إجماع محلي على إيقافه… وتداعيات غير محسوبة
نفط جنوب السودان: كبرياء وطني!
بالنسبة للأجانب، تبدو الخطوة انتحاريةً ووصفةً لتدمير الاقتصاد وربما العودة إلى الحرب. لكن على شوارع جوبا، عاصمة جنوب السودان، أدى قرار وقف تدفق النفط من الآبار التي تنتج 98 في المئة من عائدات الحكومة، إلى تعبيرات عن التحدي والكبرياء الوطني، حيث يقول سائق الشاحنة نيميري توماس (30 عاماً) ووجهه يتصبب عرقاً في سوق كونيو كونيو في جوبا: “لقد تم وقف تدفق النفط لأنه نفطنا، ونحن نريد حقوقنا”.
وقد أقدم جنوب السودان الذي يعتبر من أفقر بلدان العالم، على اتخاذ هذه الخطوة الشهر الماضي ضمن نزاع متصاعد مع الجار الشمالي السودان، والذي انفصل عنه في يوليو الماضي. وقد أخذ معه حوالي ثلاثة أرباع الاحتياطات النفطية للبلد الأم بعد الانفصال، غير أن الطريق الوحيد إلى الأسواق الدولية هو خط أنابيب يمر عبر السودان.
ومنذ الانفصال، استمر البلدان في التشاجر حول مواضيع تشمل الحدود ورسوم العبور التي يفرضها السودان مقابل وصول نفط “الجنوب” إلى السوق. غير أن قرار جنوب السودان وقف تدفق النفط يضر على نحو خطير باقتصادي البلدين ويثير المخاوف من تجدد القتال في وقت أخذ يتحدث فيه كلا الرئيسين عن الحرب صراحة.
غير أنه لا شيء من ذلك يثبط العزائم أو يعكر المزاج في جوبا، حيث يتحدث الجميع، من الوزراء إلى المواطنين والجنود، عن استعدادهم لتحمل ما يلزم من أجل كسر شريان الحياة الاقتصادي عبر السودان. ويقولون إنهم قاوموا وصمدوا خلال حرب أهلية مع الشمال استمرت 22 سنة، وإنهم مستعدون للتضحية والمعاناة من جديد من أجل ما يعتبرونه نصيبهم الشرعي من الثروة النفطية. وفي هذا السياق، يشدد باجان أموم، كبير المفاوضين الجنوبيين حول النزاع النفطي، وعيناه تلمعان، على أن البلد موحد ومتماسك، إذ يقول: “إن السودانيين الجنوبيين سيلتفون حول حكومتهم، وسيخرج جنوب السودان دولة قوية في هذه المنطقة باقتصاد قوي”.
غير أن الخبراء الأجانب غير واثقين من ذلك ويحذرون من أنه عندما يبدأ الإغلاق في إعطاء مفعوله، فإن الحياة ستزداد بؤساً وشقاءً في بلد يعيش نصف سكانه في الفقر ويعاني ثلاثة أرباعه من الأمية. كما أن هناك قلقاً بشأن إمكانية ألا يعود الجنوبيون قادرين على تحمل كلفة الرسوم المدرسية بالنسبة للأعداد الصغيرة من الأطفال الذين يلهون في الطرق الترابية في طريقهم إلى فصول الدراسة. هذا علاوة على أن توفير الطعام والدواء سيغدو أكثر صعوبة. وفي هذا السياق، يقول أليكس فاينز، المحلل في مركز الدراسات والبحوث اللندني “تشاتام هاوس”، إن الشمال والجنوب سيحدقان النظر في الهاوية ثم سيعقدان اتفاقاً في النهاية، “لكن هناك خطر أن تؤدي سياسة حافة الهاوية إلى أعمال عدائية غير مقصودة”.
الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى بلدان مثل بريطانيا والصين المتعطشة للنفط، والتي تستورد نحو 6 في المئة من نفطها من جنوب السودان، يحاولون رعاية تسوية بين الجانبين. وينصب التركيز بشكل خاص على تحديد سعر عبور متفق عليه لشحن النفط من جنوب السودان عبر خط أنابيب الشمال. غير أن ذلك مازال متعذراً حتى الآن، حيث انهارت المحادثات الشهر الماضي بعد أن استولت الخرطوم على سفن محملة بنفط جنوب السودان، مصادرة ما قيمته 850 مليون دولار لتغطي مطالبتها بـ 36 دولاراً عن كل برميل نفط كرسوم عبور. غير أن جنوب السودان، الذي عبر عن استعداده لدفع دولار واحد عن كل برميل (وهو ما يعد قريباً من المعايير العالمية) وصف عمليات المصادرة بالسرقة.
والجدير بالذكر هنا أن البلدين وقعا على اتفاقية عدم الاعتداء في العاشر من فبراير الماضي، اتفاقية يفترض أن تحافظ على السلام إلى حين التوصل إلى تسوية أوسع. إلا أنها سرعان ما نقضت في غضون ساعات.
وفي هذه الأثناء، تختلف التقديرات بشأن المدة التي يمكن أن تدوم فيها الاحتياطيات النقدية للحكومة، من بضعة أشهر إلى نصف سنة ربما، في وقت يَعد فيه المسؤولون الحكوميون بإيلاء الأولوية للصحة والتعليم والجيش بـواسطة 2 في المئة من عائداتها المتبقية. كما تقول الحكومة إن لديها مخططات طموحة طويلة المدى من أجل التغلب على الأزمة، مخططات تشمل إنشاء خط أنابيب بديل عبر جيبوتي أو كينيا (تقدر تكلفته بـ3 مليارات على الأقل ويتوقع أن يستغرق بناؤه عدة سنوات)، وبناء مصافيها الخاصة بها، وتطوير الزراعة، وتقليص الهدر الحكومي، وخفض فترة الخدمة المدنية، وفرض مزيد من الضرائب.
ريك ريث، وهو جندي في السادسة والعشرين من عمره مفعم بروح التحدي التي تميز بلده، أصبح مقاتلاً ضد الشماليين عندما كان في العاشرة من عمره، واليوم لديه بذلة جديدة وحذاءان عسكريان ملمعين، وراتب جندي يعادل 215 دولاراً في الشهر.
الحرب الأهلية الطويلة قتلت أكثر من مليوني شخص، وأثَّرت نفسياً في الناجين، وتركت جزءاً كبيراً من جنوب السودان في حالة دمار. وكانت اتفاقية سلام تم التوصل إليها في 2005 قد وضعت البلاد على طريق الاستقلال، لكن العديد من الأسئلة ظلت بدون أجوبة. ومع ذلك، أجري استفتاء حول الاستقلال في يناير 2011 وتم الانفصال بعد ذلك ببضعة أشهر.
ويعتمد البلد الجديد على منظمات المساعدات الدولية التي تدير مستشفياته ومدارسه القليلة. وقد ساهمت الولايات المتحدة بـ400 مليون دولار العام الماضي. كما أنفق صندوق دولي 500 مليون دولار من أصل ملياري دولار وعد بها الجنوب. غير أن أمله الاقتصادي الرئيسي هو النفط، الذي يقع معظمه بالقرب من خط التقسيم الذي يفصل بين الخصمين اللدودين.
روبين ديكسون – جوبا، جنوب السودان
ينشر بترتيب خاص مع خدمة “إم. سي. تي. إنترناشيونال”