نيالا في العشر الأو اخر من رمضان طاسة سخنة وطاسة باردة
الحركة بعد الإفطار تعود إلي قلب المدينة بالرعب والذعر
” عندما خرجت الي السوق بعد صلاة التراويح انشرح صدري لرؤية ازدحام الناس في الشوارع, برغم انفلات الأمن واعلان حالة الطوارئ, شعرت أن نيالا عادت عشر سنوات الي الخلف” قالت فاطمة. ج التي تسكن في حي السينما الهادئ وسط العاصمة جنوب دارفور نيالا لدي وصفها الأيام العشر الأواخر من شهر رمضان, وتتابع: ” هذا العام تبدو الحركة في الأسواق بعد الإفطار أفضل بكثير من العام الماضي, رمضان الماضي كانت الأجواء مكهربة”.
لكن الحركة بعد التراويح وسط المدينة لم تبدأ بالنشاط إلا بعد اليوم الخامس عشر من رمضان, قبلها كانت المدينة تخلو الي سكون مرعب علي وقع أحداث القتل والخطف والسطو والنهب وأصوات الذخائر من كل اتجاهات من قبل مليشيات النظام ومجهولي الهوية. وتقول فاطمة. ج( 45 عاما) ” صوت الذخيرة لم يتوقف بل اشتد لكن الناس صار لديها قناعة بأن الفوضي طويلة, وعليهم متابعة حياتهم”.
في الساعة التي تلي الإفطار وبينما شغل فيها الناس أخبار القتل والخطف والنهب وأصوات الذخائرفي أحياء المدينة, هناك من ينصرف لمتابعة المسلسلات بينما تخرج ربات البيوت والنساء الدارفوريات الي المساجد القريبة للمشاركة في صلاة التراويح, في طقوس اعتاد عليها الدارفوريون في رمضان, وانحسرت خلال العام الماضي لتعود وبقوة هذا العام, فبينما تكون الشوارع معتمة والأسواق ما تزال مغلقة, تسمع خطوات أفواج النساء تحث الخطي علي الأرصفة مجتازة الحواجز بينما المليشيات في حالة استرخاء, قبل عودة الحركة بعد انتهاء الصلاة. فنيالا ساعة الإفطار ليس بعدها لا سيما في أسواق( سوق الجنوبي وسوق الكبير…) وفي مقاهي الأحياء الراقية وغيرها من مناطق تقع تحت سيطرة المليشيات, وتحولت الي شبه محميات اَمنة في محيط ملتهب, لا تخشي إلا من ذخائر طائشة تتساقط هنا وهناك فتنشر الرعب أو قتل مواطن أعزل, حتي هذه لم يعد أحد من سكان المدينة حاليا يعبأ بها.
” الأعمار بيد الله” قناعة يتحلي بها الدارفوريون للتغلب علي الخوف والرعب, لكن منظر الناس والأغاني الريفية الممجدة للنظام القريبة من أمانة الولاية في مقاهي مليشيات النظام” مستفزة لمشاعر المنكوبين” يقول احمد . ص طالب الجامعة النازح من مدينة كأس الي نيالا: ” مررت أول من أمس في حي الجمهورية كانت المقاهي مكتظة بالناس يدخنون الشيشة ويتابعون المسلسلات, والجنجويد في السيارات يرفعون صوت أغاني علي الديك وكأن شيئا لا يجري في الطرف الاَخر من المدينة, حيث تسقط حمم البنادق وتحصد أرواح الناس في المدينة, تحيلت نفسي في الحي الموالي للنظام في كافوري الذين يحتفلون بالابادة الجماعية في دارفور وجبال النوبة” ويتابع أن بيت جده في حي الجمهورية الذي يعد من أرقي أحياء نيالا بات اليوم أقرب الي حي شعبي عشوائي في أطراف المدينة, بعدما هاجر معظم سكان الحي من الأثرياء والموظفين, وبقي الجنجويد والموالون للنظام من يري تلك الأحياء يقول: ان دارفور بخير وان شيئا لم يحصل”.
إلا أن فاطمة. ج السيدة الدارفورية تفسر حالة الانفصام التي تعيشها علي الضد مما قال أحمد. ص فهي تري أن الحركة بعد الإفطار تعود الي أيام العشر الأواخر من رمضان عادة تشهد حركة عادية لاقتراب العيد, كما أنها لا تقتصر علي الأحياء الراقية, بل معظم الأحياء الهادئة, أنها رغبة بالعيش ومقاومة للقلق والموت. وتشير فاطمة الي ان الحركة هي كذلك في الأسواق التقليدية بالمخيمات كالكلما والعطاش. إلا أنها تستدرك بالقول: ” نعم هناك تواجد للناس في الشوارع لكن ليس هناك حركة شراء في السوق, فالأسعار كاوية, الناس تخرج للترويح عن النفس وتنسم الهواء الرطب”.
أحد تجار الالبسة في سوق الجنوبي يؤكد ما قالته فاطمة بأن حركة الشراء تراجعت كثيرا هذا العام عن الأعوام السابقة, فعدا اختفاء السوق للبضائع الجديدة من الملابس, الأسعار مرتفعة جدا بسبب تكاليف النقل وفقد الجنيه السوداني قيمتها, وكذلك كان رأي بائع الحلويات الذي اقتصر انتاجه علي عدة أصناف, الأقل كلفة, فالمواد الغذائية باتت باهظة الثمن, وكثير من الزبائن قللوا الكميات التي كانوا يأخذونها بالعادة, والغالبية من المارة ينظرون الي الواجهة ويمضون دون شراء.
” هناك أمر غير طبيعي… أن تعود الحياة طبيعية أمر غير طبيعي في بلد يحترق” قالت سارة. م ( 25 عاما) معبرة عن دهشتها من ازدحام السيارات في الساعة الحادية عشرة ليلا في شوارع نيالا, هزت رأسها. وضحكت قبل أن تقوم للوجوم.. هذا حالنا هنا في” طاسة باردة, وطاسة سخنة” الطاسة الباردة رمضان وقدوم العيد والساخنة الدمار والقتل والنهب وارتفاع الأسعار.
احمد قارديا خميس