم علي كل الأصعدة والمجالات الغنائية من أغاني عاطفة الي ملاهم وطنية تحمل هموم الوطن وأشواق إنسانه ،لاسيما أناشيدها خلال حقبة نضالنا قبل إعلان الاستقلال وما تبقي منها من جزئيات أبيي وكافياقنجي وفانطو…الخ وعلي الصعيد الشخصي أيضاً لي ومنذ صغري مع الراحلة ذكري باقية في وجداني وستبقي هناك الي أن يعلن من بيده ختام الأعمار والآجال رحيلنا من هذه الديار المؤقتة … ففي أبريل عام 1978 كان سماعي لصوتها أول مرة وهي تغني عبر أثير راديو جوبا أيام الحكم الذاتي للاقليمي ولربما كانت المرة الاولي في حياتي
أستمع الي صوت مطربة جنوبية دينكاوية تغني علي أنغام موسيقي حديثة وبلغة أمها ، يا له من صوت آخاذ،كله روعة ويا لها من لحظة جميلة !!!.
كان المكان قرية ملوال قاوث معقل أولاد شينق نياجاني إحدي عشائر نوير قاجاك و الواقعة بين منطقة جكو الجنوبية ومدينة كوانج لوال طوان ( الإسم الحقيقي لمدينة الناصر) شرقي ولاية أعالي النيل ،الزمان الساعة السابعة مساءاً،سمعت وهي تقول بلغة الدينكا :
“يا لويل باي : باي فاندا”..أي :إني أقول في البلد ،إني أقول في بلدنا ….الخ وأراد القدر ألا أشاهد تريزة أمامي وهي علي الطبيعة تردد نفس الأغنية إلا بعد مضي حوالي 17 عاماً من عمر الزمان أي من عام 1978حتي عام 1995 بقصر الشباب والاطفال بالخرطوم اذ تشرفنا حينه بحضور اليوم الختامي لأسبوع ثقافي أقامته إحدي روابط شباب الدينكا حينذاك.. وإن تغنت نيانكول بوطنياتها الملهمة منذ عهد مَنْ ربما حسبهم جيلُ الشبابِ الحاليين ؛ بالدناصير فقد غرستْ أيضاً بأناشيدها الوطنية في وجدان الجيل الجديد (جيل العاصفير) روح الوطن و قيَّم الانتماء إليه !!!.. فمن منّا لم يسمع مثلاً: كير ميارديت/ دينق ألور/إدوارد لينو/ / فرانسيس مدينق دينق/فيينق دينق مجوك!……. أبيي دونقوي كادا ؟، أي أنها فيها تتسأل مستفسرة من هؤلاء وغيرهم من هم قادة جنوبيون عموماً وقادة منطقة أبيي خصوصاً، عن معضلة أبيي وكيف تركوها خلفهم بلا حل ؟..ولها أيضاً عن أبيي أغنية “فاندون اشاكا كوج لوي أبه وا ضال وادانق .”أي بلدكم أهملتم في مصيره ,أكيد سيتعصي عليكم حله مستقبلاً..,أشكر الله كثيراً أن ترك الراحلة لبعض الوقت لتشاهد بعينيها شعبها بوطنها الكبير وقد تحرر مؤخراً من ظلم أؤلئك وشهدت أيضاً؛للأسف؛ أعقد مرحلة من مراحل تعقيدات مشكلة أبيي..رسالتنا للراحلة تريزة ، لو في مقدورنا تبليغها لها ،هي :” رحلت أَّيتها العزيزة عّنا تلبية لسنة الحياة الدنيا التي حتمنا فيها الفناء الجسدي المؤكد ولكن أبداً تظل صحائف كل من قدموا عطاءاً لأممهم مقرؤة مساهماتهم الخالدة ،قمْتِ بما عليك تجاه تحرير وطنك فلئن فقدناك الآن وفقدنا من قبل أجدادنا الاوفياء والزعيم قرنق ورفاقه وفقد أهديتمونا بكدكم وطناً سننعم نحن واللاحقون بعدنا بخيراته ولذا ستبقون في وجدان هذا الشعب الي ابد الدهور”..
ويا شباب فن اليوم ويوم الغد وعلي مختلف إثنياتكم وخلفياتكم لتعلموا أن نياكول و زميلاتها/زملاؤها جنوبيات /جنوبيين أخرين لم يجدوا في زمانهم أبواب الفن مرحِّبة مفتوحة بل دخلوها عنوةَ بكدهم واجتهادهم ومثابرتهم إبان حقبة كانت وسائط الإعلام وقنوات الإلتقاء بالجمهور في يد من لم يرد سماع العالم صوتنا سياسياً وثقافياً فلم يكن الوصول الي جمهور الطرب والفن لاسيما الجنوبيين أمراً سهّلاً أيضاً…
ألا رحم الله ماما تريزة وأمد بلادنا من بعدها بأمثالها حفاظاً علي تواصل الأجيال وديمومة العطاء…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *